أحياءٌ عند ربهم
موقع أنصار الله || مقالات || دينا الرميمة
ثمة مقاماتٌ أجدُني أمامَها عاجزةً عن الولوج إليها والدخول إلى محرابها والتعبير عن أصحابها!، فعظمتُهم أبلغُ من تستوعبها الكلمات وأكبر من تصفها خيالات كاتب مهما تفنّن في صياغتها وتنميقها..
هي المرة الأولى وفي الذكرى السنوية التي قرّرت أن أطلق لخيالي العنان للتحليق في رحاب الكلمات ومفردات اللغة وشجعت يدي المرتعشتين لتكتب عنها وعن أصحابها الأجلاء.
هي الشهادة وهم الشهداء وحدَهم من تخذلني عند الحديث عنهم الكلماتُ، وأراها تتوارى خجلاً وخشيةَ ألا تليق بهم وتكون قليلة أمام سموق هاماتهم الكبيرة وبطولاتهم العظيمة!
قد يرحل الكثير ممن نحبهم فنبكيهم ونرثيهم ونستوفيهم حقهم، إلا الشهداء فهم من يخلفون وراءهم إرثاً عظيماً وأثراً محفوراً حَــدَّ أعماق الأرض ويعانق السماء ومن الصعب أن يمحى من قلوب الجميع وتبقى سيرتهم حية وَطريقهم الذي سلكوه موضع اقتداء وقدوة لمن بعدهم يسيرون على نهجهم ويواصلون ما ابتدأوه حتى تحقيق النصر..
هم أدركوا مبكراً معنى أن تُسلَبَ هُــوِيَّتهم الإيْمَـانية وتُستعمرَ حريتهم وتنتهكَ أرضُهم فاشتعلت أرواحهم غيرة ونخوة وَباعوا لله أنفسهم ومتاع الدنيا بأكملها في تجارة رابحة مع ربهم حين خاطبهم (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ).
وهل هناك تجارة رابحة أفضل من تجارة مع الله؟؟
في زمن تكالبت فيه قوى الشر على وطنهم وأرادت أن تجعله مُجَــرَّد تابع لأهوائها الشيطانية وتسلب من شعبهم حريتهم وتخلع عنهم ثوب العزة والكرامة وتستبدله بثوب المهانة والذل والتسول أمام أبواب الطغاة والمتجبرين!!
فعاهدوا ربهم وتربةَ وطنهم وشعبهم بأن لا تطأ أرضَهم قدمُ غاصب ومحتلّ ظالم فصدقوا ما عاهدوا الله عليه وأرضهم.
هانت عليهم حياتهم وأرخصوها في سبيل دينهم ووطنهم النازف عزة وكرامة وأبوا إلا أَنْ تكونَ دماؤهم ثمناً لحرية شعبهم وأرضهم، فكانوا كالأُسُود في ميادين العزة والكرامة يذودون عن اليمن كُـلَّ أولئك الرخاص من باعوا أنفسهم لأمريكا وعبّدوها للصهيونية واستسلموا للغاصب المستبد الذي تبنى حربَ إبادة جماعية بحق اليمن وشعبه.
الأعداءُ فوجئوا بصناديد لا يبالون بالموت ولا يُغريهم كُـلّ متاع الدنيا، فقلوبهم تؤمن أن الشهادة ما هي إلا بداية الحياة التي لا تنتهي عند ربهم يُرزقون وعليها يتسابقون في مضمار الجهاد، وكانت الشهادة بدورها ترقبُهم لتختارَ لها منهم الخِيرةَ الأفضل والأكثر عشقاً لها!!
ليس هناك أحد منهم إلا وسيرته نقية عطرة يرويها بفخر عن كُـلّ من يعرفهم وعاشرهم ما يجعل رحيلهم مؤلماً ويعد فقدانهم خسارة.
هم ارتقوا بإيْمَـانهم إلى درجة الكمال والحب لربهم حَــدّ العشق والتقرب بحياتهم للوصول إلى رضاه يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون فاستبشروا ببيعهم الذي بايعوه ربهم وفازوا الفوز العظيم.
((إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالقرآن، وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).
فلهم منا السلام ومن ربنا كُـلّ الصلوات والتزكية والرضوان.