“صفقة ترامب”.. الرد بالمقاومة
|| صحافة ||
أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب عما يسمى “صفقة القرن” والهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وجوهرها مدينة القدس المحتلة وتضييع الحقوق الطبيعية والمشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة، وترامب بحسب خطته الشيطانية عمل لإنهاء الحديث فعليا عن إقامة دولة فلسطينية حتى ولو بحدودها الدنيا التي قَبِلَ بها البعض من الفلسطينيين، لأن المطروح في صفقة الرئيس الاميركي أشبه ببلدية او بجهة محلية لشريحة بسيطة من الشعب الفلسطيني أكثر منه الحديث عن “دولة” لها مقومات وأسس ولو شكلية فقط.
وترامب يحاول بتحريض من قادة كيان العدو الاسرائيلي وعلى رأسهم رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، تفريغ كل ما في جعبته لصالح العدو، في محاولة منه للخروج من المآزق السياسية والقانونية التي يعاني في الداخل الاميركي وكسب المزيد من الاوراق التي قد تنفعه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
كما ان المسؤولين الصهاينة يحاولون الاستفادة من “صفقة القرن”، فنتانياهو سيحاول اللعب على وتر هذا الامر بهدف الفوز بالانتخابات العامة المقررة في كيان العدو(والمعادة للمرة الثالثة)، فقد ذكرت مصادر حزب “الليكود” لوسائل الاعلام الاسرائيلية إنه “… قبل انتخابات الكنيست ستجري دراسة إمكانية مصادقة الحكومة على خطة خطة ترامب كاملة، وليس على الأجزاء الجيدة لإسرائيل فقط”.
من جهته، قال منافس نتانياهو على رئاسة الحكومة المقبلة وزعيم حزب “أزرق ابيض” الاسرائيلي بني غانتس إن “خطة ترامب مهمة وتمثل حدثا تاريخيا.. سأعمل بعد الانتخابات مباشرة على تطبيقها من داخل حكومة إسرائيلية مستقرة وفاعلة وجنبا إلى جنب مع الدول الأخرى في منطقتنا”، على حد قوله، بينما الاحزاب الصهيونية المتشددة ترفض “صفقة ترامب” باعتبار “انها تشمل قيام دولة فلسطينية”، على الرغم أن الصفقة تصورها كدولة من دون سيادة حقيقية وتجردها من كل مقومات والقدرات، فكل فريق اسرائيلي يحاول الاستفادة من “الصفقة” على طريقته وبحسب ما يخدم مصالحه.
بالمقابل نجد الشعب الفلسطيني وكل فصائله يرفضون السير بهذه الصفقة لان الجميع يدرك ان هناك خطوطا حمر لا يمكن لاحد تجاوزها ولا أحد يحتمل تحمل مسؤولية التلاعب بمصير القضية المركزية للعرب والمسلمين او الاستخفاف والتعاطي بقلة وفاء او عدم مسؤولية مع القدس وحق العودة وغيرها من الحقوق، وحتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي لا شك يتعرض لضغوط كبيرة دولية وعربية لم يقبل بالسير مع هذه الخطة التآمرية والتي تصب بكلها في مصلحة العدو الاسرائيلي، وموقف عباس بات واضحا وقد أعلنه صراحة في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي عقد السبت 1-2-2020، مع العلم ان ترامب خلال الاعلان عن الصفقة والى جانبه نتانياهو خاطب عباس شخصيا وحثه على قبول السير بالمخطط وانه سيلقى مقابل ذلك الدعم.
واللافت في كلام عباس في اجتماع القاهرة انه تناول “وقف التنسيق الامني” مع العدو في الضفة الغربية، وهذا الامر هو جلّ ما تطالب به العديد من الجهات الفلسطينية، وليس سرا ان العدو يعتمد في كثير من الاحيان لحفظ أمنه في الضفة والقدس على التعاون والتنسيق مع الاجهزة الامنية التابعة للسلطة، ما يؤدي الى وأد أي محاولة للعمل المقاوم الحقيقي والكامل في مناطق متفرقة من الضفة المحتلة، وقال عباس إن السلطة الفلسطينية “أبلغت الأمريكيين والإسرائيليين أن لا علاقة لنا معهم بما في ذلك في المجال الأمني”، وطالب “بتفعيل آلية دولية للسلام مع رفض أن تكون صفقة القرن ضمن أي طرح”، هذا الطرح الذي تحدث عنه عباس يبقى كلاما نظريا الى حين التطبيق الفعلي بوقف اي تنسيق او تعاون امني مع العدو وصولا لالغاء كل الاتفاقيات القائمة بين السلطة الفلسطينية والعدو الاسرائيلي، وهذا الامر ستظهر مدى جديته خلال الايام المقبلة.
وهذا الموقف الذي أطلقه عباس ترافق مع سلسلة مواقف اعلنها وزراء الخارجية العرب خلال اجتماع القاهرة والتي لم ترتفع بمجملها الى المستوى المطلوب ولمدى خطورة ما تتعرض القضية الفلسطينية، ففي حين لم نجد الدول العربية الكبرى ترفض صراحة الصفقة، راح البعض يدعو لدراسة المخطط وأثنى على جهود ترامب في العمل لإحلال ما يسمى “السلام” في الاراضي المحتلة، ومن بينهم وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، بينما أعلن البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب على رفض “صفقة القرن” بانتظار الافعال التي تؤكد هذا الموقف لا سيما في ظل ان الكثير من الدول العربية ولا سيما الخليجية التي كانت حاضرة في هذا الاجتماع هي ممن يهرلون خلف التطبيع مع العدو بمختلف أشكاله، كما ان حكام هذه الدول يعيشون ويستمرون على الغطاء الاميركي لهم، ولذلك فهم يحاولون كسب رضاء ترامب وصهره جيراد كوشنير بصفته “عراب صفقة القرن”.
فهل هؤلاء الحكام الذي لا يستطيعون رفض اي طلب لساكن البيت الابيض ويدفعون له مئات مليارات الدولار كي يبقوا على كراسيهم، هل يمكن الرهان عليهم لمنع تمرير “صفقة القرن”؟ فالعبرة ليست ببيان ختامي للاجتماع العربي او بكلمة ألقيت خلاله، إنما العبرة فيما يحصل فعلا في دنيا الواقع وما تقدمه هذه الدول لفسلطين وكيف تتعامل او ترد او تواجه الصفقة ومن اعلن عنها؟ هنا بيت القصيد الذي لا يحتاج الى كثير من البحث لفهم ان غالبية الحكام العرب وبالاخص الانظمة الخليجية لا يستطيعون الوقوف ولن يقفوا بوجه الادارة الاميركية لحماية فلسطين والمقدسات فيها.
والحقيقة الواضحة لخصها وزير خارجية لبنان ناصيف حتي خلال اجتماع القاهرة حيث قال إن “القضايا التي تتعلق بالحقوق الوطنية للشعوب، وهنا نتحدث عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، لا يمكن أن تحل بمنطق تاجر العقارات، وبمقايضة الهوية الوطنية ببعض المساعدات المالية، بل باحترام هذه الحقوق التي لا تتجزأ، وأهمها الحق في دولة مستقلة كاملة السيادة للشعب الرازح تحت الاحتلال”.
ولذلك تلخيصا للواقع والحقيقة واستنادا لكل التجارب لا يمكن الرهان على “صفقة ترامب” او على مواقف وبيانات الشجب والاستنكار لبعض الانظمة العربية لتحصيل الحقوق المهدورة للشعب الفلسطيني، فالواقع والتاريخ والجغرافيا وكل معايير المنطق والعقل تؤكد بما لا يدع اي مجال للشك او السبيل الوحيد لردع العدو وانتزاع الحقوق التي يغتصبها يكون عبر إنزال الهزائم به وإيلامه وذلك لا يحصل إلا باعتماد سبل المقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها المقاومة العسكرية المسلحة التي لا تقبل النقاش او التجزئة.
موقع المنار/ذوالفقار ضاهر