المملكة السعودية والولايات المتحدة: صداقة مثالية
بقلم: فلوريان روتسر / ترجمة نشوى الرازحي مجلة تيله بوليس الألمانية
بدأ السعوديون العام الماضي حرباً ضد اليمن، دربتهم وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) على القتال. يبين لنا هذا التعاون من جديد الروابط الوثيقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السعودي السلطوي، بصرف النظر عن الروابط التي تجمع السعودية مع الجماعات الإرهابية والأيديولوجيات الإرهابية، والتشجيع العالمي للسلفية، التي تطبق لوائحها على غرار تنظيم (داعش)، مثل تطبيق أحكام الإعدام وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان أو قمع كافة أشكال المعارضة. وكما كان الحال دائما في الماضي تطبق قاعدة العداء على العدو، والتي تجاوزت في هذه الحال كل المعايير، حتى وإن اختفى مؤخراً اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على النفط السعودي وضرب خفض أسعار النفط السعوديين بقوة.
قبل فترة وجيزة، أصدر المفتي الأكبر للسعودية، الشيخ عبد العزيز الشيخ، فتوى يحظر فيها لعبة الشطرنج على السلفيين المستقيمين في الدين. إذ أن اللعبة من الشيطان، فهي مضيعة للوقت وتعزز الكراهية بين اللاعبين. كان الأجدر به أن يلقي نظرة على ديانته وأتباعها، الذين ذهبوا للعب ما هو أبعد من الشطرنج.
دعمت المملكة العربية السعودية المتمردين السوريين بمليارات الدولارات:
حاولت صحيفة نيويورك تايمز توضيح مدى التعاون في دعم المتمردين السوريين من خلال النقاشات مع مخبرين من الحكومة الأمريكية ومن المنطقة.
ووفقا للتقديرات، فقد استثمر السعوديون عدة مليارات من الدولارات في تسليح وتدريب للمتمردين السوريين الذين يروقون لهم. هناك أيضا أموال من قطر والأردن وتركيا لنفس الغرض. ومع ذلك، لم تأت صحيفة نيويورك تايمز سوى بقليل من المعلومات الجديدة، إذ أن السرية كبيرة والتماسك فيما بين السعوديين والحكومات الأمريكية قوي جداً. وتجلى ذلك في التحقيق بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011م، في تقرير اللجنة. ولا يبدو حتى الآن أن الأمر قد اختلف عما كان عليه.
فالولايات المتحدة نفسها، حاولت في أحد البرامج المستقلة تدريب المتمردين بنفسها بمبلغ 500 مليون دولار أمريكي. وستتم السيطرة على هؤلاء المتمردين، الذين سيستخدمون كقوات برية، مباشرة من قبل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). ومن المعروف أن البرنامج فشل وبشدة.
وعقدت صفقات شراء آلاف من بنادق الكلاشينكوف والذخائر والصواريخ المضادة للدبابات تحت قيادة رئيس المخابرات السعودي السابق الأمير بندر بن سلطان، الذي كان حتى عام 2005م سفيراً للسعودية في الولايات المتحدة وشارك في قضية إيران كونترا. وفي العام 2012م، عقدت صفقات أسلحة كبيرة مع كرواتيا. ونقلت تلك الأسلحة عبر تركيا إلى سورية. آنذاك، لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تريد بعد نقل الأسلحة إلى المتمردين، بل نقلت “الوسيلة غير القاتلة” فقط. واقترح بندر بن سلطان في العام 2013 على موسكو بيع أسلحة روسية بمليارات عديدة للجيش السعودي وأنه يضمن لها أن لا يشكل غاز الخليج أي خطورة على المكانة الروسية كمصدر للغاز في أوروبا، في حال أنهى بوتين دعمه لنظام حكم الأسد.
ولكن عندما لوحظ أن إمداد دول الخليج جماعات لها علاقة بالقاعدة بالأسلحة والمال أمر خارج عن السيطرة تماما، بدأت الحكومة الأمريكية وجهاز الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) تتدخل بشكل مباشر في عملية تسليح وتدريب المتدربين في الأردن. ومنذ ذلك الوقت والمخابرات السعودية تمدهم بالمال والسلاح، بما في ذلك صواريخ (تو) المضادة للصواريخ. وكان من الواضح أن ذلك مرتبط بمطلب المساعدة، بإظهار أنها هنا شاركت في اتخاذ القرار على نقيض الاتفاقات السابقة.
صحيح أنه كان هناك رؤية داخل الحكومة الأمريكية، بأن المملكة العربية السعودية بالذات، تعتبر شريكاً رئيسياً في مكافحة الإرهاب، بالرغم من أنه بالنظر إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان لها حصة كبيرة في خلق الإرهاب الإسلامي السني.
وظل التحالف قائماً مع ذلك، حتى وإن كانت المملكة السعودية قد شاركت بصورة شكلية فقط في الائتلاف المناهض لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة وبدأت بالحرب على اليمن وحاولت تشكيل تحالف عسكري وأعدمت رجل الدين الشيعي، نمر النمر، بصورة استفزازية مؤخراً لتشعل الصراع مع إيران، التي تم عقد اتفاق نووي معها.
إن لم يكن مباشرة، يتم تشجيع ارتباط المملكة العربية السعودية مع جهاز الاستخبارات الأمريكي (سي آي إيه) بصورة غير مباشرة، من خلال دعم الجماعات الإسلامية جيش الإسلام وأحرار الشام وكذلك جماعة النصرة القريبة من القاعدة والتي تتعاون مع الطرفين.
كما أن بإمكاننا افتراض أن كثيراً من الأموال أنفقت، عندما نشرت صحيفة واشنطن بوست تعليق لأحرار الشام في يوليو 2015م، الأمر الذي يكشف عن ترابط وثيق بين الرياض وواشنطن.
إن السبب، على ما يبدو، وراء العمل الاستخباراتي بالرغم من كل الخلافات السياسية هو العلاقات الشخصية بين رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، جون برينان ووزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف، الذي كان قد تسلم مهمة تسليح المتمردين من بندر.
يعرف برينان وبن نايف بعضهما بعضا منذ التسعينيات، عندما كان الأول في السابق رئيسا لوكالة الاستخبارات الأمريكية في المملكة العربية السعودية. ووفقا للمخبرين، تم جزء كبير من الاتفاقيات مع المملكة العربية السعودية عبر رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية في السعودية، الأمر الذي يعد مؤشرا أيضا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. يقال أن السعوديين – بفعل الجهاز الاستخباراتي-لهم ردة فعل على الانتقادات التي تتداول بصورة شخصية أكثر من الانتقادات العلنية.