مسعى سعودي لتطويع «الانتقالي الجنوبي»

|| صحافة ||

تحاول المملكة السعودية احتواء الوضع في المحافظات الجنوبية اليمنية بما يتلاءم مع رغبتها في ربط القضية الجنوبية بالحرب على اليمن. غير أنّ هذه الرغبة تصطدم بريبة كبيرة من قبل الفصائل الجنوبية، بما فيها تلك المحسوبة على «التحالف العربي»، لا سيما «المجلس الانتقالي الجنوبي» المحسوب على دولة الإمارات. السعودية لم تعد قادرة على إقناع الجنوبيين بربط النزاع، وهي لهذه الغاية تعتمد على سياسة الاحتواء، في وقت بات هناك إدراك جنوبي (يتّسع مع الوقت) بأنّ الخطة الحقيقية للمملكة تتمثّل في تطويع إرادتهم وتذويب قضيّتهم، واستغلالها في البازار السياسي ضد خصومها في اليمن، من دون التطلّع إلى المطالب العادلة للقضية الجنوبية. يعتمد هؤلاء على الكثير من الأدلة والوقائع التي تشير إلى استخدامهم كروافع وأدوات في الأجندات العسكرية والسياسية للتحالف، فضلاً عن تحويلهم إلى بندقية للإيجار في محارق الحرب التي تشنّها المملكة على اليمن لغاياتها الخاصة، من دون أن تكون لهم أي قيمة سياسية ومعنوية وأخلاقية. يشتكي الجنوبيون، دائماً، من تبعات الحرب وملفاتها المفتوحة على مصراعيها، والمثال على ذلك، الآلاف من الجرحى الذين أصيبوا في الحدّ الجنوبي مع المملكة، والذين يلاقون مصيراً مجهولاً. الأمر ذاته ينطبق على أُسر الضحايا (جنوداً ومدنيين) الذين سقطوا على طول مسار الصراع من دون تعويضات، فضلاً عن عدم الإيفاء بالوعود في مجال إعادة ما دمّرته الحرب، وخراب البنى التحتية، وغيرها من الملفّات الشائكة.

سقط ادعاء شراكة المحافظات الجنوبية اليمنية مع «التحالف العربي»، ولم يعد بالإمكان لأيّ من الفصائل التي راهنت عليه الوثوق به في تنفيذ ادعاءاته. بات الجميع يُدرك زيف الشعارات التي سيق فيها الجنوبيين إلى الحرب من دون رؤية، أو مشروع سياسي متّفق عليه مسبقاً. ووسط كلّ ذلك، يبقى هناك تيار وحيد رفض السير مع التحالف، وهو «المجلس الثوري الأعلى الجنوبي ــــ جناح الزعيم حسن باعوم، الذي طلب في اجتماع مع القيادة الإماراتية في الأيام الأولى للحرب ضمانات تحفظ حق الجنوب في تقرير المصير. ولمّا طلبت القيادة الإماراتية تأجيل هذا المطلب إلى ما بعد الحرب، رفض الباعوم الانخراط في الحرب ورفع شعار «هذه حرب ليس لنا فيها ناقة ولا جمل»، ليتطوّر موقفه في ما بعد إلى اعتبار الوجود الأجنبي «السعودي ـــــ الإماراتي» أنه قوات احتلال.

في هذه الأثناء، بات من الواضح أن رهان بعض الجنوبيين، لا سيما «المجلس الانتقالي الجنوبي» على دولة الإمارات، بدأ يضعف مع الوقت، خصوصاً بعد خروج الأخيرة من عدن، ومع شعورٍ بأنّ أبو ظبي لن تتحلّل من تحالفها الاستراتيجي مع الرياض من أجل «المجلس الانتقالي الجنوبي». وفي هذا المجال، يُذكر أنّ الإمارات، منذ بداية تأسيس المجلس، أبلغته أنها ستكون جاهزة للدعم السياسي والمادي والعسكري، على أن يتوقّف ذلك في حال حدوث خللٍ أو صدام مع المملكة السعودية، على اعتبار أن أبو ظبي غير مستعدة لخسارة علاقاتها الاستراتيجية مع الرياض، من أجل «الانتقالي» في ملف جنوب اليمن، خصوصاً أن هناك اتفاقاً بين الطرفين في جميع ملفّات الصراع في الإقليم.

 

بات الجميع يُدرك زيف الشعارات التي سيق فيها الجنوبيين إلى الحرب من دون رؤية

 

بناءً عليه، بدأ المجلس المذكور يتحسّس رأسه، أكثر من أي وقت مضى، ويشعر بأنه مستهدف من قبل قيادة المملكة في عدن. ففيما يملك المجلس العديد من الأوراق، إلا أنّ القيود المفروضة عليه بحكم ارتباطه الكامل بأبو ظبي تمنعه من الاستفادة منها. وقد شهد الأسبوع الماضي العديد من التطوّرات السياسية والأحداث الأمنية في جنوب اليمن، على خلفية الصراع بين دولة الاحتلال السعودي و«المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم من الإمارات. تجدّدت الأزمة عندما منعت السلطات الأردنية، منتصف الأسبوع الماضي، عودة قيادات من المجلس الانتقالي إلى عدن. ومن بين القيادات التي طالها هذا المنع، رئيس وأعضاء وحدة شؤون المفاوضات وفريق المجلس في اللجنة المشتركة لتنفيذ اتفاق الرياض برئاسة ناصر الخبجي، ومعه عبد الرحمن شيخ وأنيس الشرفي ومدير أمن محافظة عدن المُقال شلال شائع. فقد استدعى مسؤولون في المخابرات الأردنية الوفد، وأبلغوه بأنّ قرار المنع جاء بناءً على خطاب من «التحالف العربي». ترافق ذلك مع استقدام القوات السعودية قوة عسكرية مشكّلة من أبناء المحافظات الجنوبية، كانت عائدة للتو من دورة عسكرية في السعودية، للحلول بدل القوات الموالية لـ«المجلس الانتقالي» في مطار عدن. وقد تطوّر الوضع بين القوّتين ليصل إلى حدّ الانفجار، لولا عملية الاحتواء التي قامت بها قيادة «التحالف» في عدن.

انطلاقاً ممّا تقدّم، بات من الواضح أنّ الجانب السعودي بدأ يستفيد من التجربة الإماراتية في عمليات تجنيد (لا تزال في نطاق محدود) في المحافظات الجنوبية خارج الأطر والهيكليات التنظيمية لما يسمى «الشرعية اليمنية»، كما بات يعمد إلى بناء ميليشيات خاصة به.

وعليه، مضى فصلٌ من فصول الصراع بين السعودية و«المجلس الانتقالي»، بينما تعدّ هذه المرة الأولى التي تنوب فيها السعودية مباشرة عن حلفائها في ما يسمى «الشرعية»، وبالتحديد «حزب الإصلاح». وقد حاولت، في النهاية عبر بيان لوزارة الخارجية، وتغريدة لسفيرها في اليمن محمد آل جابر، تهدئة الوضع واحتواء الموقف، باعتبار أنّ ما حصل، أو ما سيحصل في القادم من الأيام، يأتي في إطار الضغط لتطبيق اتفاق الرياض. غير أنّ كلا الطرفين متوجّسان أحدهما من الآخر؛ فبينما تحاول السعودية تمرير أهدافها بسلاسة معتمدة على غياب القيادات التاريخية والقوية، وكذلك على تشرذم الصف الجنوبي، لا يزال «المجلس الانتقالي» يراهن على موقف إماراتي داعم، ويبدو أنّ رهانه سيطول من دون نتيجة.

 

الاخبار للبنانية/ لقمان عبد الله

قد يعجبك ايضا