الإعلام في زمن العدوان.. خمس سنوات عجاف والسادسة..!!

|| صحافة ||

الدرواني:أصداء الترهيب العدواني العسكري والإعلامي لكافة الصحفيين اليمنيين الأحرار لا تزال متواصلة
داوود:حاول العدوان من خلال انتهاكاته بحق الإعلام اليمني قتل الحقيقة واغتيال صوتها
عامر: الإعلام الوطني من جهة والأحداث وتصرفات العدو من جهة أخرى أسقطت كل الأكاذيب وأثبتت عكسها

كنت حينها طالباً في المستوى الأول في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، أتحدر من منطقة ريفية نائية، لا يعرف أهلها شيئاً عن الدولة سوى ما تقدّمه وسائل الإعلام من صور غير واقعية لرموزها بغية تدجين الشعب، ولا يرون مسؤوليها إلا إذا اقترب موعد الانتخابات، عدا ذلك، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة وتعيش في عزلة عن العالم، طالبٌ جامعي يتفاجأ لأول مرة بأسماء الصحف اليمنية؛ فلم يرها قبل ذلك في حياته، هو هدف ثمين لبرامج التنظيمات السياسية الساعية إلى توسيع دائرة أعضائها وبنائهم وفق ما يحقق أطماع القادة ومشاريع الممولين، استمارات الانضمام تعرض عليّ من شخوص عدة، يتبعون حزبي الإصلاح والمؤتمر، ومعها وعودٌ وأحلام وردية، وأنا تائه في حيرتي لا أعلم ما الذي عليّ فعله، فأرفض الجميع على أمل التفكير في ذلك عقب انتهائي من التعليم الجامعي.
الثورة / عبدالقادر عثمان

 

الـ 26 من مارس عام 2015م، محطّة فاصلة في التفكير والمعرفة، ونقطة تحوّل لكثيرٍ من الأمور، ليلتها أعلن ما عرف آنذاك بـ “التحالف العربي”، من 17 دولة عربية وأجنبية، عدواناً غاشماً على اليمن؛ بهدف إبادة الثوار الذين أوقدوا شعلة الـ 21 من سبتمبر 2014م، في وجه مشاريعه التي ظلت تتحكم بالبلد لعقود من الزمن، وإعادة من فرّوا من صنعاء إلى الرياض للحكم من جديد. حربٌ أعد لها مسبقاً، وجهّزت السعودية والإمارات ومن يقف وراء تحالفهما، ماكينات إعلامية ضخمة ومشاريع تضليل عملاقة عبر وسائل كثيرة، وزرعت لها في الجسد اليمني فيروسات إعلامية يقع على عاتقها عمل استخباراتي وصحافي وخلخلة الإعلام المقاوم، وانطلقت الأبواق الإعلامية مشرعنة لانتهاك سيادة اليمن من قبل طائرات تحالف العدوان، وناشرة للإشاعات والتضليل والتخويف والتهويل؛ بغية كسر الإرادة اليمنية مقابل الحصول على ريالات ودراهم المحتل الجديد.

 

حربٌ إعلامية

ما أن بدأت أولى العمليات العدوانية على العاصمة صنعاء، حتى فتحت القنوات الدولية والعربية المشاركة في العدوان الإعلامي، المصاحب للهجمة العسكرية الشرسة، ومن انطوت تحت لوائها من القنوات المحلية، مساحات البث المفتوح بشكل مرعب، فتارة تتحدث عن تدمير سلاح اليمن بنسبة 90%، وتارة أخرى تتحدث عن السيطرة على الأجواء كلياً، وثالثة عن نية التحاف اكتساح البلد خلال أسبوع، وخامسة وعاشرة وألف، حرب إعلامية نشرت الرعب في مناطق شتى من اليمن، وغدت الطائرات توزّع منشورات على القرى والمدن، تطلب فيها من الناس، بأسلوب فج، أن اتركوا منازلكم؛ لاحتمالية استهدافها من أجل التحرير، ومواقع تواصل تنشر الشائعات، ومراسلون يكتبون عن انهيار المعنويات وتزايد الضغط الشعبي ضد أنصار الله، وقنوات خصصت لتلميع المعتدي وشكره والثناء عليه، وتضخيم العمليات العدوانية، حتى وصل الحال بأصحابها إلى القول باقتحام صنعاء وصعدة وعمران وما إلى ذلك.

يوما بعد آخر، تزداد الهجمة الإعلامية الشرسة، وتتزامن مع العمليات العسكرية البرية للعدوان ومرتزقته، فيتم تقديم المحتل على أنه منقذ ومحرر، وأبناء الأرض مليشيات ومنقلبون وأعداء، ويجري الترويج لهذه الفرضية الخبيثة من أجل تمييع قضية اليمن وتفريخ العقول، وفي الوقت ذاته يُحَاصَر اليمن إعلامياً، ويسيطَر على جوّه، وتستنسخ قنواته المحلية، وتستهدف المؤسسات الصحافية والإذاعية والتلفزيونية وأجهزة البث ومنازل الإعلاميين والفنيين ويمنع دخول وسائل الإعلام الدولية لتغطية الحدث ونقل الصورة عن قرب، فلا يكون هناك من مصدر للمعلومة سوى تلك الماكينات الخبيثة، وهكذا دواليك ظل اليمن يتعرض للانتهاكات في عزلة إجبارية عن العالم فرضها العدوان، وحاولت وسائل الإعلام المحلية الوطنية الحرة كسرها ونقل الحقيقة للجميع، فقوبلت بالاستهداف.

 

محاولة كسر

“لقد حاول العدوان، خلال الخمس سنوات الماضية، بشتى الوسائل، كسر إرادة الإعلاميين ومنعهم من تغطية جرائمه البشعة بحق المدنيين، فلجأ إلى عدة وسائل منها حجب القنوات التلفزيونية من القمر الصناعي نايل سات واستنساخ الكثير منها، مثل قناة اليمن وعدن واليمن اليوم، وغيرها”، حد قول مدير مركز الدراسات في “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية”، أحمد داوود، وهو “إفلاس وعدم امتلاك للحقيقة” كما يراه وكيل وزارة الإعلام لقطاع الصحافة، نصر الدين عامر، ويضيف لـ “الثورة”: “من لا يملك الحقيقة سيحولها إلى خصم له وسيستهدف أصواتها، وهو ما حصل”.

خلال سنوات العدوان على اليمن سجل “اتحاد الإعلاميين اليمنيين” مئات الانتهاكات بحق الإعلام وأبناء المهنة، بينما ظلت “نقابة الصحافيين اليمنيين” غارقة في عماها تغض الطرف عن الانتهاكات اللاإنسانية المتواصلة بحق الإعلام في البلد، من بين تلك الجرائم، ضمت تقارير الاتحاد أرقاماً قالت إنها لما يربو عن أربع سنوات من العدوان على الإعلام اليمني، حيث “بلغ عدد الضحايا 243 قتيلاً ونحو 22 جريحاً، وجميعهم ضحايا الهجمات الجسيمة التي ارتكبها التحالف السعودي”، بينما دمّر 21 منشأة إعلامية واستهدف 30 مركز إرسال إذاعي وتلفزيوني، واستنسخ ست قنوات ومواقع إلكترونية هي اليمن وعدن وقناة سبأ واليمن اليوم ووكالة الأنباء اليمنية، كما أوقف بث ثمان قنوات عبر القمرين الصناعيين عربسات ونايلسات، إلى جانب عمليات حجب مشابهة، ومنع 143 صحافيا وإعلاميا يعملون في وكالات وصحف وقنوات عربية ودولية من العودة للعمل في اليمن.

 

صبري والخيواني

“من أبشع جرائم العدوان خلال السنوات الماضية كانت في شهر رمضان، عندما حرّك طيرانه لاستهداف منزل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين، عبدالله صبري وهو نائم، ما أدى إلى استشهاد والدته ونجليه، وتعرض بقية أفراد الأسرة لإصابات، وهي جريمة تتنافى مع كل المواثيق والمعاهدات الدولية”، كما يقول داوود.

يقول صبري الدرواني، رئيس تحرير “صحيفة المسيرة”، إن العدوان، “وحتى قبل أن يبدأ، كان يستهدف الصوت الإعلامي الحر والمستقل بشتى السبل الممكنة”، ضارباً مثلا بالشهيد عبدالكريم الخيواني، الذي يعد من أبرز الأصوات الصحافية الحرة، التي قارعت الأنظمة المرتهنة للعدو السعودي. ويضيف الدرواني قائلاً: “مع بدء العدوان تعرضت شبكة المسيرة الإعلامية لاستهداف همجي طال العديد من مقراتها واستديوهاتها، ومثلها صحيفة المسيرة، حيث تعرض مقرها في حي الجراف للقصف، ما أدى إلى تدميره وإلحاق خسائر مادية فادحة دون أن يصاب أحد من كوادر الصحيفة”.

ويرى الدرواني في حديثه لـ “الثورة” أن “أصداء الترهيب العدواني العسكري والإعلامي لكافة الصحفيين اليمنيين الأحرار لا تزال متواصلة وهذا بحد ذاته يعبر عن مستوى أهمية الكلمة الصادقة ومدى ذعر العدو وخوفه من الصوت الحر والمنابر المؤثرة، ولذا أراد إرغامنا على السكوت وإجبارنا على التوقف وعدم نقل الصورة الحقيقية للوضع الإنساني في اليمن فضلاً عن محاولته التغطية على الانتهاكات والمجازر المستمرة على مستوى البلاد”، بينما يرى عامر أن “حجم الاستهداف كبير وعدد الشائعات هائل وقذارة إعلام العدوان ليس له حدود”. أما داوود فيقول: “كلنا نعلم أن الغرض والهدف من استهداف الإعلاميين هو إسكات أصواتهم كي لا يوثقوا جرائم العدوان أو ينقلوها إلى الرأي العام الخارجي، فيتم فضح السعودية وتحالفها البشع في عدوانها على اليمن”، ويضيف “إنها باختصار تريد قتل الحقيقة واغتيال صوتها”.

 

مقاومة شرسة

ذلك الاستهداف لم يثن الإعلام المقاوم عن التصدي للهجمة الشرسة على اليمن، فحاول نقل الحقيقة، واستطاع بما وفرته الإمكانات البشرية والإمكانيات المادية الوصول إلى آذان كثير من أحرار العالم في الداخل والخارج، فباتت المواقف الرافضة للاحتلال والعدوان تزداد يوما بعد آخر، ومعها يزداد موقفي رسوخا وأزداد به يقينيا إلى جانب الأحرار من أبناء اليمن، خاصة بعد تكشّف نوايا أولئك الذين دعوني للانضمام إليهم وباتوا اليوم تحت لواء العاصفة يبررون عدوانها ويملسون بالسمون وجهها القاتم عبر وسائل إعلامهم.

يقول نصر الدين، إن “لوسائل الإعلام الوطنية والإعلام بشكل عام دوراً كبيراً جداً في مواجهة هذا العدوان برغم إمكانيات العدو الهائلة والتي لا وجه للمقارنة بينها وبين الإعلام الوطني، بيد أن إعلامنا الوطني كان جزءاً من هذه المعركة غير المتكافئة في كل تفاصيلها، وهو أيضا جزء من الصمود المذهل الذي سطّره شعبنا، وجزء من التأييد الإلهي الذي خص الله به شعبنا خلال هذه الحرب، فمنذ اليوم الأول للعدوان وهذا الإعلام المكافح يرفع راية الحقيقة في وجه جحافل الزيف والكذب وينتصر بفضل الله في كل معركة”، إلى ذلك يقول أحمد داوود إن “المؤسسات الإعلامية الوطنية عملت بكل جهد لنقل مظلومية الشعب اليمني، واستطاعت مواجهة آلة التضليل الإعلامي، ونقل معاناة الناس، وتناول هموم النازحين والمرضى والفارين من المعارك، وإن كان هذا التناول أقل من المطلوب إلا أنه كان حاضرًا”.

 

صراع الحلفاء

مع مرور الوقت تفكّك التحالف، وأصبح إعلام بعض دوله يستهدف الدول الأخرى، مثلما حصل بعد حصار قطر التي شاركت في العدوان وأخرجت مع الحصار السعودي الإماراتي البحريني عليها، إذ تحوّلت مضامين رسائلها الإعلامية للنيل من البلدان المحاصِرة، وهو نصرٌ للقضية اليمنية، بصرف النظر عن موقف قطر الأصلي من اليمن، بعد ذلك ارتفعت وتيرة الخلافات بين الدول المتحالفة في جنوب وشرق اليمن في صراعهم على الثروات والنفوذ، فسعت الإمارات إلى استهداف السعودية عبر وسائل تدعي استقلاليتها بينما تموّل من أبو ظبي، ومثلها فعلت الرياض. أثناء ذلك كانت وسائل الإعلام المحلية تتعافى بعد الهجمة الشرسة ضدها، وبدأت ردود الفعل تؤتي اكلها بتفكك الحلف أكثر فانسحبت تونس وامتنعت باكستان عن تزويد السعودية بالمقاتلين، وكادت تفعل السودان ذلك، غير أن المال السعودي الإماراتي أغرى قادتها الجدد، الذين تسلّقوا على تضحيات الثوار، وهو موقف قد يتغيّر مع الانهيار الاقتصادي الذي طرأ بعد انخفاض أسعار النفط عالمياً والتوقعات بوصوله إلى خمسة دولارات للبرميل الواحد، وهو ما تعتمد عليه دول التحالف بشكل كلّي، وبالتزامن مع تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد.

 

إعلامنا وإعلامهم

استمرت وسائل الإعلام المحلية في الدفاع عن اليمن، كما هو الحال على الجبهة العسكرية، وبات العالم يتحدث عن الحرب السعودية الإماراتية على البلد ومظلومية الشعب، ومقابل ذلك استمرت وسائل الإعلام الخليجية والقنوات المحلية الممولة خليجياً في تصوير احتلال الإمارات لجنوب الوطن بالتحرير، والفتات الذي يقدم لأبناء تلك المناطق بعد الزج بهم في حروب الموت للدفاع عن المملكة أو القتال من أجل ترسيخ نفوذ الإمارات، أصبح مكرمات من ملوك وأمراء النفط، وحتى الصحف العالمية لا تزال بعضها تصوّر الاحتلال على أنه تحرير والمقاومة تمرّد والوقوف ضد المشاريع الخارجية انقلاب.

عن ذلك يقول نصر الدين عامر، إن الإعلام الوطني من جهة والأحداث وتصرفات العدو من جهة أخرى أسقطت كل تلك الأكاذيب وأثبتت عكسها، مضيفاً: “ما يقوم به السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي من رفع لمنسوب الوعي ومواجهة كل أباطيل العدوان، من خلال كلماته ومحاضراته التي لا تتوقف، نجح فعلا في صناعة جبهة إعلامية متكاملة من خلال هذه الكلمات والخطابات والبيانات والمحاضرات”، ولا ينسى داوود دور “الإعلام الحربي في نقل الصورة الحقيقية لما يدور من انتصارات عسكرية في معظم الجبهات”، ويرى دوره مهما في وصول الانتصارات التي يحققها الجيش واللجان إلى الناس، ودرعا واقيا لهم من الوقوع فريسة الإعلام المضلل.

أما الدرواني فيرى أن “الإعلام اليمني استطاع مواكبة المستجدات والمتغيرات أولًا بأول، وحقق نسبة جيدة من الإنجاز المتعلق بالتعريف بالمظلومية اليمانية ورصد وإبراز الجرائم اليومية، خاصة إذا ما قورنت إمكانياته بالإمكانيات والتجهيزات الهائلة المتوفرة لدى الماكينة الإعلامية التابعة والمساندة لقوى العدوان”.

 

تبدد الأهداف

يمكن القول إن الأهداف التي سعى العدوان لتحقيقها خلال الخمس سنوات الماضية تبددت، خاصة بعد إفشال عملية “فأحبط أعمالهم” الأمنية لجهود العدو الرامية إلى إرهاب الناس وزعزعة أمن البلد من خلال الإعلاميين المجندين، وبعد انكشاف مظاهر الحرب الإعلامية القائمة على التضليل والإشاعات، ووصول صوت اليمن إلى كل بقاع العالم، عبر الإعلام الحر، ورغم ذلك لا يزال إعلام اليمن يحتاج إلى كثير من الاهتمام، خاصة بعد حرمان الكثير من الإعلاميين والصحافيين من مرتباتهم عقب نقل البنك المركزي من قبل الحكومة الارتزاق، وشحة الموارد وفقر المؤسسات الوطنية وتوقّف الكثير من الصحف نتيجة الحصار. كما يحتاج إلى الإدارة، وفق منهجية مؤسسية تحفظ للإعلاميين حقوقهم وتساعدهم في التدريب والتأهيل، كما يقول داوود، ويضيف: “لقد سئم الإعلاميون النمطية التقليدية في العمل، والعبث في الإدارة، وعدم إعطاء الصحفي حقه الكامل، كما أن الوسط الإعلامي يحتاج إلى نقابات مستقلة تهتم بالصحفيين، وإلى إرادة حقيقية من قبل الدولة في الاهتمام بهم”، مشيرا إلى أن التنوع الصحفي، والاهتمام بالصحف المستقلة، ووضع معايير مهنية يلتزم بها كل زملاء الحرف، بات ضرورة يجب توفيرها.

لقد استطاع الإعلام اليمني الوقوف في وجه آلات الإعلام الضخمة والتصدي للهجمة الإعلامية والحرب النفسية الشرسة التي شنتها ماكينات الاتصال الدولية بعد أن سخرت لها دول العدوان اهتمامها الكبير وإنفاقها الهائل من أجل كسر الإرادة اليمنية، وكل ذلك كان بما امتلكه إعلامنا من بإمكانيات بسيطة يكاد يكون معها في هامش اهتمام السلطة رغم الدور الكبير الذي يقع على عاتقه، كدور لا يقل أهمية عن الدور العسكري، ورغم المعاناة التي يتكبدها الإعلاميون والصحافيون وهم يتمترسون في مؤسساتهم التي لا تستطيع أن تمنحهم حقهم لافتقارها إلى السيولة، ودون أن يؤثر الإهمال على نفسياتهم، وإن طال أمده.

قد يعجبك ايضا