يوم الحزن اليمني
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالفتاح علي البنوس
كنت بالأمس في زيارة لضريح الشهيد الرئيس صالح علي الصماد ورفاقه في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء ، وهناك شاهدت العشرات من المواطنين والمواطنات وهم يزورون رئيسهم الشهيد ورفاقه ويقرأون الفاتحة على أرواحهم الطاهرة ، استمعت إلى دعواتهم له ورفاقه بالرحمة والمغفرة ، وشاهدت أكفهم وهي مرفوعة إلى السماء تسأل من الله العلي القدير بأن يسكن فقيد اليمن الكبير الفردوس الأعلى بصحبة الأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، وشاهدت الدموع وهي تنهمر من أعين بعضهم حزنا وحسرة على رحيله ، غالبية من شاهدتهم بالأمس كانوا من المجاهدين والمواطنين البسطاء الذين أحبوا الشهيد الرئيس صالح الصماد لشخصه ، ووطنيته وإخلاصه لشعبه وقوة إيمانه بربه ، وسياسته الحكيمة ، وتوجهاته المستقبلية الكفيلة بالنهوض بالوطن والمواطن في مختلف المجالات وعلى مختلف الأصعدة ، ولا زلت أتذكر الجنازة المهيبة التي أقيمت له ورفاقه في ميدان السبعين ، وتلكم الحشود الجماهيرية التي تقاطرت على الميدان لوداع الشهيد الرئيس ورفاقه ، وسط أجواء كئيبة ، خيم عليها الحزن ، وذرف الجميع دموع الحسرة والكمد على فداحة هذا المصاب الجلل بكل ما تحمله الكلمة من معان.
واليوم تحل الذكرى الثانية لهذه الفاجعة الكبرى والتي خسر فيها اليمن أحد أخلص قادته الأفذاذ ، وأشجع فرسانه وأبطاله الميامين ، الذي صال وجال في مختلف الجبهات ، وخاض المعارك البطولية بشجاعة وإقدام ، وسطر المواقف الوطنية الخالدة ، وضحى في سبيل الله من أجل أبناء شعبه وسيادة وطنه بأغلى ما يملك وهي روحه الطاهرة ( والجود بالنفس اسمى غاية الجود) ، لذا لا غرابة بأن تبكيه القلوب قبل العيون ، وأن يخيم الحزن على كافة أرجاء الوطن ، في هذا اليوم الحزين ، الذي بات يعرف بيوم الحزن اليمني ، اليوم الذي ترجل فيه الفارس اليماني الحيدري الهمام ، الذي ما عرفناه إلا صالحا صامدا صمادا ، فهو أول رئيس يمني يعتلي منبر المسجد خطيبا للجمعة ، وأول رئيس يحفظ القرآن ، ويتخلق بأخلاقه ، ويتثقف بثقافته ، ويجعل من نفسه خادما لوطنه وشعبه.
لم يمتلك قصرا رئاسيا ، ولا منزلا فارها ، ولا فلة ضخمة ، ولم يكن له حسابات وأرصدة بنكية ، فقد عاش نزيها متعففا عن المال العام ، وكان رصيده ، وكانت ثروته هي محبة الناس له ، واللمسات التي قام بها خلال فترة رئاسته للبلاد وفي مقدمتها دوره البارز في دعم التصنيع الحربي ، وتعزيز قوة الردع اليمنية ، والتأصيل لمشروع نهضوي تنموي خدمي دفاعي ، يرسم ملامح الدولة اليمنية الحديثة والمتطورة ، زارنا في ذمار قبل أيام من استشهاده ، وقال عبارته المشهورة ( صالح الصماد لو يستشهد غد، ليس لدى أولاده مكان ينامون فيه، ما معاهم إلا أن يرجعوا مسقط رأسهم، وهذه نعمة بفضل الله سبحانه وتعالى ).
بالله عليكم هل رأيتم رئيسا بهكذا مواصفات ، هوامير الفساد والنهب والسلب امتلكوا العقارات والقصور والفلل داخل اليمن وخارجه ، وبسطوا على مساحات شاسعة من الأراضي ، وامتلكوا المزارع والشركات التجارية والمشاريع الاستثمارية ، وصاروا يملكون البنوك الخاصة بهم ، وباتوا يمتلكون الأرصدة البنكية بالعملات الصعبة، وصارت لديهم نسبة من النفط والغاز والضرائب والجمارك ، وآلاف الأسماء الوهمية من المرافقين ، وعاثوا في البلاد الفساد ، وصبوا على الشعب أسواط العذاب ، ولم يشبعوا، بل ظلت أياديهم ممدودة للسعودية مقابل عمالتهم وخيانتهم لوطنهم الذي نهبوا ثرواته ، واستغلوا خيراته ، وفي الأخير باعوه وتآمروا عليه.
بالمختصر المفيد، سلام الله على الشهيد الرئيس صالح علي الصماد ورفاقه وكل الشهداء الأبرار ، الذين قدموا أرواحهم الطاهرة في سبيل الله دفاعا عن الأرض والعرض والشرف والسيادة والكرامة ، وضربوا أروع الأمثلة في البطولة والتضحية والفداء ، لن ننساك يا أبا الفضل ، فقد سكنت سويداء قلوبنا ، ومع حلول ذكرى استشهادك يتجدد الحزن ، وتتجدد الحسرة على رحيلك عنا ، ستظل مسيرتك وسيرتك خالدة في سفر العظماء ، وسيظل ذكرك على ألسنتنا ، وستبقى القدوة والمثل الأعلى لكل اليمنيين الشرفاء الأحرار.
رحمك الله يا أبا الفضل وطيَّب الله ثراك وأحسن مثواك وجعل الجنة سكناك ، ووالله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ، وإنا على فراقك يا أبا الفضل لمحزونون ، الرحمة والخلود للشهداء الأبرار ، الشفاء للجرحى ، والحرية والخلاص للأسرى ، والنصر والتمكين لليمن واليمنيين ، والخزي والعار للشيطان الأكبر وقرنه اللعين ومن معهم من المتحالفين والمرتزقة والخونة العملاء أجمعين ، ولا نامت أعين القتلة المجرمين.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله وسلم.