في عرض لبعض المحطات من أقواله وأفعاله: نموذجُ التضحية والفداء في مسيرة رئيس الشهداء
|| صحافة ||
في السادس من شهر أغسطُس العام 2016م، شهدت الرئاسةُ اليمنية ظهورَ مدرسة جديدة في تحمل المسؤولية على الشعب والأمة على السواء، وملازمتها للتضحية والفداء، حيث قدم الرئيس الشهيد صالح علي الصمَّـاد -رئيس المجلس السياسي الأعلى، القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن- نموذجاً لرئيس الجمهورية اليمنية، لم يسبق له مثيل.
رئيسُ الشهداء قدّم نفسه مسؤولاً وخادماً للشعب والأمة، وأكّـد مراراً وتكراراً استعداده لبذل دمه وروحه، لا متسلطاً على اليمن واليمنيين، ومغتنماً لكل المزايا التي كان يحصل عليها كُـلّ من حَـلَّ في كرسي الرئاسة، حيث تفشت في معظم خطاباته إن لم يكن جميعها عبارات أن المسؤولية لم تكن في يوم من الأيّام مغنماً، بل هي مغرم.
وقد عبّرت مقولته التي قال فيها: ‘‘من يعتبر المسؤولية مغنماً فهو إنسان يخونُ اللهَ ويخونُ شعبَه ويخونُ دماءَ الشهداء’’ قبل استشهاده بعشرة أَيَّـام وذلك في محافظة ذمار خلال تدشينه للعام الباليستي، عبر خطابُه عن النفسية التي كان يتحلى بها الرئيس الصمَّـاد طيلة فترة رئاسته للجمهورية اليمنية، ولذلك سخر كُـلّ أوقاته وطاقاته في مسار البذل والتضحية في سبيل الله والوطن، لا في سبيل بناء الثروات الشخصية، ولعل ما قاله في ذات الخطاب شاهد على ذلك، حيث أَدَّى إقرارَه بالذمة المالية حين قال: ‘‘وصالح الصمَّـاد لو يستشهد غد ما مع جهّاله وين يرقدوا، ما معهم إلا يرجعوا مسقط رأسهم’’، وهي النعمة التي اعتبرها رئيس الشهداء عظيمة، كونها لم تسد عليه طريق الفوز بنعيم الدنيا والآخرة، والتحَرّك للبذل والعطاء والتضحية في سبيل الله.
واحديةُ المسؤولية والعطاء المشترك:
الرئيسُ الشهيد ربط موقع المسؤولية في إدارة الدولة، بمواقع المرابطين في جبهات القتال، وهو الأمر الذي جسدته علاقة رئيس الشهداء بالمرابطين في مختلف المحاور، من خلال الزيارات للجبهات ومعسكرات التدريب، وقوله: ‘‘كلنا مجاهدون، سواءً في مناصبنا، أَو في مواقعنا الرسمية.. يجب أن نستشعر أن المسؤولية التي على عواتقنا هي ذات المسؤولية التي على عواتق رجال الرجال’’، كما أن مخاطبته للمرابطين بقوله ‘‘إذا لم تكن مواقعنا في المسؤولية نسخرها لخدمتكم وخدمة زملائكم في الجبهات العسكرية الذين يسطرون أعظم الملاحم، فلا خير فيها من مسؤولية’’، تعبر عن طبيعة النفسية التي ظل الرئيس الشهيد متمسكاً بها ولم تغيرها المناصب أَو المغريات الدنيوية.
كما أن استمرارَ الرئيس الشهيد في زيارة المحاور والجبهات ومعسكرات التدريب، وتعظيمه للمجاهدين المرابطين والمضحين في سبيل العزة والكرامة، جعلته متمسكاً بخيار تحمل المسؤولية كما ينبغي، وجعلته أَيْـضاً أكثر تماسكاً وتمسكاً بخيار العطاء والبذل، وهي في ذات الوقت نابعة من استشعاره الدائم بحتمية ترك هذه الدنيا الفانية، حيث تردّدت الكثير من عباراته في هذا الجانب، إحداها قالها في اجتماع موسع له بصنعاء مع عدد من القادة العسكريين والضباط مؤكّـداً أنه ‘‘من يتنصل عن مسؤوليته ويهرب من المعركة ويهرب من المواجهة أياً كانت سياسية أَو أمنية أَو عسكرية فسيقصف الله عمره وتأتي له غارة وهو على جسر أَو سيموت في منزله بالقصف من قبل الطيران وهو ليس في موقعه المسؤول عنه’’.
وبالعودة إلى استشعار الرئيس الشهيد لحتمية التضحية في سبيل الله، فقد مثلت مقولتُه التي خاطب بها المرابطين: ‘‘ليست دماؤنا أغلى من دمائكم ودماء زملائكم في الجبهات، ولا جوارحنا أغلى من جوارحكم وجوارح زملائكم في الجبهات’’ القيمة العالية للمرابط المجاهد في سبيل الله، من منظور الرئيس المجاهد، وهي -حسب وصف الرئيس الشهيد- أغلى بكثير من الاعتبارات الشخصية للمناصب العليا في الدولة، وهو الأمر الذي انعكس إيجاباً على معنويات العسكريين والمجاهدين.
وضعُه لخيار النصر أَو الشهادة نصب عينيه:
جعل الرئيس الشهيد صالح علي الصمَّـاد، خيار النصر أَو الشهادة نصب عينيه، حتى لا يميل عن نهجه السامي، واستغل موقعه في الرئاسة في سبيل ذلك.
الرئيس الصمَّـاد قال في كلمة خلال تخرج دفعة عسكرية في الساحل الغربي، مطلع العام 2018: ‘‘لا يشرفنا إلا أن نعودَ إلى شعبنا حاملين راية النصر بإذن الله تعالى، أَو محمولين على أكتاف الرجال شهداء، وغير ذلك لا يشرفنا البقاء في هذه الدنيا إطلاقاً’’، وهي عبارةٌ تُعَبِّــرُ بكل المقاييس، عن الروحية التي حملها الرئيس الشهيد في مسار التضحية والفداء، وقد عبرت أَيْـضاً استشعاره الدائم للتضحيات التي يقدمها شعبنا وما ينبغي العمل حيالها، حيث عزز هذا الجانب بقوله: ‘‘إذا لم نكن جميعاً خداماً لهذا الشعب الذي بذل الغالي والرخيص في سبيل عزته وكرامته، فالأفضل لكل واحد منا أن يذهب ليقاتل جنباً إلى جنب مع أُولئك الرجال في ساحات الوغى’’.
وبالتالي فقد ظل الرئيس الشهيد متمسكاً بمسار التضحية والفداء وتحمل المسؤولية، وظل يصول ويجول مختلف الجبهات، ليثبت أنه رجل القول والفعل، لا رجل الخطابات المهتم بملامسة الاستمالات العاطفية للجماهير.
ثقافةُ الجهاد.. وقودٌ حرّكت رئيسَ الشهداء لمواصلة الجهاد حتى الاستشهاد:
الشهيد الصمَّـاد ظل حريصاً على جانب الاهتمام بثقافة الجهاد؛ كونه على علم بأهميتها، لا سيما بعد مسيرة جهادية حافلة، قارع فيها قوى الطغيان طيلة ست حروب على صعدة، ومعه ثلة من المؤمنين، وملأت خطاباته عبارات التأكيد على أهميّة الجهاد كسلاح فعال في التغلب على ترسانة العدوّ وتجاوز فارق العدة والعتاد، ففي لقائه بعلماء اليمن في الـ22 من فبراير العام 2017م، قال الرئيس الشهيد: ‘‘يجب أن ننطلقَ بجد في ترسيخ الوعي والثقافة بين أوساط شعبنا، فارق القوة كبير بين قوتنا وعتادنا المادي وقوتهم إلا أننا نستطيع أن ندفن هذا الفارق من خلال الوعي والبصيرة وترسيخ الوعي الثقافي بين أوساط شعبنا بأهميّة المواجهة وترسيخ روحية الجهاد والعطاء والبذل والتضحية”.
روحيةٌ ظلت ملازمة لروح الشهيد الرئيس ولم تتزحزح أمام المغريات قد يحصل عليها أي إنسان آخر من موقعه الرئاسي، وما قوله: ‘‘يجب أن نحمل روحية الجهاد والعطاء والاستبسال، وإلا لا قيمة لهذه المواقع والرتب إذَا لم تكن تدفع الإنسانَ إلى أن يكون إنساناً مقداماً يتقدم الصفوف لمواجهة أعداء الله وأعداء الوطن’’، وغيرها من العبارات والإرشادات التي ظل يوجهه بها المسؤولين والشعب، إلا هامشاً من محطات القول والفعل التي قدم فيها الرئيس الشهيد نموذجاً راقياً على رأس السلطة.
المحطة الأخيرة للرئيس الشهيد.. صدقُ الوعد والوعيد وحقيقةُ القول والفعل:
في التاسع عشر من شهر إبريل العام 2018م، توجّـه الرئيس الشهيد صوب محافظة الحديدة، ليعد العدة لمواجهة تحالف العدوان الأمريكي السعودي، كما عهده الشعب يتنقل من محافظة لأُخرى، ومن محور لآخر، مؤمناً بحتمية القضاء، وأهميّة الموقف، غير مبالٍ بما يحيكه مجرمو العصر.
الرئيس الشهيد ألقى كلمة دعا فيها أحرارَ تهامة إلى التصدي للمؤامرة الأمريكية السعودية التي تستهدف الساحل التهامي، والخروج في مسيرة البنادق، وأكّـد أن الشعب كله دون استثناء سيخوضون البحرَ دون تهامة، وكما جرت العادة، أوصل لتحالف العدوان عدة رسائل، وتوجّـه إلى شعبه بعديد النصائح الإرشادية، وكأنها الوصيةُ الأخيرة، فمضى مواصلاً طريقه، وسط تربص الأعداء وتواطؤ العملاء، ليعمد بدمه مسيرته الحافلة بالجهاد والعطاء وتحمل المسؤولية، ويؤكّـد أن كُـلّ ما قاله على طريق الجهاد والتضحية والعطاء من موقعه الرئاسي لم يكن مُجَـرّد حديث أَو كلمات عابرة، بل مواقف وأفعال.
الرئيس الشهيد هو من اختار طريقَ الشهادة، فقد أكّـد في مرات عدة أنه لا مناصَ من التضحية، ومنها، في ورشة لضباط القوات المسلحة في العام 2018م: ‘‘يجب أن نقفز نحن إلى الموت ولا نترك الموت ليقفز علينا كما يقفز على أُولئك القاعدين في بيوتهم.. يجب أن نتلقى الصعقات.. الذي لا يريد أن يسمع صعقة الطيران وصعقة الدبابة وصعقة المدفعية هو من ستأتي له صعقة يوم القيامة فيسقط منها قلبُه ويدخل إلى جهنم والعياذ بالله.. لا ينجو من صعقة يوم القيامة إلَّا من تلقوا الصعقات في الدنيا’’، وها هو ممن تلقوا الصعقات في الدنيا، لكنه وجّه صعقات أكثر إيلاماً بقاتليه، فقد أسّس مشروع بناء الدولة والدفاع عنها وحماية سيادتها واستقلالها على قاعدة “يدٌ تبني ويدٌ تحمي”.
وهنا سطّر الصمَّـاد ملاحمَ أُخرى، في البناء والحمى، في البذل والعطاء، خطها بمسيرته الجهادية وحفرها على سفح التاريخ ببراكين دمائه الطاهرة، التي ستظل حمماً تلتهمُ كُـلَّ مَن يطال أرضاً حكامُها ومحكوموها مشروع شهادة في سبيل الله والوطن.
صحيفة المسيرة