متطلباتُ الهُــدنة بموجب القوانين الدولية
|| صحافة ||
قانونُ الحرب مصطلحٌ يشيرُ إلى جانب من جوانب القانون الدولي العام فيما يتعلق بالمبرّرات المقبولة لخوض الحرب وحدود السلوك المقبول في زمن الحرب (القانون الدولي الإنساني)، ومن بين القضايا الأُخرى، والقوانين الحديثة التي تعنون إعلان الحرب، ووقف الحرب أَو التهدئة، وقضية قبول استسلام الجيش هذا أَو ذاك ومعاملة أسرى الحروب والضرورة العسكرية وقانون التمييز وقانون التناسب وحظر أسلحة معينة قد يسبب استخدامُها معاناةً لا داعيَ لها.
هنا يبرُزُ تساؤلٌ مُلحٌّ: هل الحرب وسيلة أم غاية؟ فبحسب تصنيف القانون الدولي يمكن القول إنها الوسيلة الأخيرة التي تستخدمها دولةٍ ما لإجبار أُخرى على الإذعان لمشيئتها، وهي تنطوي على استخدام ما يلزم من الإكراه للوصول إلى تلك النتيجة، مع وجود مسوغٍ قانوني مقبول ولا يتعارضُ مع المواثيق الدولية المتعارف عليها، ما لم فسيعد اعتداءً سافراً وتعدياً صارخاً على سيادة واستقلال الدول والتدخل في الشؤون الداخلية للها، وبالتالي فَإنَّ كُـلَّ العنف الذي لا ضرورة له لتحقيق هذا الهدف –حتى وإن كان هدفاً مقبولاً– إنما هو مُجَـرّد عمل وحشي أحمق وعنف لا غرضَ له، ويصبح عندئذٍ عدواناً سافراً والدولةُ أَو الدول المتورطة فيه سوف تخضعُ للعديد من الإجراءات بموجب القانون الدولي أهمها تحمل كامل المسؤولية عن النتائج والمآلات والتعويض الكامل للدولة المعتدى عليها؛ لذلك تلجأ بعضُ الدول على التحايل على القوانين والأعراف الدولية –حتى تحقّق مبتغاها الذي هو النصر– فتعمل على تدمير أَو إضعاف الطاقة الحربية لعدوها، بدون أن تخسر إلا أقل الخسائر وتحت مبرّرات وعناوين مستترة، غير أن هذا لا يعفيها من تحمل كامل المسؤولية وكافة النتائج، وهو الأُسلُـوب الذي اتخذتهُ السعودية في عدوانها المغلف وتحت عناوينَ ومبرّرات واهية لا يقبلها عقل ولا يستسيغها منطق.
وعلى ضوء ما تقدم، يجزمُ جميع المتابعين والمتخصصين في القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة بعدم مشروعية التحالف الذي تقودهُ السعودية وبطلان كُـلّ مبرّرات الحرب على اليمن.
وهذا الأمرُ يعلمُــهُ النظام السعودي ويعيه جيِّدًا لذلك انتهزت السعودية جائحةَ كورونا لتعلنَ الهُــدنة من طرف واحد، والهُــدنة حسب تعريف فقهاء القانون الدولي العام هي “وقف العمليات الحربية بين طرفي القتال بناء على اتّفاق المتحاربين”، وهي إجراءٌ ذو طابع سياسي بجانب صفته العسكرية، يلجأ إليه المتحاربون عادةً كتوطئة لعقد الصلح، لذلك فالذي يملك عقد الهُــدنة هي حكوماتُ الدول المتحاربة ذاتها وليس رؤساء القوات المتقاتلة الذين يملكون -بحسب قواعد القانون الدولي- وقف القتال المؤقت، ويتولى الكلام في شأن الهُــدنة وفي تحديد شروطها ممثلون عن الطرفين يُعيَّنون خصيصاً لذلك، ولا تصبح الهُــدنة ملزمة إلا إذَا أقرتها حكومات الدول الأطراف فيها.
والهُــدنة قد تكونُ عامةً تشمل وقف جميع العمليات الحربية بين طرفي الحرب في جميع الميادين، وقد تكون محلية قاصرة على مناطقَ معينة كما هو الحال في الهُــدنة التي تضمنتها محادثاتُ السويد بخصوص الحديدة –رغم الخروقات الكثيرة فيها إلاّ أنها ما زالت ملزمة– فإذا لم يُحدَّدْ أجلٌ للهُــدنة، كان لكُلٍّ من طرفيها استئنافُ القتال في أي وقت على أن يخطر الطرف الآخر في الموعد الذي يكون متفقاً عليه لذلك في شروط الهُــدنة، وعلى كُـلٍّ من الفريقين أن يبلغَ قواته خبرَ الهُــدنة ويوقف القتال فوراً بمُجَـرّد هذا الإبلاغ، أَو في الوقت المحدّد في اتّفاق الهُــدنة، وبمُجَـرّد وقف القتال يحرُمُ على كُـلٍّ من الطرفين القيامُ بأية أعمال هجومية أَو دفاعية كان يمكن للطرف الآخر أن يوقفَ في وجهها القتال لو كان القتال مستمراً، إنما هذا لا يمنعُ من أن يقومَ كُـلٌّ من الفريقين وراء خطوط القتال باتِّخاذ الاستعدادات اللازمة من إعداد الذخائر وحشد الجيوش وغير ذلك مما لم يكن في مقدور خصمه منعه من اتِّخاذها أثناء القتال وذلك حسب المادة (38) من لائحة لاهاي.
وكل إخلال جسيم بشروط الهُــدنة من جانب أحد الطرفين يعطي للطرف الآخر الحقَّ في نقضها، وله في حالة الضرورة القصوى أن يستأنفَ القتال مباشرةً، إنما إذَا كان الإخلال من أفراد من تلقاء أنفسهم، فللطرف الآخر أن يطلبَ معاقبةَ المسؤولين ودفع تعويض عن الأضرار التي نتجت عن هذا الإخلال، وذلك بموجب المواد (40 وَ41) من لائحة لاهاي، والهُــدنة مهما طال أمدها لا تعني إلا مُجَـرّد وقف القتال بين طرفَيها، ولا تنهي قانوناً حالةَ الحرب القائمة، فهذه الحالة لا تنتهي إلا بإبرام الصلح، ولا يتغير الوضعُ حتى لو تعهد طرفا الهُــدنة بعدم العودة إلى القتال إطلاقاً ما دام أنه لم يتبع ذلك، الاتّفاق على إنهاء حالة الحرب بينهما وتسوية أسباب النزاع التي أَدَّت إلى نشوبها، ومما لا يمنعُ استمرار الهُــدنة، إمْكَانية ممارسة كافة الحقوق فيما عدا أعمال القتال كحق تفتيش السفن وضبط المهربات ومصادرة أموال العدوّ في الحدود المسموح بها والاستمرار في الحصار، ما لم تتضمن شروطُ الهُــدنة النصَّ صراحةً على خلاف ذلك.
وعلى ضوء ما تقدم من قواعدَ قانونية، يلزم لتطبيق الهُــدنة المعلن عنها من طرف واحد –السعودية– موافقةُ الحكومة اليمنية في صنعاءَ أولاً، وقبل ذلك لا بد من إعلان حلفائها ومرتزِقتها بالميدان التزامهم بالهُــدنة والموافقة عليها، وأن يكون ثمة طرف محايد يراقب وقف إطلاق النار، ويرفع تقاريره عن الأطراف التي تنتهك قواعد وقف إطلاق النار.
ونحن واثقون من قدرة القيادة اليمنية على الالتزام بالهُــدنة إن تمت وفق الرؤية الوطنية لوقف العدوان وفك الحصار، ولكن من يستطيع الرهان على مدى التزام التنظيمات والفصائل الإجرامية المسلحة التابعة لتحالف العدوان بما يُتفق عليه من شروط، وهل يعي مرتزِقة تحالف العدوان الرؤية الوطنية المقدمة ويتعاطون معها بإيجابية وموضوعية وتغليب مصلحة الوطن والأمة على مصالح دول العدوان؟!، وهل سَنحتاج للجان تحقيق واستقصاء دولية كلَّما حدث خرقٌ أَو إخلالٌ في بنود تلك الهُــدنة، فالتجربةُ “اتّفاق السويد” حاضرةٌ وخيرُ شاهد على كيفية تعاطي الأمم المتحدة مع مختلف خروقات تحالف العدوان على اليمن؟.
صحيفة المسيرة