دول خليجية تطرق باب التطبيع عبر الدراما

بعد الجدل الذي آثاره مسلسل” أم هارون” الذي يتحدث عن وجود اليهود في منطقة الخليج الفارسي عبر عمل درامي وصف بالتطبيعي. جاءت حلقة جديدة من المسلسل الكوميدي” مخرج 7 ” لتتطرق إلى العلاقة مع “إسرائيل” ونظرة السعوديين إلى تلك العلاقة.

 وإذ يبدو أن المسلسل في حلقاته الأولى يحاول أبراز التغييرات الكبيرة والإنفتاح داخل المملكة بعد وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى ولاية العهد وقيادته للبلاد بقالب كوميدي لا يخلو من الرسائل المباشرة. كان موضوع الحلقة الاولى يتمحور حول وصول المرأة إلى مناصب عليا، من خلال تعيين امرأة مدير عام لإحدى المؤسسات ، في حين كان بطل المسلسل ناصر القصبي الذي يلعب دور الموظف الأقدم وبالتالي بشكل تلقائي وحسب التسلسل الوظيفي يتوقع أن يكون هو بالمنصب ليتفاجأ أن امرأة تدخل المؤسسة وتبلغه أنها المدير العام الجديد .

 ومررت الحلقة الثانية صور التغييرات داخل السعودية من باب احتفال السعوديين بعيد الفلانتين وشرائهم الدببه والورود الحمراء بعد أن كان الاحتفال بهذا العيد محظورا في السعودية . وتمر اللوحة الكوميدية من خلال مواطن يتقدم بشكوى إلى الوزارة المعنية على أحد المحلات التي تبيع ورود الفلانتين، ليقابل الموظف طلب المواطن بالسخرية ويبلغه أنه يعيش بالزمن الماضي، لأن البلاد قد تغيرت، و لمح الموظف الى انتهاء دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الأمور لم تعد كما السابق، وهنا تتدخل المديرة الجديدة طالبة أغلاق محل بيع هدايا الفلانتين لأنه يبيع بضائع تقليد وليست اصلية، ما اعطى رسالة واضحة للمشاهد أن قرار الاحتفال بالفلانتين هو قرار رسمي.
أما الحلقة الثالثة فقد كانت “إسرائيل” حاضرة فيها من خلال تواصل ابن الموظف مع طفل إسرائيلي عبر العاب الانترنت ، وفي حين اعتبر الأب الأمر خطير جدا وان هذا يعتبر تواصل مع العدو، اعتبرت الأم أن الأمر لا يعدو كونه لعب اطفال مع بعضهم.
العم طلب من الأب أن يخبر أمن الدولة بهذه الحادثة ، والأخت لبست الكوفية الفلسطينية وفصلت اغراضها عن أغراض الأخ المطبع . بينما حاول الجد الطلب من الحفيد التواصل مع الطفل الإسرائيلي والطلب منه أن يعرفه على رجال أعمال إسرائيليين للشراكة في البزنس. وفي حوار بين الأب والجد حول هذا الطلب . يقول الجد أن القضية الفلسطينية هي سبب سوء أحوال العالم العربي ، وأن التعامل مع عدو أفضل من التعامل مع من يشتمون السعودية في إشارة واضحة للشعب الفلسطيني. ليرد الأب أن الشعب الفلسطيني مثل كل الشعوب فيه الطيب وفيه السيء .

وفي المؤسسة الحكومية التي يعمل بها الأب ، يتقدم أحد الموطنين بشكوى حول تيشرت في الأسواق فيه ما يشبه  “نجمة داوود” . ليقرر الموظف سحب التيشرت من الأسواق ، ولكن موقف المديرة كان ضد هذا القرار ، لأن حسب رأيها الرسم لا علاقة له “بنجمة داوود” . ولم تكتف بهذا إنما عاقبت الموظف لأنه اتخذ مثل هذا القرار وهددته بالطرد من العمل.

وإن كانت الحلقة قد حاولت إيجاد توازن في الآراء من خلال شخصيات العمل، فأظهرت أن في العائلة الواحدة هناك من لا يرى مانعا في العلاقة مع “إسرائيل” وهناك من لايزال يعتبرها عدوا وسحب هذا التوازن على مختلف الأجيال في الحلقة، فكانت البنت ضد “إسرائيل” مقابل الابن الذي لا يرى سببا لعدم التواصل مع طفل إسرائيلي واللعب معه، وبينما كان الجد متحمس للعلاقة مع “إسرائيل” ويستعجل عمل بزنس مع رجال أعمال إسرائيليين، كان الأب متشددا في اعتبارها عدو، وفي الوقت الذي أخذ فيه الموظف قرار سحب بضائع من السوق للاشتباه بوجود رسم نجمة داوود عليها، تدخل المديرة معتبرة أن الرسم بعيد عن النجمة الإسرائيلية، وأن هذه الهواجس تدعو للسخرية.
بيد أن هذا التوازن مرر رسالة واضحة أن ثمة نظرة جديدة في السعودية نحو “إسرائيل”، وأن العلاقة معها أصبحت محل انقسام في السعودية وان لدى الشعب السعودي من بدأ يقبل العلاقة مع العدو، رغم هذه الرسائل الكثيفة التي وجدت من اعمال شهر رمضان المبارك ميدانا لها، فإن الصورة الأقرب للحقيقة هي أن الشعب السعودي ضد التطبيع كما باقي الشعوب العربية وان محاولات التطبيع تجري على المستوى الرسمي ويسوق لها شعبيا عبر عدد من الأعمال في مجال الدراما والكوميديا.
اما مسلسل “أم هارون” الكويتي فقد أثار موجة من الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أول أيام عرضه، حيث اعتبره مغردون تمهيدا للتطبيع مع “إسرائيل” و تشويه للحقائق التاريخية.
ويحكي مسلسل “أم هارون” قصة طبيبة يهودية في أربعينيات القرن الماضي، والتحديات التي واجهت أسرتها والجالية اليهودية في الدول الخليجية.
واستاء الجمهور من ما وصفوه بأنه خطأ تاريخي لا يغتفر، إذ تداول مغردون مقطعا من المسلسل يتحدث عن تأسيس دويلة “إسرائيل” عقب إنهاء الانتداب البريطاني على “أرض إسرائيل” عوضا عن فلسطين.
ووصف القيادي الفلسطيني باسم نعيم المسلسل بـ”العدوان الثقافي” تحت وسم #التطبيع_خيانة ، كما طالب بمقاطعته.
وأشار مغردون إلى أن إسرائيل لم يكن لها وجود وقتها، كما أضاف البعض أن الهدف مما جاء بالمسلسل هو محو اسم فلسطين والهوية والفلسطينية.
وفي السياق نفسه، وصف الصحفي عبدالباري عطوان المسلسل على أنه “أخطر حلقات التطبيع”، مشيرا إلى أنه “يشرع عودة اليهود إلى الجزيرة العربية وإلى خيبر بالذات”.
وفي حوار سابق مع بي بي سي عربي، انتقدت الممثلة الكويتية حياة الفهد الاتهامات الموجهة لمسلسل “أم هارون” بالترويج لتطبيع الدول الخليجية مع “إسرائيل”.
واعربت الممثلة عن اعتقادها أن تناول أم هارون” قصة يهود عاشوا في الخليج الفارسي خلال أربعينيات القرن الماضي، لا يعني الدعوة للتطبيع، الذي أكدت معارضتها له بشكل شخصي.
كما أضافت أنها لا تتخوف من دعوات بعض نشطاء مناهضة التطبيع لمقاطعة المسلسل.
وأعربت عن استغرابها للضجة المثارة حوله “لمجرد استخدام اسم يهودي” فيه.
وسبق أن ذكر المتحدث باسم جيش الكيان الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إنه “مهتم” بالمسلسل، وعبر عن إعجابه بتصريحات بطلة المسلسل حياة الفهد، حينما اعترفت “بتواجد اليهود في كل مكان”.
ولكن ما خلفيات التهافت الدرامي الخليجي وراء المحاولات الرامية لتنميط الهوية اليهودية في مجتمعات المنطقة سواء كان تاريخيا كما في مسلسل” ام هارون” او مجازيا على غرار مسلسل “مخرج 7” السعودي، فهل هذا النوع من المسلسلات بالونات اختبار لصانع القرار للمضي قدما في عملية التطبيع التي انطلق قطارها بالخفاء مع ظهور بعض ملامحه على شكل تبادل سياحي واطراء اعلامي في بعض الاحيان؟
فلا يخفى على أي متابع أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إعتمد منذ أن أحكم قبضته على السلطة، على الاعلام كمنصة لتمرير سياساته داخليا وخارجيا، فمثلا عندما تشاهد المسلسل السعودي “العاصوف” في جزأيه الاول والثاني واللذين عرضا في الموسمين الماضيين، تخرج بانطباع أقرب لليقين أن المسلسل ما هو الا تجسيدا لما يدور في خلد الرجل، حيث القى اللوم كليا على “تيار الصحوة” الاخواني الهوى لما آلت اليه أوضاع التطرف في السعودية، لتعمية المشاهد عن حقيقة التيار الوهابي الذي يمثل جوهر التطرف في المنطقة والايديولوجيا الرسمية للمملكة، ناهيك عن أن بطل عمل هذين المسلسلين الفنان “ناصر القصبي” محسوب أساسا على بن سلمان في ترجمة أفكاره وعرضها دراميا.
وإستطردا فمنذ بروز بن سلمان وقبل حتى طرح رؤيته الاقتصادية 2030 الهادفة لتنويع مداخل السعودية ومنها العوائد السياحية، اطلقت قناة العربية برنامج ” على خطى العرب” الذي يسلط الضوء على المواقع السياحية المنسية في الجزيرة العربية  وصورها وكأن هذه الآثار أكتشفت للتو، وغاص في قضايا كانت بالامس القريب محرم الخوض بها مثل تناول مدائن صالح وشعيب (عليهما السلام)، حيث إن وكما هو معروف فان التيار الوهابي لايعتقد بالاثار التاريخية ويعتبرها نوع من الشركية، ولا يحث على تتبع سيرتها. لذا ليس سرا هو أن ما يعرض من أعمال جدلية على شاشة ام بي سي والعربية لا ينسلخ عن الاطار السياسي العام لصانع القرار السعودي، وباتت مجسات حقيقية لقياس نبض الشارع ازاء القضايا الشائكة.
قد يعجبك ايضا