السعودية تغرق بالديون إثر أزمتي أسعار النفط و’كورونا
تضع تداعيات تفشي فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط المالية العامة في السعودية تحت ضغوط غير مسبوقة، وظهر ذلك في الارتفاع الذي سجله مؤشر الدين السعودي خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 6.7%، كأعلى نمو ربعي للديون خلال عام.
وبالنظر إلى إعلان وزير المالية السعودي “محمد الجدعان”، السبت الماضي، نية بلاده اقتراض ما يصل إلى 220 مليار ريال (58.6 مليار دولار)، فإن ميزانية المملكة بصدد تحمل مديونية ضخمة جديدة.
وأقر “الجدعان”، بأن المملكة استخدمت أكثر من تريليون ريال (نحو 266 مليار دولار) من الاحتياطيات خلال 4 سنوات، في إشارة إضافية إلى حجم المأزق المالي الذي تعيشه المملكة.
حجم الدين
بلغ حجم الدين العام السعودي، بنهاية الربع الأول 2020 نحو 723.5 مليار ريال (192.9مليار دولار)، بحسب تقديرات صحيفة “الاقتصادية” السعودية.
وسجلت الموازنة العامة للملكة، عجزا ماليا خلال الربع الأول من العام الحالي بقيمة 34.1 مليار ريال (نحو 9 مليارات دولار).
وتشكل الديون المحلية نسبة 55.2% من حجم الدين السعودي، في حين تشكل الديون الخارجية حوالي 44.8%، ويصل حجم الدين إلى الناتج المحلي إلى 27.4%، مقارنة نسبة 25.7% نهاية العام الماضي، ومن المقرر أن ترتفع هذه النسبة إلى 50% بحلول عام 2022.
وجرى سد العجز السعودي خلال الربع الأول من العام الجاري، عبر ديون خارجية بقيمة 18.49 مليار ريال، وديون محلية بنحو 11.19 مليار ريال، و9 مليارات ريال من الحساب الجاري.
قروض مليارية
ومنذ مطلع عام 2020، اتجهت وزارة المالية السعودية بكثافة نحو سوق أدوات الدين، وأصدرت سندات دولية بقيمة خمسة مليارات دولار في يناير/كانون الثاني؛ لسد العجز المتوقع في الموازنة العامة.
وفي مارس/آذار الماضي، باعت “المالية” السعودية، صكوكا محلية بقيمة 15.568 مليار ريال (4.15 مليارات دولار)، على 3 شرائح مستحقة في أعوام 2025 و2030 و2050.
ويتفاوض صندوق الاستثمارات السعودي (صندوق سيادي) منذ شهور، مع عدة بنوك عالمية؛ للحصول على قرض بقيمة عشرة مليارات دولار لمدة عام واحد مع إمكانية تمديده لعام آخر، وفق شبكة “بلومبيرج” الأمريكية.
ويعد هذا القرض هو الثاني بعد قرض ضخم حصل عليه الصندوق عام 2018، بقيمة 11 مليار دولار لمدة خمس سنوات.
ومن المتوقع أن يكون 2020 عاما مثقلا بالديون بعد عام 2019 الذي شهد استدانة المملكة مبلغ 118 مليار ريال (31.5 مليار دولار)، من خلال السندات والصكوك، بحسب بيانات إدارة الدين العام التابع لوزارة المالية السعودية.
وفي عام 2018، بلغ حجم الديون القائمة على الحكومة السعودية نحو 150 مليار دولار، 54% منها بالعملة المحلية، والباقي ديون مقومة بالدولار.
أزمة كورونا
ويعود رهان المملكة المكثف على أسواق الدين في الوقت الراهن إلى استمرار أزمة تفشي فيروس “كورونا”، التي تضغط بشدة على المحفظة المالية للمملكة، التي تواحه بالفعل ضغوطا كبيرة بعد إلغاء موسم العمرة، وفقدان عوائد السياحة الدينية التي تنتعش هذا الموسم.
ومن المرجح كذلك أن تفقد المملكة عوائد موسم الحج، أغسطس/آب المقبل، سواء تم إلغاؤه بشكل تام وتم إجراؤه لأعداد محدودة بتدابير احترازية صارمة، وهو ما سيضع ضغوطا إضافية على العديد من أوجه النشاط الاقتصادي مثل مثل شركات السفر والطيران ومقدمي خدمات الفندقة والضيافة.
ووفق “الجدعان”، فإن المملكة تأثرت بشكل قوي بالتداعيات الاقتصادية لجائحة “كورونا”، معترفا بأن البلاد لم تشهد أزمة بتلك الحدة من قبل، ومطالبا بالاستعداد للأسوأ، وسط توقعات بأن الأزمة الحالية قد تدفع بالدين العام إلى مستويات قياسية.
ومما يزيد الأمور سوءا أن هذه الأزمة تتزامن مع انهيار تاريخي مستمر في أسعار النفط منذ عام 2014 وهو ما تسبب في معاناة الموازنة السعودية من العجز لمدة 6 أعوام على التوالي.
وتقدر موازنة عام 2020 سعر برميل النفط عند نحو 55 دولارا، بينما يبلغ سعر البرميل في الوقت الراهن أقل من 20 دولارا، ما يعني أن المملكة ستفقد إيرادات بنحو 254.7 مليون دولار يوميا في حال احتساب متوسط يومي للصادرات بنحو 7.278 مليون برميل، حسب البيانات الرسمية.
وحال استمر سعر البرميل عند هذا المستوى (أقل من 20 دولارا)، ستخسر الخزانة السعودية، بنهاية العام الجاري، نحو 93 مليار دولار من إيرادات النفط.
وكان سعر خام برنت، قد بلغ نحو 67 دولارا نهاية العام الماضي 2019، قبل أن يدخل في دوامة الانهيار، مع تراجع الطلب العالمي، ولعبة إغراق الأسواق بين السعودية وروسيا.
إلى جانب ذلك، ستتكبد السعودية فاتورة خسائر أخرى، مع خفض إنتاجها النفطي إلى متوسط 8.5 ملايين برميل يوميا، بموجب قرار “أوبك +” الذي يقضي بخفض الإنتاج العالمي بمقدار 10 ملايين برميل يوميا، بداية من مايو/آيار الجاري.
وتقول التقديرات، إن التخفيضات التي تعهدت بها السعودية، ستبدد نحو 40 مليار دولار من إيرادات المملكة، هذا العام، وفق تقديرات “رويترز”.
ضغوط إضافية
وتبرز فاتورة حرب اليمن، التي دخلت عامها السادس، ضمن قائمة أسباب تحول السعودية إلى دولة مثقلة بالديون.
وتتكتم الرياض حول التكلفة الحقيقية للحرب التي لم تضع أوزارها بعد، لكن تقديرات أوردتها صحيفة “التايمز” البريطانية، تفيد بتكبد المملكة نحو 200 مليون دولار يوميا، أي 72 مليار دولار سنويا، ما يعني أن فاتورة الحرب بلغت 360 مليار دولار خلال 5 سنوات.
بخلاف ذلك، تنفق المملكة أكثر من 60 مليار دولار سنويا على واردات الأسلحة، وهو ما يضع ضغوطا إضافية على موازنتها.
إلى جانب ما سبق، هناك الإنفاق السخي على برامج قطاع الترفيه بقيمة 240 مليار ريال (نحو 64 مليار دولار)، خلال 10 سنوات.
ويخطط ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” لإنفاق 500 مليار دولار لإنشاء مدينة “نيوم” على البحر الأحمر، وهي تكلفة باهظة ستشكل عبئا كبيرا على الخزانة السعودية، مع غموض حول العائدات المنتظرة من المشروع.
وقد تسببت جميع هذه الضغوط في تآكل الاحتياطات النفطية للمملكة بوتيرة سريعة، من 732 مليار دولار في عام 2015 عندما اعتلى الملك “سلمان بن عبدالعزيز” سدة الحكم إلى 497 مليار دولار في عام 2019، بخسارة قدرها 235 مليار دولار، وفق بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي.
وتقول وكالة التصنيف الائتماني العالمية “موديز”، إن الصدمة الحادة لأسعار النفط ستتسبب في زيادة ديون المملكة، وتأكل مصداتها المالية السيادية، مرجحة هبوط الإيرادات الحكومية بنسبة 33% في 2020، وحوالي 25% في 2021.
وفي مارس/آذار الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من اندثار ثروات السعودية قبل عام 2035، حال استمرت في اعتمادها بشكل أساسي على عائدات النفط.
وكما تشير تقديرات وكالة “فيتش”، فإن عجز الموازنة السعودي هذا العام من المقرر أن يصل إلى 80 مليار دولار (مقارنة بـ50 مليار دولار في التقديرات الحكومية)، ما يعني أن المملكة لن تجد مفرا من استدانة المزيد من الأموال من أجل تمويل موازنتها خلال الأشهر، ربما السنوات، المقبلة.