بعد أن غذاها ترامب خلال فترة حكمه .. أمريكا على أبواب ثورة ضد العنصرية
تقرير
فشلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إخماد الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت قبل خمسة ايام في مدينة مينيابوليس عقب مقتل جورج فلويد، وهو رجل أسود أعزل، خلال احتجازه من قبل عناصر الشرطة .
وتوسعت رقعة الاحتجاجات في أنحاء البلاد الامر الذي دفع الادارة الامريكية الى اغلاق البيت الأبيض ونشر قوات من الحرس الوطني.
وأظهر مقطع فيديو على الإنترنت مئات المتظاهرين الذين تجمعوا في لافاييت بارك خارج البيت الأبيض وهم يهتفون “لا عدالة، لا سلام”، وحمل أحد المتظاهرين لوحة كتب عليها “توقفوا عن قتال الرجال السود”.
وذكرت وسائل إعلام امريكية أن الأبواب المؤدية إلى قاعة المؤتمرات في البيت الأبيض قد تم إغلاقها.
بداية القصة
وتعود بداية الانتفاضة في أمريكا الى قيام ضابط شرطة يدعى ديريك تشوفين، بقتل فلويد، البالغ من العمر 46 عاما، مساء الاثنين.
وكان فلويد يعمل حارساً في أحد مطاعم المدينة، وأوقفه عناصر الشرطة خلال بحثهم عن مشتبه به في عملية تزوير.
وأظهر شريط مصوّر مدته عشر دقائق، صوره أحد المارة، فلويد عاري الصدر، مطروحا أرضا فيما ضابط أبيض يضغط بركبته على عنقه لأكثر من خمس دقائق. ويسمع فلويد يتوسل مرددا “ركبتك على عنقي…. لا يمكنني التنفس… أمي… أمي”. ويصمت فلويد شيئا فشيئا ويتوقف عن الحراك، فيما الضباط يواصلون تحدّيه قائلين “انهض واصعد في السيارة” فيما لا يزال أحدهم يثبته أرضا بركبته ، ما اثار غضب الامريكيين الذين خرجوا للشوارع عقب انتشار مقاطع الفيديو.
وطالب المتظاهرون بمحاكمة الشرطي وثلاثة من زملائه الضالعين في الحادثة التي اثارت القلق حيال انتشار الممارسات العنصرية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وقد فرض عمدة مينيابوليس جاكوب فراي يوم الجمعة حظر تجول ليلي إلزامي يبدأ من ليلة يوم الجمعة بعد ثلاث ليال متتالية من الاحتجاجات المتزايدة والعنف في أكبر مدينة في ولاية مينيسوتا الواقعة في الغرب الأوسط الأمريكي.
وأعلن حاكم ولاية مينيسوتا الأمريكية تيم والز اليوم السبت عن التعبئة الكاملة لقوات الحرس الوطني في الولاية، لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، على خلفية احتجاجات واسعة النطاق.
وتشهد المدينة حركة إحتجاجية وتظاهرات سلمية لكنها سرعان ما تحولت الى مواجهات عنيفة تخللها حرق لمركز الشرطة في المدينة ومواجهات بين المتظاهرين والقوات الأمنية، سيما بعد ان حرض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إطلاق النار على المتظاهرين المحتجين على مقتل جورج فلويد حيث كتب في حسابه على تويتر “قاطعو الطرق هؤلاء يدنسون جورج فلويد. وأنا لن أسمح بحدوث ذلك.
تحدثت لتوّي مع الحاكم تيم وولز وأخبرته أن الجيش إلى جانبه إلى النهاية. سنحاول السيطرة على أية صعوبة، لكن عندما يبدأ النهب يبدأ إطلاق النار. شكرا”.
ووصف دونالد ترامب، المتظاهرين فى مدينة مينابوليس بولاية مينيسوتا بالسفاحين والبلطجية،
وردّ موقع تويتر، الذي يخوض الرئيس الأمريكي مواجهة ضده، بوضع إشارة “تمجيد للعنف” على التغريدة، مشيرًا إلى أنها انتهكت قواعده إلا أنه لن يزيلها.
وأعلنت شرطة مدينة أوكلاند في ولاية كاليفورنيا الأمريكية عن مقتل ضابط في خدمة الحماية الفيدرالية وإصابة آخر جراء إطلاق نار حصل خلال مظاهرات في المدينة الليلة الماضية.
وأكد متحدث باسم شرطة أوكلاند أن 7.5 ألف متظاهر على الأقل خرجوا الليلة الماضية إلى شوارع المدينة احتجاجا على مقتل الشاب من ذوي البشرة السمراء فلويد.
بدوره اعتبر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن وفاة جورج فلويد، يجب ألا تعتبر “أمرا عاديا” في الولايات المتحدة. وكتب أوباما في بيان “يجب ألا يعتبر هذا ’أمرا عاديا‘ في أمريكا 2020، ولا يمكن أن يكون ’عاديا‘”.
من جهته طالب فيلونيز فلويد، شقيق المتوفي، في تعليق مع شبكة “سي إن إن” بإنزال عقوبة الإعدام في المسؤولين عن موت شقيقه.
وأضاف “ضاق ذرعي برؤية الرجال السود يموتون”. وتابع “أريد أن يكون المتظاهرون سلميين، لكنني لا أستطيع إجبارهم على ذلك، إنه أمر شاق”.
كذلك ربطت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بين سلسلة من الحوادث أبرزت مشاعر عنصرية في الولايات المتحدة.
وعبرت ميشال باشليه في بيان عن أسفها “لهذا الحادث الأخير في سلسلة طويلة من جرائم القتل لأفارقة أمريكيين عزل ارتكبها رجال الشرطة الأمريكيون”. وأكدت أن “على السلطات الأمريكية اتخاذ إجراءات جدية لوضع حد لجرائم القتل هذه والتأكد من تحقيق العدالة عند حدوثها”.
الشرطة تعتقل الصحفيين
في سياق متصل، أكدت فضائية “CNN” الإخبارية الأمريكية، أن مراسلها عمر جيمينز احتجزته الشرطة الأمريكية أثناء بث حى من محيط الاحتجاجات التي تشهدها مدينة مينيابوليس بولاية منيسوتا الأمريكية، وذلك رغم تعريفه لنفسه بشكل واضح للضباط.
وقالت شبكة “CNN” الإخبارية، إن فريق عمر جيمينز الذى شمل معدا وفنى كاميرا قد تمت تقيديهما أيضا. مشيرة إلى أنه تمت مصادرة كاميرا ” CNN”، والتى ظلت تسجل حتى تم تقييد الفريق، بينما لم يبدو أن الشركة تدرك أن الكاميرا كانت لا تزال تسجل، مطالبة بسرعة الإفراج الفوري عن فريقها.
وأكدت شبكة “CNN” الإخبارية، أن صحفيا يعمل لديها وفريق الإعداد الخاص به تم اعتقالهم صباح الجمعة في مينيابوليس أثناء أداء عملهم على الرغم من تعريف أنفسها، فيما يمثل انتهاكا واضحا لحقوق التعديل الأول للدستور الأمريكي الذي يكفل حرية التعبير.
العنصرية داخل المجتمع الامريكي
ويأتي مقتل فلويد عقب حادثين قتل فيهما أسودان بأيدي الشرطة. ففي 13مارس، اقتحم ثلاثة شرطيين منزل امرأة سوداء تدعى بريونا تايلور في مدينة لويسفيل في ولاية كنتاكي وأطلقوا النار عليها في سياق تحقيق في قضية مخدرات.
وفي برونسويك بولاية جورجيا، اتهمت الشرطة والنيابة العامة بالتغطية على قتل الشاب الأسود أحمد أربيري فيما كان يمارس رياضة الجري حين أطلق عليه النار مفتّش متقاعد كان يعمل لحساب النيابة العامة المحلية.
ويعتقد أن الشرطة احتجزت لشهرين فيديو يوثق الجريمة، يظهر فيه أحمد أربيري (25 عاما) يحاول الالتفاف على بيك آب متوقف في طريقه، غير أن رجلا يعترضه فيما تسمع ثلاث طلقات نارية.
وأعلن الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية أن قضية مينيابوليس تظهر أن الشرطة لا تزال تسيء معاملة السود المتهمين بقضايا غير خطيرة.
ويعاني المجتمع الأمريكي مستويات عالية من العنصرية والتمييز وهي ادت الى صعود حركة اليمين البديل (alt-right) وهي عبارة عن تحالف قومي أبيض يسعى إلى طرد الأقليات العرقية من الولايات المتحدة.
وفي شهر أغسطس من عام 2017، حضرت هذه المجموعات مسيرة في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، وكانت تهدف إلى توحيد مختلف الفصائل القومية البيضاء ضد الأقليات العرقية، وخلال تلك المسيرة قاد متظاهر عنصري أبيض سيارته باتجاه مجموعة من المتظاهرين المضادين مما أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة 19 آخرين.
ورغم انتهاء التمييز العنصرى ضد السود، من الناحية الرسمية قبل عقود في الولايات المتحدة ووصول رجل من أصول أفريقية لسدة الحكم عام 2009، لكن على أرض الواقع بقي التمييز كامنا بقوة متمثلا في عنف الشرطة الأمريكية ضد السود.
واثارت الحادثة في مينيابوليس القلق حيال انتشار الممارسات العنصرية ضد الملونين، والتي ازدادت بشكل ملحوظ في عهد دونالد ترامب الذي أصبح رئيسا للولايات المتحدة منذ عام 2016، حيث طغت التوجهات اليمينة لترامب على السياسة الداخلية والخارجية لواشنطن وتجلى ذلك في موقفه شديد العداء للمهاجرين وتبنيه خطابا شعبويا زادت حدته في حملة انتخابات الكونغرس، وانسحابه من الاتفاقيات الدولية التى وقعها سلفه اوباما.
علاقة ترامب بنشر حالة الكراهية في امريكا
وكانت دراسة أجراها مركز الكراهية والتطرف في جامعة ولاية كاليفورنيا، خلص أن هناك زيادة في معدل الحالات المبلغ عنها في كثير من المناطق الأمريكية المتعددة الثقافات في عام 2016، وهو اتجاه يبدو أنه يواصل تصاعده هذا العام.
وسجلت الزيادة في مدينة نيويورك نسبة 24 في المئة، وهي أعلى نسبة خلال عشر سنوات، وفي شيكاغو 20 في المئة، وفيلاديلفيا 50 في المئة ثم واشنطن العاصمة بنسبة 62 في المئة.
وتفاوتت الحوادث المدرجة على القائمة بين الاعتداءات الجسدية الشديدة، إلى رسم جداريات تتسم بالعنصرية،والتحرش بالأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية، والتهديد بتشويه صورة المهاجرين ومصادرة الوثائق، أو أي شئ آخر.
ويقول باحثون إن حملة الانتخابات الرئاسية التي اتسمت بالعنصرية قد تكون من بين المحركات وراء زيادة هذه المعدلات.
وقال بريان ليفين، خبير علوم الجريمة ومدير مركز دراسة الكراهية والتطرف، إن تسليط الضوء على قضايا مثل العرق والدين والأصول القومية يشير إلى أن نبرة الانتخابات الرئاسية الماضية ربما لعبت دورا في التأثير على معدلات الجرائم والتعرض لوسائل الإعلام، وربما تكون أحد أسباب “تباين دوافع الأفراد، من المتشددين المتعصبين إلى أولئك الساعين إلى اتخاذ تحرك ما”.
ولا يربط الباحثون في الدراسة بين علاقة زيادة العنف ولهجة الاستقطاب التي انتهجها الرئيس الأمريكي الراهن، لأن الإحصاءات لا تشير إلى وجود علاقة مباشرة.
وكتب بنيامين هيننغ، أستاذ الجغرافيا في جامعة أيسلندا والباحث المشارك في جامعة أوكسفورد: “تجتذب (قضايا) الكراهية والتطرف اهتماما واسع النطاق. وربما أسهمت اللهجة ذات الصلة بالتطرف اليميني في الولايات المتحدة نوعا ما في انتخاب دونالد ترامب للرئاسة”.
وقدمت دراسة أخرى، ركزت على الأشهر الثلاثة التي أعقبت يوم الانتخاب، دليلا آخر على “تأثير ترامب” نوعا ما.
ورصد مركز قانون الحاجة الجنوبي، وهو منظمة تراقب التطرف في شتى أرجاء الولايات المتحدة، تسجيل 1094 حادث تمييز بين الفترة من نوفمبر 2016 إلى فبراير 2017.
وخلص تقرير المركز إلى أن 37 في المئة من هذه الحوادث ذات صلة مباشرة بالرئيس، أو شعارات حملته الانتخابية أو سياسته. في حين حدد موقع “ثينك بروغريس” الرقم بنحو 42 في المئة.
ويرصد مركز قانون الحاجة الجنوبي، الذي أسسه محامون في الحقوق المدنية لمراقبة أنصار تفوق ذوي البشرة البيضاء، زيادة جماعات تأييد الكراهية على الأراضي الأمريكية كالآتي: 917 جماعة تعمل في 48 ولاية أمريكية عام 2016، مقارنة بنحو 784 جماعة قبل عامين من ذلك.
وتضم ولاية كاليفورنيا 79 جماعة، يليها ولاية فلوريدا التي تضم 63 جماعة.
كما رسم المركز خارطة ترصد جرائم الكراهية التي أظهرت تركيز أكثر الحالات المبلغ عنها في كاليفورنيا ونيويورك وتكساس ثم فلوريدا في المركز الرابع.
ويقول مكتب التحقيقات الفيدرالي، المكلف بتتبع هذه الجرائم، إنها (الجرائم) تسجل نحو 6000 حالة سنويا. لكن تقرير مكتب إحصاءات العدالة الصادر في يونيو يقدر إجمالي العدد بنحو 250 ألف حالة.
وتقول الدراسة إن هناك أقليات أخرى تتعرض لممارسات عنف وكراهية فالحياة ليست سهلة في بطرسبرغ لذوي الأصول الإسبانية أيضا. فرغم أنهم يمثلون ربع عدد سكان في ولاية فلوريدا، لكنهم لا تتجاوز نسبتهم في المدينة 7.00 في المئة من السكان.
وبعد وعود ترامب ببناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك، أصبح التحرش بالمهاجرين من أكثر جرائم الكراهية شيوعا، وفقا لإحصائيات مركز قانون الحاجة الجنوبي.
ويرى الكثير أن انتشار جماعات الكراهية بدأ قبل ترشح ترامب للرئاسة، بل ذهبوا إلى أن هذه الظاهرة انتشرت في مطلع القرن الحالي لرفض وجود المهاجرين من دول أمريكا اللاتينية بسبب المخاوف حيال التوقعات الديمغرافية التي تشير إلى أن البيض لن يكونوا أغلبية بين سكان الولايات المتحدة بحلول عام 2040.