نص كلمة قائد الثورة بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين 1441هـ

موقع أنصارالله – صنعاء – 27 شوال 1441 هجرية

القى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، امس الخميس، كلمة بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة 1441هـ فيما يلي نصها:

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين، التي أطلقها السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-، عندما هتف بشعار الحرية، بشعار البراءة من أعداء الأمة، من أعداء الإسلام والمسلمين، من أعداء البشرية، من أعداء الله، الهتاف الذي أعلنه في محاضرته المهمة والشهيرة المعنونة بـ (الصرخة في وجه المستكبرين)، وكان ذلك في آخر خميسٍ من شهر شوال في العام ألف وأربعمائة واثنين وعشرين للهجرة النبوية، بعد قرابة أربعة أشهر من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي أعقبها تحركٌ أمريكيٌ واسع لتوظيف تلك المؤامرة بالاستهداف لأمتنا الإسلامية في كل بلدانها، وفق خطةٍ كبيرةٍ، وخدعةٍ رهيبةٍ، جعلت منها أمريكا وإسرائيل غطاءً شاملاً للعمل على السيطرة على المسلمين، وعلى بلدان الأمة الإسلامية بكلها.

هذه المناسبة المهمة التي هتف فيها السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- بالهتاف المهم والشهير، هتاف البراءة المتمثل في العبارات المعروفة:

الله أكبر

الموت لأمريكا

الموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصر للإسلام

وطلب من الجميع أن يرددوا هذا الشعار في مختلف المناسبات، وفي مناسبة يوم الجمعة، بعد صلاة الجمعة أو بعد الخطبة لصلاة الجمعة، وكذلك في مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية والعامة؛ باعتباره موقفاً مهماً تتطلبه الظروف، وتفرضه المسؤولية.

في هذه المناسبة نتحدث عن هذه الصرخة في أهميتها وماذا تعنيه، وكذلك نتحدث عن المستجدات التي نعيشها وتعيشها أمتنا الإسلامية في هذه المرحلة.

قيمة هذه الصرخة، وأهمية هذا الشعار: أنه مثَّل في أول نتائجه وثماره نقلةً عملية من حالةٍ سائدة تتعاطى الأمة فيها مع الأحداث الكبيرة، والتحديات الخطيرة، والمؤامرات الرهيبة التي تستهدفها، تتعاطى تعاطياً لا مسؤولاً، السائد في الحالة العامة لدى الكثير من الناس وبالذات في الواقع الشعبي، هو الحديث عن تلك الأحداث وما يستجد فيها من جانب أمريكا وإسرائيل، ومن جانب حلفاء أمريكا، الحديث بمجرد التناول بالتحاليل الخاطئة، والحديث الذي لا ينطلق من رؤيةٍ صحيحةٍ، ولا ينطلق على أساس موقفٍ من هذه الأحداث، وإنما مجرد التحليل، وقد تكون الكثير من التحاليل لتلك الأحداث تحاليل خاطئة، وبنظرة خاطئة، وبفهمٍ خاطئ، وبنظرة خاطئة، فيأتي الحديث سواءً في بلدنا أو في غيره، في مقايل القات، في الاجتماعات، في المناسبات، بمجرد التحليل الإعلامي، والحديث العادي، وبفهمٍ ونظرةٍ خاطئة، وتقييمٍ خاطئ لطبيعة تلك الأحداث والمؤامرات والمستجدات التي تستهدف هذه الأمة، وأيضاً بدون روحٍ مسؤولة، بدون وعي، بدون استشعارٍ للمسؤولية، وكأنها أحداثٌ لا تعنينا نحن، وكأنها أحداثٌ لا نتحمل نحن تجاهها أي مسؤوليةٍ بالاعتبار الديني وبغيره، وكأننا مجرد محللين، يتحول الكل إلى محللين إعلاميين وإخباريين، نتناول الحديث والأخبار بهذه الطريقة.

وعندما أتت هذه الصرخة مثَّلت نقلةً لكل الذين استجابوا وانطلقوا في هذا التوجه، إلى التعامل بطريقةٍ مختلفة: إلى التعامل بروحٍ مسؤولة، ومن خلال موقفٍ عملي، ومن خلال رؤيةٍ قرآنيةٍ وواقعية، ومن موقع المسؤولية، من موقع من يدرك ويعي أنه معنيٌ بهذه الأحداث، وأنَّ عليه مسؤولية تجاه ما يجري، وأنه ليس من الصحيح، وليس من مصلحة الأمة، وليس من مصلحة أبناء الأمة، وأنت واحدٌ منهم، وليس مما ينسجم مع انتمائنا الإسلامي والديني، أن نكون مجرد متفرجين على ما يجري من أحداث، أو مجرد محللين وإخباريين نتعاطى مع الأحداث بالاقتصار على التحليلات والكلام الذي لا يتحرك معه أي موقف، ولا ينطلق معه أي تحركٍ عملي، فكانت هذه النقلة العملية: من مجرد التعاطي العادي مع الأحداث والتحليلات العادية، إلى موقع المسؤولية والموقف العملي، الذي يعبِّر عنه هذا الشعار، وما ترافق معه أيضاً من دعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، ومن نشاطٍ توعوي وخطوات عملية تالية كثيرة.

ومن قيمة هذا الشعار، ومن أهمية هذه الصرخة أيضاً: أنه أصبح عنواناً وشعاراً لمشروعٍ توعويٍ وتنويريٍ وعمليٍ نهضويٍ بنَّاء، الأمة في أمسِّ الحاجة إليه في مواجهة هذه التحديات، وهذه الأخطار، وهذه الهجمة الأمريكية الإسرائيلية الرهيبة على أمتنا، وهذه مسألة مهمة جدًّا.

إذا نظرنا إلى طبيعة التحرك الأمريكي والإسرائيلي، وهذا النشاط الواسع الذي يستهدف أمتنا في كل المجالات؛ نجد أننا بحاجة بشكل طبيعي، وبشكل حقيقي وواقعي، ليست المسألة مجرد فرضيات، أو كلام فاضي، أو توجه لإثارة مشاكل، أو زوبعة في فنجان كما يقولون، لا، الواقع يثبت ذلك، الأمة بحاجة إلى أن تمتلك مشروعاً، وأن يتسم هذا المشروع بهذه السمات والمميزات المهمة: أن يكون مشروعاً توعوياً؛ لأن أول ما نحتاجه في هذه المعركة هو الوعي، أن يكون مشروعاً تنويرياً، الأمة بحاجة إلى النور، إلى البصيرة في مواجهة الحملة التضليلية الرهيبة جدًّا التي يتحرك بها أعداء هذه الأمة، ويستهدفونها بها، والأمة بحاجة إلى أن يكون هذا المشروع ذو طابعٍ عمليٍ، وأن يكون فيه خطوات عملية، وليس مجرد كلام توعوي لا يترافق معه خطوات عملية، وأن يكون أيضاً بنَّاءً، بحيث يبني الأمة في مستوى وعيها، وفي مستوى أعمالها… وفي مستوى كل المجالات؛ لتكون في مستوى مواجهة هذه التحديات والأخطار، ولتكون في مستوى المسؤولية التي عليها، وهذا ما تحرَّك به السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-، فمع هذا الشعار، ومع هذه الصرخة، ومع الدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، قدَّم مشروعاً يتسم ويحمل كل هذه السمات والمميزات، وأعلنه وقدَّمه إلى الأمة، وتحرك على أساسه.

وأهمية أيضاً وقيمة هذا الشعار وهذه الصرخة: أنه تحركٌ في اتجاه الموقف، في أن يكون للأمة موقف، في مقابل ما عليه الآخرون، في مقابل حالة اللا موقف التي تمسك بها البعض، والتزم بها البعض، وأصر عليها البعض، بكل ما لها من سلبيات خطيرة جدًّا؛ لأن حالة اللا موقف تعني: الصمت، والسكوت، والقعود، والجمود، والاستسلام، تعني: إفساح المجال للعدو ليتحرك في ساحتنا الإسلامية في كل بلداننا بما يشاء ويريد، تعني: أن نترك المجال للعدو ليتآمر بكل أشكال مؤامراته، وأن نعطيه الفرصة للنجاح بدون أي كلفة، وتعني: ألا نضع أمام العدو في مؤامراته أي عوائق حتى في واقعنا الداخلي كأمةٍ مسلمة، وأن نترك له المجال ليتحرك في كل ما يشاء ويريد، وأن يتغلغل في أعماق الأمة وفي داخل هذه الأمة بكل مؤامراته وخططه وأساليبه بكل ما فيها من عناوين، وبكل ما تحمله أيضاً من طابع سلبي جدًّا وتخريبي ومؤثر جدًّا على واقع الأمة.

متى يمكن أن يكون الصمت والسكوت والقعود والجمود مفيداً للأمة في دفع هذا الخطر الأمريكي، وهذا الخطر الإسرائيلي؟! متى يمكن؟! كيف يمكن فلسفة هذا التوجه الخاطئ الذي لا ينسجم مع القرآن الكريم، ولا ينسجم مع الواقع، والذي تثبت الأحداث والوقائع أنه يخدم العدو، وأنه يمثل رغبةً للعدو؟ عندما تكون في هذا الاتجاه: اتجاه الصمت، السكوت، القعود؛ أنت على كل حال في الموقف أو في الاتجاه الذي يرغب العدو في أن تكون عليه؛ لأنه يرى فيه فرصةً له، ولأنه يرى فيه ما يخدمه، ما يفيده، ما يقلل المتاعب عليه، ما يزيح عنه العوائق في استهدافه لك واستهدافه لأمتك؛ لأن العدو يرى فيه تمكيناً له بكل ما تعنيه الكلمة.

وأهمية وقيمة هذا الشعار وهذه الصرخة بكل ما يترافق معها، وبكل ما يأتي معها أيضاً في مسارٍ عمليٍ مهمٍ وواسع: أنه موقف في مقابل خطورة من يتجه الموقف الآخر، موقف الانحراف، موقف العمالة والخيانة؛ لأن البعض من أبناء الأمة لم يكتفوا بالسكوت، ولم يكتفوا بالقعود، لم يكتفوا بالتنصل عن المسؤولية، وفي الابتعاد عن الموقف الصحيح؛ إنما اتجهوا اتجاهاً منحرفاً وخاطئاً: اتجاه الخيانة والعمالة، والوقوف في صف أمريكا وإسرائيل، وموالاة أمريكا، والتحرك مع أمريكا، فكانوا واضحين، وكانوا مكشوفين في تحالفهم مع أمريكا، وفي تعاونهم مع أمريكا، وفي تجنّدهم مع أمريكا، وفي تحركهم العملي بكل ما يمتلكون من قوة وإمكانات ووسائل لصالح الأجندة الأمريكية، ولخدمة الأمريكي في كل ما يريده منهم، وإن كانوا تحركوا في داخل الأمة وفي واقع الأمة في بعضٍ من الأحيان تحت عناوين أخرى، لكن طبيعة تحركهم وحقيقة تحركهم: أنه تحركٌ في الاتجاه الأمريكي، بما يخدم الأمريكي والإسرائيلي، بما يتناغم وينسجم مع التوجهات الأمريكية والإسرائيلية، ومع السياسات الأمريكية والإسرائيلية، فهم تحرَّكوا في داخل الأمة وخسروا وبذلوا الجهود الكبيرة، فأن يأتي البعض ليتجه هذا التوجه من أبناء الأمة على مستوى أنظمة وحكومات، وعلى مستوى حركات وتيارات وشخصيات، وأن يكون للبعض الآخر اتجاهٌ آخر يتمثل بالسكوت، والقعود، والجمود، والتنصل عن المسؤولية، والتخاذل، والتفريط، وإفساح المجال للعدو ليدخل ويعمل ما يشاء ويريد، نرى قيمة هذا الموقف الذي يتمثل بهذه الصرخة، بهذا الشعار، بهذا التوجه الإيجابي والصحيح الذي ينسجم مع القرآن الكريم، الذي يتجه اتجاه التحمل للمسؤولية التي يفرضها علينا ديننا وانتماؤنا للإسلام، ومسؤوليتنا أيضاً تجاه أنفسنا، تجاه أمتنا، تجاه شعوبنا، والتي هي تمثِّل الموقف الحق الذي لا مرية فيه ولا شك فيه، والموقف الصحيح والطبيعي المنسجم مع مقتضى الفطرة الإنسانية في كيف تواجه عدوك الحقيقي، عدوك الفعلي، عدوك الواضح، عدوك المكشوف، عدوك الذي يعاديك ويحاربك بكل الوسائل.

ندرك أيضاً أهمية وقيمة هذا الموقف وهذه الصرخة وما معها، وما يترافق أيضاً معها من مشروعٍ عملي: بحساب طبيعة هذا الصراع، وطبيعة مؤامرات العدو، هذا العدو الأمريكي والإسرائيلي الذي يستهدفنا كأمةٍ مسلمة بكل الأساليب، ويستهدفنا في كل المجالات، ويتجه بشكلٍ كبير إلى اختراقنا من الداخل، إلى أن يحوِّل هذه المعركة معركةً واسعةً وشاملة بعناوين متعددة، وأن يستفيد من اختراقه لهذه الأمة إلى عمقها وإلى داخلها؛ ليحرِّك أدواته من هذه الأمة، من المنافقين والذين في قلوبهم مرض في داخل الأمة لدورٍ يخدمه، لما يحقق أهدافه في إضعاف هذه الأمة، في تدمير كيان هذه الأمة، في تمزيق نسيجها الاجتماعي، في إضعاف هذه الأمة، في العمل على وأد كل تحركٍ حرٍ من داخل هذه الأمة، في العمل على إخضاع أبناء هذه الأمة لهذا العدو الأمريكي، ولهذا العدو الإسرائيلي.

طبيعة هذا الصراع الشامل والواسع الذي يتحرك فيه العدو على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الإعلامي، وعلى المستوى الفكري والثقافي والتعليمي، وعلى المستوى الاقتصادي… وعلى كل المستويات وفي كل المجالات، تستدعي أن يقابل هذا التحرك تحركٌ واعٍ، شامل وواسع، ويتجه إلى ما يسد هذه الثغرة على العدو، إلى ما يحصن هذه الأمة من الداخل، ويحميها من الاختراق.

ولأهمية هذه المسألة، كانت هي المسألة الرئيسية التي ركَّز عليها القرآن الكريم وهو يعلِّمنا، وهو يوعينا، وهو يهدينا فيما نفهم به طبيعة الخطورة التي علينا من هذا العدو، من العدو الأمريكي والإسرائيلي، في حديثه عن اليهود، في حديثه عن النصارى، في حديثه عن فريق الشر من داخل اليهود والنصارى، فريق الغدر، فريق المكر، الذي سيشكل الخطورة التاريخية لهذه الأمة إلى آخر أيام الدنيا، فهو يتحدث عن فريقٍ من أهل الكتاب يمثل شراً كبيراً وخطراً رهيباً على هذه الأمة بطبيعة أساليبه وخطواته ومؤامراته التي تستهدف هذه الأمة للتأثير عليها من داخلها، وتفكيكها من داخلها، واختراقها من داخلها.

فيأتي هذا الشعار، هذا الهتاف، هذه الصرخة بكل ما لها من نتائج، بكل ما لها من آثار، بطبيعة مفرداتها وما تصنعه من وعي لتسد هذه الثغرة، لتسد حالة الاختراق، لتساعد على عملية التحصين من الداخل، وهذا واضح.

لاحظوا طبيعة هذه المعركة، لا يكفي فيها موقفٌ رسمي، تطلقه حكومة معينة، ولا موقفٌ نخبوي، تطلقه فئات معينة من أبناء الشعب أو من أبناء الأمة، على مستوى مثلاً أحزاب في موقفها السياسي، أو في تصريحاتها الإعلامية، أو في بياناتها، ولا يكفي فيه أيضاً مواقف محدودة وبسيطة عابرة ومنتهية، يتطلب مواقف مستمرة، ومساراتٍ عمليةٍ مستمرة، يتطلب مساراً توعوياً يصنع الوعي، يعزز الوعي، يقدِّم صورة متكاملة عن الأحداث، عن العدو وعن أهدافه وعن مؤامراته، ويتطلب أيضاً مساراً عملياً يحرِّك الأمة في خطوات عملية في كل المجالات، ويتطلب أن يكون الجميع في هذا الموقف، ضمن هذا التحرك، ضمن هذه المسيرة في مواجهتهم لهذا الخطر، لا يكفي أن يتحرك فيه النخب، ولا أن يكون فيه فقط الجانب الرسمي في مواقف محدودة؛ لأنه يتجه إلى الجميع، طبيعة الأنشطة التي يتحرك فيها أعداء الأمة هي تستهدف الجميع بلا استثناء، هي تستهدفنا كأمةٍ مسلمة على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي، وعلى المستوى النخبوي وعلى المستوى العام، هي تستهدفنا رجالاً ونساءاً، وكباراً وصغاراً، هي تستهدف المثقف، وتستهدف العالم الديني، وتستهدف الإنسان العادي والعامي، وتستهدف الكبير، وتستهدف الصغير، وتستهدف الرجل، وتستهدف المرأة، مشروع واسع يتحرك فيه العدو، يستهدفنا في كل المجالات: يستهدفنا ثقافياً، وفكرياً، وسياسياً، وإعلامياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وأمنياً، لا يدع مجالاً إلَّا ويتحرك فيه وفق سياسات وخطوات مرسومة ومحددة ومدروسة.

في ظل توجهٍ كهذا، كيف نجعل من الجميع منا كأمة في موقع المسؤولية؟ كيف نقدِّم مشروعاً يتيح لكل فردٍ من أبناء الأمة أن يكون في موقع المسؤولية، وأن يكون في الموقع الذي يحظى فيه بالتحصن من هذا الخطر، بما يحميه من هذا الاستهداف، يحميه على المستوى الفكري، يحميه على المستوى الثقافي، يحميه على المستوى الاقتصادي، يحميه على المستوى العسكري، على المستوى الأمني؟ وكيف نحرِّك كل طاقة الأمة في كل أبنائها ومن كل أبنائها لتكون حاضرةً على المستوى التعبوي للتصدي لهذا الخطر الشامل؟ أليست هذه هي الحكمة؟ أليس هذا هو الصحيح؟ أم أننا نفترض كما يقدِّر البعض ويتصور البعض الذين لم يتعاملوا مع هذه المسألة بكلها كما ينبغي، لم يعطوها ما تستحق من الاهتمام، من الدراسة، من التفهم، من التركيز، من النظرة الصحيحة والموضوعية، فهم يتصورون ألا داعي، لا داعي لهذا الضجيج، دعوا الناس، اتركوهم، ثم تبقى هذه المسألة إمَّا في الإطار الرسمي فقط للحكومات، تحدد في هذه المسألة ما تشاؤه وتريده من المواقف والسياسات، أو أن يبقى كذلك موقفاً نخبوياً على مستوى النخب السياسية، أو النخب الأكاديمية، في إطار ندوات محدودة، أو مؤتمرات محدودة، أو بيانات محدودة، ثم تترك الشعوب، ثم تترك الأمة، ثم تهمل جماهير الأمة لتبقى فريسةً لهذا الاستهداف الذي يركِّز عليها على المستوى التوعوي، على مستوى الثقافة والفكر والرؤية، ثم تبقى عرضةً للاستقطاب في الجانب العملي، ثم تستهدف بشكلٍ رهيبٍ وواسع وتحت عناوين مخادعة، تحت عناوين قد لا يأبه الكثير من أبناء الأمة أنَّ حقيقة الأمر فيها هو تقديم أعمال، أو تبني سياسات أو مواقف، أو تحرك في مسارات تخدم في حقيقة الأمر أمريكا، أو تحقق في حقيقة الأمر مصالح لإسرائيل، يتجه تحت عنوان: إما عنوان طائفي، إما عنوان سياسي، إما عنوان ثقافي، إما عنوان… كم هناك من عناوين يمكن أن تحرك بها أمريكا الكثير من أبناء الأمة من خلال أدوات من داخل الأمة: حكومات معينة، أنظمة معينة، تيارات معينة، أحزاب معينة، شخصيات معينة، تعطي لهم عنواناً، هذا العنوان يتحركون فيه بما يحقق مصلحة لأمريكا، مصلحة لإسرائيل، خدمةً للأجندة الأمريكية والإسرائيلية، وكم سيتجند تحت كل عنوان من العناوين، هم يدرسون العناوين التي يمكن أن تشد البعض من أبناء الأمة، التي يمكن أن تحرك البعض من جماهير الأمة، وحينها يتحرك تحت ذلك العنوان تحركاً واسعاً الكثير من الناس المغفلين، من يتحرك إعلامياً، من يتحرك عسكرياً، من يتحرك ليقدم المال، من يتحرك ليقاتل، من يتحرك على مستوى واسع، وهذا ما يحصل لكثيرٍ من أبناء الأمة.

فنرى في حقيقة الأمر من خلال نظرة موضوعية، أنَّ كل فردٍ من أبناء الأمة في هذه المعركة يحتاج إلى أن يتسلح بالوعي والبصيرة والفهم، ولا بد له أيضاً أن يتاح له أن يكون في موقع المسؤولية والفعل والموقف، بمعنى: لا بدَّ لنا جميعاً من موقف، إذا كنا خارج إطار أن يكون لنا موقف؛ لن نكون بمأمن من حالة الاستقطاب، من حالة الاندفاع في الموقف الخاطئ في الموقف المنحرف، من حالة الاستغلال تحت عناوين أخرى، لا يأبه لها الكثير من الناس، لا ينتبه لها من لم يحرص على أن يمتلك الوعي اللازم والكافي تجاه الخطر الأمريكي والإسرائيلي، من يسخر ممن يقولون له: يا أخي لا بد لك أن تدرك أن طبيعة هذه المعركة خطيرة جدًّا، وأنها تحتاج إلى وعيٍ عالٍ، نحتاج فيها إلى القرآن الكريم، نحتاج فيها إلى النظرة الموضوعية والواسعة، نحتاج فيها إلى المنطلق الصحيح الذي يجعل منها أولوية، البعض الذين لم يقبلوا حتى بأن تكون هذه أولوية، أن تكون أولويتنا ومنطلقنا في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا: أن نتصدى للخطر الأمريكي والإسرائيلي وما يلحق به، فلم يقبلوا أن تكون هذه أولوية، في نهاية المطاف ألم يرسموا لأنفسهم أولويات أخرى، ألم تكن الكثير من تلك الأولويات الأخرى على النحو الذي ترغب به أمريكا، وترغب به إسرائيل، يرغب به اللوبي اليهودي في كل العالم، يراه يمثِّل خدمةً له، مصلحةً له، يراه قابلاً للاختراق والتوظيف والاستغلال، هذا حاصل، هذا حاصل.

عندما نلحظ ما يتحرك فيه الآخرون، وما عليه واقعهم، أليس هو الواقع الذي لا يشكل- في أقل أحواله- لا يشكل عائقاً أمام المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية؛ بينما نرى من يتجهون اتجاه أن يجعلوا من الخطر الأمريكي والإسرائيلي، ومن هذه المعركة الشاملة التي تستهدف الأمة في كل المجالات، وبكل الوسائل والأساليب، أن يجعلوا منها أولوية، ألم يكن للذين اتجهوا هذا الاتجاه الصحيح في كل أنشطتهم (أنشطتهم التوعوية، وأنشطتهم العملية)، ألم يكونوا هم في أعمالهم، في مواقفهم، في توجههم الصحيح والصائب والمسؤول والواعي والديني والأخلاقي والإنساني والوطني، ألم يكونوا هم من يصنعون العوائق أمام المخاطر هذه، أمام المؤامرات هذه من جانب أمريكا وإسرائيل، هذه مسألة واضحة.

ومما يشهد لقيمة هذا الموقف، ولصحة هذا المسار وهذا التوجه، هو مدى انزعاج الأعداء منه من أول يوم، من العام الأول لإطلاق هذا الموقف اتجه السفير الأمريكي- آنذاك- في اليمن بمواقف عدائية لهذا الشعار، لهذا الموقف، لهذا النشاط التوعوي والتعبوي، مع أنه ينطلق من منطلقات قرآنية، فله الشرعية الدينية، وهو- في نفس الوقت- وفي تلك المرحلة لم يكن يتعارض مع دستور البلد ومع قوانينه، كان تحركاً في الإطار المعترف به في حق حرية التعبير وحرية الكلمة، ولكنه حورب، اتجه السفير الأمريكي ودفع الحكومة- آنذاك- والجانب الرسمي والسلطة إلى تبني مواقف معادية لهذا التحرك الصحيح والسليم على كل المستويات: على المستوى الإعلامي، ثم على مستوى الاضطهاد، والملاحقة، والاعتقال، والسجون، والفصل للبعض من وظائفهم، ثم على مستوى شن الحروب العسكرية في ست جولات عسكرية معروفة.

ما بعد ذلك تحركت القوى الأخرى التي يستطيع الأمريكي أن يحركها، وتحت عناوين أخرى، كما هي الطريقة الأمريكية في اختراق الأمة من الداخل، تحت عناوين سياسية، والبعض تحت عناوين مذهبية، والبعض تحت عناوين عنصرية، والبعض… بمختلف العناوين التي يحشد لها الأمريكي من يقاتل هؤلاء الذين يشكلون عوائق أمام نجاح مؤامراته التي تستهدفنا كأمة.

يستمر التحرك المعادي لهذا الموقف ولهذا التوجه من جانب الأمريكي، من خلال أدواته، بوسائله وأساليبه، بشكلٍ ظاهرٍ وبشكلٍ خفي، بشكلٍ معلنٍ وأيضاً في وسائل ومؤامرات خفية، يستمر إلى اليوم، وهذه مسألة واضحة ومسألة جلية، والعدو- بلا شك- يستخدم وسائل مخادعة للكثير من الناس والكثير من السذج، ويوظف لها النشاط الإعلامي الواسع؛ بهدف تضليل الرأي العام.

على كُلٍ منذ إطلاق هذه الصرخة وهذا الشعار، والتحرك في هذا المسار العملي الذي يجعل من التصدي للهجمة الأمريكية والإسرائيلية على أمتنا الإسلامية أولوية، ومنطلقاً عملياً في كل المجالات، ويسعى إلى بناء الأمة على كل المستويات، وعلى مستوى الوعي، وعلى المستوى العملي في كل المجالات، لتكون بمستوى مواجهة هذا الخطر وهذا التحدي، ويستنهضها للقيام بواجبها في التصدي لهذه الأخطار، منذ تلك الصرخة وإلى اليوم فإن مسار الأحداث، وكل المستجدات التي استجدت من الوقائع والمشاكل والأحداث في واقع الأمة في مختلف البلدان الإسلامية، وفي الواقع اليمني، وإلى اليوم تشهد بكلها على صحة وصوابية هذا الموقف، وهذا المسار، وهذا التوجه، وعلى الحاجة الملحة، والضرورة الأكيدة لموقف في مواجهة هذا الخطر الكبير الأمريكي والإسرائيلي بكل وسائله، بكل أدواته، بكل أساليبه، بكل مؤامراته المتنوعة التي لها أشكال كثيرة، وتدخل إلى كل المجالات.

لاحظوا، خلال كل هذه المراحل لا يمكن القول بأن أمريكا غيرت مواقفها، أو اتضح في طبيعة تعاملها مع أبناء الأمة أنها صديقٌ للأمة، أو أنها لا تشكل خطراً للأمة، أو أن الأمة يمكن أن تكون في مأمن من مؤامراتها المتنوعة والشاملة في كل المجالات والمواضيع، تأملوا على مستوى الواقع السياسي للأمة في كل بلدانها، الواقع السياسي مأزوم، والاستهداف واضح، والتدخل الأمريكي واضح في مختلف بلدان منطقتنا، في مختلف بلدان عالمنا الإسلامي، التدخل الأمريكي واضح، وهو تدخل عدائي وتخريبي وسلبي، يصنع الأزمات، يصنع المشاكل، يوظف ويستغل ما هو موجود من مشاكل، ويصنع المزيد أيضاً من الأزمات والمشاكل، على المستوى الاقتصادي له برنامجه الواسع الذي يستهدفنا كأمةٍ مسلمة في مختلف بلدانها، على المستوى العسكري، على المستوى الأمني… على كل المستويات، وفي كل المجالات.

ما يفعله أيضاً من خلال أدواته وعملائه والموالين له من أبناء الأمة، وما وصلوا إليه هم من دورٍ سلبيٍ وتخريبيٍ بارز في إثارة الفتن بين أبناء الأمة، في إثارة الشقاق والصراع بين أبناء الأمة، في استنزاف الأمة في طاقاتها، في إمكاناتها، في قدراتها، في فتح المعارك الكثيرة والمشاكل الكثيرة بين أبناء الأمة بما يخدم أمريكا وإسرائيل، وفي سعيهم لاستهداف كل من يتحرك بشكل صحيح، ويمثل في أنشطته وأعماله واهتماماته وأولوياته عائقاً أمام سيطرة أمريكا، وأمام العدو الإسرائيلي.

المستجدات والأحداث من ذلك اليوم وإلى اليوم تشهد لصحة هذه المسيرة في قراءتها للأحداث، أنها لم تكن آنذاك أحداثاً عابرة، مجرد استهداف لأفغانستان والعراق وينتهي الأمر، بل التحرك الأمريكي يستهدف الأمة كل الأمة بلا استثناء في مختلف بلدانها، بوسائل وأساليب متعددة، وبمؤامرات صاغها ورتبها لاستهداف كل بلدٍ بما يناسبه، في تقييم هذه المسيرة، وفي قراءتها للأهداف والأحداث، وفي موقفها الحق، وفي توجهها الصحيح، وإلى اليوم ندرك جميعاً أنه لا يحمينا- كأمةٍ مسلمة- لا يحمينا من الاختراق، لا يحمينا من أن نتجند لصالح الأعداء، ولا يحمينا أيضاً من الهجمة الأمريكية المباشرة وغير المباشرة إلا أن نكون في الموقف الصحيح، وفي التحرك المسؤول، في موقع المسؤولية الصحيح، وأن نحمل الوعي، أن نحمل الوعي اللازم في مواجهة هذا الخطر، وهذه الهجمة.

وتجلت حقيقة الأطراف الأخرى التي تجندت لصالح الأمريكي والإسرائيلي، تكشَّفت حقائق الموالين لأمريكا وإسرائيل أكثر فأكثر، وهاهم اليوم يظهرون حتى في علاقتهم بإسرائيل بأكثر من أي وقتٍ مضى، من كان يتوقع أن يظهر النظام السعودي، أو النظام الإماراتي، أو من يحذو حذوهما من أبناء الأمة علاقته بإسرائيل، وتفاعله مع إسرائيل، إلى الدرجة التي يصنف فيها المقاومة الفلسطينية والمجاهدين في فلسطين بالإرهاب، وإلى درجة أن يشن حملات إعلامية مشوهة للشعب الفلسطيني، وللمجاهدين في فلسطين، وإلى درجة أن يعتقل من أبناء شعب فلسطين، من أبناء الحركات المجاهدة في فلسطين في سجونه من يعتقلهم بدون أي ذنب، وبدون أي مبرر، ومشكلته معهم فقط أنهم يواجهون إسرائيل، وأن لهم موقف من العدو الإسرائيلي، هو الموقف الصحيح الذي تفرضه عليهم المسؤولية الدينية، وهو الموقف الحق بكل الاعتبارات، إلى هذه الدرجة، من كان يتصور أن الفلسطيني سيكون سجيناً لدى النظام السعودي، بمثابة ذلك الفلسطيني، بنفس القضية التي سجنه العدو الإسرائيلي، القضية واحدة، قضية ذلك المعتقل عند السعودي، لدى النظام السعودي؛ لأنه معادٍ لإسرائيل، ولم يقبل باحتلال فلسطين، لم يقبل بمصادرة المقدسات في فلسطين، لم يقبل بالتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، لم يخن دينه وأمته ووطنه، ولذلك يسجنه السعودي كما زميله الفلسطيني الذي سجنه الإسرائيلي، إلى هذه الدرجة.

من كان يلحظ أن الخطاب الإعلامي والسياسي، وأن طبيعة العلاقات السياسية ما بين تلك الأنظمة وإسرائيل ستتجه إلى مراحل يتضح جلياً أن مسارها هو مسار التحالف العلني المكشوف والظاهر، فالجميع يتحدثون عن عدوٍ مشترك هنا أو هناك، سواءً في إيران، أو في لبنان، أو في فلسطين، أو في اليمن، أو في العراق، أو في سوريا، من كان من أبناء هذه الأمة حراً وعزيزاً، وله موقفه المسؤول والصحيح في العداء لإسرائيل، يصبح عدواً مشتركاً، عدواً مشتركاً للنظام السعودي والنظام الإماراتي والعدو الإسرائيلي، من كان يظن أن تتجلى الحقيقة إلى هذا المستوى؟! ولربما في قادم الأيام تتجلى أكثر وأكثر يوم يتحرك أولئك: الإسرائيلي، والأمريكي، وعملاؤهم من المنتمين لهذه الأمة، يوم يتحركون عسكرياً بشكلٍ مشتركٍ ظاهرٍ جدًّا؛ أما في الخفاء فهم يفعلون ذلك، التنسيق الأمني معترفٌ به فيما بينهم، التنسيق الاستخباراتي معترفٌ به فيما بينهم، التنسيق العسكري، والتعاون العسكري، والعمل العسكري المشترك بأشكال متعددة: على مستوى التخطيط، على مستوى تبادل الخبرة، على مستوى التزويد بالسلاح، على مستوى التعاون اللوجستي والمعلوماتي… هناك أشكال كثيرة مما يشتركون فيها في الجبهة العسكرية، أو في الجبهة الأمنية والاستخباراتية، أو في الجبهة السياسية، أو في الجبهة الإعلامية، مستوى التلاقي بينهم، مستوى التعاون بينهم، مستوى التنسيق بينهم، مستوى هذه الشراكة وهذا التحالف هو اليوم واضحٌ بأكثر من أي وقتٍ مضى، وهو في قادم الأيام، وكما تظهر المؤشرات على ذلك- والله أعلم- سيكون مكشوفاً وجلياً وواضحاً بأكثر من أي وقتٍ مضى، حينها ندرك أهمية أن يكون هناك موقف صحيح.

إذا فقدت الأمة الموقف الصحيح، تأتي المواقف المعوجة والمنحرفة التي تستقطب من داخل الأمة، تستقطب من يقف في صفها بشكلٍ مباشر، من يتحرك معها بشكلٍ مباشر، وتستقطب من أبناء الأمة من يركع، من يخضع، من يستسلم، من يسلم بالأمر الواقع، من يعتبر نفسه خاضعاً لكل ما يجري، وهذه حالة خطيرة، وحالة سلبية جدًّا، وهو اتجاهٌ خاطئٌ وخاسر بكل ما تعنيه الكلمة.

الذين توهموا، وظنوا، وحسبوا أن مصلحتهم السياسية، وأن مكاسبهم على كل المستويات، وأن مصلحة مستقبلهم في أن يتجهوا هذا الاتجاه المنحرف: في العمالة والخيانة، والموالاة لأمريكا، والموالاة لإسرائيل، وأن يدخلوا في تحالفات وأعمال مشتركة مع العدو الإسرائيلي، ومع الأمريكي، هم خاسرون، وتقديراتهم وحساباتهم هي أوهام، سيثبت المستقبل بأنها مجرد أوهام، وأنهم أخسر الناس في الناس، هذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم، هذا ما أكد عليه الله -سبحانه وتعالى- الذي يعلم الغيب والشهادة، والذي يعلم الحقائق في واقع الناس، في واقع البشر، إن القرآن الكريم من أهم ما قدمه هو التقييم الدقيق، والتقييم الصحيح للناس، للبشر بكل فئاتهم، بكل توجهاتهم، مهما كانت متباينة ومختلفة، لكل توجهٍ معين تقييمٌ في القرآن الكريم.

القرآن الكريم قدم لنا تقييماً دقيقاً، وتشخيصاً دقيقاً وحقيقياً ويقينياً عن أعدائنا المتمثل بفريق الشر والغدر والمكر والحقد والعداء من أهل الكتاب (من اليهود، ومن النصارى)، وفي سورة البقرة أكد لنا عنهم أنهم لا يودون لنا أي خيرٍ أبداً؛ وبالتالي سياساتهم، خططهم، مواقفهم، ترتيباتهم، أساليبهم، ستكون من منطلق أنهم لا يريدون لنا كأمةٍ تنتمي للإسلام أي خير، كل ترتيباتهم وخططهم العملية سيطبعها هذا الطابع: أنها خطط من يسعى إلى أن يفقدك كل مقومات القوة، من يتعامل معك فقط من باب الاستغلال لك، من باب الاستغلال لك لا أقل ولا أكثر، وهو يحقد عليك، وليس لك عنده أي قيمة، القرآن الكريم حين تحدث عنهم في سورة آل عمران بآيةٍ قرآنيةٍ مهمةٍ جدًّا، عندما قال: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، قد يكون البعض ممن يتجه الاتجاه المنحرف والخاطئ من أبناء الأمة في النظام السعودي، أو في النظام الإماراتي، قد بلغ إلى درجة أن يحب، وأن يحمل العاطفة (عاطفة المحبة والمودة) لشخصيات يهودية في الكيان الإسرائيلي، أو شخصيات أمريكية معينة، أو ميل نحوهم بشكلٍ عام، والبعض صرح بهذا، لهم تصريحات إعلامية أنهم يحبون أمريكا كما يحبون بلدهم، البعض تحدث بود، بمحبة عن اليهود، عن الصهاينة، عن الكيان الإسرائيلي، حتى بعض الشخصيات قدمت نفسها- من الشخصيات المرتبطة بالنظام السعودي- على أنها شخصيات دينية، أولئك بأجمعهم الذين بلغوا إلى درجة أن يحملوا عاطفة المحبة، وأن يتحدثوا بالود لإسرائيل، لأمريكا، للوبي اليهودي في العالم، وأن يتجهوا أيضاً في سياساتهم، في علاقاتهم، في أعمالهم، في مواقفهم، بناءً على هذا، هؤلاء الأغبياء لا يدركون أنهم مهما بلغوا في توددهم، في التعبير عن محبتهم، في تقديم الخدمة على المستوى العملي، وعلى مستوى الموقف، لصالح العدو الإسرائيلي، أو لصالح الأمريكي، لصالح اللوبي اليهودي في العالم، أن أولئك لن يقابلوا محبتهم لهم ولا بذرةٍ من المحبة، وأن نظرة أولئك التي هي نظرة الاستخفاف، والاحتقار، والحقد، والاستغفال، والاستغلال، هي النظرة التي ستبقى سائدةً وقائمةً في أنفسهم تجاههم، فسيبقى حبهم حباً من طرفٍ واحد، لا يقابله حب، ولا يقابله احترام حقيقي، ولا يقابله إلا الاستغلال لهم كأدوات رخيصة وتافهة، محط احتقار وسخرية واستهزاء واستهجان واستغفال، وتوظيف لهم للقيام بأدوارهم التخريبية في داخل الأمة، ولاستغلالهم في أخذ ما يأخذونه منهم من ثروات، من مكاسب اقتصادية.

فعندما يتجه أي أحد من أبناء هذه الأمة ليتودد وليوالي أمريكا، وليوالي إسرائيل، ليوالي أعداء الأمة، فهو- وهو يتوهم أن ذلك سيحقق له المكاسب- هو يحقق المكاسب لأولئك، هو يقدم لهم الخدمة، لكنه- في نهاية المطاف- سيخسر كل شيء، يخسر أمته، يخسر هويته، انتمائه، قيمه، أخلاقه، مبادئه، وفي نهاية المطاف سيخسر على المستوى السياسي وعلى المستوى الاقتصادي، سيخسر على كل المستويات؛ لأن الله أكد هذه الحقيقة في القرآن الكريم، ويؤكدها الواقع، ولها أمثلة ونماذج عايشناها في حياتنا، وتحدث عنها التاريخ أيضاً فيما مضى.

عندما قال الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}، هذه قضية غريبة جدًّا، وهم يتجهون نحو الولاء لهم، نحو العلاقة معهم، نحو العمل لما يرون فيه مقرباً إلى أولئك، نحو الخطوات والسياسات والمواقف التي يرونها تقربهم من أولئك- بحسب ظنهم وتوهمهم- بمسارعة ومبادرة وجد، واهتمام عملي، {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}، فهم حسبوا أنهم سيؤمنون أنفسهم تجاه المخاطر والتحديات من أي طرف، ومن جانب أولئك بهذه الوسيلة، بهذه الطريقة، {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: 52-53]، هو يؤكد أن مآل أمرهم، أن عاقبتهم، أن النتيجة التي سيصلون إليها، وما يحصدونه من توجهاتهم الخاطئة ومواقفهم المنحرفة هو: الندم، والخسران، والفضيحة، فسيفتضحون مهما كانوا في مراحل معينة يصنعون المبررات، ويقدمون المقولات والمزاعم التي يبررون بها علاقتهم وتحالفهم بأولئك، وخطواتهم السلبية في داخل الأمة.

لكنهم مع الوقت يفتضحون أكثر فأكثر، وفي نفس الوقت سيصلون في عاقبة أمرهم إلى حالة الندم، حين يكتشفون أنها لم تتحقق لهم أهدافهم التي كانوا يؤملون أن يحصلوا عليها من توجههم الخاطئ والمنحرف، ويخسرون كل شيء، البعض قد يخسر السلطة، بعد أن يكون قد قاتل معهم، وبذل معهم كل شيء: تحرك معهم إعلامياً، وسياسياً، واقتصادياً، تماهى معهم، أطاعهم، كان- وهو في موقع رئيس، أو في موقع أمير، أو في موقع ملك- كان بمنزلة مأمورٌ يخضع ويطيع ويسمع لسفيرٍ أمريكيٍ في بلاده، أو يكفيه اتصال من مسؤول أمريكي لينفذ سياسةً معينة، ليتخذ موقفاً معيناً، كان قد بلغ به الحال أن يعادي أبناء أمته، أن يقاتلهم، أو أن حتى يتحرك ضدهم على المستوى الإعلامي والسياسي، أو على كل المستويات، أو يتحرك ضدهم في الساحة، ليضع أمامهم العراقيل وليشوههم، ولكنه- في نهاية المطاف- سيخسر، كل الذين اتجهوا في اتجاه العمالة والانحراف والخيانة، والموالاة لأعداء الأمة، عاقبة أمرهم الندم والفضيحة والخسران.

ولكنهم في واقع الأمة سيواصلون نشاطهم الذي يوصِّفه القرآن الكريم بالنفاق، وهم- في واقع حالهم- من الذين في قلوبهم مرض، ومن المنافقين، الذين يتحركون وفق هذا الدور التخريبي في داخل الأمة، وباستقطاب مكثف في داخل الأمة، ثم هم يفتعلون الكثير من المشاكل، ويفتعلون الكثير – كذلك- من العداوات، ويتحركون تحت الكثير من العناوين؛ فيخدعون بها السذج من أبناء الأمة الذين لم يلتفتوا جيداً إلى أهمية هذه المعركة، وإلى أهمية أن تكون أولوية يبني الإنسان عليها اهتماماته، ويبني عليها مساره العملي في واقع الحياة.

على كُلٍ تجلت حقيقة من اتجهوا اتجاه العمالة والخيانة على نحوٍ واضح، على مستوى أنظمة، على مستوى جماعات، كما هو حال التكفيريين: التكفيريين في اليمن، التكفيريين في سوريا، التكفيريين في العراق… التكفيريين في مختلف البلدان التي تحركوا فيها، ظهر بوضوح كيف أنهم يتحركون في خدمة الأجندة الأمريكية والإسرائيلية، كيف أنهم يسعون إلى إثارة الفتنة بين أبناء الأمة تحت عناوين مذهبية، وفي نفس الوقت يحاولون أن يجعلوا من أنفسهم مترساً متقدماً، وخندقاً يقف بوجه كل من يتحرك وفق رؤيةٍ صحيحة في التصدي للخطر الأمريكي والإسرائيلي، وظهر جلياً في واقع الحال- كيف فاعلية وجدوائية التحرك الصحيح، أنه اليوم هو في الموقف الصحيح، وهو الذي بمعزل عن الهيمنة الأمريكية، بمعزل عن السيطرة الأمريكية، في داخل هذه الأمة الذين هم في موقف الحرية والاستقلال والكرامة والعزة، لا تسيطر عليهم أمريكا، وهم خارجون عن الهيمنة والسيطرة الأمريكية والإسرائيلية، هم الذين اتجهوا الاتجاه الصحيح والاتجاه الحر، هم الذين جعلوا من أولوياتهم الرئيسية التصدي لهذا الخطر، وأن يتوجهوا الاتجاه الصحيح.

ولهذا لاحظنا على مستوى واقعنا في اليمن في إطار هذه المسيرة القرآنية، والتي تحركت من منطلقات عامة، وليس من منطلقات مؤطرة بالإطار الجغرافي أو الإطار السياسي، نحن نؤمن بأننا من أمة، هذه الأمة الإسلامية بكلها أمة واحدة، لديها مسؤولية واحدة، وهي معنيةٌ جميعاً بأن تكون في الموقف الصحيح والاتجاه الصحيح، والأعداء يشكلون خطراً عليها بكلها، عندما نلحظ اليوم من الذي يشكل عدواً واضحاً لإسرائيل، وتقلق منه إسرائيل، ويعلن العدو الإسرائيلي عدائه له، ويعترف به عدواً له، واضح من من أبناء الأمة، ومن يرى فيه العدو الإسرائيلي أنه يمثِّل أداةً للاستغلال، أنه لا يشكِّل أي عائقٍ أمامه، واضح من من أبناء الأمة، حالة الفرز، وحالة الغربلة، وحالة التمييز بين الخبيث والطيب واضحة في هذه المرحلة وفي هذا التاريخ.

فهذه المسيرة القرآنية عندما وصل هذا العمل، عندما وصل هذا النشاط، عندما وصل هذا التوجه القرآني إلى صنعاء وإلى المحافظات اليمنية الأخرى، ألم ينكمش كل النفوذ الأمريكي من البلد، ألم يهرب السفير الأمريكي- آنذاك- ومن معه من المارينز من صنعاء، ألم يتوقف نهائياً وينقطع نهائياً تأثيرهم السياسي على مستوى كل الذين اتجهوا هذا التوجه الحر، أي تأثير لأمريكا عليهم؟.

بينما كيف واقع الآخرين أمام السيطرة الأمريكية والإسرائيلية؟ يتحركون في كل المجالات بما يخدم الأمريكي، بما يخدم الإسرائيلي بوضوح بوضوح، وهم واضحون في أنهم مجرد أدوات لأمريكا، أرادت أمريكا أن تستغلهم لكي تدفع عن نفسها الكلفة الهائلة التي كانت ستدفعها في المواجهة المباشرة، وهذا ما حصل عندنا في اليمن، أمريكا هربت، وأمريكا لم تجرؤ على أن تدخل بنفسها المعركة مع شعبنا اليمني بنفسها، وتعتمد على نفسها، وتحضر بنفسها، وأتت إلينا بأدواتها، ثم تحركت في هذا الإطار من خلفهم؛ لتشرف عليهم، ولتديرهم، ولتوفر السلاح، ولتوفر الحماية السياسية في مجلس الأمن، وفي الأمم المتحدة… وفي غيرها، ولتديرهم، اختارت أن تكون في موقع الإدارة، وأيضاً في الموقع الذي تستلم فيه بدلاً من أن تقدم وتتحمل التكاليف على مستوى الخسائر البشرية والخسائر المادية، أرادت أن يكون من يقدم هذه التكاليف، ومن يتحمل هذه الخسائر هو تلك الأدوات وأولئك العملاء، أن يكون من يقدم المال هو السعودي، هو الإماراتي، هو من يقف معهم، وأن يكون من يتحمل الخسائر البشرية في القتل والجرح والأسر هو غيرهم.

فيبقى الجندي الأمريكي والضابط الأمريكي هناك بعيداً، ودوره أن يأتي- في نهاية المطاف- حيث تتوفر أي مساحة أُمنت من جانب من يشكلون عائقاً أمامهم، يأتي- في نهاية المطاف- ليجعل له قاعدةً في عدن، قاعدةً في حضرموت، قاعدةً في شبوة، ويحرص على أن يتواجد في المناطق التي بات فيها مطمئناً أن أولئك العملاء والخونة هم في الصفوف الأمامية، من يقاتلون ويوفرون له الحماية، من يقتلون دونه، ومن يبذلون المال؛ حتى لا يخسر ولا دولاراً واحداً، بل بدلاً عن ذلك يقدمون له الكثير والكثير من الأموال، فإذا قدَّم السلاح، فيقدمونه بثمنٍ باهظ، بثمنٍ كبير، بأرباح كبيرة، وإذا قدَّم الموقف السياسي يكون له ثمنٌ من جانبهم، وإذا قدَّم أي موقف، أي مساهمة عملية، فتكون مقابل ثمن كبير وباهظ.

يتجلى مدى سوء العمالة والخيانة، وهذا الغباء الرهيب الذي يجعل البعض من أبناء الأمة في هذه الحالة السلبية والسيئة، وهي تجسد حالة الخسارة بكل ما تعنيه الكلمة، فهم في الوقت الذي يقدمون فيه خدمةً لأمريكا، ينفذون فيه أجندةً لأمريكا، يتحركون في الاتجاه الذي تريده أمريكا منهم، يتحركون في نفس الاتجاه الذي يحقق مصلحةً لإسرائيل، هم أيضاً من يقدمون المال لأمريكا وإسرائيل إذا ما ساهمت أي مساهمةٍ معهم، حتى على مستوى الإدارة، على مستوى أي دور، حتى على الدور الذي قد يصفونه بدور استشاري بثمن، كله بثمن، كله بثمن، فالعميل هنا في هذه المعركة والخادم في هذه المعركة يقدم أيضاً الثمن، ولا يكسب هو لنفسه؛ إنما هو يقدم، يبذل، وهذه حالة رهيبة جدًّا، حالة خاطئة جدًّا.

وبحمد الله وبنعمته أن نكون بعيدين عن مثل هذه الحالة، ولو كنا في الموقف الحق، في الموقف الصحيح، الذي تتحقق لنا فيه الحرية والاستقلال والكرامة والعزة، والذي نحافظ فيه على مبادئنا، على قيمنا، على أخلاقنا، والذي نحافظ فيه أيضاً على كرامتنا، نكون فيه في موقع أن نضحي، أن نقدم الكثير والكثير على كل المستويات، أن نعاني أحياناً، ليست هذه مشكلة، معاناة في سبيل الله -سبحانه وتعالى-، وفي محلها الصحيح، لها نتيجة صحيحة وإيجابية، لها ثمرة طيبة، حتى في أثرها النفسي لها أثر إيجابي كبير، أنت تُحِس فيها بالعزة والكرامة والحرية، أنت تتذوق فيها معنى الحرية بكل ما تعنيه الكلمة.

فندرك- في واقع الحال- كيف أن أمريكا ركَّزت بشكل كبير جدًّا على مسألة اختراق هذه الأمة من الداخل، وعلى تحريك البعض من أبناء هذه الأمة، وعلى استغلال كل المشاكل في داخل الأمة، وكل الانقسامات في داخل الأمة، وكل السلبيات في داخل الأمة، ثم سعت أيضاً إلى صناعة المزيد والمزيد من المشاكل والأزمات، وتوظيف المزيد والمزيد من العناوين التي هي ذات طابع استقطابي تخادع به الكثير من الناس، مثلاً: البعض من الخونة في بلدنا وقفوا في صف العدوان، والعدوان هذا هو عدوان- في حقيقة الأمر- عدوان أمريكي؛ لأن أمريكا عندما وصلت إلى درجة أن تفقد نفوذها في هذا البلد، وسيطرتها على هذا البلد، بعد أن كانت قد فرحت بأنها قد أصبحت وصيةً بشكلٍ رسمي ومعلن على هذا البلد، وأصبح السفير الأمريكي- آنذاك- في صنعاء هو المسؤول الأول في هذا البلد، بموقع وصايته على هذا البلد، انزعجت أمريكا كثيراً عندما خسرت هذا الموقع من السيطرة على واقعنا كشعبٍ يمني.

بعد أن غادر السفير الأمريكي، وغادر معه المارينز من صنعاء، غادروا بعد أن وجدوا أن ليس لهم مجال للتأثير في أي أمر، للتدخل في أي شيء، وعاشوا حالة الرعب والخوف والذلة والهوان، وغادروا ليس لهم أي وزن ولا تأثير في هذا البلد، كانوا في وضعية تتسابق السلطة- آنذاك- برئيسها ومسؤوليها، وتتسابق أيضاً بعض زعامات الأحزاب، ويتسابق البعض من الوجاهات والزعامات الاجتماعية إليهم في تقديم الولاء والطاعة، والتودد والتقرب، وفي العمل على تعزيز الروابط بهم من موقع الاستجابة العملية والخدمة والطاعة، ومن موقع تعزيز نفوذ أولئك وتدخلاتهم في كل شؤون هذا البلد، كانوا يذهبون إلى السفير الأمريكي ليناقشوا معه مختلف أمور هذا البلد: قضاياه السياسية، قضاياه الاقتصادية، قضاياه الاجتماعية، ثم يلتقي بكل الوزراء، بكل المسؤولين الذين يرغب باللقاء معهم؛ ليؤثر فيهم بتوجيهات معينة، أو قناعات معينة، أو برامج معينة، أو سياسات معينة، وكان الوضع يسوء في هذا البلد على كل المناحي، وفي كل المستويات والمجالات كان يسوء، كلما تدخلت أمريكا أكثر، وتعزز نفوذها أكثر؛ كلما ساء واقع هذا البلد: سياسياً، اقتصادياً.

كان يتجه في كل ترتيباته مع السلطة، مع المسؤولين، مع أصحاب القرار السياسي، مع المعنيين، نحو ما يساهم على الوصول بهذا البلد إلى مستوى الانهيار والضعف والعجز، يأتي إلى الجانب العسكري، يعمل على أن ينهي فيه القوة الجوية، والقوة البحرية، والقوة الصاروخية، وقوة الدفاع الجوي، يأتي تحت عنوان هيكلة الجيش؛ ليحول الجيش والمنظومة حتى الأمنية أيضاً- تحت عناوين التعاون الأمني- إلى منظومة خاوية، لا تقدر على أن تكون في الموقع الذي تمثل فيه أملاً لشعبها، أو تدافع عن وطنها، بل مجرد أداة ضعيفة في اليد، وكانوا يعززون انتشار التكفيريين في البلد تحت عناوين وبأساليب متعددة؛ لينتشروا في معظم المحافظات، ويبقى عنوان الحرب عليهم قائماً كعنوان، وفي الواقع العملي يهيئون لهم الانتشار إلى مختلف المحافظات، ويساعدونهم على القيام بكثيرٍ من الجرائم التي تستهدف هذا الشعب، وتستهدف أبناءه.

هكذا الحالة التي أوصلوا فيها البلد إلى مستوى وصاية تعلن بقرار في مجلس الأمن، ويصبحون هم المعنيين الأساسيين في موقع السلطة والقرار والتوجيهات والسياسات والقرارات، لكنهم لمَّا طردوا من هذا البلد، ولمَّا قطع هذا النفوذ عن هذا البلد، وخسروا هذه السيطرة على هذا البلد، اتجهوا بمخطط آخر، فبدلاً من أن يدخلوا هم في معركةٍ مباشرة، ونحن كنا نتمنى، نحن لا نخشاهم، نحن لا نخافهم، نحن نعرف ضعفهم ونقاط الضعف الكبيرة عليهم، كنا نتمنى من النظام السعودي من النظام الإماراتي، كنا نتمنى من الخونة في هذا البلد أن يتركوا أمريكا لتنزل إلى ميدان المواجهة بنفسها لحالها، أن تقاتلنا بجنودها، بعتادها، بأسلحتها، وتأتي بضباطها وجنودها ليقاتلوا في الميدان، لكنها لا تجرؤ على فعل ذلك، وهي ترى في واقع الحال أنَّ تلك الأدوات الإقليمية والمحلية، أنَّ العملاء والخونة من أبناء الأمة ومن أبناء البلد، هم سيؤدون هذا الدور، وهم من سيتحملون تكاليفه الباهظة على كل المستويات، فيقتل مقاتلوهم، ويقدِّمون الأموال هم، ويتحملون الخسائر الباهظة والرهيبة هم، وهذا ما فعلته أمريكا، أدارتهم، تُوِّج وأعلن هذا العدوان من أمريكا، وبقيت في حالة إدارة مباشرة، ولكن بثمن كبير أيضاً، باستغلال كبير، وإلى اليوم الأمر مستمر.

عندما نأتي إلى هذه المرحلة، وبعد كل هذه المدة الزمنية التي أعلنت فيها الصرخة وإلى اليوم، وقد تجلت الأمور أكثر، واتضحت المسارات وتحددت في داخل الأمة أكثر فأكثر، ونجد على مستوى واقعنا كشعب يمني، وعلى مستوى واقع الأمة من حولنا أيضاً، أنَّ الأمريكي مستمر في مؤامراته، في مخططاته، وإن كان بشكلٍ كبير يعتمد على أدواته وعلى العملاء الموالين له من أبناء الأمة، ومن ينخدع بهم، ومن يستقطبونه معهم تحت أي عنوان، ليس المهم عند الأمريكي هو العنوان، من يتحرك لخدمة الأجندة الأمريكية والمصالح الأمريكية كتكفيري بعنوان مذهبي؛ فليتحرك، طالما أنه يفكك، يخرِّب، يقتل، يستهدف أبناء الأمة الأحرار، طالما أنه يعمل على تفكيك كيان هذه الأمة، طالما أنه ينشر الفتنة بين أبناء الأمة، طالما أنه يستنزف هذه الأمة، طالما أنه يشوش على أبناء الأمة تجاه العدو الحقيقي والمعركة الحقيقية، ويرسم أولويات أخرى، ويتجه لإشغال الأمة بمشاكل أخرى فليفعل، من يأتي بعناوين سياسية… من يأتي بأي عناوين، من الجيد عند الأمريكي، مما يناسبه أيضاً أن تكون هناك عناوين وأساليب مخادعة، ولكنَّ ارتباط كل تلك الأدوات في نهاية المطاف بالأمريكي واضحة، وبالإسرائيلي جلية، وتتجلى مع الوقت أكثر فأكثر، ومع الأحداث أكثر فأكثر، حتى يظهر أولئك وهم في واقع الحال في جبهةٍ واحدة، ولكن فيها آمر ومأمور، وفيها خادم ومخدوم، والأمريكي ليس فيها هو الخادم، وليس فيها هو المأمور، هو الآمر، الإسرائيلي ليس كذلك، ليس هو المأمور بالنسبة لعملائه من العرب الذين باتوا يظهرون توددهم إليه، ويدخلون في تحالفات ومسارات عملية متداخلة معه.

على كلٍّ المعركة مستمرة، هذا العدوان على بلدان جزءٌ من هذه المعركة، هذا العدوان الذي أيضاً يتحرك ليس فقط في المجال العسكري، هو يتحرك على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، هو يستمر أيضاً في هجمته على المستوى الاقتصادي، وحربه الشرسة على المستوى الاقتصادي، ونحن كشعبٍ يمني نعيش معاناة الوضع الاقتصادي الناتجة عن هذا الاستهداف الواضح والصريح، الذي يأتي إلى استهدافنا في العملة الوطنية، في الحصار الشديد والخانق… في وسائل وأساليب متعددة على المستوى الاقتصادي، على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي، المعركة الإعلامية التي يوظِّف فيها الكثير من العناوين والمفردات، ويثير فيها الكثير من القضايا الهامشية والمشوشة، ويثير فيها أيضاً الكثير من العناوين والسياسات الإعلامية التي تهدف إلى التضليل، وإلى قلب الحقائق، وإلى التزييف للوعي.

عندما نتأمل في واقع الشعب الفلسطيني، وفي القضية الفلسطينية التي هي قضيةٌ للأمة كل الأمة، تعنينا جميعاً كمسلمين، فيما يتعلق بشعبٍ هو جزءٌ منا (الشعب الفلسطيني) كأمةٍ مسلمة، فيما يتعلق ببلاد فلسطين التي هي جزءٌ من البلاد الإسلامية، فيما يتعلق بالمقدسات في فلسطين التي هي من مقدساتنا العظيمة والمهمة، التي لها موقعها في انتمائنا الإيماني والديني، العدو الإسرائيلي مواصل في مساراته العدوانية، في مساراته الإجرامية، يواصل كل أشكال الاستهداف لهذا الشعب الفلسطيني، يضم المزيد والمزيد من الأراضي، يسعى إلى الاستهداف بكل وسائل الاستهداف للشعب الفلسطيني، قتلاً، وأسراً، وتخريباً للممتلكات، أيضاً الاستهداف على مستوى الانتماء الديني للمساجد، للصلاة، للشعائر الدينية… بكل وسائل الاستهداف، هو يستهدف هذا الجزء الذي هو جزءٌ من الأمة كإنسان، كأرض، كمقدسات.

وهو يستفيد في مواصلة مساره هذا من الدور الأمريكي والحماية الأمريكية، ودائماً ما كنا نتحدث عن أمريكا وإسرائيل كوجهان لعملة واحدة؛ لأن السياسة الأمريكية يصنعها اللوبي اليهودي في أمريكا، هذه مسألة واضحة، من يدير أمريكا، من يوجه السياسات الأمريكية هو اللوبي اليهودي في أمريكا، ويشتغل بتأثير واضح، وتحكم واضح، ونفوذ واضح وبين، كما هو في بريطانيا، كما هو في كثير من البلدان الغربية، ويستفيد أيضاً فيما يقدم عليه من خطوات في مثل هذه الأيام وفيما قبلها، مما يحصل أيضاً في الواقع العربي، لدى بعض الأنظمة التي باتت تتواطأ معه، تبرر له ما يفعل، تحاول أن تقف إلى صفه على المستوى الإعلامي والسياسي، وتعمل في الداخل (في واقع الأمة، وفي داخل الأمة) ما يشغل الأمة عن أداء دورها فيما لو كانت متفرغة، وليست مثقلة بكل هذه المشاكل والهموم.

عندما ننظر إلى الواقع الذي تعيشه سوريا والشعب السوري، والمؤامرات الكبيرة على هذا الشعب، وعلى نظامه الذي بقي وفياً مع شعبه ومع أمته، نرى طبيعة الدور الأمريكي والإسرائيلي، والاعتداءات الأمريكية والإسرائيلية، ونرى أيضاً نموذجاً آخراً من أساليب الاستغلال الأمريكي والإسرائيلي للعملاء، إلى درجة أن الأمريكي يأتي في بعض المناطق السورية- في نهاية المطاف- ليبسط سيطرته المباشرة على الحقول (حقول النفط) في بعض المناطق، بعد أن جعل الكلفة في السيطرة على تلك المناطق، وفيما يستلزمه ذلك من خسائر جسيمة على مستوى القتال وعلى مستوى المال على غيره، يأتي- في نهاية المطاف- ليسيطر على هذه المنشآت النفطية، ويسرق نفطها، وينهب ما فيها من الثروة، ويكون المعني بحراسته هو عميله الذي خان شعبه في سوريا، يكون هو المعني، والمعني أيضاً بالتمويل هو بعض دول الخليج الذي توفر لذلك العميل المال؛ في مقابل أن يوفر الحماية للأمريكي لينهب نفط وثروات شعبه وبلده، هكذا تتجلى لنا سوء الخيانة.

يستمر الدور الأمريكي التخريبي والمعادي مع الإسرائيلي في سوريا، في لبنان، ونحن نرى ما يعاني منه الشعب اللبناني على مستوى الحصار الاقتصادي، المؤامرات على اقتصاده، على معيشته، الإضرار به في الوضع الاقتصادي، بعد أن فشلوا على المستوى العسكري، وبعد أن فشلوا في الاستهداف للمقاومة في لبنان، لحزب الله في لبنان، للأحرار في لبنان، على المستوى السياسي، على مستويات كثيرة اتجهوا إلى الجانب الاقتصادي، وإن شاء الله سيفشل الأعداء في مؤامراتهم على المستوى الاقتصادي على الشعب اللبناني.

ونجد أنَّ معاناة الأمة على كل المستويات: على المستوى الاقتصادي… وعلى بقية المستويات، من أكبر ما ساهم فيها: الدور السلبي للموالين لأمريكا، يعني: تجد مثلاً في لبنان واحد من أهم العوائق عن تبني سياسات اقتصادية صحيحة لمصلحة الشعب اللبناني، يقف عائقاً عن ذلك من يوالي أمريكا في لبنان، بعض الأحزاب، بعض التيارات الموالية لأمريكا، التي تتجاوب مع السياسات الأمريكية والتوجهات الأمريكية التي هي استهدافية، تستهدف الشعب اللبناني بشكلٍ عام في اقتصاده، ثم هكذا في بقية البلدان الإسلامية، المعاناة الكبيرة على المستوى الاقتصادي، فاعلية الكثير من التدخلات الأمريكية، والإجراءات الأمريكية؛ لأن هناك من أبناء الأمة من يشتغل عليها، من يلتزم بها، من يتحرك بها، من يطبِّقها، من يتجاوب معها، فتأتي أمريكا لتفرض حظراً على بلدٍ مسلم، على شعبٍ مسلم، في موضوعٍ معين، تتجاوب معها الكثير من الأنظمة والحكومات، تأتي أيضاً لتعمل إجراءات معينة وتفرض سياسات معينة في بلدٍ مسلمٍ هنا أو هناك، تلك السياسات تؤثِّر على وضعه الاقتصادي، يأتي من أبناء ذلك البلد أحزاب جهات أو سلطة ليتبنى تلك السياسات التي هي ضارة بشعبه على المستوى الاقتصادي.

أمريكا ستكون ضعيفة وهي ضعيفة لو وقفت الأمة الوقفة المطلوبة، لكن يتحمل الذين يتجهون الاتجاه الخاطئ من أبناء الأمة في الموالاة لأمريكا، في التقبل لسياسات أمريكا، في التفاعل والخدمة لأجندة أمريكا، يتحملون مسؤولية كبيرة أمام الله -سبحانه وتعالى- وأمام شعوبهم فيما ينتج عن تجاوبهم هم من فاعلية وتأثير للسياسات الأمريكية، تلك الفاعلية وذلك التأثير ما كان ليتم لولا تجاوب أولئك وتدورهم التخريبي من الداخل.

نجد مع كل ذلك الأهمية لأن يكون هناك توجه يحمي الأمة من الداخل، يحصن الأمة أيضاً من الداخل، يعمم حالة الوعي؛ حتى لا ينخدع البعض نتيجة فقدانهم للوعي عندما تُحَرَّك عناوين حتى العنوان الاقتصادي، يُحرَّك العنوان الاقتصادي ولكن من الموقع الخطأ وفي المسار الخطأ، مثلما حُرِّك مثلاً العنوان الاقتصادي في لبنان ضد المقاومة في لبنان! ما هو ذنب المقاومة في لبنان في الموضوع الاقتصادي؟! لو جئنا لنقيم في الوضع اللبناني، من الذي كان يتحكم اقتصادياً، يرسم السياسات الاقتصادية، يدير الوضع الاقتصادي في لبنان على مدى عقودٍ من الزمن؟ هل كان هو حزب الله؟ لا، لم يكن حزب الله من يفعل ذلك، الجهات الأخرى التي لها ارتباطات بأمريكا، لها ارتباطات بالنظام السعودي، لها ارتباطات بجهات أخرى، هي التي كانت تدير الوضع السياسي والاقتصادي الرسمي في لبنان، وبما ينسجم مع تلك التوجهات الدولية ومع ارتباطاتها الدولية والإقليمية، وبشكلٍ لم يكن بنَّاءً ولا لمصلحة الشعب اللبناني، إلى أن تصل الأمور في نهاية المطاف إلى حافة الانهيار، ثم يأتي من يلقي باللوم على حزب الله، ويحمله جناية ما فعله الأخرون، أولئك الآخرون هم يحرِّكون من بعض المغفلين من أصحابهم ما يتحركون بطريقة سلبية، بهتافات معادية، بأنشطة تخريبية تحت عنوانٍ يجعلون فيه المشكلة هي حزب الله، وليس هو بالمشكلة، هو الحل، رؤيته هي الحل، والتي يمكن أن تمثل إنقاذاً للشعب اللبناني في وضعه الاقتصادي.

هكذا في بقية البلدان الإسلامية، جزءٌ كبيرٌ من المعاناة، وجزءٌ كبيرٌ من التأثير الضار والموجع للسياسات الأمريكية، والمؤامرات الأمريكية؛ لأن هناك من عمل على تنفيذ تلك السياسات والمؤامرات من أبناء الأمة، داخل بلدٍ معين أو من خارجه بما يؤثِّر على وضع ذلك البلد.

مثلاً: الحصار الاقتصادي على الشعب الإيراني المسلم، معظم البلدان العربية والإسلامية التزمت بالسياسات الأمريكية، والتعليمات الأمريكية، والموقف الأمريكي ضد الشعب الإيراني المسلم، وضد النظام الإسلامي في إيران الذي هو نظامٌ مسلم، يتجه الاتجاه الصحيح مع شعبه، فتحارب إيران اقتصادياً؛ لأنها خارجة عن الهيمنة والسيطرة الأمريكية عليها، وتتجه الاتجاه الحر والشريف والمستقل، فتحارب هذه المحاربة، تأتي الكثير من الحكومات والأنظمة لتلتزم بالتعليمات والتوجيهات الأمريكية، وتعطيها الفاعلية، كان من مصلحة المسلمين بكل دولهم، بكل حكوماتهم وأنظمتهم، لو كانوا خارج هذه السيطرة الأمريكية، وهذا النفوذ الأمريكي، وهذا الالتزام بالسياسات الأمريكية، كان من مصلحتهم جميعاً ألَّا يلتزموا بتلك التوجهات الأمريكية، ولكان وضعهم مختلفاً إلى حدٍ كبير على مستوى البلدان كذلك.

عندما نجعل من الإدراك والوعي للخطر الأمريكي والإسرائيلي، ومن تحمل المسؤولية والتحرك الجاد في مواجهة هذا الخطر أولوية؛ سنكون في الاتجاه الصحيح في كل مساراتنا العملية، في كل سياساتنا، في كل مواقفنا، في كل توجهاتنا، أمَّا من جعلوا لهم أولويات أخرى، واتجهوا اتجاهات أخرى، وتجاهلوا هذا الخطر الكبير، فهم دائماً في الموقع الذي يمثل خدمةً لأمريكا بشكلٍ مباشر أو بشكلٍ غير مباشر.

فإذ يتجلى- كما قلنا- صوابية هذا التوجه الصحيح لنا في هذه المسيرة القرآنية، لكل الأحرار في هذه الأمة الذين يناهضون الهيمنة الأمريكية، والسيطرة الأمريكية، ويعادون العدو الإسرائيلي، ويعون جيداً طبيعة المؤامرات والأساليب والوسائل التي يستخدمها الأمريكي والإسرائيلي، وإذ ندرك جيداً وتتجلى الحقائق عن سلبية الدور التخريبي للعملاء والموالين لأمريكا، وعن سلبية حالة الجمود والقعود والتنصل عن المسؤولية، ونعي مسؤوليتنا جيداً، فنحن معنيون بالاستمرار، مع الثقة بالله -سبحانه وتعالى- أننا في المسار الصحيح، في المسار الإيجابي، في المسار الذي عاقبته عاقبة النصر، وعاقبة الفلاح، وعاقبة الفوز، وعاقبة الغلبة والتأييد الإلهي بالاعتماد على الله -سبحانه وتعالى-، والتوكل على الله، لكنه بحسب ما يستجد من أحداث، من مؤامرات، من مكائد، يلزمنا المزيد والمزيد من الوعي، ويلزمنا المزيد والمزيد من الاستشعار للمسؤولية، والتحلي بالمسؤولية، والانضباط العملي على أساسٍ من هذا الوعي، وعلى أساسٍ من استشعارنا لهذه المسؤولية، وهذا يأتي في واقعنا العملي إلى مختلف المجالات: المجال السياسي، المجال الاقتصادي، المجال الإعلامي، المجال التوعوي في الواقع، فنتحرك بكل جدية لننشر الوعي بشكلٍ كبير، ولنواجه كل مؤامرة استجدت، كل خطوةٍ جديدة أقدم عليها الأعداء وعملاؤهم، يحتاج الناس إلى المزيد والمزيد من الوعي، المزيد والمزيد من التحرك الجاد في كل المجالات، وعلى كل صعيد.

في ختام حديثنا هذا نؤكِّد على جملةٍ من المواقف، ونقدم- كذلك- تعليقاً على بعض النقاط:

أولاً: نؤكِّد على موقفنا المبدئي الذي سرنا عليه منذ إعلان تلك الصرخة بشكلٍ عملي وإلى اليوم، في مناهضتنا للهيمنة الأمريكية على أمتنا، وفي عدائنا للعدو الإسرائيلي، وفي تمسكنا بالموقف الحق الذي يتبنى استقلال هذه الأمة على أساسٍ من انتمائها الإيماني والديني، والذي يتحرك بدافع المسؤولية، وعلى أساس الثقافة القرآنية، والوعي الذي يصنعه القرآن والواقع والأحداث في التصدي لهذا الخطر، هذا الموقف هو موقفٌ ثابت، موقفٌ أساسيٌ، هو جزءٌ من التزامنا الإيماني والديني، ليست المسألة عبارة عن تبعية سياسية لأي طرف، تجمعنا بالآخرين من أبناء أمتنا قضية واحدة، الأحرار من أبناء الأمة الذين لهم هذا الموقف تجمعنا بهم القضية الواحدة، الموقف الواحد، الهم الواحد، المصير المشترك، وفي الاتجاه الصحيح الذي ينبغي أن تكون فيه الأمة كل الأمة.

والموقف الآخر الذي هو موقف العمالة، والخيانة، والموالاة لأعداء الأمة، هو موقفٌ شاذ، والموقف الآخر الذي يتسم بالتنصل عن المسؤولية، والجمود، والقعود، واللا وعي، واللا موقف، هو موقفٌ متخاذل، لا يمثل قيمة، وليس له أي مشروعية، وليس موقفاً منطقياً بالأساس، ولذلك نحن في هذا الموقف ثابتون بإذن الله، مستمرون عليه بحسب انتمائنا وبحكم انتمائنا الإيماني والديني.

ثانياً: في ظل هذا العدوان الذي هو في أساسه عدوانٌ أمريكي، يتحرك فيه الباقون كأدوات، النظام السعودي أداة، الإماراتي أداة، العملاء من أبناء الوطن، والخونة من أبناء الوطن يتحركون فيه كأدوات للأدوات، عملاء للعملاء، خونة لوطنهم لخدمة ذلك العميل، نحن في تصدينا لهذا العدوان سنستمر مستعينين بالله -سبحانه وتعالى-، متوكلين عليه، وأنا أحث الجميع من أبناء هذا الوطن الشرفاء والأحرار أن يكثِّفوا جهودهم على كل مستوى في التصدي لهذا العدوان، وأن يكونوا على درجة عالية من الوعي تجاه أي معركة بأي عنوانٍ يستجد ويتحرك عليه العدو، سواءً على المستوى السياسي، أو الإعلامي، أو الاجتماعي… في كل المجالات، يجب أن نكون على درجة عالية من الوعي، وأن نتحرك بجدٍ، وباستشعارٍ عالٍ للمسؤولية، وباهتمامٍ كبير، هذا ما يفيدنا عند الله -سبحانه وتعالى-، هذا ما نحظى من خلاله بالتأييد والمعونة من الله -سبحانه وتعالى-، عندما نستشعر المسؤولية، عندما نتحرك بجدية، عندما نحمل الوعي، عندما نتصرف بحكمة، عندما نحمل الاهتمام بالشكل المطلوب، عندما نواصل الجهود، عندما نقدِّم التضحيات في هذا الطريق الصحيح، فنحن معنيون بذلك.

وبحذر أيضاً من الأعداء ومن طابورهم الخامس من المنافقين والذين في قلوبهم مرض، ممن هم باقون في إطار الوطن، البعض منهم قد يكون متواجدًّا في صنعاء، وهو عبارة عن بوق للأعداء ينفخون فيه، ثم يأتي دائماً ليتناغم معهم في كل عنوانٍ يتحركون به، يأتي ليتناغم معهم تماماً، أو ليعمل ما هو لمصلحتهم.

من المهم جدًّا أن نعي كشعبٍ يمني أنَّ هذا العدوان علينا كشعبٍ يمني، والذي تشرف عليه أمريكا، وتديره أمريكا، والباقون فيه أدوات، وارتكب فيه الأعداء أبشع الجرائم التي نعلم بها جميعاً، وهي واضحة، ويواصلون فيه كلما يتمكنون فيه وبه من الإضرار بهذا البلد وبهذا الشعب حتى على المستوى الاقتصادي وفي كل المجالات، أن نعي جيداً أنَّ هذا العدوان مثَّل اختباراً مهماً يميز الله فيه الخبيث من الطيب، والوفي من الخائن، والصادق من الكاذب، والمخلص من الذي يحمل الغش في نفسه وتوجهاته، فعندما نجد البعض لا يتجه بجدية في التصدي لهذا العدوان، أو قد لا يكون له أي موقف ضد هذا العدوان، ثم نراه يتحرك في الداخل لإثارة إشكالات تحت أي عنوان، حتى لو حمل عنواناً: إمَّا عنواناً دينياً، أو عنواناً سياسياً، أو عنواناً اقتصادياً؛ فليعلم الجميع أنه كاذب، لا مصداقية له، لا إخلاص فيه، لو كان صادقاً، لكان له موقف مما هو أكبر، مما هو أهم بكل الاعتبارات، إن كان يقدِّم مواقف، ويقدِّم نفسه وكأنه يتصدى للظلم، فأي ظلمٍ أكبر من هذا العدوان، أين هو؟! إن كان يقدَّم نفسه بأنه ناصح، وأنه حريص على مصلحة هذا الشعب، فقد جلى حقيقة أمره تجاهله لهذا العدوان، غض الطرف عن هذا العدوان، بكل ما لهذا العدوان من تأثيرات رهيبة وكارثية، وظلم كبير بحق هذا الشعب، وبحق أبناء هذا البلد.

فأي شخص من أي مكون، من أي فئة: على المستوى السياسي، أو الاجتماعي… أو على أي مستوى، يأتي لإثارة إشكالات داخلية بطريقة لا تلتزم بالنقد البنَّاء، ولا النصح الصادق، وإنما فيها الغش، فيها التحريض، فيها السعي لإثارة الفتن، فليعلم الجميع أنه كاذب، أنه إمَّا من الذين في قلوبهم مرض، أو من المنافقين، وأنه إنسان لا مصداقية له مهما كان وأياً كان، فليكن الجميع على وعي وحذر تجاه هذه الفئة التي هي لا زالت أبواق في الداخل لصالح الأعداء في الخارج.

من المهم أيضاً العناية بالتكافل الاجتماعي، والاهتمام بالأنشطة الخيرية، هذه من أهم الواجبات والمسؤوليات والأعمال ذات الطابع الأخلاقي والإنساني والإيماني، وهي مسألة مهمة جدًّا تساعد على الصمود في مواجهة هذا العدوان، النشاط الذي تقوم به المنظمات نشاط محدود، وهي تعلن عن توجهها في تقليص كثيرٍ من أنشطتها، الواجب علينا كشعبٍ يمني، ومسؤوليتنا الإيمانية والإنسانية والأخلاقية والدينية والوطنية أن نسعى نحن إلى تعزيز حالة التكافل الاجتماعي، والتعاون، والاهتمام بالأعمال الخيرية لمواساة الفقراء من أبناء هذا البلد، والبائسين والمعانين من مختلف الناس، البعض قد يكون فقيراً، ولكن البعض أيضاً قد يكون بحاجة إلى المساعدة ولو أنه يمتلك قوت يومه، لكنه مثلاً مريض يحتاج إلى مساعدة، أو ذاك شخص يتزوج، يحتاج إلى مساعدة، أو تلك أسرة تعاني بأنه ليس لها منزل، تحتاج إلى منزل بالاستئجار، أو سكن يساعدها على الاستقرار… أو ما شابه، كل الحالات ذات الاحتياج الإنساني يجب أن نلتفت إليها بالتعاون وتعزيز التكافل الاجتماعي، مع الاهتمام بإخراج الزكاة.

من المهم جدًّا العناية القصوى بإخراج الزكاة، البعض من التجار يحاول أن يتهرب، ويحاول أن يأكل الزكاة، مع كل ما يمثله ذلك من إساءة كبيرة جدًّا إلى نفسه، من ذنبٍ عظيم، من جريمة كبيرة بحساب انتمائه الديني والإسلامي، من أكبر الجرائم أن تحاول أن تبخل بإخراج زكاتك، أن تأكل الزكاة التي هي للفقراء والمساكين، يجب أن نغطي أي فراغ تتركه المنظمات، وحتى يجب ألا نركز أصلاً على ما تقدمه المنظمات، وأن نتجه نحن لتقديم هذا الاحتياج، لتقديم هذه المساعدات من الزكاة، من الصدقات، العطاء الخيري التطوعي، هذا ما يجب أن نركز عليه، وهذا ما ينبغي أن نهتم به، وشعبنا اليمني هو شعبٌ معطاء، شعبٌ كريم وشعبٌ سخي، ويجب أن تكون هذه الحالة قائمة، تحتاج إلى تذكير، إلى تنشيط، إلى برامج وآليات، إضافة إلى الجانب الحكومي الذي عليه أن يبذل المزيد في ذلك، وأن يهتم في ذلك الاهتمام الكبير.

إضافة إلى الاهتمام بالجانب الاقتصادي، يجب مواصلة الاهتمام بالجانب الاقتصادي على مستوى الزراعة، وتنشيط الجانب الزراعي، والاهتمام بالمحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها، وشعبنا- بفضل الله- لديه اهتمام زراعي حتى في الماضي، لكن يجب أن يتصاعد هذا الاهتمام، وأن يكبر هذا الاهتمام أكثر وأكثر، وأيضاً كلما يخدم هذا الجانب: على مستوى التسويق الزراعي، على مستوى معالجة بعض العوائق من جانب الدولة، وضمن المبادرات المشتركة ما بين الدولة والمجتمع، يجب الاهتمام بذلك، على مستوى الإنتاج الداخلي، التجار بإمكانهم أن يستثمروا الكثير من أموالهم في الإنتاج الداخلي، وهذا سيوفر لهم، ويوفر لشعبهم، ويخدمون به أنفسهم وأموالهم، ويخدمون به شعبهم، وهذا سيمثل مصلحة استراتيجية ومهمة جدًّا لشعبنا اليمني.

أيضاً نؤكد على أهمية الاستفادة من الدروات الصيفية، الدورات الصيفية الآن نشطة وقائمة، جزءٌ منها في الريف، وهو لا بأس، بدأ بوتيرة لا بأس بها، ويحتاج إلى اهتمام أكثر، وأيضاً هناك أنشطة تلفزيونية تناسب وضعية المدن، والوضعية التي يحتاج فيها الناس إلى الالتزام بالإجراءات الصحية التي كان لا بد منها مع وباء كورونا، ممكن الاستفادة أيضاً من البرامج التلفزيونية والاشتراك في هذه الدورات عبر تلك البرامج والاستفادة منها للجيل الناشئ، ولا بد من أن يكون النشاط التوعوي والتعليمي والإعلامي بالاتجاه الذي يتصدى لكل الحرب الإعلامية التي يشنها الأعداء، التي تهدف إلى التضليل والتزييف للحقائق، والتي تهدف إلى إشغال الناس عن قضيتهم المهمة، وعن قضاياهم الكبيرة، وعن التصدي للعدوان، وأيضاً المحاولة من جانب الأعداء إلى زرع الهزيمة النفسية في أبناء هذا البلد، فالجبهة الثقافية والإعلامية والتوعوية هي جبهة مهمة جدًّا، وميدانها مهم جدًّا، والمسؤولية فيها كبيرة جدًّا من جانب من لديهم القدرة على الإفادة في هذه الجبهة والتحرك فيها، ومن جانب أيضاً من لديهم إمكانية أن يدعموها، ومن جانب اهتمام الجيل الناشئ واهتمام الجميع للاستفادة منها.

أيضاً نؤكِّد على الوعي تجاه طبيعة مؤامرات الأعداء، الأعداء على كل المراحل التي مضت، وأيضاً منذ بداية العدوان بشكلٍ أكبر، يحرصون على إثارة الفتن والانقسامات بين أبناء هذا البلد تحت كل العناوين: العناوين السياسية، العناوين المناطقية، العناوين المذهبية، العناوين العرقية والعنصرية، نحن في هذا البلد شعبٌ واحد، مصيرنا واحد، يجمعنا أعظم ما يمكن أن نعتبره رابطاً مهماً وهو الدين الواحد، نحن جميعاً مسلمون، هذه نعمة عظيمة من الله -سبحانه وتعالى- علينا، شعبٌ واحد، يجب أن نتعاون.

يجب على الجميع أن يدركوا أن الكل مستهدف، وأن الاستهداف لا يتجه فقط إلى بعضٍ من أبناء هذا البلد دون البعض الآخر، الكل مستهدف في هذا البلد، إمَّا يريدون منك أن تكون عبداً للأجنبي، خانعاً له، كما خنعوا هم، بعض العملاء والمرتزقة، أو أن يستهدفك العدو على المستوى العسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي بكل وسائل الاستهداف، كل محاولة إثارة النعرات ذات الطابع العرقي، أو المناطقي، أو المذهبي، يجب الحذر منها، وأن نحمل الوعي الكافي تجاهها، وأن نحافظ في هذا البلد على أخوتنا، على تعاوننا، على تفهمنا، على وحدة موقفنا، على نسيجنا الاجتماعي من التمزق، ومن التفكيك، ومن إثارة الحساسيات والعقد الشيطانية، التي يتحرك بها البعض في أوساط الناس على المستوى الإعلامي.

ختاماً أختم هذه الكلمة بالدعوة للجهات الرسمية لأن تطلق برنامجاً وطنياً للعناية في هذا البلد بأحفاد بلال، أحفاد بلال شريحة مهمة من أبناء هذا البلد، والكثير منهم يعيشون وضعيةً صعبةً وبائسةً بأكثر من بقية فئات هذا البلد، وفئات هذا الشعب، على مستوى سكنهم، على مستوى وضعهم المعيشي، وطبعاً يجب أن يكون هذا البرنامج الوطني طويل الأمد، وبحسب الظروف والإمكانات المتاحة، ويسعى إلى إعادة دمجهم في المجتمع؛ ليكونوا في المستوى اللائق بهذا الشعب، من حيث الوضع المعيشي، والتكافل الاجتماعي، ولهم حقوقهم الدستورية والقانونية التي ينبغي أن تعطى لهم، وهم من خيرة أبناء هذا البلد، هناك منهم الكثير من المضحين، من الشهداء، ممن يتصدى لهذا العدوان، ممن يقدِّم خدمات كبيرة في هذا البلد.

نحن في هذا البلد يجب أن يكون المعيار عندنا: أنَّ خير الناس: أنفع الناس للناس، وأنَّ الإنسان الذي يرى لنفسه اعتباراً، اعتباره هو بقدر ما يقدِّم من خدمة لأبناء هذا البلد.

أنا أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقني لأن أكون خادماً لهذا الشعب بكل ما أستطيع، وأرى أن خدمة هذا الشعب، وأبناء هذا الشعب بكل فئاتهم ومكوناتهم، هي أعظم قربة أتقرب بها إلى الله -سبحانه وتعالى-، حينما أدافع عنهم بالموقف، إذا قاتلت عنهم، إذا دافعت عنهم، إذا وقفت في وجه عدوهم، أرى هذه قربة عظيمة إلى الله -سبحانه وتعالى-.

يجب أن نعزز التكافل الاجتماعي، التعاون بين أبناء هذا البلد بمختلف فئاتهم ومكوناتهم كأمةٍ واحدة وشعبٍ واحد، وأن نعزز روابط الإخاء بكل ما تعنيه الكلمة، وأن نقف صفاً واحداً في موقفٍ واحد ضد كل من يسعى إلى إثارة الفتنة والفرقة والشقاق، ضد من يسعى إلى تفكيك أبناء هذا البلد، ضد من يسعى إلى إخضاع أبناء هذا البلد لصالح الأجنبي، ضد الذين نهبوا ثروات هذا الشعب لعقود من الزمن، وأصبحوا يستثمرون فيها في الخارج، في شركاتهم، في البنوك والمؤسسات، ضد من باعوا هذا الوطن بكله: بشعبه وأرضه وثرواته لصالح الأعداء، يجب أن نقف جميعاً ضدهم، وألا نسمع منهم، ليسوا أمناء ليتكلموا في أي موضوع من المواضيع، في أي قضية من القضايا، هم خونة بكل ما تعنيه الكلمة، وهم كذبوا، وخانوا، وغادروا، وخدعوا، وظلموا، وأفسدوا، وجاروا، وهم اليوم يكفيهم عاراً أنهم يقاتلون في صف السعودي والإماراتي، الذي يقاتل هو في صف أمريكا ويتحالف مع إسرائيل.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جراحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com