تنومة.. مائة عام على مجزرة آل سعود بحق ضيوف الرحمن من حجاج اليمن

 

· استشهاد 3 آلاف حاج بينهم علماء وفقهاء وحفظة القرآن على أيدي تكفيريين من جيش آل سعود

· التكفيريون كانوا يتنادون “اقتلوا المشركين”.. وشعارهم “هبت هبوب الجنة وأين أنت يا باغيها”

· لم يرحموا حتى النساءَ والأطفالَ والطاعنين في السن.. ولم تسلم أموالهم وأمتعتهم من السرقة والنهب

· الشهداء ينتمون إلى جميع مناطق اليمن ومن جميع فئاته ومكوناته وتنوعاته

 

// الثورة // 
لايزال اليمنيون يتناقلون سيناريو “مذبحة تنومة” التاريخية، بكل مرارتها ووحشيتها والتي راح ضحيتها زهاء ثلاثة آلاف حاج عُزّل من السلاح، كلهم مهللون بالإحرام للحج على ايدي مجموعات تكفيرية من جيش آل سعود في العام 1341 للهجرة، أي ما يقارب 100 عام قبل يومنا هذا، والتي شهدها وادي تنومة بإمارة عسير .
اليوم تمر الذكرى الـ100 للمجزرة السعودية المُروعة، يختزل فيها اليمنيون صور المذبحة الرهيبة، رغم مرور مائة عام على المجزرة السعودية المروعة بحق ضيوف الرحمن قصدوا بيت الله الحرام يرتدون ملابس الإحرام . وهي جريمة تؤكد على أن الإجرام السعودي ليس وليد العدوان على بلادنا كما قد يظن البعض، ولكنه جُرم مُتجذر يعود إلى ما قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى، حيث مارس آل سعود صنوف الإذلال والقمع والقتل والتنكيل في حق أبناء نجد والحجاز بهدف تثبيت ملكهم وترسيخ دعائم دولتهم .

تفاصيل المذبحة المروعة
بالدخول في التفاصيل؛ فقد عقد ثلاثة آلاف حاج يمني العزمَ والنيةَ على التوجه إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج بزِادِهم وراحلتهم، خرجوا مهلّلين ومكبرين تفيضُ أعينهم من الدمع شوقاً لبيت الله الحرام ورغبةً في أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، تجمّعوا من مختلف المحافظات وجرت لهم مراسمُ التوديع المهيبة في مدينة صنعاءَ قبل أن ينطلقوا في أمان الله وحفظه في رحلة الحج بعد أن منحهم السعوديون الأمان بسلامة وتأمين الطريق. تحركت قافلة الحجيج من صنعاء في السادس من شوال، بعد أن أرسل حاكم عسير كتابا للإمام يحيى يفيد بإهتمامه تأمين طريق الحجاج و أنه لا خوف عليهم .
وأثناء طريق الحجاج إلى مكة ألتقت بهم سرية جنود من جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد «ابن أخ الملك عبدالعزيز»، كانوا يُعرفون بإسم (العطاعيط)، حيث أعطوا الحجاج الامان، ولما وصل الفريقان إلى وادي تنومه، بدأت المذبحة السعودية، حيث تقول المصادر التاريخية ان الحجاج اليمنيين بينما كانوا يجتازون وادي تنومة بعسير كانت قد ترصّدتهم مجموعات تكفيرية من جيش عبدالعزيز آل سعود في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، يقال لهم الغُطْغُط ، بقيادة الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي، فانقضُّوا عليهم بوحشية منقطعة النظير، وهم عزل من السلاح، فتقرّبوا إلى الله بزعمهم بقتل هؤلاء الحجاج اليمنيين جميعا رجالا ونساء؛ لأنهم بحسب عقيدتهم كفار مباحو الدماء والأعراض، بلغ بأولئك أن هنَّأ بعضُهم البعضَ الآخر بكثرة من قُتِل من الحجاج، فمن قتل حاجًّا واحدا بشّروه بقصرٍ في الجنة، ومن قتل اثنين بشَّروه بقصرين، وهكذا، وبعد ذلك سطوا على دوابهم وقافلتهم التي كانت تحمل الحبوب والدقيق والسمن واحتياجاتهم التموينية التي كانت أيضا سببا في سيلان لعاب هؤلاء الوهابيين التكفيريين.
اعتداء همجي على ضيوف الرحمن ، جسَّد فيه المهاجمون قذارة ووحشية وصلف وإجرام آل سعود ، وأظهر حقدهم الدفين وعدم مراعاتهم لحرمة الحج وتعديهم على ضيوف الرحمن الذين قصدوا بيته الحرام ليشهدوا منافع لهم ، وليذكروا الله في أيام معلومات.
وتُشير بعض الكتابات إلى أن المجموعات التكفيرية التابعة لجيش آل سعود باشرت جريمتها بعد أن تاكدت من عدم امتلاك الحجاج اليمنيين لأي أسلحة، لتبدأ أحداثُ المذبحة الدامية، وبعد أن استنفذ القتلة ذخيرةَ بنادقهم نزلوا بسيوفهم وخناجرهم للإجهاز على من تبقى على قيد الحياة من الحجاج، لم يرحموا حتى النساءَ والأطفالَ والطاعنين في السن، ثم قام القتلةُ بنهب أموال وممتلكات الحجاج، في الوقت الذي خيّم فيه الحزنُ على كافة أرجاء اليمن، فلا تكاد منطقة يمنية إلا وكان لها شهداءُ في تلكم الجريمة المروّعة .
وكان من ضمن ضحايا تلك المجزرة المروّعة، الحاج حسين القريطي، «والد الشيخ المقرئ محمد القريطي رحمه الله» الذي وُلد في نفس العام ولم يمنعه يتمه من تخليد نفسه بعلمه وصوته الذي ترنم به الذكر الحكيم على طريقته الخاصة حتى اعتبره أهل اليمن “عطر شهر رمضان”.
وقد ذكر القاضي يحيى بن محمد الإرياني «والد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني»، أن الجند السعوديين كانوا يتنادون فيما بينهم «اقتلوا المشركين» وكان شعارهم «هبت هبوب الجنة وأين أنت يا باغيها»، وكان القاضي رحمه الله غزير الشعر، فجادت قريحته بقصيدة عصماء خلّد فيها الحادثة المروّعة وناقش فيها المتعصبين من الوهابيين بالحجة العلمية المقنعة، وبعثها إلى الإمام يحيى حميد الدين وإلى الملك وعلماء نجد، وقد اشتهرت القصيدة في ذلك الحين بين الناس وتناقلتها الألسن.

(خيرة أعلام اليمن يقضون في المجزرة السعودية)
ولأن مملكة قرن الشيطان تمضي على نهج الشيطان في التضليل فقد نحت باللائمة على بعض فرق جيشها بحجة أنهم التبسوا في الحجاج بأنهم مدَدٌ عسكري لشريف مكة، تضليلا للرأي العام وتنصُّلا من عار وشين الجريمة المروِّعة أمام العالم الإسلامي، لكن القاضي العلامة الحسين بن أحمد بن محمد السياغي في كتابه (قواعد المذهب الزيدي) – والذي كان أبوه العالم والمدرِّس في الجامع الكبير أحدَ شهداء هذه المجزرة – لخِّص تعامل الملك عبدالعزيز مع هذه القضية بقوله: “استفتح الملك عبدالعزيز الحجاز بقتلهم، وباء بدمائهم وأموالهم، ولم يتخلّص منهم إلى أن توفي”.
وبحسب بعض الكتابات منها ما كتبه حمود عبد الله الأهنومي؛ فقد قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء، وعمّ السخط والحزن أرض اليمن، وحين وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وجد الحزن والأسى يعم أهلها، ورثاهم الشعراء والأعيان، وعلى رأسهم القاضي العلامة المؤرخ الجغرافي محمد بن أحمد الحجري، وقال القاضي العلامة يحيى بن محمد الإرياني، والد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني:
جنيت على الإسلام يا ابن سعود
جناية ذي كُفْرٍ به وجحود
جناية من لم يدر ما شرعُ أحمدٍ
ولا فاز من عذب الهدى بورود
ولما حضر الموتُ السيدَ العلامة يحيى بن علي الذاري رحمه الله أسِف على أمرين لم يوفّق فيهما، وهو أنه لم يقاتل الصهاينة في فلسطين، والثاني أنه لم يجاهد آل سعود اقتصاصا لشهداء مجزرة تنومة، وكان قد فاض ألما في شعره عليهم، فقال راثيا إياهم:
ألا من لطرف فاض بالهملان
بدمعٍ على الخدين أحمرَ قانِ
بما كان في وادي تنومة ضحوةً
وما حلّ بالحجاج في سدوان
من المارقين الناكثين عن الهدى
وعن سنة مأثورة وقران
أحلوهم قتلا وسلبا وغادروا
جسومهم صرعى تُرَى بعيان
تنوشهمُ وحش الفلاة وطيرها
لعمرُك لم تسمع بذا أذنان
لذا لبس الإسلام ثوب حداده
وناح ونادت حاله بلسان
وكتب إلي الأخ محمد سهيل من صعدة أن أمه لا تزال تحفظ بيت شعر من قصيدة شعبية كانت النساء تنشدها في الأعراس أسىً على شهداء تنومة، وهو: يا ريت وأن علي بن أبي طالب على الدنيا يعود *** يؤمن طريق الحج والمذهب يصونه.

(عدد الشهداء وبعض أعلامهم ومناطقهم )
وفي كتاب ( مجزرة الحجاج الكبرى)، يوثق الباحث حمود الاهنومي جريمة آل سعود بحق حُجاج اليمن، حيث يُشير إلى اجماع عدد من الروايات والمصادر التاريخية باستشهاد ثلاثة آلاف حاج يمني، حيث يمثل الشهداء مختلف ومناطق اليمن.. والقاتل عمل جاهداً على وأد القضية وطمس الأدلة .
ويشير الكاتب إلى الاختلاف الكبير في المصادر التاريخية حول عدد الشهداء من الحجاج؛ فالمؤرخ زبارة يقول: “زيادة على ألفي قتيل”، وإحدى الوثائق البريطانية تحدِّدُ عددَهم بـ”قافلة كبيرة”، وفي وثيقة أخرى، تقول: “كانوا 500 حاج”، ويقول صاحب كشف الارتياب إنهم كانوا ألف إنسان، ولم ينج منهم غير رجلين، ويذكر القاضي السياغي بأن عددهم 1800 شهيد .
تذكر جريدة القبلة أن عددهم تجاوز الألفين، منهم تسعمائة فُصِلت رؤوسهم عن أجسادهم، والقاضي الإرياني يقول: إنهم ألفان وستمائة حاج، ويقول القاضي الأكوع: إنهم كانوا 2600 قتيلا، لكنه في مكان آخر يقول: إن عددهم 2700، وذكر المؤرخ السيد زبارة: أنهم “نحو ثلاثة آلاف”، ويقول السيد العلامة مجد الدين المؤيدي: إنهم حوالي 3500 شهيد. وذكر القاضي العلامة الجرافي أن عدد الحجاج يقارب 4000 حاج، جميعهم استشهدوا، ما عدا ما يقارب 280 شخصا. وقُدِّر عددُ الــحــجــاج لنزيه العظم مرة بثمانية آلاف غير ألفي حضرمي، وأخرى بحوالي ستة آلاف، وثالثة بخمسة آلاف حاج، كلُّهم قتِلوا إلا نفرا قليلا.
ويشير الباحث حمود الاهنومي إلى أن السبب في هذا الاختلاف الكبير هو أنه لم تكن هناك سجلات وإحصائيات رسمية توثِّق عدد الــحــجــاج الذين غادروا الــيــمــن في تلك القافلة، بسبب الظروف الإدارية البدائية آنذاك، ولكونِ طريقةِ تجمُّعِ الــحــجــاج بالانضمام العشوائي من الراغبين في الــحــج من القرى الواقعة على طرق القافلة كلما مرَّت عليهم، يَجعل عملية توثيقهم في صنعاء بشكل رسمي صعبا إن لم يكن مستحيلا.
ويقول:(مع ذلك فإن هناك رقما يبدو أنه اتُّفق عليه مؤخّرا، حيث أنه ومع هذا الاختلاف إلا أن مخطوط البــحــث المفيد أورد تفاصيلَ دقيقة وصادقة تبيِّن أن مَنْ كتبها كان مطَّلعا على الإحصائيات الرسمية اللاحقة؛ لما فيها من نوعِ التفاصيل ودقة الأرقام، وتدل على أن كاتبها حصل على معلومات دقيقة تتفق مع الوثائق الرسمية التي جرى التعبير بها وعنها لاحقا.
يذكر البــحــث المخطوط أن عدد الـشــهــداء “حُصِر على ما قيل 2800 رجل”، ويستدرك كاتبُه في هامشه بقوله: “وصل السيد أحمد الوشلي من مــكــة، وأخبر أن القتلى ثلاثة آلاف ومائة وخمسة أنفار على ما حُقِّق، وجاءت به الأخبار إلى مــكــة، فرحم الـلـه حــجــاج بيت الـلـه الـشــهــداء، ولعن الـلـه من قتلهم”. وكلمة “حُقِّق” لها دلالة مطَمْئِنَة في التحقُّق والتثبُّت بأن العدد كان كذلك.
إن العدد 3000 شهيد أو ما يقاربه هو العدد الذي استقرَّ عليه حديث الجانب الرسمي الــيــمــني، فقد كتبت جريدة الإيمان، ونقلت عنها مجلة المنار، أن عددهم “يربو على ثلاثة آلاف شهيد، قُتِلوا ظلما، وهم عزَّلٌ من السلاح، آمين بيت الـلـه الحرام”، وتكرَّر هذا في جواب الإمــام يــحــيـى على رسالة محمد رشيد رضا إليه بشأن علاقته مع ابن سعود، بقوله: “من قَتْلِ نحوِ ثلاثةِ آلافِ مسلم…”. ومثله ورد لدى الواسعي وغيره.
ولهذا يترجَّح أن الـ3000 شهيد هو العدد المقارب للحقيقة؛ لما سبق؛ ولأنه قد ورد متأخِّرا من جهة رسمية، وهي الحكومة الــيــمــنية، بعد سنواتٍ من الواقعة، أي بعد أن استقرَّت على رقمٍ تأكَّد لها من خلال البــحــث والتوثيق، ولأن الجهة الرسمية النجدية لما علَّقت على هذه الدعوى لم تنازِع في عدد الــحــجــاج، بل سلَّمتْ به وذهبت تنازع في ظروفِ وأحوالِ الوقعة.

(الشهداء ينتمون إلى كل اليمن)
وأما فئاتهم وخلفياتهم القبلية والمناطقية والوظيفية والاجتماعية، يوضح المؤلف بأنهم ينتمون إلى مُخْتَلَف ألوان الطيف الاجتماعي والمكاني في الــيــمــن، فهم من جميع مناطق الــيــمــن ومن جميع فئاتِه ومكوناتِه وتنوعاتِه، وقد كان الإمــام يــحــيـى “يقول ويكتب وينشر أن كل بيت في الــيــمــن، يحمل ثأرا دمويا على الدولة السعودية يطالبه بالإذن له، بأخذه بالقوة الحربية”.
وروي عن السيد الأستاذ علي بن محمد الذاري عن القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني أنه قال: إن المعدِّدة (نادبة الأموات) لم يخْلُ منها بيتٌ من بيوت أهل الــيــمــن بعد المــجــزرة، وأنه كان هناك استعدادٌ شعبيٌّ عارمٌ وواسعٌ للاستجابة لداعي الجهاد ضد ابن سعود.
إن اطلاع الباحث القليل جدا لمناطق الـشــهــداء وكذلك النـاجــين ووظائفهم ومراتبهم الاجتماعية يبين أنهم ينتمون لمختلف فئات ومناطق الــيــمــن، وأنهم كانوا من ألوية إب، وذمار، وصنعاء، وعمران، وحجة، وصعدة، وغيرها.
وتصف جريدة الإيمان الــيــمــنية خلفياتهم الفئوية بأن فيهم “العلماء والفضلاء والأشراف”، كما تذكر سيرة الإمــام يــحــيـى أن الـشــهــداء كانوا من “العلماء وفضلاء السادة، وكثيرٍ من الضعفاء، رزقهم الـلـه الشهادة، وزفَّهم إلى غُرَف السعادة”، وتضيف القول: “وقلَّ أن تخلو قرية من قرى الــيــمــن عن مصاب بعض أهلها بين هؤلاء الــحــجــاج”، و “أن المعلوم أن غالب أولئك الــحــجــاج عمَّهم القتل”.

(أسماء وتراجم قليل منهم)
يقول الباحث الأهنومي، رغم تصريح سيرة الإمــام يــحــيـى بأنه لا “تخلو قرية من قرى الــيــمــن عن مصاب بعض أهلها بين هؤلاء الــحــجــاج”، إلا أنه للأسف لم نعثر على توثيق رسمي أو شعبي لأسماء هؤلاء الــحــجــاج، ولا ندري هل قامت حكومة الإمــام يــحــيـى بتوثيق أسمائهم، وإنشاء قوائمَ بها، استعدادا لأيِّ حلٍّ قضائي يمكن أن يُصْدِرَه الخصم المحكَّم عبدالعزيز، فأخفاه عن الباحث قصورُه، أم أخفته الأيدي المرتزقة التي وظفتها حكومة ابن سعود عند اشتعال الثورات في الــيــمــن بالسطو على الوثائق الهامة؟ أم انه تم وأد قضيتهم ؟!
ولا بد من الاعتراف أن السعوديين عبر أدواتهم ومرتزِقتهم سطَوا على الوثائق الرسمية الــيــمــنية واستطاعوا الاستيلاء على عددٍ كبيرٍ منها عند أحداث 26 سبتمبر 1962م ، ولعلَّ سجلاتِ أولئك الـشــهــداء كان منها، ومن المعروف أن السعوديين كانوا ولا زالوا يضغطون بالترهيب والترغيب في اتجاهِ تنظيفِ جرائمِهم وغسلِها وتجنب إظهارِ تاريخِهم بالصورة المتَّسخة التي هو عليها في الواقع.
ولعل الأيام القادمة ستساعد على العثور عليها إن شاء الـلـه.
وفتحا لباب التوثيق مرة أخرى لأولئك الـشــهــداء بدأتُ بجمع أسماء وتراجم لمن عثرتُ عليه بجهدي الشخصي وتواصلاتي الضعيفة، مساهمة في تلافي التفريط الــيــمــني تجاههم، وأملا في أن تصدُرَ الطبعة الثانية من هذا البــحــث وقد عثرنا على مزيدٍ من الأسماء، وقد استجاب كثيرٌ من أهالي الضحايا وأقاربِهم ومن يعرفون أيا منهم بتزويدنا بأسمائهم وتراجمهم ووثائقهم.
وهذه التراجم والأسماء التي حصل عليها الباحث مرتبة أبجديا:
-الشهيد أحمد بن أحمد بن محمد السياغي،الحيمي، الصنعاني، من أهالي صنعاء، ولد في 11 صفر، سنة 1303هـ، ونشأ في حِجْر والده في صنعاء، وتعلَّم عليه في النحو والفرائض وأصول الفقه، والحديث، وتتلمذ على جميع المشائخ العظام، ومنهم العلامة الحسين بن علي العمري، والقاضي علي حسين المغربي، والعلامة إسحاق بن عبدالـلـه المجاهد، والفقيه عبدالكريم أحمد الطير، وكان منقطعا للتدريس في جامع صنعاء ملازما له، “لا يهمُّه غيرُ علمٍ يُمْليه، أو يَسْتَمليه، عَكُوفا على كتاب الـلـه وترديد مثانيه، وبلغ شأوا رفيعا في التحقيق”، وانتفع به الكثير من الناس، وكان ورِعا ناسِكا تقيّاً.
– الشهيد أحمد بن علي حسين فايع، من أهالي ضحيان صعدة وأعيانها، استُشْهِد وعمرُه ثلاثون عاما تقريبا، وخلَّف بنتين وولدا، أعمارُهم دون العاشرة، وكان قد حجَّ تلك السنة مؤاجَرَةً لغيره، لكنه استُشْهِد قبل أدائه الــحــج المستأجَرَ عليه، وترتب على ذلك نهبُ أمواله، فجاء المحجِّجون لمطالبة ورثته بتسليم تكاليف الــحــجة التي لم تنفذ، ولم يكن لدى أطفاله غيرُ متاعِ بيتِهم وفراشِهم، فجاء العدولُ لتقويم ذلك المتاع والفراش استيفاءً لقيمة الــحــجة، وتسليمه إلى أهلها، فلما رأى أيتامُ الشهيد وقد طوى العدولُ فراشَ بيتهم انفجروا بكاءً، فما كان من أخي المترجَم له، السيد حسين علي حسين فايع (ناظرة منبِّه ثم كتاف)، والعدل السيد حسين بن محمد الحاكم إلا أن تعهَّدا للغرماء بتحمُّل تكاليفِ تلك الــحــجة المغدورة رحمة بأبناء الشهيد، ورقة بحالهم.
وهذه الحالة نموذج لقصصٍ ومآسٍ كثيرة محزنة تسبَّب فيها ذلك العدوان النجدي الوهابي على أولئك الــحــجيج المظلومين المغدورين، فهل آن الأوان لكشف ظلامتهم التاريخية؟!
– الشهيد أحمد صالح الصايدي، من بيت الفقيه (عمران).
– الشهيد حسين القريطي، من أهالي صنعاء، والد الشيخ المقريء محمد حسين القريطي، الذي وُلِد في عام استشهادِ والدِه، ولم يمنعْه يُتْمُه من أن يكون أحدَ أعلامِ الــيــمــن المعاصرين في علم القراءات، وحسنِ التلاوة للذكر الحكيم، التي تتزين به سماواتُ شهرِ رمضان في آفاق الــيــمــن جمعاء.
– الشهيد حسين محمد محمدالوشلي، ولد في قرية القابل، ثم انتقل إلى الطويلة (المحويت) مع والده، استشهد وهو شاب قبل أن يتزوج، وقد استشهد معه رجلان وامرأة من أهالي الطويلة، لم أتمكن من التعرف على أسمائهم حتى الآن.
– الشهيد الحسين بن يحيى بن أحمد بن عبدالـلـه، من آل شريف المؤيدي، من ذرية الإمام إبراهيم بن محمد المؤيدي (ت1083هـ)، من أهالي صعدة، وصفه السيد العلامة مجد الدين المؤيدي بـ”العلامة”.
– الشهيد حُمَادي بن سعد التركي، من أهالي مدينة صنعاء، تعلَّم بها، وكان طبيبا، حكى رفيقه الأستاذ غالب الحرازي أحد النـاجــين من المــذبــحــة أن الشهيد المترْجَم له لمَّا هجم جنودُ ابنِ سعود على الــحــجــاج رميا بالبنادق، كان المترجَم له يتلو سورة ياسين، ولكن التكفيريين كانوا أسرع إلى انتزاع روحه منه إلى إكمال سورة ياسين، حيث أصابه طلْقٌ ناري في جبهته وهو يتلو قوله تعالى: ?سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ?، ولفَظَ فيه أنفاسه، وكان يحمل معه بعضَ كتب الطب من مؤلفاته، فنهبها النجديون في جملة ما نهبوه.
– الشهيد عبدالـلـه بن محمد دهاق، أو محمد بن عبدالـلـه دهاق المؤيدي من أهالي ضحيان صعدة، ولا نعلم عنه معلومات أكثر من هذه.
– الشهيد علي صالح علي العزب، من قرية حلملم السفلى، عزلة الأشمور (عمران).
– الشهيد علي مصلح قاسم الأشموري، من قرية حلملم العليا، عزلة الأشمور (عمران). وغيرها من أسماء الشهداء التي لايتسع المجال لذكرها هنا.

قد يعجبك ايضا