مفهوم السلطة السياسية في الإسلام (1)
|| تقارير || إعداد أ. أحمد يحيى الديلمي
بالرغم ممَّا تمتلكه الأُمَّة العربية والإســلامية من ثرواتٍ هائلة، وامتلاكها لمنطقةٍ استراتيجية هامةٍ جداً، إلَّا أنها تفتقد إلى القيادة التي تستطيع أن تواجه أعدائها، وتنطلق في مواقفٍ عمليةٍ جادَّة تجاه مؤامراتهم الخبيثة بحق الأُمَّة، وتعمل على بناء الأُمَّة لتكون أُمَّة قوية في شتى المجالات، العسكرية، والاقتصادية، والعلمية، لاسِيَّما وأنها تعيش واقعٍ مُزرٍ على مختلف المستويات.
وممَّا لا ريب فيه أن الأُمَّة العربية والإسـلامية تخضع لسيطرة زعاماتٍ، وأنظمةٍ مُستبدةٍ، وعميلة لأعداء الأُمَّة (اليهود والنصارى)، حيث أصبحت هذه الأنظمة العميلة تُدين بالولاء التام لأمريكا، وإسرائيل، وتُسخِّر كل المؤسسات، الاقتصادية، والسياسية، والإعلامية، لخدمة مصالحهم، ومشاريعهم الاستعمارية.
وعندما غاب الفهم الصحيح للسلطة والنظام السياسي في الإسلام، فقد ضاعت الأُمَّة، وحكمها أشرارُها، عُملاء اليهود والنصارى، وامتلكوا قرارها، وتحكَّموا بمصيرها، وسيطَّروا على مُقدَّراتها، وثرواتها، وهذا ما يحذر من خطورته الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”.
وفي هذا السياق، يُبيِّن الشهيد القائد أن من أخطر الأشياء على الأُمَّة أن تُذَّل بواسطة من يحكُمها، يقول:
“من أخطر الأشياء على الأمة أن تذل بواسطة من يحكمها، لكن الأمة إذا لم تكن واعية، إذا لم تكن واعية فعلاً، تكون هي التي تعبر عن نفسها بأنها ليست جديرة إلا بمن يسوقها بالعصا، ويذلها ويقهرها”([1]).
وفي خضمِّ ذلك، يُبَيِّن الشهيد القائد “رضوان الله عليه” أن موضوع القيادة هو موضوعٌ مُهمٌ جداً، وأن الله عزَّ وجلّ هو من يتولى موضوع القيادة بشكلٍ مُباشر؛ لأنها قضية مُهمة وحساسَّة، وتحتاج إلى رعايةٍ وهدايةٍ من الله عزَّ وجلّ، لاسيمَّا وأنه من يرسم طريق القيادة، ويتولاها، حتى يستطيع النَّاس أن يكونوا من حزبه، ويحظوا بنصره وتأييده.
ويُؤكِّد أن القرآن الكريم قد هدى إلى موضوع القيادة بشكلٍ واضحٍ، ومفصِّلٍ، يقول: “القرآن الكريم هدى حتى إلى القيادة التي يجب أن تكون هي القيادة للأمة كيف يجب أن تكون، ومن أين تكون…”([2]).
ويُبيِّن الشهيد القائد أنَّ الله عزَّ وجلّ يُقدِّم المنهج، والقيادة، كمشروعٍ مُتكاملٍ، يقول: “{فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ}(البقرة: من الآية213) إذاً أليس هنا قدم [المنهج والعلم] القيادة مشروع متكامل، مشروع متكامل؛ لأن من مقومات الوحدة بشكل صحيح هو ماذا؟ [منهج وقيادة] هل يمكن نتصور أمة يقال توحدت ولا يكون توحدها على أساس [منهج وقيادة]، معروف حتى قَبَلياًّ يكتبون [قاعدة] يعني ماذا؟ منهج، أليست هكذا؟ ويختارون شخصاً كبيراً لهم معناه ماذا؟ قيادة”.
ويُشير الشهيد القائد إلى أن الله عزَّ وجلّ يضع المنهج، ويختار القيادة، التي تتحرك على أساس ذلك المنهج، وتهدي به، ويُلزم النَّاس بأنَّ يسيروا على هذا المنهج، ويتبعوا تلك القيادة، حيث يقول ([3]):
“الله يضع المنهج يختار هو المنهج ويختار هو القيادة التي ماذا؟ تتحرك على أساس ذلك المنهج وتهدي بذلك المنهج ويلزم الكل بأن يسيروا على هذا المنهج ويتبعوا تلك القيادة”.
ويضيف بالقول:
“إذاً فهذه القاعدة هي القاعدة المهمة، وهي الطريقة المهمة وطريقة ما تحتاج إلى مؤتمرات، فالتوجيه {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً}(آل عمران: من الآية 103) هو قائم واجب عليكم، وطريقة الإعتصام بحبله هو الذي يختص بها، هذا حبله القرآن الكريم ومن يختاره أن يكون علماً مع كتابه، هنا في الأخير تتحقق وحدة بين الناس وكل واحد لا يرى أنه تنازل لطرف آخر كل واحد يرى أنه تخلى والآخر تخلى ونفوس طيبة ويتفاعلون بإيجابية مع ماهم مؤمنين به بنسبة 100%، لكن عندما يقدم تلفيقات يكون إيماناً 50% أو أقل”.
وفي هذا الصدد، يُبيِّن الشهيد القائد أن الله عزَّ وجلّ عرض في القرآن الكريم الصفات المُهمة للقيادة التي على يديها تسعد الأُمَّة، حيث يقول: “لنعرف كيف أن الله سبحانه وتعالى عرض الصفات المهمة التي على يديها تسعد الأمة، على يديها تسعد الحياة، على يديها تزكو النفوس وتزكو الحياة بأكملها. وكما قلنا في هذا العصر تقريباً لا تتحدث عن شيء إلا وتجد الشواهد عليه في مختلف المجالات شواهد نعرفها جميعاً. عندما يأتي المترشحون سواء لرئاسة الجمهورية أو لعضوية مجلس النواب أو للمجالس المحلية أليس المترشحون كلٌ منهم يحاول أن يخاطبنا بأنه سيفعل، وسيعمل لكم كذا ونفعل لكم كذا مدارس ومستشفيات وخطوط وأشياء من هذه؟. أليسوا كلهم يتحدثون بهذا المنطق؟ هذه نفسها هي مطالب للحياة لكن نحن نريد على يد من ستتحقق مثل هذه بصدق؟ على من يد تتحقق؟. على يد من يهمه أمرنا، نحن مسلمون من الذي يهمه أمرنا؟. هو من يمتلك مقومات إلهية مثل هذه، من يمتلك مبادئ مترسخة في أعماق روحه في أعماق نفسيته فتجعله مهتماً بأمر المسلمين، مهتماً بضعفاء المسلمين مهتماً بالأمة بأكملها”([4]).
وفي ضوء ذلك، يُشير الشهيد القائد إلى أن الأُمَّة بحاجةٍ إلى أن تفهم ما هي ولاية الأمر في دينها، وأنها إذا لم تفهم ذلك فسيأتي من يتولى أمرها من أعدائها الأمريكيين وعملاؤهم، حيث يقول: “…إن الأمة لأحوج ما تكون إلى أن تفهم ما هي ولاية الأمر في دينها، ما هي ولاية الأمر في إسلامها، ما هي ولاية الأمر في قرآنها. يجب أن تفهم، وإذا لم نتفهم فسيفهمنا الأمريكيون وعملاؤهم ليقولوا لنا: هكذا ولاية الأمر، وهكذا يكون ولي الأمر، وستراه يهودياً أمامك يَلِي أمرك”([5]).
وفي هذا السياق، يُؤكِّد الشهيد القائد إلى أن القرآن الكريم يُقدِّم الرؤية المُتكاملة والشاملة لبناء أُمَّة واحدة وقوية، ويُبيِّن التعليمات الوافية والكاملة في مجال بناء الأُمَّة من الناحية الهيكلية، حيث يُقدِّم موضوع القيادة المُوكل إليها بناء وتنظيم الأمّة، والتي تتحرك بحركة القرآن الكريم، وتمتلك أهم المقومات اللازمة للنهوض بالأُمَّة، التي كان يُمثلها الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، ويُمثلها الإمام علي “عليه السلام”، حيث يقول: “بعد أن جاء النهي المؤكد من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين: أن لا يتخذوا اليهود والنصارى أولياء، وبعد أن أوضح خسارة من يسارعون فيهم، والسبب الذي يدفعهم إلى المسارعة أنه نتيجة مرض في قلوبهم، وبين ما يعطي أملاً للمؤمنين: أن الله سبحانه وتعالى سيستبدل بمن ارتدوا عن دينه، سيستبدل بهم غيرهم، من وصفهم بأوصاف عظيمة، هذه الأوصاف العظيمة ليست بمعزل عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ}(المائدة: من الآية 55) بالإضافة إلى كونها توجيهاً للمؤمنين بشكل عام أنه لا يجوز أن تتخذوا اليهود والنصارى أولياء {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ} الذي يجب أن تتولوه فقط {اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(المائدة: من الآية 55).
وليكم الذي تعتصمون به، وتلجئون إليه، وتستنصرون به الله سبحانه وتعالى، هو من يجب أن تتولوه، وتكونوا معه وتتبعوه، وتطيعوه، {وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} الآية هنا تبين بأن ولاية الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض التي تتجلى على يد نبي من أنبيائه، أو ولي من أوليائه إنما هي امتداد لولايته سبحانه وتعالى، امتداد لولايته، امتداد لسلطانه، لهذا جاءت بعبارة واحدة {وَلِيُّكُمُ} ولم تأت بعبارة الجمع فيقول: أولياؤكم مثلاً، {وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}؛ لأنها ولاية واحدة، ولاية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هي امتداد لولاية الله، ولاية الإمام علي هي امتداد لولاية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، باعتبار الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومن بعده الإمام علي امتداد لسلطان الله هنا في الأرض”.
الهوامش:
- السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس شهر رمضان المبارك، سورة المائدة، الدرس الثالث والعشرون.
- السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس سورة آل عمران، الدرس الرابع.
- السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس شهر رمضان المبارك، سورة آل عمران الدرس، الرابع عشر.
- السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة سورة المائدة، الدرس الثاني.
- السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، حديث الولاية.
([1]) السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس شهر رمضان المبارك، سورة المائدة، الدرس الثالث والعشرون، 1424هـ -2003م، ص3.
([2]) السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس سورة آل عمران، الدرس الرابع، 2002م، ص10.
([3]) أنظر: السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس شهر رمضان المبارك، سورة آل عمران الدرس، الرابع عشر، 1424هـ -2003م، ص11-12.
([4]) السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة سورة المائدة، سورة المائدة، الدرس الثاني، 2002م، ص11-15.
([5]) السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، حديث الولاية، 1423هـ -2002م، ص4.