الجنوب.. بين أوهام التحرير وواقع التكفير
موقع أنصار الله || مقالات || حسن الوريث || في 30 نوفمبر من العام 1989م تم التوقيع على اتفاق عدن التاريخي لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني وإقرار مشروع دستور دولة الوحدة وإحالة المشروع إلى مجلسي الشورى والشعب في الشطرين ومنذ ذلك التاريخ نشطت حركة معارضة لهذا الاتفاق بشكل غير عادي وكان رأس الهرم فيها حركة الاخوان المسلمين والجماعات المنضوية تحتها وقد سمعنا العجب العجاب أقلها تكفير الجنوبيين الذين كان يتم وصفهم بالشيوعيين والملحدين وغير ذلك من الأوصاف التي تصب في خانة معارضة الوحدة اليمنية.
بالطبع فقد زاد نشاط هذه المعارضة من قبل تلك الحركات ومشايخها الذين لم يبخلوا بفتاواهم عبر التسجيلات التي كان يتم بثها بشكل مكثف والتي كان معظمها يحمل التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من يوافق على الوحدة مع الشيوعيين والاشتراكيين وبعد أن تحققت الوحدة وصارت أمراً واقعاً لم يجد أولئك بد من الاتجاه الى معارضة مشروع دستور دولة الوحدة الذي تم إنزاله للاستفتاء على الشعب ووصف هذا الدستور بالعلماني الشيوعي وأنه حرام وحاولوا منع الناس من النزول للاستفتاء على هذا المشروع وحين لم تنجح تلك المحاولة بعد إقرار الدستور من قبل الشعب تحولت المعارضة من قبل تلك الجماعات إلى العمل السري وعمليات اغتيالات لكوادر الحزب الاشتراكي التي نشطت في تلك الفترة كما عمل أولئك على ضرب التحالف بين المؤتمر والاشتراكي والتشكيك فيما بينهم وزرع الفتنة إلى غير ذلك حتى وصل الأمر إلى اندلاع حرب صيف 1994م والتي كان للإخوان المسلمين الدور الكبير والضلع الأكبر فيها وفيما حدث بعدها فكانت هذه الحرب بالنسبة لهم حرب مقدسة ضد الملحدين والشيوعيين وتحرير الجنوب كما كانوا يقولون واستخدموا كل الوسائل والأساليب حتى تمت السيطرة على الجنوب والقيام بعمليات النهب الشهيرة في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية وما تلاها من توزيع الأراضي والممتلكات وغيرها وزرع عناصر القاعدة والإرهابيين في الكثير من المحافظات وتغذيتهم والمساعدة في انتشارهم بشكل كبير جداً حيث كان يتم استخدامهم لضرب الخصوم في أي مكان.
لقد أصبح الجنوب مرتعاً خصباً لهذه الجماعات الإرهابية حيث أنشئت المعسكرات لتدريب عناصر القاعدة ومن تم تسميتهم لاحقاً بجيش عدن أبين ومن ثم أنصار الشريعة وصولاً إلى داعش كما كان يتم دفع رواتبهم مما كان يسمى بالفرقة الأولى مدرع التي كان يديرها علي محسن الأحمر الذي يعتبر القائد العسكري الفعلي لهذه الجماعات التي تأتمر بأمره وتسير وفقاً لتوجيهاته وكان يرسم لها المخططات للاغتيالات التي كانت تتم للكوادر والقيادات المدنية والعسكرية والأمنية التي كان يراد التخلص منها لأي سبب وخلال الأحداث التي شهدتها اليمن في العام 2011م والتي أسميت بموجة الربيع العربي زاد نفوذ هذه الجماعات وتم استخدامها بشكل ملفت في التظاهرات التي خرجت تطالب بتغيير النظام السابق إلى أن وصلت الأمور إلى العام الماضي حين بدأ العدوان السعودي على اليمن واستخدام هذه الجماعات ضد الجيش واللجان الشعبية ودعمها بكل أنواع الأسلحة وتم الإغداق عليها بالمال وحين انسحب الجيش واللجان الشعبية من المحافظات الجنوبية سيطرت هذه الجماعات على عدن وأبين ولحج وشبوة وفرضت قوانينها وأحكامها وصارت هي المتحكم في الأمور وبشكل كبير ولا يكاد يمر يوم إلا ونشهد حالات من القتل والتفجير والجلد وقطع الأيادي وتطبيق قانون تلك الجماعات.
وهكذا فإن الجنوب الذي تم إغراقه في مستنقع هذه الجماعات الإرهابية لم يتحرر كما يشاع أو كما يتم تصويره في وسائل إعلام العدوان بل انه صار نهباً لهذه الجماعات وقوانينها وأحكامها وكل من يعارضها يجد نفسه إما مقتولاً كمحافظ عدن وكل الذين تم اغتيالهم أو مطارداً فاراً كهادي وبحاح وحكومتهم المزعومة الذين لم يعد بمقدورهم البقاء في أي منطقة من تلك المناطق التي زعموا تحريرها فإذا بها تقع في براثن التكفيريين الذين لا يعترفون بأي من هؤلاء, وبذلك فقد وقعت عدن والمحافظات الجنوبية بين أوهام التحرير وواقع التكفير والقتل والتنكيل وشتان بينهما.