عملية القدس منعطف جديد للانتفاضة الفلسطينية

هيمنت عملية تفجير الحافلة “الإسرائيلية” في القدس المحتلة، على اهتمام مختلف وسائل الإعلام، وتابعت وكالات الأنباء وبعض الفضائيات والمواقع الإلكترونية عملية التفجير منذ لحظاتها الأولى، وأظهرت الصور حجم الخسائر المادية والبشرية التي الحقها الانفجار الذي اعاد الى اذهان قادة العدو السياسيين والأمنيين مشاهد العمليات البطولية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48، بما ينفي مزاعم بنيامين نتنياهو وطاقمه الحاكم عن تراجع عمليات انتفاضة القدس، كنيتجة لإجراءات العدو، ولمستوى “التنسيق الأمني”، من جهة، ويؤشر لما يمكن ان تكون عليه الاوضاع في المقبل من الايام، من جهة أخرى.
عملية تفجير الحافلة الصهيونية في القدس تصدرت تغطيات الصحف الصهيونية الصادرة اليوم الثلاثاء، وأثارت العملية سجالا بين المحللين والكتاب، وذلك بعد توقف عمليات تفجير الحافلات منذ سنوات .
الخبير العسكري الصهيونية في صحيفة “يديعوت” رون بن يشاي، أعتبر أن عملية القدس تشير إلى “أننا دخلنا المحطة التالية في الانتفاضة الفلسطينية، على اعتبار أن العملية لم تتم بعبوة ناسفة صغيرة”.
وقال بن يشاي إن فصائل المقاومة لديها الكثير من الأسباب التي تدفعها لإشعال الوضع في الضفة، رغم “أنه حتى اللحظة لم يتبين من نفذ العملية، ولماذا؟ وكيف حصل ذلك؟”، موضحا أن العبوة تم تحضيرها من قبل شخص محترف وليس هاويا.
وأشار إلى أنه خلال الهبة الفلسطينية حصلت حوادث قليلة ألقيت فيها عبوات ناسفة باتجاه دوريات الجيش وجنوده، لكنها كانت عبوات متواضعة بدائية، ولم يكن فيها شظايا وكمية من المتفجرات الثقيلة مثلما في عملية القدس، حيث أسفرت عن حريق هائل لحق بالحافلتين.
وقال بن يشاي إن العملية تطرح أسئلة عديدة من قبيل: من نفذ العملية من بين المنظمات الفلسطينية؟ وهل تعتبر توجها جديدا في الموجة الحالية من الهجمات الفلسطينية؟ وتابع “بمعنى أكثر وضوحا: هل انتقلنا إلى هجمات قاتلة، مثلما عرفناها في الانتفاضة الثانية”.
وأشار إلى أن الإجابة عن هذه التساؤلات تعيدنا إلى ما قام به جهاز الأمن الصهيوني العام (شاباك) خلال الموجة الحالية من العمليات التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2015، حين كشف أكثر من عشر حالات حاولت فيها العديد من المنظمات الفلسطينية التحضير لعمليات تفجيرية، “وربما يكون من نفذ عملية القدس أحد التشكيلات التي لم ينجح الشاباك في إحباطها بصورة مسبقة”.
من جانبها، قالت الكاتبة من حزب الليكود نافا بوكر إن العملية تعطي مؤشرا على ارتفاع خطير في مستوى العمليات الفلسطينية الحالية، مطالبة على الفور بوقف أي مقترحات من شأنها انسحاب الجيش الصهيوني من المدن الفلسطينية، حتى يتمكن من الدفاع عن الصهاينة.
وأضافت بوكر أن هناك حاجة ملحة إلى بقاء القوات الصهيونية في المناطق الفلسطينية، ويجب جباية ثمن باهظ من منفذي العمليات، والخروج إلى عملية عسكرية كبيرة في كل المناطق الفلسطينية التي خرج منها منفذو العمليات الأخيرة، زاعمة أن القبضة الحديدية هي الكفيلة بتوفير الردع الصهيوني أمام الفلسطينيين.
من جانبه، قال المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” الصهيونية “عاموس هرئيل”:” العملية في القدس عملية استثنائية ولا تشير لتغيير في اتجاه العنف”، في إشارة منه لفشل المنظومة الأمنية الصهيونية في كبح جماع العمليات منذ اندلاع انتفاضة القدس.
وأضاف “هرئيل”: “العبوة التي انفجرت في الحافلة ارتجالية، وحتى اللحظة لم تستخدم متفجرات بنوعية تلك التي كانت في الانتفاضة الثانية.
عملية القدس نموذج يحتذى به وتطور جديد في مواجهة الاحتلال
على مدار ساعات انشغل الشارع الفلسطيني بالأنباء الواردة من القدس المحتلة حول عملية تفجير الباص النوعية التي وقعت مساء اليوم الاثنين، مستبشرين بمرحلة جديدة من الانتفاضة في أعقاب هذه العملية التي تأتي بعد تصريحات قادة الاحتلال بنجاحهم الأمني في محاصرة أعمال المقاومة وتحديدا في مدينة القدس المحتلة.
المحلل السياسي خليل شاهين يوافق على كون هذه العملية تعبر عن دخول لمرحلة جديدة من أحد الأشكال الأساسية من هذه الموجة الإنتفاضية، وهي تأكيداً على أن من الفلسطينيين من لا يزال يعمل بشكل مستمر لتنفيذ العمليات ضد أهداف صهيونية.
وأشار شاهين إلى أن نوعية هذه العملية والعبوة التي استخدمت خلالها تشير على أن لا يزال هناك من هو قادر على تصنيع هذه العبوات وإيصالها إلى قلب مدينة القدس، وهو ما يعني أن كل الإجراءات الأمنية التي أتخذت من قبل الكيان الصهيوني في القدس لم تجد نفعا للقضاء على الخلايا النائمة في الضفة الغربية والقدس.
والجانب الأهم كما يقول شاهين، هو أن هذه العملية تدل على أن الفلسطينيين يتعلمون في سياق التجربة العملية فبعض أشكال المقاومة التي اتخذت في الفترة السابقة قد تكون مكلفة أكثر من حيث الخسائر البشرية الفلسطينية مقابل خسائر أقل في الجانب الصهيوني، والتحول إلى مثل هذه العمليات من شأنها إعادة التوازن لإيقاع المزيد من الخسائر في صفوف الصهاينة .
وحول إمكانية أن تكون هذه العملية عملا منظما يقف خلفه أحد الأحزاب الفلسطينية، على عكس العمليات في الفترة السابقة والتي أتخذت صفة العمليات الفردية قال شاهين:” فرضية وجود عمل منظم حزبي قائمة، ولكن لا يمكننا إستبعاد أن تقف وراء هذه العملية خلية قد لا يكون لها تنظيم مباشر، فعدد كبير من الفلسطينيين المنتمين للفصائل ولهم خبرات في العمل العسكري ممن يعملون بشكل فردي على غرار العمليات نفذت خلال الأشهر السابقة دون أوامر مباشرة من الفصائل”.
ورغم أن هذه العمليات تحتاج إلى خبرات عالية وإمكانيات مالية، إلا أن ذلك لا يقلل خيار أن تكون عملية ذات طابع فردي، بحسب شاهين:”قبل أشهر شهدنا قيام ثلاث فتية من شبان من بلدة قباطية أستطاعوا بإمكانيات بسيطة القيام بعملية نوعية في القدس وبأسلحة محلية الصنع”.
ويرى شاهين أن أي كان الذي يقف وراء هذه العملية، فإنها تعبر عن مرحلة جديدة من التنظيم وتطوير أشكال النضال وإيقاعها للخسائر سواء في الأرواح أو حتى خسائر في المعنويات وفق ما نشهده من تخبط في ردود الفعل الصهيونية، فإنها ستشكل نموذجا يحتذى به.
القدس دائما على الموعد
تناولت صحيفة “الأخبار” اللبنانية في تقرير لها عملية القدس، قالت فيه “لا يلبث الإسرائيليون أن يشعروا بأن انتفاضة القدس خبت، حتى تشهد تطوراً في العمليات، نوعاً وطريقة. كانت مدينة القدس أمس مع موعد لعملٍ أعاد التذكير بالانتفاضتين الأولى والثانية، بعد تفجير حافلة لشركة إيجيد بعبوة محلية الصنع. تطور سيكون له رد فعل إسرائيلي عنيف، لكنه أدخل الهبّة الشعبية في مرحلة جديدة قد تشهد عمليات نوعية”.
أما صحيفة السفير “اللبنانية” أشارت في تقرير لها انه “فيما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتفاخر باكتشاف نفق يربط قطاع غزة بالمستوطنات المجاورة، متحدثاً عن تعزيز القدرات الأمنية والدفاعية للاحتلال لمنع اندلاع الهبة الفلسطينية مجدداً، انفجرت عبوة ناسفة في حافلة كانت تقل مستوطنين في القدس المحتلة، ما أدى إلى إصابة ما يقل عن 21 مستوطناً، في عملية فدائية هي الأولى من هذا النوع في الأراضي المحتلة منذ انطلاق الهبّة في تشرين الأول الماضي”.
في حين قالت صحيفة “الديار” اللبنانية ان “الانفجار في حافلة إسرائيلية في القدس نفذه فدائي فلسطيني، بعكس ما حاولت الحكومة الإسرائيلية الترويج له مع وسائل إعلامها بأن الانفجار ناجم عن عطل، وقد امتدت النيران إلى حافلة مجاورة وكانت الحافلة خالية، والمصابون كانوا في سيارات قريبة”.

“سرايا القدس”

قد يعجبك ايضا