موقف الدين من المُنْبَطِحين المُطَبِّعين “علماء التطبيع”
// مقالات //عبدالعزيز البغدادي
لا ينطلق العنوان من النظر في الواقع المرعب للإسلام والمسلمين سواء واقع السلطات الحاكمة باسم الإسلام أو واقع الجماعات التي تضفي عليه طابع الإرهاب والعنف وممارسات هذه الجماعات المشينة كالتفنن في أساليب القتل والاغتصاب ومختلف الجرائم وتضخيمها إعلامياً بصورة تبدو موجهة صهيونياً ما ساعد على تحويلها إلى فوبيا تأثرت بها شرائح واسعة من مجتمعات العالم وبالأخص في الغرب، وهي في الحقيقة ممارسات تخالف أبجدية المبادئ التي تقوم عليها أسس الدعوة إلى سبيل الله بالمفهوم الإسلامي الوارد في كثير من النصوص القرآنية مثل “ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” أي أن هذه الأعمدة “الحكمة – الموعظة – الحوار” هي مرتكز الإسلام بمفهومه الحضاري وليس التكفير والقتل والذبح والتفجير ، ولست مع من يحاولون الهروب من هذا الواقع المزري للمسلمين بتخيل رؤى وأفكار ليست من صميم الإسلام ومتن أصوله ومن يحاولون تحويله إلى كتلة صمّاء مجردة من العقل والبصيرة باعتبارهما مستقبِل أي رسالة ومرتكزها..
وفي إطار محاولة تلمس أسس النظام الجمهوري في الإسلام، وبعيداً عن عناء التعمق في معاني كثير من الآيات والسور يكفي تأمل بعض آيات الحوار بين حاكمة اليمن بالشورى أو بالديمقراطية وقومها بعد أن وصلت إليها رسالة النبي سليمان عليه السلام يدعوها إلى الإسلام ” قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ29 إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ30 أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(31)” نبرة النبي سليمان مبنية على الثقة بصدق رسالته، ونبرة حاكمة اليمن مبنية على الثقة في قوة قومها وحكمة نظام الشورى في دولتها ” قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ(33) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ” وأنا هنا أتجنب تسميتها ملكة لأنها عبَّرت عن رفضها لسلوك الملوك كما جاء في الآية ( 34) ” قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ” أرادت استطلاع رأيهم مع علمها بسلوك الملوك الذي ترفضه من منطلق البحث عن الشراكة في اتخاذ القرار، ولكنهم رفضوا التدخل في الشأن السياسي المسند إليها وفقاً للعرف والواقع، أي الشرعية بمفهوم اليوم التي تلجأ إلى الشعب وليس إلى أفسد الملوك، وقومها اعتبروا انفسهم بشكل جماعي مصدر السلطة ويقومون بوظيفة المؤسسة العسكرية في الدفاع عن الدولة والالتزام بما تقرره هي كسلطة سياسية، وهذه الرؤية في غاية الأهمية، حيث نرى ما يسببه تدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي من مآسٍ وما يؤدي إليه في الغالب من استيلاء العسكر على السلطة كمدخل للطغيان والاستبداد والفساد، ولهذا فإن الملوك الجبابرة والأنظمة الاستبدادية عموماً بعيدون عن الحكمة والبحث عنها بالمشورة ويميلون إلى المنافقين وغير مستعدين لمعرفة الحقيقة والبحث عن العدالة وضرورة تحييد قوة الجيش عن ممارسة السياسة سواء بالحكم مباشرة أو بأن يتحول إلى أداة بطش وتجبر وانتهاك للحقوق والحريات !!
سياق الحوار يبين أن حاكمة اليمن لم تستسلم لقوة الملوك الجبابرة، ولكنها أسلمت لله مع سليمان بمنطق الحوار لا بمنطق الجبروت، وبعد أن اختبرت استعداد قومها للمواجهة فأكدوا لها امتلاكهم القوة والبأس الشديد والاستعداد للمواجهة والالتزام بالقرار السياسي الذي لا تمنع الحكمة اليمانية أن يكون في يد امرأة لم يقولوا لها تنحي جانباً فأنت امرأة أو باللفظ المحلي (مكلف) ونحن من يتحكم ويستبد باتخاذ القرار سواء بالذهاب للحرب أو للاستسلام أو التطبيع أو أي قرار سياسي مما يتخذه أشباه الرجال اليوم !
من خلال الحوار الذي جرى بين الحاكمة وقومها يتضح أن إسلامها كان عن قناعة في التوجه إلى سليمان وليس استسلاماً للطغيان والفساد في الأرض والمحاصصة مع الفاسدين ، إسلام يقوم على الحرية والشراكة والمساواة والعدالة وعدم دمج السياسة بهمجية العسكرة والهنجمة دمجاً ديماغوجياً ، وهذه الرؤية التاريخية تساعد على رؤية الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار البنّاء الذي يحرص على البناء المؤسسي الذي يقوم على احترام المسؤولية وتكامل المؤسسات والدفع بها لتكون الحارس الأمين للوطن والحافظ على سيادته واستقلاله بعيداً عن الطغيان والاستبداد والفساد ، والجمهورية بما يفترض أنها نقيض لهذا السلوك فإن لجوء من يدَّعون أنهم حماة الجمهورية إلى أكثر ملوك الأرض فساداً كي يعيدوا لهم الجمهورية والشرعية والوحدة رغم معرفتهم بتأريخ هذه المملكة وعلاقتها المعادية للشعب اليمني وطموحاته في الحرية والعدالة والعيش الكريم وفي استيلائها على أكثر من نصف اليمن، هؤلاء المحتمون بمثل هذه الأنظمة يعجز الإنسان عن إيجاد العبارات التي تعطيهم الوصف المناسب !
والملك الوارد في الآية (23) من سورة النمل على لسان الهدهد في سياق الحوار ” إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ” يقصد به الحكم، وقد كان حكماً فيه قدر واضح من الشورى أو الديمقراطية في بعض آراء فقهاء الدستور، تؤكد ذلك الآية (32) من سورة النمل “قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ” فالشهادة هنا جاءت بمفهوم المشاورة المُلزمة والمشاركة الفعَّالة في اتخاذ القرار وليس بمفهوم استبدادي، أي أن يكون الإنسان في علاقته بالسلطة أشبه بـ (شاهد ما شافش حاجة) حسب المسرحية المصرية المعروفة !!.
حين جمَّعتُ أشتات ذاكرتي
ضحكت حروف الروح في جسد الحكاية
تدلّى البهاء واغرورقت عيناي من وجع السنين
هذا أنت أم هذا الطريق ؟!
مفعمٌ بالصمت في جوف الصراخ!.