الآثارُ والتداعياتُ الإنسانية لاحتجاز ومنع دخول سفن المشتقات النفطية

|| صحافة ||

يشهدُ اليمنُ سلسلةً من أزمات انعدام للمشتقات النفطية المتعاقبة، تنعكسُ في صدمات قوية أثّرت بشدة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأوضاع الأمن الغذائي والمعيشي للسكان.

تتسم أزمة المشتقات النفطية بالتكرار بين فترة وأُخرى، لتشمل جميع أنواع المشتقات النفطية (الديزل والبترول والغاز المنزلي) لتكون سبباً رئيسياً للعديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، بما في ذلك اتّساع معدلات الفقر والبطالة وكذلك ارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول إلى الخدمات الرئيسية مثل (المياه والصحة والتعليم). وزيادة الأعباء على الشرائح الضعيفة مثل المرأة والطفل. وكذلك زيادة الضغوط على حالات انعدام الأمن الغذائي.

ولتكون سبباً رئيسياً للعديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية الأُخرى، بما في ذلك اتساع معدلات الفقر والبطالة وكذلك ارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول إلى الخدمات الرئيسية، وزيادة الأعباء على الشرائح الضعيفة مثل المرأة والطفل، وكذلك زيادة الضغوط على حالات انعدام الأمن الغذائي.

وفي سبيل تجاوز الأزمات المتعاقبة في انعدام المشتقات النفطية، تهدف هذه الورقة إلى:

تحليل متعمق لهذه الأزمة يغطي الفترة 2015-2020.

الوصول إلى حزمة من التدخلات والمعالجات لتأمين احتياجات السوق المحلي من المشتقات النفطية.

وضع مقترحات للحيلولة دون ظهور الأسواق السوداء للمشتقات النفطية.

 

أَوَّلاً: أزمةُ انعدام المشتقات النفطية 2014-2020:

يعتبر تعاقُبُ أزمة المشتقات النفطية كارثة غير طبيعية تزيد من شدة معاناة ومرارة عيش اليمنيين بين فترة وأُخرى.

تشير بيانات نهاية الفترة في الشكل (1) إلى أن سعر اللتر من مادة الديزل ارتفع من 150 ريالاً نهاية 2014 إلى 520 ريال/لتر نهاية 2015، ليصل إلى نهاية يوليو 2020 إلى 472 ريال/لتر بنسبة زيادة تراكمية بلغت 215%، مقارنة مع نهاية 2014. وارتفعت أسعار البترول من 158 ريال/لتر نهاية 2014 إلى 452 ريال/لتر نهاية يوليو 2020 بنسبة زيادة تراكمية بلغت 186%.

وهذا يدل على حدوث أزمات متكرّرة في المشتقات النفطية، لها تداعياتٌ خطيرة تزيد من شدة معاناة اليمنيين بين فترة وأُخرى.

وتعتبر أزمةُ الغاز المنزلي الأشدّ أثراً على حياة ومعيشة اليمنيين وتزيد من معناتهم، خَاصَّة عندما تتزامن في نفس الوقت مع أزمة الديزل والبترول، وقد شهدت معظم المحافظات أزمات متكرّرة في المشتقات النفطية الديزل والبترول والغاز المنزلي.

وَتشير البياناتُ إلى ارتفاع سعر الغاز المنزلي من 1925 ريال/أسطوانة نهاية 2014 إلى 7800 ريال نهاية 2015، وفي نهاية يوليو 2020 بلغ سعر أسطوانة الغاز المنزلي 5333 ريالاً بنسبة زيادة تراكمية بلغت نحو 177% مقارن مع نهاية 2014. وهذا يدل على حدوث أزمات متكرّرة في المشتقات النفطية، لها تداعيات خطيرة تزيد من شدة معاناة اليمنيين بين فترة وأُخرى.

وتدل هذه النتائج إلى أن أزمة المشتقات النفطية، تتسم بالتكرار والتزامن لجميع أنواع المشتقات في نفس الفترة، وهو الأمر الذي يضاعف المعاناة والأثر المأساوي على شرائح الدخل الثابت والمؤقت، بالإضافة إلى تزامن هذه الزيادات مع تراجع مستويات الدخل وحرمان شرائح عريضة من المجتمع لمصادر الدخل.

ومع تصاعد أزمة المشتقات النفطية وتكرارها في المحافظات وتضاعف أسعار الوقود تضاعفت الأسعار بالمقارنة عن ما قبل الصراع، مما يشكل ضغطاً على الحياة المعيشية الاعتيادية للمواطن، في حين تتجه الأسعار بالارتفاع بشكل تصاعدي للمواد الغذائية والنقل والمواصلات الداخلية وبين المحافظات.

 

وارداتُ الوقود وفجوة الطلب:

إن حالة حدوث انخفاضات كبيرة في العرض من الوقود (الواردات التجارية) إلى ما دون مستويات المتطلبات الشهرية، تؤدي إلى خطر حدوث أزمة في المشتقات النفطية، حيثُ يعتمد استقرار أسعار الديزل والبترول بشدة على حجم المعروض من الوقود بالكميات الكافية. ويقدر الطلب المحلي على الوقود بحوالي 544 ألف طن شهرياً ( ).

وبلغ متوسط واردات الوقود 158 ألف طن شهرياً خلال الفترة يناير 2018-يوليو 2020، ساهمت في تغطية حوالي 29% في المتوسط من كميات الطلب المحلي خلال نفس الفترة. وبالتالي فَإنَّ فجوة الطلب تقدر بنسبة 71% أي بما يعادل 386 ألف طن شهرياً في المتوسط خلال الفترة يناير 2018-يوليو 2020. مما أَدَّى إلى أزمات في الوقود.

وتعثر المصافي المحلية لتكرير النفط في مدينة عدن، والاكتظاظ في مينائها، بالإضافة إلى التأخر الكبير في الإجراءات المتعلقة بالواردات ( )، كلها عواملُ تعملُ على استمرار الأزمات المتكرّرة؛ نتيجةَ قلة العرض وارتفاع فجوة الطلب.

وفقًا لآلية التحقّق والتفتيش التابعة للأمم المتحدة في اليمن (UNVIM) ( )، فَإنَّ واردات الوقود (الديزل والبترول) بين يناير 2018 ويوليو 2020، ففي يناير 2018 بلغت واردات الوقود 119612 طناً مترياً لترتفعَ إلى 164268 طناً مترياً في مارس 2018، تغطي 22% وَ30.2% من المتطلبات الشهرية للمادتين، وفي إبريل 2018 انخفضت واردات الوقود إلى 144713 طناً مترياً لتغطي 26% من المتطلبات، وهذا يشير إلى انخفاض العرض من الوقود، ونتيجة لذلك سجلت أسعار الديزل والبترول ارتفاعا بنسبة 1.9% وَ3.5% على التوالي خلال إبريل 2018. وتكرّرت هذه الحالةُ بوضوح في سبتمبر ونوفمبر 2018، حيثُ انخفضت واردات الوقود لتغطي 22.5% و18.9% من المتطلبات الشهرية ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار الديزل والبترول بنسبة 25.4% و28.7% على التوالي في سبتمبر 2018 وبنسبة تفوق 20% في نوفمبر 2018.

خلال العام 2019 استمرت عواملُ العَرض من الوقود في التأثير على أزمة المشتقات النفطية فقد أَدَّى انخفاض العرض (واردات الوقود) في إبريل 2019 إلى 112888 طناً مترياً والتي تغطي 21% فقط من المتطلبات الشهرية إلى ارتفاع أسعار الديزل والبترول بنسبة 10.1% و21.4% مقارنة مع مارس 2019. وعلى العكس من ذلك في الفترة يونيو إلى نوفمبر 2019. وخلال يوليو 2020 استمرت الازمة في المشتقات؛ نتيجةَ انخفاض نسبة التغطية إلى 24%.

وهذا يعكسُ حقيقةَ أن العرض من الوقود (استيراد الوقود) يمثل عاملاً أَسَاسياً في أزمة المشتقات النفطية في اليمن. على هذا النحو، ترتبط أسعار الديزل والبترول ارتباطا وثيقًا بوفرة العرض.

حيث تشير البياناتُ إلى شُحة كمية الديزل والبترول المتوفر بنسبة ضئيلة جِـدًّا في 12 محافظة من بين 18 محافظة، وتوفره إلى حَــدٍّ ما في 6 محافظات في المقابل كان الغاز المنزلي شبة منعدم في 10 محافظات من بين 18 محافظة وتوفره إلى حَــدٍّ ما في 5 محافظات، وتوفره في 3 محافظات ( )، وتستمر أزمة المشتقات النفطية في عدد من المدن اليمنية، حيثُ ألقت بظلالها على حياه المواطنين ومختلف القطاعات التي أُصيبت بشلل شبه كامل؛ بسَببِ نقص الوقود. فيما لا تزال أسعار المشتقات النفطية تحقّق مكاسب تصاعدية، بحيث بلغت ضعف مستوياتها بالمقارنة مع ما قبل الحرب، واستمرارها يزيد من التداعيات التي سوف تنعكس سلباً على الحياة الأنشطة المعيشية المعتادة ويتسع نطاق العوامل السلبية المؤثرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

 

ثانياً: الانعكاسات الاقتصادية لأزمة المشتقات النفطية:

انعكست أزمةُ المشتقات النفطية في اليمن سلباً على الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، بحيث ازدادت المعاناة إلى مستويات غير مقبولة.

وتشير التقديراتُ إلى أن 50% من الحركة الاقتصادية توقفت بشكل عام وعلى وجه الخصوص في القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والنقل الداخلي وبين المدن، وطال التأثير السلبي المباشر للأزمة على العاملين في تلك القطاعات، كان من تداعياتها زيادة نسبة البطالة وتسجيل عاطلين جدد عن العمل، يضافون إلى ملايين الفقراء الذين يحتاجون للمساعدات الإنسانية بشكل دوري.

 

انعكاساتُ أزمة انعدام المشتقات النفطية على أجور النقل:

أدى انعدامُ المشتقات النفطية إلى أزمة خانقة في وسائل المواصلات، حيثُ ارتفعت أجور المواصلات (النقل داخل المحافظة) بنسبة تتراوح بين76% إلى 150% في العديد من المحافظات مقارنة بما قبل الأزمة ( ). بينما زادت أجور النقل المحلي بين معظم المحافظات بنسبة تصل إلى 90% وَ120%، وارتفعت أجور النقل الثقيل في المتوسط بنسب تراوحت بين 71%-160%، على سبيل المثال، ارتفعت بنسب تراوحت بين 80%-160% في خط عدن –صنعاء، وبنسب تراوحت بين 71%- 130% في خط الحديدة- صنعاء وذلك مقارنة بما قبل الأزمة ( ).

مما أَدَّى إلى توقف كثير من سيارات النقل العاملة في الخطوط، خلال فترات الأزمة، وهذا ما دفع المسافرين للتكدس داخل الباصات وفي بعض الأحيان الصعود على أسطحها لكي يصلوا إلى وجهاتهم. كما أن انعدام الوقود تسبب بتوقف سيارات النظافة عن العمل، ما أَدَّى إلى تراكم النفايات في الشوارع واحتمال حدوث مخاطر بيئية.

 

انعكاساتُ أزمة انعدام المشتقات النفطية على أسعار السلع الغذائية:

إن ارتفاعَ أسعار السلع الغذائية الأَسَاسية يجعل الفئات الأشدّ احتياجاً وذوي الدخل المحدود أكثرَ عُرضة لانعدام الأمن الغذائي؛ نتيجةَ انعكاسات أزمة المشتقات النفطية على الفئات والشرائح الضعيفة.

 

انعكاسات أزمة انعدام المشتقات النفطية على الإنتاج الزراعي

تعاني المحاصيل الزراعية في معظم المحافظات أوضاعاً مأساوية وتعذر ري المزروعات؛ نتيجةَ استمرار تكرار أزمة المشتقات النفطية وخُصُوصاً في وقود الديزل، مما تسبب في أضرار وُصفت بالكارثية. تهدّد أزمة المشتقات النفطية بهلاك مئات الآلف من الهكتارات الزراعية في تهامة ومحافظات حضرموت، وصعدة، وحجّـة، وإب، وتعز، والمحويت، ولحج، وذمار وأبين والجوف.

تضرر أكثر من ثلثي القطاع الزراعي في اليمن؛ نتيجةَ أزمات الوقود المتكرّرة التي تضرب مناطق ومحافظات يمنية، وتكون انعكاسات أزمة المشتقات النفطية أشدّ عند ظهور الأزمة بين موسمين زراعيين، حيثُ يُعد كارثة حقيقة. فَإنَّ أزمة الديزل والارتفاع الكبير في أسعاره هدّدت بتَلَفِ محاصيل الحبوب المزروعة في الموسم الصيفي، والتي حان حصادها، كما هدّدت العملية الزراعية برمتها خلال الموسم الشتوي القادم. خَاصَّةً وأن انقضاء موسم الأمطار الحالي تزامن مع بدء أزمة الوقود الأخيرة. لقد تضرر 1.2 مليون حائز زراعي في مختلف المحافظات. وتشير التقديرات إلى أن المُزارع الواحد يحتاج في المتوسط إلى نحو 2000 لتر من الوقود لري زراعته. أي أن محاصيل الحبوب في أغلب المناطق تضررت وأُتلفت، إذ عجز المزارعون عن ريها، في حين يكافح المزارعين لإنقاذ حصادهم بالري المتواصل؛ لتجنُّب خسارتها قبل النضوج.

يعتمد أغلب مزارعي الخضراوات والفواكه والحبوب في اليمن على المياه الجوفية، حيثُ تقدر نسبة المساحة المزروعة التي تعتمد على مياه الآبار بحوالي 36%. وتسبب توقف الكثير من المضخات في تلف المحاصيل، وبذلك فَإنَّ التأثير على المستهلكين والمزارعين سيستمر إلى أمد يمتد وفقًا للدورة الزراعية.

كما تتسبب أزمات الوقود المتتالية باضطراب في العملية الزراعية ككل، ودفعت بآلاف المزارعين للإحجام كليًّا عن العمل في ظل تعرُّضهم للخسائر بصورة متكرّرة، زيادة على ذلك ينفق المزارعون كَثيراً على الحراثة والبَذور (بكل الوسائل المتاحة) وبتكلفة أكثر، ومع بلوغ الموسم الزراعي منتصفه تظهر أزمة وقود خانقة تقضي على كُـلّ شيء. ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فالقطاع الزراعي الذي يشغِّل أكثر من ثلث العمالة في اليمن، أن 29.2% من العاملين كان عملهم الرئيسي في الزراعة، لترتفع هذه النسبة إلى 40.9% عند إضافة المنتجين الزراعيين لاستخداماتهم الخَاصَّة، لقد تُركت أزمة المشتقات النفطية مئات المزارع دون زراعة.

ومن أبرز انعكاسات أزمة الوقود في الأسواق المحلية باليمن في ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي، وهذا ينعكس على ارتفاع أسعار المنتجات من الخضراوات والفاكهة -وحتى الحبوب- على نحوٍ مبالِغٍ فيه، يقابله تدهور في القدرة الشرائية لدى المواطنين، وربما انعدامها.

 

انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية على الكهرباء:

تعيشُ معظمُ المحافظات أوضاعاً مأساويةً؛ نتيجةَ أزمة المشتقات النفطية ونقص الوقود وارتفاع أسعاره، ما انعكسَ سلبا على مستوى توليد الكهرباء باستخدام الوقود التي انخفضت بنسبة 77% منذ عام 2015. وفي نفس الفترة، انخفضت انبعاثات الأضواء الليلية من اليمن بمقدار الثلثين ( ).

يشكو مواطنون ومُلّاك المحالِّ التجارية والمعامل والمشاغل المهنية في كافة المناطق اليمنية بمرارة من المعاناة اليومية في تلبية الاحتياجات الأَسَاسية للحياة المعيشية وتوفير متطلبات استمرار أعمالهم، مثل البنزين والديزل وزيادة الإنفاق على العديد من المتطلبات الضرورية، كتوفير المياه، والأهم شراء وسائل الإضاءة البديلة، إذ تتجسد المعاناة بشكل أكبر في توفير الطاقة الكهربائية.

منذ بداية الحرب على اليمن لا تزالُ خدمةُ الكهرباء العمومية منقطعةً في معظم المحافظات اليمنية، حيثُ يبلغ نسبة المواطنين الذين لا يحصلون على الكهرباء العامة 90 % من إجمالي عدد السكان.

ولم يشهد اليمن أي تحسن في خدمة الكهرباء العامة خَاصَّة المناطق الشمالية والغربية، حيثُ تشهد هذه المناطق انقطاعاً تاماً لخدمة الكهرباء العامة منذ بداية الحرب، وتنتشر في هذه المناطق خدمة الكهرباء التجارية ذات التكلفة المرتفعة، حيثُ يصل سعر الكيلو إلى 280 ريالاً مقارنة بـ 6 ريالات سعر الكيلو العمومي قبل الحرب، وبنسبة ارتفاع 4400 %، مقارنة بسعر الكيلو/وات قبل الحرب، بالإضافة إلى فرض رسوم اشتراك أسبوعية تبلغ 300 ريال ( ) يدفعها المشترك سواء استهلك كهرباء أم لم يستهلك، وهو ما يعد استغلالاً لحاجة المواطنين لخدمة الكهرباء. ومع تكرار أزمة المشتقات النفطية، يقوم أصحاب مولدات الكهرباء الخَاصَّة من حين لآخر برفع أسعار التيار الكهربائي إلى 350 وَ400 ريال للكيلو، بالإضافة إلى رسوم الاشتراك الأسبوعية.

 

انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية على الأنشطة الصناعية والقطاع الخاص:

انعكست أزمةُ المشتقات النفطية على عمليات القطاع الخاص بشقَّيه الصناعي والخدمي.

يدير القطاع الخاص معظم الأنشطة الاقتصادية في اليمن، لتصل مساهمته إلى نحو 90% من الإنتاج الصناعي والخدمي وقطاعات النقل والزراعة، وتشير التقديراتُ إلى أن أزمة المشتقات النفطية تؤدي إلى توقف نصف عدد المصانع في اليمن، حيثُ تشير الغرفة التجارية والصناعية إلى أن أكثر من 350 مصنعاً توقفت عن العمل؛ بسَببِ أزمة المشتقات النفطية وفقد أكثر من 980 ألفَ عامل مصادر أرزاقهم ( ).

كما تؤدي أزمة المشتقات النفطية إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي، بما فيها من تفرعات وأنشطة والتي تتأثر جميعها؛ نتيجةَ الأزمات المتكرّرة وتأخر الإمدَاد من المشتقات النفطية، مما يتسبب في انخفاض إنتاج المنشآت الصناعية والخدمية. كما تقوم المنشآت بوقف نشاطها مؤقتاً خلال أزمة المشتقات النفطية، وخفض دوامها إلى النصف، مما يرفع تكاليف الإنتاج والنقل والتخزين، ويساهم في تدني إنتاجية وعائدات القطاع الخاص، وتقليص قدرته على التوسع وتوليد فرص العمل والدخل.

 

 

ثالثاً: الانعكاسات الاجتماعية والإنسانية لأزمة انعدام المشتقات النفطية

انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية على القطاع الصحي والمياه:

في أوائل شهر أغسطُس 2020، ذكرت شركة النفط اليمنية أن حوالي 400 مستشفى وَ5000 عيادة ومركز صحي ستضطرُّ إلى الإغلاق أَو التوقف عن العمل ( ).

 

انعكاسات أزمة المشتقات النفطية على أسعار الأدوية:

تمثل انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية المتكرّرة -يترتب عليها تصاعد ملحوظ في أسعار الأدوية واستمرار آليات التكيف– وتمثل ضربة مؤلمة للوضع الصحي والمعيشي للمواطن يصعب عليه تحملها، وَيظهر التقييم متعدد القطاعات للمواقع فهماً أعمق لانعكاسات أزمة المشتقات النفطية، ضمن الصعوبات التي تلقى اهتماماً على مستوى المديريات فيما يتعلق بالمشاكل المحدّدة.

تمت الإشارةُ إلى أن أسعار الأدوية هي المشكلة الأكثر صعوبة التي تواجه النازحين داخلياً والعائدين والمجتمعات المستضيفة، في عدد كبير من المديريات في اليمن. ففي 53% من المديريات كان ارتفاع أسعار الأدوية هو إحدى المشاكل الرئيسية الثلاث الأكثر صعوبة التي تواجههم.

أَيْـضاً، أشار المدلون بالمعلومات إلى أن أسعار الأدوية هي المشكلة الأكثر صعوبة التي تواجه العائدين في 56% من المديريات، ومن جانب أفراد المجتمعات المستضيفة في 54% من المديريات أشار المدلون بالمعلومات إلى ارتفاع أسعار الأدوية، كما في مديريتي الوحدة والتحرير في أمانة العاصمة ومديرية خور مكسر في العاصمة الاقتصادية عدن والعديد من المحافظات .

لقد كانت انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية أكثر حدة على أسعار الأدوية، ولا يمكن تحملها، فهي المشكلة الأكثر صعوبة التي تواجه السكان وخَاصَّة في المناطق النائية التي تتطلب السفر إلى المدن للحصول على الأدوية، وهنا يواجه المواطن الأمرَّين في نفس الوقت ارتفاع تكلفة النقل وارتفاع أسعار الدواء.

 

انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية على المياه:

لا تختلف خدمة المياه العامة عن الكهرباء، حيثُ تعاني معظم المناطق اليمنية من انقطاع خدمة المياه وخَاصَّة المناطق الشمالية والغربية، وانعكست أزمة المشتقات النفطية على ارتفاع أسعار المياه بشكل كبير، حيثُ ارتفع أسعار صهاريج المياه بنسب متفاوتة بين 100 – 300%، كما هو الحال في مدينة تعز التي تشهد أزمة مياه خانقة منذ فبراير 2019، وكذلك في أمانة العاصمة، حيثُ بلغ سعر صهريج المياه في ظل أزمة المشتقات النفطية حوالي 12 ألف ريال، مرتفعاً من 4-5 آلاف ريال قبل أزمة المشتقات النفطية، ويصل إلى 18 ألف ريال في محافظة تعز وفي محافظة الحديدة 8 ألف ريال، وفي محافظة حضرموت ومحافظة عدن 6 آلاف ريال. ( )

وتؤدي انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية على قطاع المياه إلى تداعيات كارثية في ظل انهيار متسارع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية على حياة ملايين السكان اليمنيين؛ ونتيجة لشحة الوقود تعتمد معظم شبكات المياه في المناطق المعرضة لخطر المجاعة بشكل كبير على المساعدات الإنسانية لتوفير الوقود أَو الخدمات الأُخرى في إطار المساعدات الإغاثية المقدمة للشعب اليمني، تشير التقديرات إلى أن حوالي 55% من السكان لا يستطيعون الوصولَ إلى مصادر المياه الآمنة؛ نتيجةَ لذلك، يلجأ الناس بشكل متزايد إلى مصادر المياه غير المحسنة. هذا الأمر يزيد من خطر الإصابة بأمراض الإسهال التي تؤدي بدورها إلى تدهور الحالة التغذوية، وفي بعض الحالات، إلى زيادة خطر الوفاة. على الرغم من أن المياه المنقولة بالشاحنات أَو المياه المعبأة في زجاجات قد توفر مصادر مياه أكثر أماناً، فقد ارتفعت أسعارها بشكل كبير، حيثُ ارتفعت بنسبة 65% في بعض المناطق ( ). وحتى أغسطُس 2019، يحتاج 17.8 مليون نسمة إلى مساندة لتلبية احتياجاتهم الأَسَاسية في مجال المياه والإصحاح البيئي، منهم 12.6 مليون نسمة في حاجة ملحة إلى هذه الخدمات. وقد ترتب على صعوبة إمْكَانية الحصول على المياه، تفشي الأمراض والأوبئة على مدار استمرار أزمة المشتقات النفطية.

 

انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية على العمل الإنساني:

تنعكس أزمة المشتقات النفطية على العمليات الإنسانية، حيثُ تعاني منظمات الإغاثة والعمل الإنساني بشدة من عدم توفر الوقود اللازم، مما يشكل صعوبات أمام جميع الجهات الفاعلة في المجال الإنساني، من حيث نقل المساعدات إلى المرافق التي تدعمها، وتقديم المساعدة المنقذة للحياة، وَتعليق دعم الأطفال المصابين بسوء التغذية، وتقليل توزيع الغذاء والمياه. وخلال أزمة المشتقات النفطية أثر نقص الوقود على العمليات الإنسانية منذ شهر سبتمبر 2019 وحتى شهر سبتمبر 2020. وقد أثر ذلك سلبًا على سبل العيش وتفاقم التحديات اللوجستية التي واجهت بالفعل عملية تقديم المساعدة. وتأخير توصيل الغذاء والأدوية إلى المجتمعات المحلية، وخَاصَّة إلى المجتمعات النائية منها.

إنَّ صعوبةَ الوصول الفوري إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الغذائية العاجلة قد يعني إمْكَانية تعرض الملايين من الناس للمجاعة، لا سِـيَّـما النساء والأطفال الذين يعانون بالفعل من الجوع في هذا البلد الذي مزقته الحرب والقيود المفروضة على المشتقات النفطية.

 

انعكاساتُ أزمة المشتقات النفطية على الأمن الغذائي وسوء التغذية:

وفقاً للتحليل الذي أجرته شبكة الإنذار المبكر للمجاعة (FEWS NET)، في نوفمبر 2019، فَإنَّ أزمة المشتقات النفطية (الانخفاضات الكبيرة في واردات الوقود وارتفاع أسعارها) تمثل أسوأ الحالات المرجحة التي تزيد من خطر المجاعة (المرحلة 5 من التنصيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائيIPC)، حيثُ تفاقم المستويات الشديدة بالفعل من انعدام الأمن الغذائي الحاد؛ بسَببِ انعكاسات أزمة المشتقات النفطية التي تؤدي إلى المزيد من صدمات أسعار السلع الغذائية.

وَيواجه أكثر من 12 مليون شخص عجزاً كبيراً في استهلاك الغذاء، وبالتالي الانخراط في استراتيجيات سلبية؛ مِن أجلِ محاولة تلبية احتياجاتهم الغذائية. تؤدي هذه العوامل مجتمعةً إلى زيادة عدد الأسر التي يتعرض أمنها الغذائي لخطر التدهور إلى مستويات الكارثة (المرحلة5). لا سِـيَّـما إذَا استمرت أزمة المشتقات النفطية لمدة 3-4 أشهر أَو أكثر ( ).

إن نسبة السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة 3+4 حالة أزمة أَو طوارئ) ارتفعت إلى حوالي 70% عام 2019 بزيادة 20 نقطةً مئوية مقارنةً بنتائج تحليل التصنيف المرحلي في 2016. تضيف أزمة الوقود المستمرة تحديات تفاقم سوء التغذية. ويشهد اليمن حَـاليًّا واحداً من أعلى معدلات سوء التغذية المزمن في العالم، حيثُ يموت طفل واحد كُـلّ 10 دقائق لأسباب يمكن الوقاية منها. ويعاني حوالي 1.7 مليون طفل من سوء التغذية الحاد المتوسط ويعاني حوالي 357000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد الوخيم، فيما تصل معدلات سوء التغذية الحاد العالمي إلى 28% في بعض الأماكن، أي حوالي ضعفَي حَــدِّ الطوارئ البالغ 15% .

 

انعكاساتُ أزمة انعدام المشتقات النفطية على الفقر:

إن سلسلةَ أزمات انعدام المشتقات النفطية المتعاقبة وآثَــارها على الاقتصاد ساهمت في ارتفاع نسبة الفقراء بشكل حاد، كما تشير التقديرات إلى زيادة معدل الفقر عام 2017 إلى 77.9%، وإلى 78.8% عام 2018. ومع استمرار تداعيات أزمة المشتقات النفطية فَإنَّ معدلات الفقر مرشحة للزيادة إلى معدلات تفوق 80%.

 

انعكاساتُ أزمة انعدام المشتقات النفطية على البطالة:

ارتفاع معدل البطالة وتدني فرص التوظيف: تعد مشكلة البطالة إحدى أهم انعكاسات أزمة انعدام المشتقات النفطية. نتيجة تعطل الأنشطة الاقتصادية وسبل العيش، وينجُمُ عن تلك النتائج المباشرة آثَــارٌ طويلةُ الأجل، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بالمَرافِق العامة والبنية التحتية والذي بدوره يفاقم التحديات القائمة أصلاً في سوق العمل.

 

رابعاً: الحلولُ المقترحةُ لأزمة انعدام المشتقات النفطية:

تدعو الورقةُ الجهاتِ المانحةَ وأصحابَ المصلحة إلى إعادة النظر في نظام فحص الواردات الحالي؛ مِن أجلِ تقييم فعاليته واستكشاف الحلول/ الحلول الممكنة لتحسين تصميمه وتنفيذه وعلى وجه الخصوص، توصي الورقة بالمزيد من التنسيق بين الجهات المانحة لممارسة المزيد من الضغط الفاعل على التحالف الذي تقوده السعودية؛ لضمان المزيد من المساءلة والشفافية فيما يتعلق بالحصار / القيود البحرية المفروضة بحُكم الواقع على الواردات من ميناء الحديدة والتي تكرّر تشكيكها في فعالية ومغزي وجود آلية التفتيش التابعة للأمم المتحدة UNVIM)).

 

الانعكاساتُ السلبية الكبيرة لأزمة المشتقات النفطية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للمواطنين، تتطلب معالجات عاجلة ومستدامة، أهمها ما يلي:

1) إزالةُ جميع القيود التي تؤثر على استيراد الوقود التجاري. وهذا يقتضي أمرَين هما:

الأول: من الأهميّة بمكان تطوير نظام آلية الأمم المتحدة للتحقّق والتفتيشUNVIM) )؛ مِن أجلِ الحد من أوقات التأخير والتكاليف في ميناء الحديدة.

الثاني: تغطية السوق المحلية من المشتقات النفطية، وبالتالي زيادة العرض وتقليص فجوة الطلب، والذي بدوره سيعمل على الحد والتخفيف من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية على جميع الفئات السكانية.

2) تسهيل حركة النقل وصيانة الطرق وفتح الطرق المغلقة، وضمان الحد الأدنى من التفتيش بما يضمن سرعة وصول صهاريج المشتقات النفطية وانتقالها بين المحافظات. وعلى المدى المتوسط، يتم إجراء تقييم شامل لتشخيص الاحتياجات الإنمائية وإعادة تأهيل الطرق والجسور.

3) استعادة دور البنك المركزي اليمني في توفير العملة الصعبة لشراء المشتقات النفطية المستوردة وتسهيل التمويل التجاري لمستوردي المشتقات النفطية.

4) استئناف استخراج وإنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي المسال.

5) توفير الكميات الكافية من النفط الخام لمصافي عدن لتكريره وتوزيعه على المحافظات حسب الاحتياج، بالإضافة إلى توفير الغاز وتوزيعه على جميع المحافظات بالأسعار المعقولة والمناسبة.

6) توعية المواطنين بترشيد استهلاك المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية.

7) إعطاء المِلف الاقتصادي الأولويةَ التي يستحقُّها في أية مفاوضات للتسوية السياسية، بما في ذلك تجنيب المواطنين مزيداً من الأزمات في المشتقات النفطية والاقتصادية والمعيشية الأُخرى.

 

المسيرة- نبيل محمد الطيري

قد يعجبك ايضا