المبادئ العشرة للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية والاستراتيجية العدوانية الجديدة
|| صحافة ||
يبدو ظاهراً أن الولاياتِ المتحدة الأمريكية دولةٌ ديمقراطية تحتكم إلى الدستور الأمريكي، إلا أن الواقع مغاير لذلك، فقيم السوق الرأسمالي، قيم الاستغلال والمزاحمات والمضاربات والأنانية والمصالح الفردية، هي من تصنع دستور الحياة الواقعية في أمريكا.
حُلم الحياة الأمريكية، هو مُجَـرّد حُلم، فالمواطن دافع الضرائب يَعيش؛ مِن أجلِ أن يُسدد القروض للبنوك الخَاصَّة، ورغم رفع الولايات المتحدة الأمريكية شعار الديمقراطية إلا أن المواطن الأمريكي يعيش على هامش الديمقراطية، فليس له من الديمقراطية إلا الحريات الاجتماعية، فيما صناعة القرار وحكم الدولة يقوم به آخرون بالنيابة عن المواطن الأمريكي، وعند كُـلّ انتخابات تقوم أجهزة الدعاية الأمريكية بالتأثير على وعي المواطن الأمريكي وتسيره لينتخب ما تريده شركات الدعاية فتنتفي الديمقراطية.
يحدّد المفكر التقدمي الأمريكي نعوم تشومسكي 10 نقاطٍ هي المبادئ الفعلية للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي كالتالي:
المبدأ الأول للدولة الأمريكية:
تخفيضُ مبدأ الديمقراطية عبر تركيزها في يد الأغنياء، وتحويلها من ديمقراطية شعبيّة إلى ديمقراطية برجوازية أية ديمقراطية المُلاك والأثرياء في المجتمع الأمريكي، ففيما يقدم المواطن الأمريكي صوته الانتخابي فَــإنَّ النخبةَ الثرية هي من ترسم السياسات وتضع القوانين.
المبدأ الثاني للدولة الأمريكية:
صياغة الأيديولوجيا عبر استعداءِ طرف خارجي وإظهاره كخطر محدق على الولايات المتحدة، وإظهار مصالح أصحاب رؤوس الأموال وكأنها مصالح وطنية ومصالح المجتمع الأمريكي.
المبدأ الثالث للدولة الأمريكية:
إعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكي عبرَ تقوية البنوك وشركات التأمين، حَيثُ بات ٤٠ % من الأرباح الناتج القومي الأمريكي يذهب إلى مُلاك البنوك مقارنة بنسبة ١١ % من أرباح الناتج القومي في بداية الألفية، ويترافق هذا الأمر مع الانتقاص الدائم من حقوق العمال الأمريكيين.
المبدأ الرابع للدولة الأمريكية:
تحميل العبء للآخرين، ففيما تتمركز الثروة لدى قلة من السكان، يتحمل السواد الأكبر من السكان الأمريكيين مسؤولية الإنفاق على أجهزة الدولة الأمريكية وعلى التدخلات العسكرية وغيرها، وذلك من أموال الضرائب الذي يدفعها الشعب.
المبدأ الخامس للدولة الأمريكية:
مناهَضةُ التضامن الاجتماعي والأممي، حَيثُ تُعزز القناعات الأنانية وأشكال العيش الفردية، ما يدفع الإنسان الأمريكي إلى الاهتمام بقضاياه الخَاصَّة والبحث الدائم عن حلول فردية لمشاكلة بعيدًا عن التضامن مع الكل الاجتماعي، أَو التضامن مع قضايا الشعوب المُضطَهَدة.
المبدأ السادس للدولة الأمريكية:
خصخصةُ القطاعات الخدمية للدولة وأبرزها التعليم والصحة، حَيثُ أصبحت هذه الخدمات حكراً على من يستطيع أن يدفع قيمتها، وعاد منا يخرج الطلاب الأمريكيون بديون كبيرة؛ نتيجةَ تكاليف التعليم الأَسَاسي والجامعي، ويتجه بعضهم إلى الانخراط في الأعمال والأنشطة المرتبطة بالمفاسد الأخلاقية؛ مِن أجلِ تسديد تكاليف الدراسة الجامعية.
المبدأ السابع للدولة الأمريكية:
ضبطُ الانتخابات، وإعطاءُ الشركات ذات الشخصية الاعتبارية قانونياً، حقوقاً أكثرَ من المواطنين الفعليين، وتوسيع مفهوم الشخصيات الاعتبارية بينما المهاجرون ليس لهم أية شخصية.
المبدأ الثامن للدولة الأمريكية:
لجمُ الجماهير والنقابات العمالية، حَيثُ أن فقط ٧ % من العمال الأمريكيين لديهم نقاباتٌ، يقومُ جهاز الدعاية الأمريكي بمهاجمة مفهوم الصراع الطبقي ومفهوم المُستَغِلين والمُستغَلين ويحارب الحركات العمالية، كما ينفي عن النظام الاقتصادي الرأسمالي صفات الوحشية والجشع، ويُروج في صفوف العمال بأن الثراء؛ نتيجةَ المصادفة ونتيجة العمل الدؤوب، لا نتيجة الاستغلال والاحتكار، الذي يحكم الواقع الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية.
المبدأ التاسع للدولة الأمريكية:
صياغةُ الموافقة، والدعاية لخلق المستهلكين، والتحكم بالناس، وربطهم بآراء وقناعات عبر خلق الحاجات الجديدة دائماً تحت مسمى الموضة، فمعنى الحياة الأمريكية هو الاستهلاك للمواد التوجّـه إلى السوق بدلاً عن المكتبة، مما يشكل جماهير انتخابية غبية تندفع خلف الحملات التسويقية دون تحكيم العقل في سياسات الحزبين المتنافسين، كما تعمل أجهزة الدعاية الانتخابية على التأثير على المواطنين وتغيير قناعاتهم، عبر الشائعات المرافقة لكل تنافس ديمقراطي.
المبدأ العاشر للدولة الأمريكية:
تهميشُ السكان والرأي العام، وتحويل العداء نحوَ الناس بعضهم ببعضٍ، في أشكال صراعات بينية: مسيحيين ومسلمين، سود وبيض، وأُورُوبيين وآسيويين، وليس صراع مواطنين وعمال ضد دولة الاستغلال وكبار الشركات الرأسمالية الاحتكارية التي تجني المليارات من عرقهم وضرائبهم.
القوةُ على الإرغام.. استراتيجيةُ القمع الأمريكية
تتجه الولاياتُ المتحدة الأمريكية إلى البحث عن بدائلَ لاستخدام القوة العسكرية في تحقيق أهدافها الاستعمارية في المنطقة والعالم في مواجهة الاقطاب الصاعدة أمثال روسيا الصين إيران وغيرها.
إن بروزَ أقطاب جديدة في العالم وتهاوي الأُحادية القطبية الأمريكية يشكل نوعاً من توازن القوى الذي يجعل من الخطورة على الولايات المتحدة شن حملة عسكرية ضد هؤلاء الخصوم لإضعافهم أَو منع مساعدتهم لأطراف دولية أُخرى لها موقف من السياسة الامبريالية.
الاستراتيجيةُ الجديدةُ الذي وضعها الأمريكان تنتصفُ بين استخدام القوة، والذي له عائدٌ مرتفع وفي ذات الوقت مخاطر مرتفعة، وبين القوة الناعمة والتي لها عائد متدنٍّ ولا تفيد في ردع خصم لديه نوايا عدوانية.
نشرت مؤسّسة راند التابعة للبنتاجون الأمريكي دراسة في العام 2016م بعنوان: القدرة على الإرغام ومواجهة الأعداء بدون حرب.
الاستراتيجية الجديدة القائمة على ” القدرة على الإرغام”، تقوم على استثمار الإجراءات الممكنة التي تقع ما بين استخدام القوة العنيفة وبين استخدام القوة الناعمة.
تقوم الاستراتيجية العدوانية الأمريكية الجديدة، على 6 خيارات كالتالي:
1- العقوبات الاقتصادية. 2 – الحظر على الأسلحة والتكنولوجيا. 3- استغلال مخزون الطاقة. 4- الاعتراض البحري. 5 – مساندة المعارضة الداخلية غير المسلحة. 6 – العمليات الهجومية الإلكترونية.
قامت الدراسة بتقييم خيارات القدرة على الإرغام بحسب فاعلتها والموقف الدولي منها والتكاليف والمخاطر، فكانت النتائج كالتالي:
خيار العقوبات المالية والتجارية: خيار واعد، وسيلقى دعما دوليا غربيا؛ نتيجةَ الهيمنة المالية الأمريكية على حركة النقد، فيما تكاليف خطورتها معتدلة، وقد تؤدي إلى تعطيل الاقتصاد العالمي إذَا تم فرض هذا الخيار على دولة رئيسية.
خيار الحظر العسكري: خيار معتدل من حَيثُ الفاعلية؛ بسَببِ إمْكَانية أن تقوم الدول المحاصَرة بالإنتاج والتطوير المحلي، وهذا الخيار معتدل من حَيثُ الدعم الدولي فمن الصعوبة اقناع كُـلّ دول العالم بمنع تزويد هذه الدولة أَو تلك بالسلاح فهو تجارة عالمية، فيما تكاليفه معتدلة، حَيثُ أنه يؤدي إلى خسارة الايرادات من قبل الدول المنتجة للسلاح والتي تسعى لاستخدامه.
خيار الحرمان من المواد مثل الطاقة: فعالية هذا الخيار غير واعدة إلا إذَا استخدم كوسيلة للإرغام ومن حَيثُ الدعم الدولي فهو لن يلقى ترحيباً دوليًّا فقد يؤدي على الإساءة لسمعة الدول التي تفرضه وتُعتبر دول حصار، أما من حَيثُ تكاليف هذا الخيار فهي معتدلة، حَيثُ أنه يُخسر الدول المصدرة للطاقة إيراداتها إذَا استخدمته كسلاح.
خيار الاعتراض البحري: هو خيرا معتدل من حَيثُ فاعليته، إلا أنه صعبُ التحكم به بشكل تام، فيما الدعم الدولي له معتدل ومتدنٍّ، فسيبز على شكل تحالف صغير الحجم ولا يُمكن اقناع العالم كله به، أما من حَيثُ التكاليف فهو فتطبيقه مكلف جِـدًّا وخطر، حَيثُ أنه من الممكن أن يؤدي إلى نشوب صراع وحروب.
خيار مساعدة المعارضة الداخلية غير المسلحة: هذا الخيارُ واعدٌ من حَيثُ فاعليته وبإمْكَانه أن يسبب ضرر على الدول المُستخدم ضدها، أما من حَيثُ الدعم الدولي فليس مضموناً وهو ليس بحاجه على دعم دولي، ويسب مشاكل وسمعه مسيئة للدول التي تستخدمه، حَيثُ تعتبر دول متدخلة في الشؤون الداخلية لدول أُخرى.
أما من حَيثُ التكاليف فليس هناك خطورة وتكاليف باهظة، وفي ذات الوقت فقد يؤدي إلى خطر الرد والتصعيد من قبل الدول التي يُستخدم هذا الخيار ضدها، فيصبح في هذه الحالة مكلفاً، خَاصَّة إذَا كانت دول لها قدرة على التأثير والرد.
خيار العمليات الإلكترونية: من حَيثُ الفعالية فَــإنَّ هذا الخيار واعد وبإمْكَانه أن يسبب اضرار وتعطل دائم للدول المُستهدفة، أما من حَيثُ الدعم الدولي فلا حاجة إلى دعم دولي لتطبيقه إلا أنه في ذات الوقت يسبب مشاكل وسمعه سيئة للدول التي تستخدمه فيُنظر لها كدول عدوانية وغير مؤتمنه من قبل المجتمع الدولي. أما من حَيثُ التكاليف والمخاطر من استخدام هذا الخيار، فالمخاطر واردة فقد يؤدي إلى الرد والتصعيد من قبل الدول المُستهدفة.
إن مثلَ هذه الدراسات تؤكّـد استمرارَ النهج العدواني للإمبريالية الأمريكية، التي تجيد أساليبها العدوانية ضد الشعوب ومواءمتها مع المستجدات العالمية، رافضة التخلي عن نهج العدوان وعن اعتبار نفسها شرطي العالم الذي يحق له أن يُعاقِبَ مَن يُريد!.
المسيرة/ أنس القاضي