ماذا لو كنتِ أم شهيد؟!
موقع أنصار الله || مقالات || وفاء الكبسي
لن ننسى شهداءَنا العظامَ ما حيينا، وستظل أسماؤهم محفورةً في ذاكرتنا، صحيح أنهم فارقونا وغادروا هذه الدنيا، لكن مع ذلك منحونا الثقة في أنفسنا أكثر وأكثر، تخيلت للحظة ماذا لوكنت أم شهيد وماذا يعني هذا اللقب لأُمهات الشهداء فأسرد خيالي هذه القصة، تخيلت أني جالسة قبل العدوان مع أبنائي أحكي لهم قصص بطولات وجهاد الرسول الأعظم والصحابة الكرام خَاصَّة الإمام علي -عليه السلام- في الجهاد والتضحية، وتخيلت وقتها أني جالسة مع شهيد سيكون من سكان الجنة بعد أعوام قليلة!
وكأني شعرت بالفعل بأنَّ ابني سيتأثر بهذه القصص العظيمة ويحلُمُ بالشهادة وينالُها حقيقةً!
وتخيلت أني معَ أولادي ليلا ً أحكي لهم قصص الخالدين من الأئمة والصحابة الكرام وبطولاتهم، ولاحظت على ابني تأثره وشغفه في سماع هذه القصص، مرت الأيّام وشُن علينا هذا العدوان الغاشم بكل تفاصيل إجرامه ودمويته، وما هي إلا أَيَّـام وأخبرني ابني بأنه يريدُ الذهابَ لجبهات القتال فقال لي: “تاقت نفسي للشهادة أريد أن أعيش بطولات الجهاد لدفع شر الطغاة الظالمين عنا كما كنتي تروي لي بطولات رسولنا الأعظم والإمام علي والكثير من الصحابة”، سَّكتُ قليلًا وقلت له: “ما زلت صغيراً يا بني”، فقال لي: “وهل للجنة عمر يا أمي”؟!
ابنك رجل فلا تقلقي عليَّ بل افتخري وكوني كفاطمة بنت النبي محمد وزينب بنت الحسين في صبرهن وإيمانهن، لم يكن بيدي حيلة لأمنعه، ودعته وقبلته طويلاً وطلبت منه أن ينتبه لنفسه وأن يثبت لينال ما يتمناه، وطلب مني أن أكون راضيةً عنه وأن أبق قوية ولا أبكي أَو أحزن إذَا ما عاد شهيداً!
مرت الأيّام والشهور وما زالت الحرب تتسعر أكثرَ فأكثر، فالعدوّ لم يكلّ أَو يتوان في قتلنا ودمارنا وخراب بيوتنا وقتل كُـلّ شيء، وَبعد سنة ونصف سنة من ذهاب ابني للجهاد جاني خبر استشهاده، وفي تلك اللحظة خشيت أمراً واحداً وهو ألا أبقى راضية بما كتبه الله لابني، فأسرعت نحو الأرض وسجدت سجدة شكر طويلة وطلبت من الله أن يمنحني الصبر والرضا، لم يكن الأمر سهلاً بالتأكيد وكلما تذكرت ذلك الموقف أحمد الله بأن ثبتني ورضيت بما اختاره الله لي وله، على الرغم من ألم الفراق وحزني العميق ولكنني أقوي نفسي لأنفذ وصيته بأن أبقى قوية صلبة ثابتة راضية بل وسعيدة أَيْـضاً.
فكلما تذكرته وتذكرت كلماته واشتياقه للشهادة وبطولاته في الجبهات أسعد لسعادته، فقد كانت له فلسفته الرائعة في الجهاد والتي جعلته لا يتقبل أن يدنس أرضنا وأن يهتك عرضنا غاز جبان فلم يفكر في لحظة التراجع برغم صغر سنه.
الأمر ليس سهلاً بأن نكون أُمهات للشهداء؛ لأَنَّ معنى هذا عظيم معناه أننا أدينا مهمتنا كأُمهات على أكمل وأجمل وجه عندما ضمنا مستقبل أبنائنا في الحياة الآخرة الخالدة وليس في هذه الدنيا القصيرة فقط، وهو ما يتمناه كُـلّ إنسان لنفسه ولأولاده، لقد ضمنت مستقبل ابني ليس هذا فحسب بل ضمنت مستقبلي أَيْـضاً؛ لأَنَّ الشهيد سيشفع لي يوم القيامة -بإذن الله- ولسبعين من أهله.
معنى هذا أننا ربينا أولادنا بطريقة صحيحة صادقة، وأن ما قمت بتعليمه إياه قد أثمر وأصبح حقيقةً وواقعاً يشهد بصدقي وصدقه، فهذا يعني أن الله اصطفاهم واختارهم ليكونوا من سكان الجنان وأنه يحبهم؛ لأَنَّ الجنة لا يسكنها غير أهل الإخلاص، وهو يعني أن ابني مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، والصالحين في الجنة وحسن أُولئك رفيقا، وهذا خير له من كُـلّ مناصب الدنيا ومالها.
تخيلت كُـلّ هذا لأصبركن على احتمال ألم الفراق، فبينما تنتظرن ساعة اللقاء بينكن وبينَ أبنائكن الشهداء في الجنة، حينها ستعود لكن قوتكن وصلابتكن بل وستكن سعيدات أَيْـضاً.
كتبت هذا ليكون دليلاً لأُمهات وزوجات الشهداء، اللواتي يزداد عددهن كُـلّ يوم؛ لأَنَّ أطماعَ أعدائنا في بلادنا تزداد شراسة؛ لأَنَّنا اليوم في معركة نكون أولا نكون، نحن أمام معركة الإيمان والوجود مقابل الكفر والطغيان والشر بكله.
أوجه رسالتي لكل أم شهيد علينا أن ندرك كأُمهات للشهداء أن العمر محدّد لا يتغير، وأن أعمارنا وأعمار أولادنا وكل من حولنا محدودة لا تزيد ساعة مهما حاولنا حمايتهم، وَأن أولادنا لو لم تكتب لهم الشهادة لما نجوا من الموت في الساعة المحدّدة لقبض أرواحهم، وفرق كبير بين من يموت شهيداً وبين من يموت في حادث سير مثلاً، أَو مرض، أَو غيره.
فأثبتن يا أُمهات الشهداء، وافرحن بالعطاء العظيم الذي وصل إليكن وإلى أبنائكن، وأسعدن أنفسكن بهذا المنال، وتذكرن جمال اللقاء بأحبابكن يوم القيامة، ولا تنسين أبداً أنهم الآن سعداء جِـدًّا في الجنة بضيافة الرحمن، وأنهم ينتظرون قدومكن في شوق وفخر.