روحيةُ الجهاد والاستشهاد.. في فكرِ الشهيد القائد (1)

‏موقع أنصار الله || مقالات || عبد الرحمن محمد حميد الدين

إنّ الأُمَّــةَ التي لها أعداءٌ يكيدون لها، ويستهدفون هُــوِيَّتها، ووجودَها، تكون أحوجَ إلى أن تعيشَ في واقعها [روحية الجهاد والاستشهاد] بما تحملُه من مفاهيمَ إيمانيةٍ واعيةٍ تتمثلُ في الثقة بالله، والتضحية، والبذل، والعطاء؛ حتى تتمكّنَ من الحفاظ على هُــوِيَّتها الدينية والحضارية في كُـلّ المجالات، وعلى كُـلّ المستويات؛ ولتتمكّن من تقديم الشهادة على عظمة الله، وعلى كماله المطلق، وعلى أن الإسلام لا يقبل الهزيمة.

وعندما غابت هذه الروحيةُ عن واقع الأُمَّــة الإسلامية تحوَّلت إلى لقمةٍ سائغةٍ، يفعلُ بها أعداؤها من اليهود والنصارى ما يشاؤون، فتلقت ضربتين في واقعها: ضربة من الله -وهي الأشد-؛ بسَببِ تفريطها في مسؤولياتها، وضربة من أعدائها الذين استغلوا الثغراتِ التي طفت على واقعها، وذلك من خلال خاصرتها الرخوة التي تمثلت في مجموعة من العوامل أَدَّت إلى تشتتها، وانهزامها، وضعفها، واحتلال بلدانها، ونهب خيراتها، والتحكم في مضايقها البحرية، وغير ذلك من مظاهر الضعف، والشتات، والذل، والانكسار، ومن أهم تلك العوامل التي أَدَّت إلى هذا الواقع هو: [أزمة الثقة بالله]، والثقافات المغلوطة التي جاءت من خارج الثقلين [القرآن الكريم والعترة]..

كما لعب اللوبي الصهيونيُّ دوراً قذراً بأوراقه الشيطانية منذ وقت مبكر، وعبر أياديه الخفية، تمثل ذلك الدور مبدئياً في السيطرة على اقتصاد العالم، واحتكار التصنيع العسكري، والسيطرة على رؤوس الأموال تحت عناوين جذابة، وعبر وسائل متعددة.

فكان لهذا اللوبي منذ القرن السابع عشر الميلادي -على أقل تقدير- الدور المباشر أَيْـضاً في إشعال فتيل الحروب في القارة الأُورُوبية، ودعم الأطراف المتنازعة بشكل خفي، وكل ذلك لتحقيق السيطرة العالم، ومن يتمعن فيما نقله التاريخ عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، سيجد أن [الأيادي اليهودية] هي المتورطُ الأولُ في إشعال تلك الحروب.

ولم تقتصر أيادي اللوبي اليهودي على القارةِ الأُورُوبيةِ، أَو القارة البيضاء فحسب، بل امتدت أياديه ليعزّزَ من حُضُوره القومي في أوساط يهود الأشكيناز وليعزَّزَ من موقعه المالي في تلك القارتين، ومن ثَمَّ توجّـه هذا اللوبي إلى رسم المخطّطات للسيطرة على المنطقة العربية.

كما أثبتت الكثيرُ من الشواهد في الماضي والحاضر أن الأُمَّــةَ عندما غابت الروحيةُ الجهاديةُ عن واقعها، غزاها المغولُ، والتتارُ، واستهدفتها الحملات الصليبية، والفرنسية في عقر دارها، ولم يقف الأمر عند هذا الغزو الذي كان من المفترض أن تكون الأُمَّــة قد استلهمت منه الكثير من العبر والدروس حتى لا تتكر المأساة، ولكن غياب روحية الجهاد هو ما عزّز من حضور الاستعمار الغربي مجدّدًا، وفتح شهيته لالتهام خيرات هذه الأُمَّــة، فقامت كُـلّ دولة من دول الاستعمار بالسيطرة على رقعة من المنطقة العربية، وظلت هذه الأُمَّــة قابعة تحت ردح الاستعمار لعشرات السنين، ولم تغادر الدول المستعمرة المنطقة إلا بعد أن قسمتها إلى كنتونات، وبعد أن جمعت شتات اليهود من جميع أنحاء العالم، لزرعهم في قلب المنطقة العربية وإنشاء دولة يهودية فيها.

كذلك ما تحقَّقَ في لبنان وقطاع غزة من تحرير على يد مَن حملوا هذه الروحية، وحوّلوا صراعَهم مع الاحتلال الصهيوني إلى [صراع ديني] عبر استنهاض الروحية الجهادية في أوساط الشعب الفلسطيني المقهور والجنوب اللبناني.

وكذلك ما يحصلُ اليومَ من حرب كونية على اليمن من قبل العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، المدعوم من إسرائيل، ومن بعض دول الاستكبار، هذا العدوان الذي استخدم فيه مثلث الشر [أمريكا وإسرائيل والسعودية] كُـلّ أنواع الأسلحة الفتاكة، والحديثة، والمحرمة دوليًّا، وحشدت فيه تلك الطغمة الكافرة كُـلّ مرتزِقة وعصابات العالم: من بلاك ووتر، وجنجويد، وتكفيريين، وغيرهم..، ولولا فضل الله، وعنايته، ولولا الروحية الجهادية التي حملها المجاهدون من أبناء الجيش اليمني، واللجان الشعبيّة، والتي بذر بذرتها الأولى الشهيدُ القائد السيد حسين بدر اللدين الحوثي (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ)، لأصبح وضع اليمن أرضا وشعبا في أكفِّ الأمريكان والصهاينة.. ولتحوّل الوضع إلى كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وعلى كُـلّ المستويات: الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية.

لذلك تحَرّك السيد حسين بدر الدين الحوثي (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) في أوساط الأُمَّــة مذكِّراً بأهميّة ترسيخ الروحية الجهادية وثقافة الشهادة، وربط الأُمَّــة بهذه المفهوم القرآني المهم، حتى تكون بمستوى المواجهة. وسنحاول تقديم بعض المعالم عن هذا الجانب من خلال محاضرات السيد الشهيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ).

 

أهميّة التوعية الجهادية كتربية قرآنية:

يتحدَّثُ السيدُ (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) عن الروح الجهادية؛ باعتبَارها تربيةً قرآنيةً دائمةً، وحاضرةً في وجدان الأُمَّــة، وواقعها، وفي أية وضعية كانت عليها، وليست مرتبطة بظرف معين، أَو بوقت محدّد، فمتى غابت هذه الثقافة فَـإنَّ الأُمَّــة ستكون ضحية للأعداء الذين يتربصون بها، ومما قاله في ذلك:

((فيما يتعلق بالتوعية الجهادية، فيما يتعلق بتوجيه الإنسان على أَسَاس القرآن، أن يكون لديه روح جهادية، ليست قضية جديدة، أَو قضية غريبة أَو قضية فقط ترتبط بوقت من الأوقات، إنها تربية قرآنية دائمة يجب أن يكون المسلمون عليها دائماً، دائماً في أية وضعية كانوا، وفي ظل أية دولة كانوا، في ظل دولة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، يجب أن تكون عندك روح جهادية عالية، في ظل دولة الإمام علي، في ظل أي وضعية كانت، أنها روح دائماً يجب أن تكون موجودة لدى كُـلّ فرد في الأُمَّــة؛ لأَنَّ الأُمَّــة هذه لها أعداء، والأعداء الله أخبر عنهم هكذا {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: من الآية217).

أعني: هو يلامِسُ القضية الخطيرة لديك، هو مِن أجلِ أن ترتدّ عن دينك، لم يبقَ أمامك إلا أن تكون مستعداً دائماً.. دائماً، ولديك روحٌ جهاديةٌ عالية دائماً، وإلا قد تؤدي النتيجة في الأخير إلى أنه يتغلب عليك العدوّ، وقد يذلّك، ويقهرك، ويردك عن دينك فعلاً، أَو يرد آخرين عن دينهم؛ بسَببِ تخاذلك أنت)). (دروس رمضان – الدرس العاشر).

 

دورُ اليهود في تغييب كلمة (الجهاد) من أوساط المسلمين:

وقد كان لليهود – ولا يزال – دور مهم في تغييب كلمة الجهاد، وإماتة الروحية الجهادية بين المسلمين، وخَاصَّة بعد ظهور [المجتمع الدولي] كمرجعية حاكمة على معظم دول العالم، بما فيها العالم العربي والإسلامي، كما ساعدت بعض العوامل الأُخرى على ترسيخ المفاهيم التي يُراد فرضها ضمن [سياسة العولمة] ولو من خلال قنوات دينية وإسلامية، وهذا ما تحقّق من خلال مواثيق ما يسمى [منظمة المؤتمر الإسلامي] التي تخرج في معظم اجتماعاتها بقرارات تضرب المسلمين في ثقافتهم، وواقعهم، بما يخدُمُ أعداءَهم، ومن ذلك ما حدث كبادرة خطيرة لم تخدم سوى أعداء الأُمَّــة من اليهود والنصارى، والتي تمثلت في إلغاء كلمة [الجهاد] من مواثيق تلك المنظمة التي تدَّعي الإسلام!! ومما قاله السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) في ذلك:

((أنت تعرف عدوك وماذا يعمل، أنت تعرف عدوك ماذا يريد منك، يريد أن يلغي روح الجهاد من داخلك، يريد أن يمسح روح الجهاد من أوساط أمتك، وهذا الذي حصل بالنسبة لليهود، ألم تحصل من جانبهم أن أُلغيت كلمة [الجهاد] في مواثيق [منظمة المؤتمر الإسلامي]؟ أي مجموعة الدول الإسلامية التي وصلت إلى قرار عدم التحدث عن الجهاد واستخدام كلمة [جهاد]، قالوا: نظهر مسالمين للغرب، ونكشف أنفسنا أُمَّـة يمكن أن تعيش مع الأمم الأُخرى في سلم، واحترام متبادل!.

أُلْغِيت كلمة [الجهاد]، فحل محلها [مناضل، مقاوم، حركة مقاومة، مناضلين، انتفاضة]، ومن هذا النوع، ألم تغب كلمة [الجهاد] من أوساط المسلمين؟ على يد من غابت؟ على يد اليهود هم الذين يفهمون كيف تترك المصطلحات القرآنية أثرها في النفوس فيعملون على إلغائها، يعملون على نسفها من التداول في أوساط المسلمين)). (سورة آل عمران – الدرس الثاني).

 

الحديث عن الجهاد أصبح غريباً:

ونتيجةً للفَهم المغلوط للدين، واعتبار الكثير من أَسَاسياته في [قائمة المستحيلات] ومن ضمنها [الجهاد في سبيل الله] أصبح الحديثُ عن هذا الجانب غريباً!! وأصبح منطقاً لا نكادُ نسمعُه في منابرنا أَو مدارسنا الدينية، ويستغرب السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) غيابَ هذا المفهوم في أوساط الأُمَّــة، بالرغم من وجود الاحتلال الأمريكي والصهيوني لبعض الدول العربية والإسلامية، ووجود عشرات الفرقاطات الغربية والأمريكية التي تجوب سواحل البحر الأحمر والبحر العربي، ومما قاله في ذلك:

((هذه الأُمَّــة التي قال الله عنها مذكراً بالمسؤولية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} للعالم كله {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: من الآية110) أصبح الآن الحديثُ عن الجهاد، الحديثُ عن المواقف القرآنية العملية في مواجهة أعداء الله، الحديثُ عن نصر دين الله، الحديث عن بذل المال عن بذل النفس عن العمل أصبح غريباً، أصبح منطقاً نادراً لا نسمعُه من وسائل الإعلام في مختلف البلدان العربية إلا في النادر، ولا نسمعه من المرشدين، والعلماء، والمعلمين إلا في النادر، ولا ذكر له في مناهجنا الدراسية، ولا في ما يكتب في صحفنا، أصبح غريباً أن يتحدث الإنسان عن أنه يجب أن نتخذ موقفاً من أعداء الله.

ولو نظر كُـلُّ واحد منا إلى شاشة التلفزيون، أَو استمع إلى الأخبارِ لسمع بأذنيه أن هناك فِرَقاً من مختلف الدول الغربية، فِرَقاً من اليهود والنصارى مقاتلين، مجاهدين -على حسب ما يقولون هم عن أنفسهم- في البحر الأحمر، وفي البحر العربي، وفي الخليج، وفي البحر الأبيض المتوسط، وفي مختلف بقاع الدنيا في البر والبحر، هؤلاء هم من كانت مسؤوليتنا التي أراد الله لنا أن نقاتلهم حتى يكونوا أذلاء صاغرين، من نصلُ بهم إلى درجة أن لا يفكروا أن يعملوا شيئاً ضد الإسلام والمسلمين.

هذا خزيٌ للمسلمين في الحقيقة، خزيٌ، وتقصيرٌ عظيمٌ أمام الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى-، ونبذٌ لكتابه، نبذٌ للقرآن خلفَ ظهورنا. ثم إذَا ما جاء من يتحدث عن هذه الأشياء الغريبة لا نستغرب أن نسمع أن في أفغانستان يأتي كُـلّ فترة إنزال مجاميع من الجنود كنديين، أَو إسبانيين، أَو أمريكيين، أَو فرنسيين، أَو غيرهم، لا نستغرب أن نسمع أن هناك سفناً أمريكية وهناك فرقاً لسفن أمريكية، وفرنسية، وألمانية، وغيرها في البحر الأحمر، وأن هناك جنوداً يدخلون اليمن، وجنوداً يدخلون الجزيرة، وجنوداً في العراق، وجنوداً في مختلف بقاع الدنيا داخل بلاد المسلمين.

وعندما يأتي من يتحدث، نستغرب ما يقول، وَإذَا ما اتضح الأمر أكثر قد يتساءل الكثير: [لماذا الآخرون أَيْـضاً لم يتحدثوا، هناك علماء آخرون لم يتحدثوا!]. إذَا لم يتحدث أحد من العلماء قالوا: العلماء لم يتحدثوا. ومتى ما تحدث البعض قالوا: الباقون أَيْـضاً لازم أن يتحدثوا. فإذا لم يتحدث الكل قالوا إذَا فالقضية غير ضرورية)). (محاضرة لا عذر للجميع أمام الله).

 

خطورةُ الإيمان ببعضِ الكتاب والكُفر ببعض:

ومن خلال تأمل القرآن نجدُ أن جميعَ أوامر الله، ونواهيه لم تقتصر على جانب العبادات، كالصلاة والصيام، والحج، وغيرها، فإضافة إلى ذلك: فقد وجَّه -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- بالاعتصام بحبله، وبتوحيد الكلمة، وبالجهاد في سبيل الله، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من التوجيهات القرآنية الصريحة، لذلك انتقد القرآن بشدة بني إسرائيل عندما كانوا يأتمرون ببعضِ ما في التوراة، ويرفضون العمل ببعض ما فيها، وقد سمى اللهُ ذلك الرفضَ [كفراً]؛ لأَنَّهم تركوه، وليس؛ لأَنَّهم أنكروه، ومما قاله السيد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):

((الإنسانُ المسلمُ ملزَمٌ بالقرآن الكريم، المسلمون ملزمون بالقرآن الكريم، بتوجيهاته بأوامره، تجد الأوامر بأن يكون الناس أنصار لدين الله، أن يكونوا أنصاراً لله، أن يكونوا قوامين بالقسط، أن يكونوا آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، أن يجاهدوا في سبيل الله، أن ينفقوا في سبيل الله، ما هي أوامر صريحة داخل القرآن الكريم؟ مثل الأوامر التي فيها: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (النور: 56) {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: 97) {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ القرآن} (البقرة: 185).

هي مثلها، لا يمكنُ تقل: إن هذه زيادة؛ لأَنَّه لا يتحقّق لنا اسم الإيمان نفسه، اسم الإيمان إلا عندما يكون هناك توجّـه وعمل يتحَرّك في ماذا؟ لتنفيذ ما أمر الله سبحانَه وتعالى به، وما وجه الناس إليه في القرآن الكريم.

إذا ما هناك تنفيذ، إذَا ما هناك التزام، معنى هذا أننا نؤمن ببعض ونكفر ببعض. عندما يقول الله في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأنفسهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئك هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) أُولئك هم الصادقون)). (محاضرة الشعار سلاح وموقف).

 

المجاهدون هم من يَسْلَمون وهم الأبعدُ عن الأخطار:

ومن خلال القرآن الكريم، يؤكّـد الشهيدُ القائدُ على أنّ المجاهدين هم من يكونون أقربَ إلى الأمن والسلام في الدنيا، والآخرة، ويكونون هم الأبعدَ عن أية مخاطر قد تنالهم في الدنيا، وإن نالهم شيءٌ في إطار الجهاد نفسه، فهم من تكون نفوسهم راضية؛ لأَنَّهم يعرفون أنها بعين الله، وأنها في سبيل الله، ومما قاله (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) في ذلك:

((إن من يَسْلَم حقيقة، ومن هو أبعد عن الخطر حقيقة، ومن ترضى نفسه حتى ولو أصابه شيء هم المجاهدون {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} (الأعراف: من الآية 165) وقال -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- في آية أُخرى: {كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس: من الآية103).

المؤمنون هم من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، هم من يجاهدون في سبيل الله بكل ما يستطيعون، هؤلاء هم من يصح أن يقال لهم -بمعنى الكلمة مسلمون- والإسلام هو دين السلام لمن؟ لمن هم مسلمون حقيقة؛ لأَنَّهم من يبنون أنفسهم ليكونوا أعزاء أقوياء، هم من يبنون أنفسهم ليستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم الشر، ليدفعوا عن أنفسهم الظلم، ليدفعوا عن بلدهم الفساد، ليدفعوا عن دينهم الحرب، فهم أقربُ إلى الأمن والسلام في الدنيا وفي الآخرة)). (محاضرة وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن).

 

كيف يمكن أن يكون الموتُ عبادةً عظيمةً لله:

ويتساءلُ السيدُ (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ): هل هناك من يستشعر أن بالإمْكَان أن يكون موته عبادة عظيمة لله؟ فالثقافة السائدة في واقع الأُمَّــة أن: [الموت هو النهاية الطبيعية للإنسان وليس عبادة في حَــدّ ذاته]. لذلك انطلق (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) ليُحيِيَ في نفوس المؤمنين [روحية الجهاد في سبيل الله] إحياءً عمليًّا، ويجعل من حياته، ومواقفه معراجاً للشهادة بعد أن خَبَتْ هذه الروحية من وجدان الأُمَّــة، وغابت عن واقعها.

وبالفعل كانت حياة (السيد الشهيد القائد) ومماته لله، لم يتراجع عن ذلك حتى نال الحياة الأبدية {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}. ومما قاله في ذلك (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):

((من الذي يستشعر أن بالإمْكَان أن يكون الموت عبادة؟ وأن يكون الموت عبادة عظيمة لله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- يجب أن تكون أَيْـضاً خالصة كما قال: {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} (الأنعام: من الآية163).

كنا ننظُرُ للموت كنهايةٍ، بينما هنا الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- يقول لرسوله: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سأنذر موتي لله، فحياتي كلها لله، فسأحيى لله، وسأموت لله {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} لاحظوا هذه: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أول الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: من الآية163) فكل المسلمين الذين يقتدون برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لا بد أن يحملوا هذا الشعور، لا بد أن تكونَ عبادتُهم لله على هذا النحو: فتكون حياتُهم لله، ويكونُ موتُهم أَيْـضاً لله)). (محاضرةُ محياي ومماتي لله).

 

أهميّةُ أن يستثمرَ الإنسانُ موتَه:

ومن خلال القرآن الكريم التي تحدثت آياته الكريمة عن فضيلة الجهاد في سبيل الله، وعن المنحة الإلهية التي ينالها من يُـقتلون في سبيل الله، اعتبر الشهيد القائد أن [القتل في سبيل الله] هو من الحكمة، ومن الخير الكبير للإنسان، وليس مصيبة، بل هو استثمار حكيم؛ لأَنَّ الموتَ نهايةٌ حتميةٌ، والأولى هو استثمارُ تلك النهاية بما يؤدي لاستحقاق ذلك الفضل العظيم. ومما قاله في ذلك (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):

((أن تُقتل في سبيل الله تجدها في الأخير تعتبر من الحكمة بالنسبة لك، ومن الخير الكبير بالنسبة لك؛ لأَنَّه عندما ترى أنه في الأخير أنت ستموت، أليس كُـلّ إنسان سيموت، أليس من الأفضل لي أليس من الحكمة أن استثمر موتي؟ أنت ستموت، ستموت أليس هذا موقفاً حكيماً؟ ليست قضية تعتبر مصيبة؛ لأَنَّه ما هو الجديد في القضية؟ هل هناك جديد في الموضوع؟ هل القتل في سبيل الله شيء أكثر من الموت؟ أَو الإنسان إذَا لم يقتل في سبيل الله فلن يموت؟ سيموت ولا تدري في نفس الوقت متى ستموت، إذَا فالموقف الحكيم، والخير الكبير عندما تقتل في سبيل الله تعتبر أنت استثمرت موتك الذي لا بد منه ثم تكون في الواقع أفضل لك من أن تموت فتكون في عالم اللا شيء إلى يوم القيامة تكون أحياء، أحياء)). (دروس رمضان – الدرس الثامن).

 

الشهداء يبقون أحياءً من أول لحظة يفارقون الحياة:

وعن الحياةِ الأبديةِ التي ينالها الشهيدُ منذ أولِ لحظة تفارق روحُه جسدَه، تحدث القرآن الكريم عن هذه القضية، وقدمها بالأُسلُـوب الذي يدل على أنها [حياة حقيقية] بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فأولاً: نهى اللهُ عن إطلاق كلمة [أموات] على من يُقتلون في سبيل الله، بل نهى أَيْـضاً -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- عن أن يكون لدى الإنسان مُجَـرّد شعور أَو حسبان بأنهم أموات، ثم أكّـد على أنهم أحياء، وأنهم يُرزقون، وليس ذلك فحسب، بل أكّـد أَيْـضاً على أنهم يعيشون [المشاعر] ويستبشرون بمن خلفهم من المجاهدين الذين لمَّا يلحقوا بهم، هذه فعلاً من الآيات العجيبة التي تدعونا إلى المزيد من التأمل، والتدبر في مضامينها.

ومما قاله (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ) في سياقِ تعقيبِه على قول الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فرِحِيْنَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}:

((هم أحياء ما يقال لهم أموات، ولا تظن بأنهم ماتوا، هم أحياء بما تعنيه الكلمة عند ربهم، الله أعلم في أي مكان، في الجنة، أَو في كوكب آخر، الله أعلم أين، المهم أنهم في مكان، وبالطبع عندما يقول: {عِنْدَ رَبِّهِمْ} (آل عمران: من الآية169) أنه مكان رفيع، ومكان يعني قد تكون الجنة أَو شيء كالجنة، إذَا قلنا الجنة قد خلقت أَو ما خلقت كما يقول البعض، {يُرْزَقُونَ} (آل عمران: من الآية169) على ما يبدو أنها حياة كاملة، حياة حقيقية، يرزقون، {فَرِحِيْنَ} (آل عمران: من الآية170) {وَيَسْتَبْشِرُوْنَ} (آل عمران: من الآية170) أليست هذه عبارات تدل على الحياة الحقيقية؟ أَيْـضاً مستبشرين بالنسبة لمن بعدهم من الناس المؤمنين الذين يجاهدون في نفس الطريق التي هم استشهدوا فيها أنهم ناس {ألاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُوْنَ} (آل عمران: من الآية170) لا يُخاف عليهم ولا حزن عليهم من أي طرف كان، أنها طريقة فيما لو حصل على أحد منهم، فيما لو حدث أن يقتل، أنه ماذا؟ سيلحق بهم وينال هذه الدرجة العظيمة عندما يقتل في سبيل الله)). (دروس رمضان – الدرس السادس عشر).

 

كيف نقهرُ الموت؟

القضيةُ المتعارَفُ عليها بشكل عام: أن عامةَ الناس مؤمنُهم وفاجرُهم لديهم الرغبةُ الجامحةُ في قهر الموت، والعيشُ أكبر قدرٍ في هذه الحياة، باستثناء القِلّة القليلة التي ترى في الموت ولقاء الله أَو في الشهادة سعادة ما بعدها سعادة؛ لذلك نجدُ أن من رحمة الله -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى- أنه جعل في القتل في سبيله مُجَـرّد نقلة لحياة دائمة ومريحة من نكد الحياة الدنيا، ومن مشاقها، ومظالمها، وهو أعظمُ ثواب يعبر عن [رضوان الله] لمن استجابوا له -سُبْحَانَــهُ وَتَعَالَـى-، ووهبوا أنفسَهم رخيصةً في سبيله، وآمنوا بما وعد به أولياءه. ومما قاله الشهيد القائد (رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ):

((إذا أنت مثلاً تخاف من الموت كموت، فالله جعل من يقتل في سبيله حياً أي: أن الشهداء هم لا يموتون فعلاً، تراها في الأخير قضية لو يتأملها الإنسان حتى وإن كان ضعيف نفس، وإن كان يتخوف من الموت، إذَا أنت تخاف من الموت حاول أن تقتل في سبيل الله شهيداً؛ لأَنَّه بالعملية هذه أنت قهرت الموت فعلاً، ولم يكن الموت بالنسبة لك إلا نقلة قد تكون ربما [ثواني] قد تكون [دقائق] وتنتقل إلى حياة أبدية في نعيم، وفرح، واستبشار، ورزق كما ذكر الله في آية أُخرى)). (دروس رمضان – الدرس العاشر).

قد يعجبك ايضا