تصنيف “أنصار الله” يسلط الضوء على أزمة الإدارة الأمريكية الحالية: ترامب وحيداً

|| صحافة ||

سلَّطَ قرارُ إدارة ترامب حولَ إدراج “أنصار الله” في قوائم “الإرهاب” المزيدَ من الأضواء على حجمِ الأزمةِ التي تمُــرُّ بها هذه الإدارة، وهي أزمةٌ لم يكن ظهورُها البارزُ خلال هذه الأيّام مُجَـرَّدَ مصادفة، بل جاء نتيجة فشل تراكم طيلة أربع سنوات في مختلف الملفات، وأبرزها ملفات اليمن والشرق الأوسط، ولعل هذا الفشل هو من حال بقوة دون أن يحظى ترامب بفترة ثانية كما كان يؤمل.

انتقاداتٌ أمريكية ودولية وأممية لقرار تصنيف “أنصار الله”

وحيدةً ومرتبكةً بدت إدارةُ ترامب، على مستوى الداخل الأمريكي وعلى مستوى العالم، فيما يخُصُّ قرارَ إدراج “أنصار الله” في قوائم الإرهاب، إذ صرح النائبُ الديمقراطي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، غريغوري ميكس، بأن هذا القرار يعبر عن “قصر نظر” وَ”يعرّض حياة الشعب اليمني للخطر”، وأنه: “لن يكونَ هناك أيُّ حَـلٍّ مستدام في اليمن بدون مشاركة أنصار الله”، وأشَارَ إلى أن “إدارة ترامب تجعل الحلَّ السياسي بعيداً”، وهذا لم يكن موقفُ خصوم ترامب فقط، فالسيناتور الجمهوري ورئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، آدم سميث، كان له أَيْـضاً تصريحٌ مماثل أوضح فيه أن القرار “لا يمكن الدفاع عنه”، وأنه يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن ويقوض السلام ويجعل المنطقة أكثر خطورة.

وعلى المستوى الدولي، وبالرغم من التواطؤ الكبيرِ بين المنظومة الأممية والولايات المتحدة في مِلف اليمن، أوضح المتحدثُ باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أن “التصنيفَ الأمريكي سيضُرُّ بالجهود السياسية، وستكونُ له تداعياتٌ سلبية كبيرة”، وهو قلقٌ عبّرت عنه أَيْـضاً بعثةُ سفراء الاتّحاد الأُورُوبي في اليمن، خلال لقاء مع وزير خارجية حكومة المرتزِقة.

منظمات إنسانية أَيْـضاً انتقدت قرار إدارة ترامب، ومن بينها “أوكسفام” التي صرّح مسؤولُ السياسات الإنسانية فيها، سكوت بأول، بأن هذا القرارَ “يعتبر سياسةً خطرةً وغير مجدية وستضر بحياة الأبرياء، كما أنها لن تساعد في حَـلّ النزاع”.

وبالمحصلة، لم يحظَ قرار ترامب بأي تأييد أَو ترحيب سوى من حكومة المرتزِقة والنظام السعودي، الأمر الذي كشف الكواليس “السياسية” لهذا القرار، بأنه مُجَـرّد مجاملة أخيرة لـ”حلفاء” الرئيس الذي يعيشُ آخرَ أيامه في البيت الأبيض مهدَّدا بالعزل والمحاكمة، بعد أن تسبب في فضيحة غير مسبوقة في تأريخ الولايات المتحدة عندما حرض أنصاره على اقتحام الكونغرس.

 

أزمة إدارة “ترامب”.. 4 سنوات من “الحماقات” المتراكمة

الحقيقةُ أن هذا الوضعَ المزري الذي يعيشه ترامب وإداراته هذه الأيّام، لم يكن فقط نتيجةَ اقتحام الكونغرس أَو اتِّخاذ قرار “قصير النظر” في الملف اليمني، فهذه الأحداث نفسها لم تكن إلا نتائج لفشل راكمته هذه الإدارة خلال أربع سنوات على داخلياً وخارجياً.

ولم يكن فشلُ إدارة ترامب محصوراً في قرارات معينة يمكن تجاهلها عند تقييم الأداء العام لهذه الإدارة، بل كان هو السمةَ الرئيسيةَ لهذا الأداء، ففي الداخل الأمريكي، تعاملت إدارة ترامب مع الكثير من الملفات المهمة بعشوائية وتخبط وانتهازية جعلت “ترامب” أحد أسوأ الرؤساء الأمريكيين سُمعةً، ومن ذلك ملفات الهجرة وفيروس “كورونا” وأزمة العُنصرية التي أثارها مقتلُ “جورج فلويد”، وقد أَدَّى هذا الأداءُ السيءُ إلى أن كسب خصوم ترامب (الديمقراطيين) الكثير، وتمكّنوا من استعادةِ الأغلبية في مجلس النواب، ومؤخّراً سيطروا على أغلبية مجلس الشيوخ مستفيدين من “حماقة” ترامب في التعامل مع نتائج الانتخابات الرئاسية.

ولم يكن حصول ترامب على 74 مليونَ صوتٍ في الانتخابات نتيجةَ حُسنِ أدائه، بل نتيجة المشاكل التي تعاني منها “الديمقراطية الأمريكية” والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي أسهمت إدارة ترامب في صب الزيت على نارها، وما كان اقتحام الكونغرس إلا انعكاسًا واضحًا لذلك.

أما على المستوى الخارجي، فيكفي الإشارة إلى شُهرة ترامب كرجلٍ “كشف الوجهَ الحقيقي لأمريكا”، وهي شهرةٌ ليست جيدةً على الإطلاق، فالوجه الأمريكي الذي كشفه ترامب، هو وجهُ “البلطجة” وَالانتهازية والوحشية، فمن الانسحاب من الاتّفاق النووي مع إيران، إلى شن حرب تجارية على الصين، إلى الاعتراف بالقدس كعاصمة للكيان الصهيوني، إلى دعم انقلاب فنزويلا، إلى اغتيال قائد قوة القدس الإيرانية قاسم سليماني، وما بين ذلك من قرارات وتصرفات أقل ما يقال عنها في ميزان السياسة أنها “حمقاء”، كان ترامب هو السببَ الرئيسي في “تراجع سمعة الولايات المتحدة عالمياً”، بحسب وصف استطلاعات رأي، لكنه وصف لا يزال مخففاً، فترامب أوصل أمريكا “إلى الحضيض”، حسب تصريح مسؤول رؤوسي علق على أحداث اقتحام الكونغرس، وأدى إلى رفع منسوب كراهية الكثير من شعوب العالم للولايات المتحدة.

وفي مِلف اليمن، كانت لترامب بصماتُ فشل وانتهازية ووحشية لا تُنسى، حتى أن الديمقراطيين استفادوا كَثيراً من تلك البصمات في شن حملات كبيرة استهدفت إدارة ترامب في موضوع صفقات الأسلحة، والموقف من جرائم ولي العهد السعودي، وبالرغم من أن ترامب كان يسعى لتغطية سوءِ تعامله مع ملف اليمن بصناعة ضجيج حول طبيعة علاقته بقيادة النظام السعودي والتركيز عن “العائد” الذي يحصل عليه من خلال وقوفه إلى جانب الملك السعودي وولي عهده، إلا أن الضجيجَ انتهى، وكانت النتائجُ على الأرض فشلاً عسكرياً وانسداداً سياسياً وجرائمَ وحشية وأسوأ أزمة إنسانية في العالم.

وكان موضوعُ إدراج “أنصار الله” في قوائم الإرهاب بصمةَ حماقةٍ أُخرى، بدا أن ترامب كان يخطِّطُ لها منذ فترة، وبالذات عندما عادت إدارته لترويج دعاية “مكافحة الإرهاب” في اليمن، وإحياء ذكرى تفجير “المدمّـرة كول” لأول مرة منذ عشرين عاماً، توازياً مع مطالبات واضحة من قبل تحالف العدوان بهذه الخطوة، ولعل ترامب كان يخطط لاتِّخاذ هذا القرار خلال فترة رئاسته الثانية، لكن ذلك لم يحدث، فحاول اتِّخاذَه قبل أن يغادر البيت الأبيض، الأمر الذي يكشف أن القرارَ لم يكن سوى “صفقة” بين ترامب وبين قادة دول العدوان، والسعودية بالذات، وأن هذه الصفقة لا تقوم في الحقيقة إلا على توفر “حماقة” ترامب وجنونه وجشعه للمزيد من الأموال، وليس على حسابات سياسية أَو عسكرية وازنة.

وهكذا جاء القرارُ خاوياً ولم يرقَ حتى لمستوى “الدعاية” التي حاولت تضخيمَ أهميته، وزاد من خوائه التوقيتُ الذي جعله متعلقاً بأزمة إدارة ترامب أكثر مما هو متعلقٌ بالملف اليمني، فالرغبة في استفزاز إدارة “بايدن” والانتقام لخسارة الانتخابات، دوافع لا يمكن فصلُها عن هذا القرار، الذي يأتي تتويجاً لمسيرة الإخفاق وقصر النظر، ويجدُرُ بالإدارة القادمة الانتباهُ لذلك جيِّدًا.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا