قشة العدوان وطوفان 25 يناير!
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالرحمن الاهنومي
في ربع الساعة الأخيرة تعتقد أمريكا وحلف العدوان على اليمن أنها ما زالت قادرة على تغيير المشهد لصالحها بتغيير استراتيجياتها من خلال الحصار والترهيب ، أو من خلال صيغ جديدة للعدوان على اليمن بعدما تآكلت الصيغ الذرائعية التي رفعتها أمريكا وتحالف الأعراب على الرماح والسيوف منذ بداية العدوان على اليمن ، فما عادت الحرب على اليمن لإعادة (الشرعية) مستساغة فقد بات الحديث عنها سخافة مكشوفة ، والشيء نفسه لبقية العناوين الذرائعية التي رفعت منذ بدأوا العدوان على اليمن ، كما أن القرار الأممي 2216 لم يعد مقبولا التذرع به لفرض الحصار الغاشم، إذ أن المنظمات والأمم المتحدة ووكالات العمل الإنساني وكل الجهات ذات العلاقة تشهد بأن ما تفعله أمريكا وتحالف البغي والعدوان من حصار يعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني وجرائم حرب.
ومن باب إعادة تدوير النفايات أصدرت الإدارة الأمريكية في ربع الساعة الأخيرة قرارها الإرهابي بتصنيف أنصار الله ، والذي أتى كمحاولة لحفظ ما يمكن الحفاظ عليه ولو حتى «ماء وجه بن سلمان» الذي تورم إثر الهزائم والانتكاسات وسال قيحا ودما ، لكن المسيرات التي خرجت يوم أمس الأول 25 يناير وما سبقها وما هو مستمر حتى اليوم وإلى الغد وبعده من تحرك شعبي ساخط ومندد بالقرار فيه تأكيد على أنه لا سبيل لذلك، وأنّ قوى العدوان الأمريكية مرغمة يجب عليها وقف العدوان ورفع الحصار ، وإلا فإن الوقت لم يعد لصالحها وكلما مر يوم امتلك اليمنيون عوامل قوة إضافية وتعزز موقفهم وتحصنت جبهاتهم.
لكن الطوفان البشري الذي امتد في 25 ساحة وميداناً من عاصمة اليمن صنعاء إلى عموم المحافظات ، وما سبقه من تحركات قبلية مسلحة واسعة ، ومزامنة ذلك بتحركات ومواقف دولية وأممية وعالمية احتجاجا على القرار وعلى استمرار الحرب على اليمن وكل ذلك جاء إثر القرار المأزوم ، لم يكشف سقوط استراتيجيات الاستهداف الأميركية مُتعدة الأشكال والأذرع والعناوين ، كما أن الموقف الأممي والدولي والحراك العالمي الذي اشتعل لمناهضة الحرب والعدوان على اليمن والحصار قد عطل مفاعيل القرار وأبطلها.
لم يكن الطفوان البشري الذي رسمته مظاهرات 25 يناير غير المسبوقة في 25 ساحة مفاجئا من شعبنا الذي احتشد عن بكرة أبيه إلى ساحات وشوارع العاصمة والمحافظات والمديريات للتعبير عن الرفض القاطع والمطلق للقرار الأمريكي.. فهذا الشعب العظيم يجود يوميا بالشهداء والجرحى وبقوافل الإمداد والمؤن إلى جبهات الشرف والمواجهة والتصدي ، لم يبخل يوما من العطاء وهو يعاني قساوة الظروف والأحوال وضيق المعائش ، لم يبخل في أشد الأوقات صعوبة في تقدم صفوف المواجهة وتحمل المسؤوليات الجسام تجاه القضايا الكبرى ، لم يتخل وهو يتواجه مع تحالف عشرين دولة على رأسه أمريكا عن فلسطين ونصرة القضية الفلسطينية والتأكيد بأنها ستبقى قضيته وقضية الأمة الأولى ، وما أكده أمس أن الإرهاب الأمريكي لم يُجْدِ بالأسلحة الفتاكة والمدمرة والحصار والتجويع ، ولن يكون مجديا بالقرارات واللوائح والعقوبات طالما هناك شعب عظيم كريم مقاوم يأبى الذل والخنوع لكل الطواغيت.
لم تكشف المظاهرات المليونية غير المسبوقة التي شهدتها صنعاء ومحافظات اليمن عن الموقف الموحد للشعب اليمني في رفض القرار وقوة ومتانة الجبهة الداخلية كأرضية يتكئ عليها من يتصدون للعدوان في الحرب العسكرية والاقتصادية والإعلامية فحسب ، بل أظهرت هشاشة تحالف العدوان وضعف أدواته وهوانها ، التي قامت بتدشين حملات إعلامية على منصات التفاعل الاجتماعي واضطرت إلى تحويلها إلى منصات للتعبير عن الإفلاس والأفول ، ووفقاً للبيانات التحليلية فإن 35 ألف تغريدة كلها جاءت من حسابات يقيم أصحابها في الدمام والرياض والقاهرة وقليل في تركيا ، في المقابل تصدرت حملات المناهضين للعدوان على اليمن والمقاومين له والأحرار في العالم الترند لعالمي ومن بلدان العالم كما أظهرت بيانات التتبع لتوتير ، وقد وصل عددها إلى أكثر من 300 ألف تغريدة والفارق هنا في السوشيال ميديا ، أما في الميدان فلا يمكن للعدوان العثور على شخص واحد يؤيده في اليمن عدا من استجمعهم منذ إطلاق عملياته قبل ستة أعوام وأسكنهم فنادق الرياض وغيرها.
كما زامنت مظاهرات 25 يناير أنشطة مكثفة أقيمت في عواصم أوروبية عديدة وفي ولايات أمريكية شهدت وقفات واحتجاجات دعت لوقف فوري للحرب على اليمن ورفع الحصار عنه ، كما دشنت حملة التضامن العالمي مع اليمن بدعوات دولية وعالمية يتزعمها حزب العمال البريطاني ورئيسه الأسبق ومرشح الرئاسة الأمريكية وأعضاء في الكونغرس ، علاوة على بيانات الاتحاد الأوربي وروسيا ودور حكومات ومنظمات أممية على رأسها الأمم المتحدة رفضها القرار الأمريكي بتصنيف أنصار الله ، فإن ما هو مؤكد أن كل ذلك هو انعكاس للإخفاقات السياسية والإعلامية والدبلوماسية لتحالف العدوان الأمريكي السعودي ، وتعرية وانكشاف جرائمه أمام الرأي العام الدولي وهو انكشاف أسباب كثيرة أهمها الصمود اليمني الذي حطم أسلحة الحرب العدوانية وأدواتها وأطاح بها.
لقد جاءت المظاهرات الكبرى يوم الأثنين والمترافقة مع التحركات العالمية لتؤكد جملة من المؤكدات وجملة من المواقف ، فهي أولا تجذر الروح الجهادية والثورية والعقيدة الإيمانية الأصيلة لدى الشعب اليمني وقد تجلت أبهى صورها في السخط الشعبي إزاء القرار الأمريكي ورفضه والتصدي له ، وتعكس ثانيا دليلا ساطعا على جوهر ومضمون الوعي الذي يحمله الشعب اليمني والذي يعد ثمرة المشروع القرآني الذي أطلقه السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه وخلاصة عملية للوعي القرآني التحرري الذي أحياه الشهيد سلام الله عليه ، وعبر عنه وضحى من أجله وصرخ به شعارا وموقفا وسلاحا منذ العام 2002/م.
كما تُشكل المظاهرات المليونية رداً عملياً على القرار الأمريكي الأرعن الذي أتى من أجل تركيع الشعب اليمني وإخضاعه ورسالتها الأبلغ بأن مساعي التفكيك والاستفراد والتجنيح لم تعد تنطلي على اليمنيين ، فقد باتوا جميعا على وعي بألاعيب الأعداء وأجنداتهم ، وأن مساعي إخضاع اليمن للإرهاب الأمريكي وأدواته فشلت وتحطمت ، والأهم من كل ذلك هو سقوط المخطط «ب» للإدارة الأمريكية التي أرادت من القرار عزل أنصار الله عن المجتمع وخلق عناوين استقطابية وانقسامية جديدة تسعى من خلالها إلى إنشاء معارضات وتحركات موازية تنفذ منها إلى قلب الجبهة الداخلية وتعيد بها حرف مسار المعركة والصراع نحو الداخل ، إضافة إليها خلق أوراق مساومة وتفاوض تعيد بها ضخ الحياة إلى تحالف العدوان والنظام السعودي بشكل أساسي وإخراجه من مأزقه وفشله المتعاظم نتيجة فشل عدوانه على اليمن وحروبه في المنطقة .. قد جاءت الحشود بذلك الحجم لتوجه صفعة قوية لأمريكا وحلفها الأرعن والمأزوم وكل من يسير على فلكه ، كما أنها أحبطت محاولات إبقاء الطوق الدولي والإقليمي على اليمن الذي بات يرقب العالم انتصاره ويترقب لحظة مد يد الوصل إليه ، بهدف خق مواقف مغايرة للقناعة التي تشكلت لدى معظم الدول والحكومات بضرورة التعاطي مع صنعاء وعودة التمثيل الدبلوماسي إليها.
في ربع الساعة الأخيرة توهم تحالف العدوان الذي تقوده أمريكا أنه ما زال الوقت متاحا باتجاه تحقيق ممكنات تحفظ له ماء الوجوه المراق في جبال اليمن وسهولها ، لقد جاء القرار الأمريكي شبيها بصراخ العاجز المحتضر ولن يحقق مرجوا لأمريكا ولا لأدواتها ، ولن تكون له نتائج أفضل حالا مما أنتجه العدوان والحصار والإرهاب الداعشي والقاعدي الأمريكي ، وما قد فشلت فيه الأسلحة الفتاكة والمدمرة والمحرمة الأمريكية والبريطانية ، لن ينجح فيه قرار الأرعن بومبيو ، على أن محاولة النجاة من الغرق في حرب استنزاف طويلة ومكلفة من خلال قشة القرار وهم وسراب ، كما أن اللجوء إلى المساومة والتصنيفات والحرب الاقتصادية والحصار محاولة يائسة ستسرع من نزع مخالب الهيمنة الاقتصادية وسيندفع الشعب اليمني بوتيرة أشد لتبني خيارات اقتصادية تحررية ، حتى يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع.