حينما تنتصرُ إرَادَة الشعوب الحرة
موقع أنصار الله || مقالات || أحمد ناصر الشريف
مقارنةً بما كان عليه الوضعُ خلال الفترات السابقة في ظل زمن السلم ووجود الموارد المحلية المتدفقة والمساعدات الخارجية وما أَكْثَــرها إلّا أن كُلّ الحكومات اليمنية المتعاقبة كانت تشكو وتلجأ في كثير من الحالات إلَـى اتخاذ اجراءات قاسية وأحياناً جرع تنعكس سلباً على الحياة المعيشية للمواطنين بحجة العجز عن دفع مرتبات الموظفين أجد نفسي حائراً بل ولا أجد تفسيراً لما يحدث اليوم في ظل الحصار الخانق الذي فرضه العُـدْوَان الظالم على اليمن من الجو والبحر والبر وانعدام الموارد المحلية وانقطاع المساعدات الخارجية ومع ذلك تكاد الحياة تكون طبيعية ومؤسسات الدولة متماسكة ومرتبات الموظفين تصرف شهرياً حتى لأولئك المتعاونون مع العُـدْوَان وفي موعدها دون تأخير بل أَحياناً يتم صرف المرتبات وأيام الشهر لم تنتهِ بعدُ.. فهل يعني ذلك أن الفساد الذي كان متمثلاً في الموازنات الشهرية الخَـاصَّـة للقادة العسكريين والمشايخ والوجاهات وكبار المسؤولين في الدولة كانت هي سببَ الأزمات المالية التي شهدتها الحكومات السابقة وعندما تم تجفيفُ منابع هذه الموازنات الخَـاصَّـة وقطعها على أَصْحَابها؛ كونها كانت تصرف دون وجه حق، استطاع اليمنيون أن يعتمدوا على أنفسهم بإمْكَانياتهم المتواضعة ويكتشفوا مكامن الخلل التي كانت سببا في رهن القرار السياسي اليمني للخارج وكان الاعتقاد لدى البعض بأن أية حكومة يمنية لا تعتمد على مساعدات الخارج سيكون مصيرها الفشل وهو اعتقاد خاطئ أثبتت التجربة فعلاً أنه مجرد وهم في مخيلة اولئك الذين جعلوا مصالحهم الشخصية فوق مصالح الشعب والوطن.
والدليلُ أن الوضعَ القائمَ رغم صعوبته في ظل العُـدْوَان البربري الذي مضى عليه أَكْثَــر من عام وثلاثة أشْهر صامد في مختلف الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية بفضل الإرَادَة القوية والجبارة التي برهن الشعب اليمني من خلالها وبتوكله على الله أنه قادر أن يدافع عن نفسه وعن سيادة وطنه واستقلاله وما يجري في الميدان في مختلف الجبهات خير شاهد حيث لا تراجع إلَـى الوراء وانما تقدم إلَـى الأمام وهو ما جعل أَعْدَاء الشعب اليمني يعيدون حساباتهم من جديد ويعلنون بكل وضوح بأنهم أعجز من أن يحققوا الأَهْـدَاف التي رسموها قبل وبعد شن العُـدْوَان لا بالسلاح ولا بالسياسة رغم استخدامهم لكل الوسائل والخطط الخبيثة المرسومة أَوْ المعدة من قبل خبراء متمرسين صقلتهم التجارب والحروب بعضهم ينتمون إلَـى دول عظمى مثل أَمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل ولكنهم اصطدموا بصخرة مقاومة شعب عظيم اراهم النجوم في عز الظهر وجعلهم مذهولين ليجدوا أنفسهم في ورطة من الصعب عليهم الخروج منها بسهولة وخَـاصَّـة النظام السعودي الأداة الطيعة والمنفذة لأَهْـدَاف الإدَارَة الأَمريكية وقد انعكس هذا التصرف اللاأخلاقي سلباً على وضع السعودية الداخلي وبعثرة أَمْـوَالها والاساءة إلَـى سُمعتها بل وكشف حقيقة نظامها المغيبة مع انها كانت قادرة أن تتخاطب مباشرة مع جيرانها اليمنيين اذا كانت حقا تشعر بأن مصالحها مهددة كما تزعم وتضع لها معهم حلولا على أَسَاس الاحترام المتبادل.. لكن مع الأسف الشديد فان العرب قرارهم ليس بأيديهم بسبب تبعية الحكام للدول الكبرى وخَـاصَّـة أَمريكا التي صارت تتحكم في مصائرهم وتفرض عليهم توجهاتها وهو ما يؤكد أن ضعف العلاقات العربية – العربية لم يأتِ من فراغ وإنما هو محصّلة لتفاعل مجموعة من المتغيرات والعوامل في البيئة العربية نفسها التي تتواجد في إطَارها الدول العربية. وإن كانت مثل هذه التفاعلات تعكسُ آثارَها السلبية على كافة الأَطْــرَاف الداخلة في عملية التفاعل من خلال جذور ممتدة في عمق الماضي، كما أن لها جوانبها السياسية والاقتصادية المرتبطة بهذا النظام الدولي أَوْ ذاك والذي في كُلّ الأحوال يفرض وصايته عليها بحجج ومبررات واهية لا يستسيغها عقل ولا منطق ولأن اليمن خرجت عن هذه المعادلة فقد شنوا عليها حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس ودمرت كلما هو قائم.
ومع أن الدروسَ والعِبَرَ كثيرة التي مرّت بها الأمة العربية ممثلة في حكامها وشعوبها لكنها لم تستفد منها لتخرج من عنق الزجاجة التي حشرت نفسها فيها بقدر ما أظهرتها أمام الأُمَـم الأُخْــرَى بأنها أمة عاجزة عن التفكير ولا تستطيع الدفاع عن قضاياها في وقت يستأسد فيه كُلّ نظام عربي على الآخر وما يحدث اليوم في اليمن أنموذجاً، حيث تكالب عليه العرب قبل غيرهم؛ وهذا مالا نتمناه أن يستمر لا سيما أن الضعف قد أصاب العرب جميعاً ولا يجب أن نحمّله للغير من الدول الكبرى سواءً كانت الولايات المتحدة الأَمريكية أم غيرها لسبب بسيط وهو أن مبعث هذا الضعف والهوان سببه الحكام ومواقف الشعوب السلبية لأنهم لم يدركوا حقيقة ما يجري وليس عندهم بعد نظر لما سيأتي، وأناس هكذا حالهم لا يستحقون أن يكونوا حكاماً أَوْ أن يشكلون شعوباً.
ولا ندري لم هذا الهوان الذي فرضه العرب على أنفسهم مع أنهم يمتلكون كُلّ مؤهلات التحوّل لصالحهم من خلال ما حباهم الله من ثروة اقتصادية لو تم توظيفها لصالح قضايا الشعوب العربية لاستطاعوا أن ينافسوا الدول الكبرى بالإضَـافَة إلَـى موقعهم الجغرافي المتميز المتحكّم في مداخل البحار، وكما هو الحال بالنسبة للدول الكبرى التي تعمل على رعاية وخدمة مصالحها؛ فمن حق الدول الصغيرة أن تقومَ بنفس الدور وتخدم مصالحها.