لماذا اليمن والتخلّص من ابن سلمان أولوية بايدن؟
موقع أنصار الله || مقالات || قاسم عزالدين*
في اختياره اليمنَ أولويةَ إدارته، يأملُ بايدن تضميدَ جراح أمريكا المتورّطة بالهزيمة فيه، لكنه في هذه الأولوية يضع نصب عينيه التخلُّصَ من محمد بن سلمان.
في رسالة وقّع عليها أعضاءُ فريق جو بايدن، المرشَّح للانتخابات الرئاسية في العام 2018، ينقل وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سليفان أن “الولايات المتحدة مدينة لنفسها ولضحايا الحرب (في اليمن) بأن تتعلّم شيئاً من الكارثة”.
الشيءُ الذي تتعلّمُه إدارةُ بايدن من الكارثة هو الإقرارُ بمسؤولية أمريكا في مأساة اليمن “لأسباب أخلاقية واستراتيجية”، بحسب تعبير بلينكن، الذي أخذ على عاتقه إعادةَ مِلف الحرب على اليمن إلى وزارة الخارجية الأمريكية، وإعادة العلاقة مع السعودية إلى مرحلة باراك أوباما بطي صفحة ترامب وابن سلمان.
على وجه السرعة، عيّنت إدارةُ بايدن المبعوثَ الأمريكي الخاص تيم ليذر كينغ، إلى جانب فريق سياسي وعسكري، لإنجاز المهمة، وهي تأمل إعداد خريطة طريق تعيد الاعتبار إلى أمريكا التي مرّغ ابن سلمان وجهَها في الوُحُول اليمنية، ما انعكس على الداخل الأمريكي، وعلى أمريكا في العالم، وفي السعودية نفسها.
في هذا السياق، بدأت وزارة الخارجية الأمريكية الانتقال إلى مقود العربة، بالتراجع عن تصنيف “أنصار الله” ضمن لائحة الإرهاب، وتفعيل قرار الكونغرس ومجلس الشيوخ في العام 2019، القاضي “بالانسحاب من الأعمال العدائية في اليمن”.
وعلى الرغم من الإدانة الأمريكية لدفاع “أنصار الله” والجيش اليمني في مأرب والجوف، وفي هجومَي مطار أبها وخميس مشيط، فَـإنَّ تيم ليذركينغ يبحثَ مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ما سمَّاه “الحل السياسي اليمني”، في إشارة إلى قطع صلة الكواليس بين ابن سلمان وجوقة ترامب.
هذا المنحى أطلق تحَرُّكَ “المبعوث الأممي” مارتن غريفيث لأول مرّة إلى إيران؛ طلباً للمساعدة في الضغط على “أنصار الله”، رجاءً بالتهليل لبايدن وانتظار الآمال الأمريكية الموعودة، لكن طهران أرشدته إلى صنعاء التي تقرّر الحل ومواجهة العدوان، وتعيد على مسامعه المبادرة الإيرانية. في المقابل، يوضح القيادي محمد علي الحوثي أن صنعاء لا تأخذ بالأماني ما لم تذهب إدارة بايدن إلى وقف الحصار والعدوان والإقرار بخطوات عملية تدلّ على التكفير عن الجرائم.
طهران وصنعاء ترميان كرة اللهب في ملعب إدارة بايدن لحل أزمات أمريكا الناتجة من مسؤوليتها في جريمة العدوان وفي أكبر كارثة إنسانية في اليمن. هذا العدوان أَدَّى إلى شرخ في الحزب الديمقراطي الأمريكي بين جناح بيرني ساندرز الموصوف بالتقدمي اليساري، والجناح التقليدي، فضلاً عن تشقّقات أُخرى يمثّلها كريس ميرفي.
هو الشرخ الذي يفرض على بايدن حَـلّ أزمة الحزب الديمقراطي في المقام الأول، أملاً بتجاوز أزمة انشقاقه، كما الأزمة التي يواجهها الحزب الجمهوري بعد سقوط ترامب، ولا سيما أن الجناح المناهض للعدوان على اليمن يعبّر عن متغيرات بنيوية في الديمغرافيا الأمريكية، يدلّ عليها ثقل “الأجانب” من غير العرق الأبيض في الحياة السياسية الأمريكية، وهو الذي حمل بايدن إلى الرئاسة على ظهر كسر زحف العنصرية البيضاء.
أزمة أمريكا الأُخرى التي يأمل بايدن تخفيف حدّتها في الإطار نفسه هي المسؤولية عن تمريغ وجهها في الوحول اليمنية، ليس فقط أمام الحزب الديمقراطي والأمريكيين “الأجانب” فحسب، بل أمام شعوب العالم أَيْـضاً، وفي مقدمتها الشعوب الأُورُوبية.
إن الولاياتِ المتحدةَ هي التي غطّت مشاركة الحكومات الأُورُوبية في الجرائم بمعيّة ترامب، وما أن تخفّف التغطية بالكلام حتى الآن، يُصدر البرلمان الأُورُوبي قراراً يدعو فيه الاتّحاد الأُورُوبي إلى الالتزام بوقف إمدَادات العدوان بالسلاح، وإلى العمل لانسحاب السعودية والإمارات من اليمن.
الأزمة الأعم الأكثر عمقاً التي كشفت عنصرية أمريكا في داخلها وخارجها، هي فقدان ما يسميه بايدن “القيَم الأمريكية”، فهذه القيَم المتمثّلة بأُطروحات حقوق الإنسان والحريات الفردية والديمقراطية الأمريكية… هي سلاح ماضٍ في أيدي الإدارة الأمريكية، لإشاحة النظر عن نتائج نموذج التوحّش الأمريكي في بؤس البشرية وتهديد حياة الكوكب.
هي سلاحُ تغطيةٍ من جهة، وسلاحُ حربٍ لزعزعة الاستقرار الهشّ في بعض الدول المعادية لأمريكا؛ مِن أجلِ فتح أسواقها وتعزيز المصالح والاستراتيجيات الأمريكية من جهة أُخرى. إن مسؤولية أمريكا عن كارثة اليمن أصابت هذا السلاح بالصدأ طيلة أربع سنوات، ما أَدَّى إلى تعويل بايدن على أولوية اليمن، أملاً بإعادة شحذه.
المشجَب الذي يسعى بايدن إلى تعليق أوساخ أمريكا عليه هو محمد بن سلمان؛ واجهة العدوان على اليمن وأكثر شركاء أمريكا وحشية في القتل العاري، وهو يضع نصب عينيه التخفّف من هذه الورطة الثقيلة الأعباء، ليس؛ بسَببِ كارثة اليمن فحسب، بل؛ بسَببِ سلاح حقوق الإنسان أَيْـضاً.
والحقيقة أن بايدن لا يقلب في هذا الأمر صفحة ترامب فحسب، إنما يقلب كذلك جانباً من صفحة أوباما مع السعودية وشراكة محمد بن سلمان. ففي مقالة روبرت مالي في “فورين أفيرز” مع ستيفين بومبر، ينقل عن مسؤول كبير في إدارة أوباما، في اجتماع لمجلس الأمن القومي في آذار/ مارس 2015، قوله بشأن شراكة ابن سلمان: “كنا نعلم أننا ربما نستقلّ سيارة مع سائق مخمور”.
قد يكون هذا المسؤول الكبير هو بايدن نفسه الذي لم يسمّه روبرت مالي، بدليل قطع اتصال بايدن مع ابن سلمان وإزالته عن جدول الأعمال، بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، وبدليل آخر أكثر جدية عبّرت عنه إدارة بايدن في عزمها على ملاحقة ابن سلمان في جريمة قتل خاشقجي، بدءاً بنشر تقرير الاستخبارات الأمريكية، وعزمها على ملاحقته بتحريك الدعوى التي قدّمها مستشار محمد بن نايف سعد الجبري أمام محكمة واشنطن ضد ابن سلمان وأعوانه.
أزمات أمريكا الحادة التي تدفع بايدن إلى مساعي أولوية اليمن والتخفّف من ابن سلمان هي مشكلة أمريكا وإدارة بايدن، فإيران وصنعاء معنيّتان بانسحاب قوى العدوان وفك الحصار والذهاب إلى حوار بين اليمنيين لإزالة آثار العدوان والاتّفاق على الحل السياسي.
إيران وصنعاء تتقاطعان مع نيات بايدن لحل أزمات أمريكا، إذَا كان حلّها مساعداً في حَـلّ قدّم اليمن في سبيله التضحيات البطولية الخارقة، وتعرّض؛ مِن أجلِه لشتى الجرائم ضد الإنسانية، فالمهزومُ يعجزُ عن فرض شروط لم ينَلها بحرب تدميرية، ولا يطلب المساعدة المجّانية لقلع شوكة.
* كاتب لبناني