مأرب.. قاب قوسين أَو أدنى
موقع أنصار الله || مقالات ||عبد الرحمن مراد
حرص العدوانُ منذ البداية له عام 2015م على مأرب، وَتوزَّع جهاتِها وهضابَها وكُثبانَها، وقد رأينا يومذاك حجمَ النزعة العربية الصحراوية في الفخر، وأخذ الغزاة الصور التذكارية لهم في عاصمة اليمن التاريخية، وكأنهم يرسلون لنا رسائلَ مشبعةً بالرموز والإشارات تقول: إن التاريخَ سوف يتوقفُ عند تلك اللحظة الفارقة من تاريخ اليمن المعاصر.
اليوم أستعيدُ تلك اللحظة التي كان الغزاةُ من شُذَّاذ الآفاق ومن عرب الصحراء يرسُمُون ملامحَها، ولسان حالي يقول: إن التاريخَ يستعيدُ وعيَه بذاته، وإنه -وإن مكرَ بنا في زمن سابق- فهو لن يخذُلَنا في هذه اللحظة، فقد استعدنا زمامَ المبادرة وها نحن نرسُمُ البطولات ونسطِّرُ وجهَ التاريخ بدم يفخر بالعزة والكرامة وبالقيمة الحضارية الكبيرة التي سطّرت حضورَها البهي في الوجدان العام لليمنيين.
ثمة عملياتٌ عسكريةٌ تكشفُ عن القيمة المُثلى للمجاهد المؤمن الصابر والمثابر الذي تأبى نفسُه أن تفصلَ جسدَه عن تربة أرضه الأحذيةُ والبيادات، وتأنف نفسُه أن تنتعلَ الحذاء؛ لأَنَّها لا ترى فيه إلا عميلاً مرتزِقاً أَو بوقاً يفرش خَدَّيه كي يمُرَّ غزاة العالم كفيصل القاسم.
مات الغزاةُ وتلاشوا وتوزعت مرتزِقتهم الطرقَ والعواصم والحانات وملاهي الليل والمراقص وشعبنا المقهور عاش، فهو يسطّر أروع الملاحم والبطولات كما كان يفعل قديماً في زمنه التاريخي، وهو اليوم ينتعلُ وجوهَ الغزاة ومرتزِقتهم وبيَدِهِ صولجانُ المبادرة وزِمامُ اللحظة، وقد وقف العالمُ مندهشاً أمام صموده الأُسطوري وقدرته الفائقة على النهوض من بين الركام ورماد الزمن ونيران الوجع.
اليوم السعودية تصرخ ألماً وهي تواجهُ توازنَ الردع الخامسة ويسمع صراخها العالم، وقد كانت في بداية العدوان تقول إنها قادرة على احتلال اليمن في ظرف ساعات معدودات وتمر الأيّام والسنون وتكتشف أنها غيرُ قادرة على مواجهة اليمن وجيشه ولجانه الشعبيّة وهم لا يملكون إلا إيمانَهم وإرادتَهم ومشاعرَ العزة والكرامة وشعارهم هيهاتَ منا الذلةُ.
لقد تمرغ أنفُ السعودية في التراب، وهانت كما لم يهن أحد سواها وهي تملك المال وأحدث الأسلحة والطائرات وتستأجر الجيوشَ من كُـلّ دول العالم؛ بهَدفِ احتلال اليمن وفرض ثنائية الهيمنة والخضوع ويأبى الله إلا الذل والهوان لها، وقد سمع العالم عويلها وصراخها وهي تستنجدُه من توازُنِ الردع في المرحلة الخامسة وهي المرحلةُ الأشدُّ وَقْعاً وألماً لها.
تصرخ السعودية اليوم وقد فقدت ذاكرتَها وعنترياتِ زمن بدء العدوان يوم أن كانت تنفذ عشرات الغارات على مدن اليمن وسهولها ووهادها ويخرج ناطقُها العسكري في طيلسان الفخر وفي حالة تباهي منقطعة النظير وبعد مرور الأعوام يكتشف أنه كان يعيشُ في الوهم ويصدر للسعوديين وللعالم الوهمَ، فقد قالت له الأحداث والوقائع كلاماً بليغاً لا نظنُّه يعي محتواه لكن كلمات العويل من هول عملية توازن الردع الخامسة قد أفصحت عن الحال وقالت كلاماً بليغاً لمن ألقى السمع أَو كان بصيرا.
اليوم مأرب قاب قوسين، وعلى مقرُبة من الاكتمال؛ كي يبدعَ التاريخُ لحظتَه الفارقة، وكي يبزُغَ القمرُ الذي ظل خلفَ الكثبان في انتظار الزمن الجديد الذي لا يشبه ما قد كان ولكنه يبدع ما سوف يكون في المستقبل، فاليمن لم تعد ذلك الحمل الوديع الذي يذعنَ كي يعيشَ، وينحي للعاصفة؛ كي تمر، فقد شَبَّ عن الطوق وأصبح يصنع زمنَه وتاريخَه بضوء من حديد الإرادَة وقوة الإيمان.