ليس فقط التفريط أمام الحدث، بل التفريط يوم نسمع التوجيهات فلا تعطيها أهميتها

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

لا تنظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها.. من الذي حرك الجيوش لتواجه الحسين في كربلاء؟ من الذي أرسل ابن زياد إلى الكوفة ليغري زعماء العشائر بالأموال, ويرغّب ويرهب حتى يجيشهم،  حتى يحولهم إلى جيش يتوجه لضرب الحسين بعد أن كانوا قد بايعوا الحسين، من هو؟ إنه يزيد.

من الذي جعل يزيداً خليفة على رقاب المسلمين؟ إنه معاوية, من الذي جعل الأمة – تلك الأمة – تقبل مثل يزيد؟ من الذي جعل ليزيد سنداً قوياً وقاعدة قوية؟ إنه معاوية, من الذي ولى معاوية على الشام؟ إنه عمر,

من الذي ولى عمر؟ هو أبو بكر. أبو بكر وعمر كانا يتحركان كما قال الإمام علي (عليه السلام) لعمر: (أحلب حلباً لك شطره, شدّها لـه اليوم يردها عليك غداً). حركة واحدة كانت على هذا النحو ممن يعشقون السلطة, ممن يعشقون المنصب، ممن يعشقون الوجاهة.يقول البعض: لو كان أولئك ممن يعشقون السلطة لرأيناهم مترفين؛ لأننا نشاهد أن من يعشقون السلطة هم عادة إنما من أجل أن تتوفر لهم الأموال, وتتوفر لهم الملذات.. إلى آخر ما قيل في هذا الموضوع.يقول أحد العلماء الآخرين – وهو محمد باقر الصدر – : ليس صحيحاً كل هذا، بل وجدنا في التاريخ من ظهروا بمظهر المتقشفين الزهاد من أجل أن يصلوا إلى السلطة.

إن هناك من يحب السلطة فتبدوا لديه ألذ من كل مطائب العيش، ألذ من كل ملذات الدنيا كلها، فمن أجل الوصول إلى السلطة يتقشف، ومن أجل الوصول إلى السلطة يبدو زاهداً.وقد وجدنا في اليمن نفسه [علي بن الفضل], علي بن الفضل عندما وصل إلى اليمن جلس في واد يتعبد زاهداً ويتركع، يقبل الشيء اليسير مما يعطى، زاهد متقشف متعبد.

إن هناك نوعيات في البشر يعشقون المنصب، يعشقون الوجاهة فتبدو كل لذة أخرى من ملذات الطعام والشراب والنكاح والبنيان وغيره، تبدو كلها لا تساوي عنده شيئاً، سيضحي بها جميعاً من أجل أن يصل إلى المنصب.هو يجيب على من يحاول أن يقدم أبا بكر وعمر بأنهم لم يكونوا عشاق مناصب, لو لم يكن عمر يعشق المنصب لكان أول من يستجيب يوم قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يومه الأخير من أيام مرضه: ((ائتوني بقلم ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)) عمر اعترض هو يعرف ماذا سيعمل؟, هو يعرف أنه سيكتب علياً. إذا كان قد تحدث عن علي طيلة حياته, وأعلن ولايته على رقاب الأمة يوم الغدير فماذا يتوقع أن يكتب الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلا أن يشد الأمة إلى علي فيكون قد استخدم كل الوسائل، فضج عمر، وقال: الرسول قد غلب عليه الوجع! وقال: إن الرسول ليهجر! لأنه – كما قال الإمام علي (عليه السلام) – ((أشددها له اليوم يردها عليك غداً)).

لا ننظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها، ونتحدث عن ابن زياد وحده, أو نتحدث عن يزيد وحده، إذا كنا على هذا النحو، إذا لم ننظر دائماً إلى البدايات، ننظر إلى بدايات الإنحراف، ننظر إلى الأسباب الأولى, النظرة التي تجعلنا نرى كل تلك الأحداث المؤسفة، نرى كل هذا الواقع الذي تعيشه الأمة إنما هو نتاج طبيعي لذلك الإنحراف، إنما هي تداعيات لتلك الآثار السيئة التي كانت نتاج ذلك الإنحراف، وإلا فسنعيش في ظل الأسباب نفسها، وسنكون نحن جزءاً من الأسباب التي جعلت الحسين صريعاً في كربلاء، وجعلت علياً قبله, والحسن قبله يسقطون شهداء. من خلال موقف الإمام علي (عليه السلام) الذي لم يسمح أن يبقي معاوية لحظة واحدة نعرف خطورة ما يمكن أن يعمله معاوية، ومن خلال هذا الشاهد نفسه نعرف عظم ما جناه عمر على الأمة يوم ولىَّ معاوية على الشام، وجاء من بعده عثمان ليبقي معاوية، وهو بالطبع ابن عمه، ليبقيه ملكاً على الشام، وليس فقط والياً.

الإمام علي (عليه السلام) كأنه يحذر الأمة إذا ما بقي هذا الشخص ولو لحظة واحدة والياً على منطقة فيها فإن التاريخ سيتحول إلى تاريخ مظلم، وإن الدين ستطمس أعلامه، وهذا هو ما حدث بالذات, هذا هو ما حدث بالذات. ويعطي – كما أسلفنا – درساً لنا نحن؛ لنفهم نظرة أهل البيت إلى السلطة، لأن أكثر ما يقوله المنحرفون عن أهل البيت والمضللون على الناس: أن ذلك إنما تحرك لأنه يريد أن يحكم، إن هذا إنما ثار لأنه يريد أن يصل إلى السلطة!.

إن من يتأمل تاريخ أهل البيت سيجد أنه ليس فقط مجرد حالة بل مبدأ لديهم ثابت أنه يجب أن لا يكون للسلطة عندك قيمة تساوي شراك نعلك؛ لماذا؟ هل لأنك تبدو زاهداً، أن هذا هو مظهر من مظاهر الزهد، وأنه لا يهمك أمر الأمة؟ أن يحكمها من يحكمها؟.. لا.إن علياً يوم قال هذه العبارة لا يعني أنه لا يهمه أمر الأمة أن يحكمها من يحكمها، وأنا لا أرغب أن أحكمكم، أنا زاهد متقشف، أنا لا أرغب أن أحكمكم حتى وإن استطعت أن أحيي الحق وأميت الباطل.. ليس هذا منطق علي، إن علياً يقول لا يجوز أن يحكم المسلمين بحال من يعشق السلطة، من يعشق المنصب. والذي فهم هذا الإمام الخميني – رحمة الله عليه – يوم قال لابنه وهو يوصيه: ((لا يجوز أن تبحث عن منصب، لا يجوز أن تجري وراء الحصول على المنصب حتى وإن كان منصباً دينياً)). أنت تريد أن تصل إلى أن تصبح [آية الله العظمى]، أو أن تصل إلى لقب [حجة الإسلام والمسلمين]، أو عناوين من هذه. إن عشق المناصب هو ما يمكن أن يضحي بالدين، ويضحي بالأمة، ويضحي بكل شيء.إن علياً (عليه السلام) ترك شاهداً حياً على أنه فعلاً لم يكن يعشق السلطة لهذا الاعتبار، لهذا الاعتبار الذي ذكرناه.. يوم أن رفض أن يبقي معاوية، واسأل أي زعيم من هؤلاء الزعماء, واسأل أي خليفة من أولئك الخلفاء.. أليس أي واحد منهم سيرى أن من مصلحته, ولا يرى في ذلك ضيراً، بل يراه من الحكمة, ويراه من السياسة، أن يبقي مثل معاوية, وأسوء من معاوية، أن يبقيه والياً ولو إلى الأبد، من أجل أن يبقى له منصبه، ويحتفظ له كرسي سلطته. الإمام علي (عليه السلام) ترك مثالاً حياً لنا، ونحن – أيها الإخوة – بحاجة إلى أن نعرف تاريخ أئمة أهل البيت لنستطيع أن نفضح كل من يقول أنهم كانوا يلهثون وراء السلطة, الكل يلهثون وراء أن يقوم حكم الله في أرضه على عباده، أن تقوم شريعته فتكون هي التي تحكم عباده، أن يسود هديه كل المعمورة التي يعيش عليها عباده. هذا مبدأ إسلامي: أن الدولة الإسلامية, أن الحكومة الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من هذا الدين.ولكنهم يرون أنه لا يجوز بحال أن يكون لدى حتى علي أو الحسن أو الحسين أو زيد أو الهادي أو أي شخص من تلك النوعية أن يكون لديه عشق للسلطة، عشق للمنصب.

ألسنا نرى أننا أصبحنا نُواجه وتُواجه الأمة بكلها بأن يضحى بها على يد زعمائها.. أليس هذا ما هو حاصل؟ وكل ما نسمعه لأجل الحفاظ على المصلحة وعناوين أخرى!.  إن السر الحقيقي هو أن أولئك يعشقون السلطة. يجب أن نفهم هذا حتى نميز بين أساليب من يعشقون السلطة، وكيف ستكون العواقب الوخيمة حتى ولو انطلق باسم الإسلام، حتى ولو حكم تحت عنوان إسلامي، حتى ولو حمل لقب [خليفة أو أمير المؤمنين!] أو غير ذلك.

ألم ينهزم [أمير المؤمنين محمد بن عمر!] في أفغانستان وهو باسم خليفة المسلمين؟! هل أنهزم علي أو انهزم الحسن أو انهزم الحسين أو انهزم زيد؟ أو انهزم الهادي أو انهزم قبلهم محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. لا. لا يجوز لأمير المؤمنين أن ينهزم، إذا انهزم فإنه من يعشق السلطة، من يعشق الحياة، من يعشق المنصب، هو يريد أن يتمتع أياماً متتالية بلقب [أمير المؤمنين]، و نحوه من الألقاب.

عودوا – أيها الإخوة – إلى تاريخ أهل البيت، ادرسوه دراسة حقيقية واقعية حتى تجدوا أنه ليس هناك مكان لتلك المقولة: بأنهم كانوا إنما يثورون من أجل أن يصلوا إلى السلطة، وأنهم كانوا عشاق سلطة. هم عشاق حق، هم من قال لهم جدهم – وهو يوصي الحسن – ((وخض الغمرات للحق حيث كان)) خض غمرات الموت من أجل الحق حيث كان. هذه هي طريقتهم. وعندما نعرف أن الإضلال الذي تبناه معاوية طيلة أيام إمارته، ثم بعد أن أصبح يحمل لقب خليفة يحكم البلاد الإسلامية بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام), ثم من بعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) رأينا كيف حول ذلك المجتمع إلى مجتمع يناصر الباطل، ويقف في صف الباطل.

ورأينا أيضاً – أيها الإخوة – كيف يكون الجانب الآخر – وهو ما كنا نقوله أكثر من مرة – : أن الجرائم ليست في العادة هي نتيجة عمل طرف واحد فقط, المجرمون من جهة, المضلون من جهة يجنون، والمفرِّطون والمقصرون والمتوانون واللائباليون هم أيضاً يجنون من طرف آخر. فالجريمة مشتركة, الجريمة مشتركة من أول يوم حصل الإنحراف بمسيرة هذه الأمة عن هدي القرآن، وهدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكيف يمكن أن يسمع الناس منطق الحق ثم نراهم في يوم من الأيام يقفون في وجه الحق، في صف الباطل، هذا هو الذي حصل بالنسبة لأهل العراق.

معاوية أضل أهل الشام فكانوا قاعدة لإمارته وخلافته، وقاعدة لخلافة ابنه يزيد، وكانوا جيشاً قوياً يتحركون لتنفيذ أهدافه, وأهل العراق من جانب آخر. ما الذي حصل؟. ألم يعش علي (عليه السلام) بينهم سنين خلافته ماعدا الأيام الأولى منها كانت في العراق.. وعلي ببلاغته.. علي بمنطقه.. علي بحجـته.. علي بمعرفته وعلمه الواسع ((باب مدينة العلم)) هو من كان دائماً يتحدث مع أهل العراق، من كان دائماً يوجه ويتحدث ويرشد ويعلِّم ويحذِّر وينذر من عواقب الأمور. فلماذا رأينا أهل العراق يقفون هم قبل أهل الشام في صف يزيد في مواجهة الحسين نفسه؟!

إنه التفريط، ليس فقط التفريط أمام الحدث، بل التفريط يوم نسمع التوجيهات فلا تعطيها أهميتها. أن تحصل حادثة معينة، فتتقاعس، تقاعسك، قعودك، إنما هو نتيجة لتفريطك الأول يوم كنت تسمع توجيهات علي، يوم كنت تسمع إنذار علي، يوم كنت تسمع الحِِكَمَ تتساقط من فم علي كالدرر، فتنظر إليها و كأنها بَعَر، لا تهتم بها. التفريط.. التفريط إنما هذا منبعه: يوم أن يسمع الناس الكلام، ويسمعون التوجيهات ويسمعون منطق الحق ثم لا يهتمون ولا يبالون، ولا يعطون كل قضية ما تستحقه من الأهمية

.لماذا تربع أبو بكر على الخلافة بعد أن سمع المسلمون ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم الغدير وما سمعوه قبل ذلك وبعده؟ سمعوا علياً، وسمعوا محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله)، وسمعوا كل شيء, لكن [وأبو بكر لا بأس المهم واحد]!، حالة اللامبالاة. من هنا بدأ التفريط، فتربع أبو بكر على الخلافة، ولولا أبو بكر لما كان عمر كما قال عبد الله بن حمزة [ولولا عمر لما كان عثمان، ولولا عثمان لما كان معاوية، ولولا معاوية لما كان يزيد].

لولا تفريط أولئك لما كان أبو بكر من البداية، ولولا تفريط أهل العراق يوم كانوا يسمعون علياً يتحدث، ومن أبلغ من علي بعد القرآن وبعد الرسول! ومن أبلغ من منطقه, وأعظم أثراً – إن كان هناك ما يمكن أن يترك أثراً – بعد القرآن وبعد كلام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من مثل كلام علي؟!. ذلك التفريط هو الذي جعل أهل العراق قبل أهل الشام يصلون إلى كربلاء فيحاصرون الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، وجعلهم قبل أهل الشام يوجهون النبال إلى صدره، وهم من عاش بينهم علي (عليه السلام) سنين يحدثهم ويعظهم ويرشدهم؛ لماذا؟ ما الذي أوصلهم إلى هذا الحد؟. هم فرطوا,

وعندما يفرط الإنسان فيما يسمع ستأتي البدائل المغلوطة، إما أن يتلقاها من أمثاله ممن يفهمون الأمور فهماً مغلوطاً، ممن لا يعرفون عواقب الأمور,.أو من جهة نفسه هو فيكون هو من يحلل, ومن يحاول أن يضع لكل قضية حداً معيناً، يظن أنها لا تتجاوزه. ربما كانوا يتصورون أن الحسين هو المشكلة.. يمكن أن يُصفى الحسين وتبقى الأجواء طبيعية!. بعد أن قُتل الحسين.. (عليه السلام) هل بقيت الأجواء طبيعية؟ هل استقر وضع أهل العراق؟ أم بدأ العراق يغلي، أم بدأت النكبات, والكوارث تتابع على أهل العراق جيلاً بعد جيل إلى هذا العصر الذي نحن فيه. لم يسلم أهل العراق، لم يسلم لهم دينهم، لم تسلم لهم دنياهم، لم تسلم أنفسهم. ما أسوء الإنسان أن يسمع كلمة الحق ثم يرى نفسه في يوم من الأيام يقف في وجه الحق يضربه بسيفه، إنه أسوء من ذلك الذي تربى على الضلال من يومه الأول، إنه أسوء من أولئك؛ ولذلك تجد مثلاًً واضحاً على هذا.. أليس تاريخ العراق أسوء من تاريخ سوريا, أليس العراقيون في كل عصر لا تجد شعباً من الشعوب في البلاد العربية أكثر نكبات, وأكثر مآسي من شعب العراق نفسه؟ لأن شعب العراق هو الذي سمع علياً أكثر من أي شعب آخر. علي خرج أياماً معدودة إلى اليمن، وبقي أياماً معدودة في المدينة بعد خلافته، وكان في المدينة لا يتفوه بكلمة في ظل الخلفاء الثلاثة, لا يريدون أن يتفوه بكلمة، لكن معارفه وتوجيهاته وحكمته انصبت في الكوفة على آذان ومسامع أهل العراق ففرطوا.. ففرطوا فكانت عواقبهم أسوء من عواقب أهل الشام أنفسهم.وعندما يكون الإنسان من هذه النوعية فقد يصحوا في يوم من الأيام لكن في الوقت الذي لا ينفع.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

دروس من وحي عاشوراء

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 10/1/1423 ه‍  الموافق: 23/3/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا