توازن الردع السادسة.. المضامينُ والانعكاساتُ الاستراتيجية
موقع أنصار الله || مقالات ||حلمي الكمالي
في عمليةِ توازن الردع السادسة تنتقِلُ صنعاءُ من مرحلة إيصال الرسائل والتحذيرات للعدو إلى مرحلة تنصيبِ الوجع وفرض التهديدات بالضربات القاصمة، ما يشير إلى أن المواجهة بين صنعاء وبين قوى العدوان قد دخلت مرحلةً حاسمةً وأكثرَ خطورة.
إن استهدافَ أرامكو في ميناء رأس التنورة أكبر ميناء نفطي في العالم وعدة مواقع لها في الظهران وأُخرى حساسة في الدمام، هو تهديدٌ حقيقي للتحالف السعودي وكل القوى الداعمة له بأن صنعاء لن تتردّدَ في ضرب أي هدف حسّاس لمصالحها حتى لو كان سيقضي على عَصَبِ اقتصادها بشكل نهائي إن لم يتم وقفُ العدوان ورفعُ الحصار على اليمن.
إعلانُ صنعاء عن عملية توازن الردع السادسة بعد أقلَّ من أسبوع عن تنفيذ عملية توازن الردع الخامسة التطور النوعي لأسلحتها وكمياتها المتوفرة للقيام بعمليات متتابعة.
تلك العمليتان الواسعتان اللتان استهدفتا أهدافاً حيوية حساسة في أكثرَ من 6 مدن سعودية كبرى تؤكّـدان أن خياراتِ صنعاء باتت مفتوحةً بدليل أن لديها بنكَ أهداف عديدة داخل العمق السعودي وباتت جاهزة وقادرة على اتِّخاذ القرار واستهدافها بسرعة كبيرة، بالتزامن مع أية مستجدات طارئة، بعكس العدوّ الذي يحدد أهدافاً مجهولةً ويقصفُ المقصوفَ بعد 6 سنوات من العدوان والحصار!
هذا الأمر في حَــدِّ ذاته يشكل توازُنَ رعبٍ حقيقي استطاعت صنعاء تحقيقَه بقدرتها على التحكم بمسار الحرب داخل حلبة جديدة للمواجهة.
اللافت في عملية توازن الردع السادسة أنها جاءت بعد ساعات قليلة من إعلان تحالف العدوان الأمريكي السعودي عن عملية عسكرية جديدة شن خلالها عدة غارات على العاصمة صنعاء.
وهو ما يشير إلى أن صنعاء -التي وضعتها القيادةُ الوطنيةُ كخط أحمر ضمن قواعد اشتباك جديدة أمام أي استهداف من قبل طائرات التحالف يطال المدنيين- قادرة ومستعدة على الرد بسرعة بفارق الوقت على أي عدوان على المدنيين وفي المكان المناسب، وهذا ما يجسّدُ بالفعل توزان الردع أَو توزان الرعب الذي تحقّقه هذه العملياتُ العسكرية.
تحذيراتُ البعثة الدبلوماسية الأمريكية رعاياها في ظهران والخبر والدمام من هجمات عقب الهجوم على ميناء رأس التنورة تليها التحذيرات التي أطلقها البيت الأبيض، أمس، بأن السعودية تواجهُ تهديداتٍ أمنيةً حقيقية، تؤكّـد أمرين مهمين، الأول أن العمليات العسكرية اليمنية أصابت أهدافها بدقة عالية وأصبحت تشكل خطورةً حقيقيةً على المواقع الحساسة السعودية التي يعمل رعاياها فيها.
الأمر الثاني يدل أن واشنطن وغيرها لم تعد قادرةً على اتِّخاذ أية إجراءات من شأنها وقف هذه الضربات، في حين أن التصدي لها من قبل الدفاعات الجوية أصبح أمراً مستحيلاً.
وقبل أن تصلَ طائراتُ صنعاء المسيّرة إلى أهدافها في رأس التنورة كان عليها أن تحلّقَ فوق أحدث الدفاعات العالمية داخل القواعد الأمريكية الواقعة على طول المسافة، وتبصق على خيبتها وهي منكوسة ترفع رايات الانكسار.
إن وصولَ طائرات صماد 3 وصاروخ ذو الفقار إلى رأس التنورة التي تبعد عن اليمن بأكثر من 1300 كيلو، يدل على أن الطائرات والصواريخ اليمنية قادرةٌ على استهداف أبعد نقطة في المنطقة، وهذه رسالة بليغة لدول العدوان وعلى رأسها الإمارات التي مرت الصواريخ والمسيّرات من أمامها قبل عبورها إلى رأس التنورة.
ما يهم في عملية توازن الردع الأخيرة أن صنعاءَ تقودُ المواجهةَ بعد 6 سنوات للدخول في مراحلَ أكثرَ خطورة وهي لا تزال تمتلكُ أوراقاً عسكريةً قاصمة للضغط على قوى العدوان وتحقيق أهدافها الوطنية بخلاف العدوّ الذي استنفد جميعَ أوراقه، لا سِـيَّـما العسكرية.
مشكلةُ العدوّ السعودي أنه يدرك تماماً خطورة توازن الردع الذي تحقّقه عمليات صنعاء إلا أنه لا يسعى للاعتراف بذلك، فالعدوّ المتغطرس -الذي كان ولا يزال ينظُرُ لليمن واليمنيين بنظرة استعلاء ودُونية مقيتة- لا يريد أن يتقبّل فكرة تفوق العقول اليمنية.
وعلى الرغم من ذلك، فَـإنَّ العدوَّ السعودي لا يستطيعُ أن يخفيَ حقيقةَ انهزامه وعجزه أمام هذه الضربات القاصمة عندما يملَأ صراخُ وعويلُ كبار مسؤوليه العسكريين والسياسيين ساحةَ المجتمع الدولي، وهم يستنجدون بالعالم أجمع للدفاع عن السعودية، وهو اعتراف رسمي بعجز الرياض عن حماية مصالحها.
على كُلٍّ، لم تُفِدْ حالةُ البكاء والعويل السعودية في كسب التنديدات الدولية المرجوَّة هذه المرة بخلاف سابقاتها، ما يعني أن الضربات اليمنية باتت أكثرَ فعالية في فرض توازن الردع والرعب على الواقع من خلال إرسال تحذيراتها لكافة القوى العالمية الداعمة لتحالف العدوان التي يبدو أنها استشعرت الخطرَ من الاستمرارِ في دعمها لسياسة العدوان والحصار الجائر على اليمن والمشاركة في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب اليمني.
ـإنَّ ضرب رأس العدوان هو من سيعجّل بانتهاء الحرب.. وكلما زاد الوجع زادت احتمالية أن يرضخ العدوّ للسلام الحقيقي الذي يحفظ لليمن سيادته وعزته وكرامته.