نص المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وصلنا في الآية المباركة من سورة الأنعام إلى قوله “سبحانه وتعالى”: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام: من الآية151]، من المحرَّمات، ومن أبشع المحرَّمات: هو قتل الأولاد بسبب الفقر، بدافع الفقر، وخشيةً من الفقر.
المحبة للأولاد هي فطرة، وهي غريزةٌ غرزها الله “سبحانه وتعالى” في الإنسان، والإنسان بفطرته وبغريزته يحب أبناءه، ويرغب في أن يكون له أولاد، وهذه الغريزة هي موجودة بالنسبة للذكر، وبالنسبة للأنثى، وما يؤثِّر سلباً على الإنسان، أو على بعض الناس بالتحديد، تجاه هذا الموضوع: هو ضغط الفقر، والحالة المعيشية الصعبة، فعندما يعاني البعض من ظروف اقتصادية صعبة، وظروف معيشية قاسية، فحينئذٍ ينظر إلى هذا الموضوع بنظرة مختلفة، فهو يرى في الأولاد إضافة عبءٍ وهمٍّ معيشيٍ عليه، ويكون هاجس توفير احتياجاتهم الضرورية هاجساً كبيراً بالنسبة له، يمثل هماً كبيراً عليه، ويمثل مشكلةً كبيرةً بالنسبة إليه.
بينما يفترض أن يكون الإحسان هو القاعدة العامة التي ينطلق الإنسان من خلالها للتعامل، بدءاً من داخل الأسرة، مع والديه، مع أبنائه، مع زوجته، ومحيطه القريب، من أقاربه وأرحامه، ثم امتداداً إلى المجتمع بشكلٍ عام، إلَّا أنَّ مثل هذا الهم المعيشي قد يؤثِّر على الإنسان، فلا يكون محسناً حتى في أقرب دائرةٍ اجتماعيةٍ إليه، وهي أسرته، فتتغير أخلاقه ونظرته، ويسوء تعامله مع أسرته، مع الضغط المعيشي، مع همّ الفقر، وقد يصل بالبعض إلى أن يتعامل بطريقة سيئة جداً.
في العصر الجاهلي وصل بهم الحال إلى أن يقتلوا أولادهم، البعض قد لا يريد أن يكون له أولاد أصلاً، والبعض قد يريد ألَّا يكثروا، أن يكون له ولد، أو اثنين، أو ثلاثة فحسب، فإذا كثروا؛ فهو يرى في كثرتهم مشكلة ومعضلة على المستوى المعيشي، فهاجس الفقر لدى البعض، والضغط المعيشي عليهم، يؤثِّر عليهم سلباً إلى هذه الدرجة: إلى درجة أن يتحول إلى وحش يفقد إنسانيته، رحمته، إحساسه ومشاعره الأبوية تجاه أبنائه؛ وبالتالي يتعامل معهم بتعاملٍ آخر.
{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ}، أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى من التوحش، إلى هذا المستوى من فقدان المشاعر الأبوية، وعادةً الأب يكون فياضاً بمشاعره الأبوية تجاه أبنائه، يعيش في وجدانه الإحساس بمشاعر المحبة، والرحمة، والحنان، والعطف، ويكون مستعداً حتى أن يقاتل لحماية أبنائه، للدفاع عنهم، وإذا سمع بأحدٍ منهم يعاني، يعيش حالة الألم، إذا نال أحداً منهم ظلمٌ أو ضر، يتفاعل ويتحرك من أجل الانتقام له، والدفاع عنه، لكن هكذا هو همّ الفقر إذا لم يكن هناك إيمان، إذا لم يكن هناك ثقةٌ بالله “سبحانه وتعالى”، إذا كان هناك يأس واتكالٌ على النفس، وعدم وعي تجاه هذه المشكلة؛ لأن مشكلة الفقر المدقع، والهمّ المعيشي الصعب، هي من أكبر المشاكل في واقع المجتمع البشري.
ولو يأتي الإنسان إلى تصنيف واقع الناس، واقع المجتمعات؛ سيرى أنَّ الكثير منهم، الأغلبية الساحقة منهم، يمثل الفقر المدقع، والهمّ المعيشي، والظروف القاسية، من أكبر المشاكل لديهم، وأكبر الهموم لديهم، وبالذات عندما يصبح للإنسان أسرة، ويتحمل مسؤولية الإنفاق عليها، فيصبح هذا لدى الكثير من الناس مشكلةً رئيسية، يفكِّر فيها في ليله ونهاره، ومشكلةً ملحة؛ لأن احتياجاتهم الضرورية، وطلباتهم الملحة عليه، تبقى تمثل هاجساً مؤرِّقاً وعاملاً ضاغطاً، فهو مجبر أن يفكِّر يومياً، أن يسعى يومياً، أن يتحرك بهذا الهمّ يومياً، فيصل به الحال إلى أن يكون مضغوطاً بفعل هذا العامل الضاغط عليه، وهذا الهمّ الجاثم على نفسه، يصل مع ذلك به الحال إلى أن يفقد المشاعر الأبوية، مشاعر الرحمة، والعطف، والحنان، ويصبح مهموماً، ويصبح قلقاً متوتراً، فيفكر باستخدام وسائل غير مشروعة لمعالجة هذه المشكلة.
نحن- إن شاء الله- سنتحدث بإذن الله في المحاضرات القادمة عن مشكلة الفقر، ومعالجاتها في الإسلام، وتحدثنا عن ذلك في رمضان ما قبل العام الماضي في بعضٍ من المحاضرات، وإن شاء الله أيضاً نتحدث في المحاضرات القادمة، لكنه يهمنا في هذه المحاضرة الحديث عن الممارسات غير المشروعة، التي قد يعمد إليها البعض مع أبنائهم، نتيجةً للهمّ المعيشي، والفقر المدقع، والظروف الاقتصادية الصعبة.
في العصر الجاهلي وصل بهم الحال إلى أن كانوا يقتلون أبناءهم، فهو بدافع الفقر والمعاناة يفكِّر أنَّ هذا يمثل عبءً إضافياً عليه، من أين سيوفر له معيشته، احتياجاته الأساسية، غذاءه، قوته الضروري؟ ويفكِّر أيضاً في مستقبل هذا الابن، هذا الولد، كيف سيكون مستقبله؟ كيف سيهتم بحاله؟ فيقول: [يكفي ما أنا فيه من البؤس، من الفقر الشديد، من المعاناة القاسية، لسنا بحاجة إلى أن ينتقل هذا الهمّ، وهذا الظرف، وهذا العناء، وهذا البؤس، إلى ابني من بعدي، أو إلى أولادي من بعدي]، وبالذات إذا كثروا، فهو يرى أنَّ قتله لابنه يخفف عبءً عليه في همه المعيشي، ويخلِّص ابنه، أو ولده، في مستقبل الأيام من مشكلة الفقر، ومن همّ المعيشة، ومن البؤس والحرمان، فيصل بهم الحد إلى هذه الدرجة.
في عصرنا هناك وسائل كثيرة جداً من الوسائل المحرَّمة وغير المشروعة، التي يستخدمها الناس بدافع الفقر، تحت ضغط الفقر من جهة، وتحت مخاوفه على مستقبل الأولاد من جهةٍ أخرى:
تبدأ المسألة من وقتٍ مبكر، أحياناً من خلال استخدام معالجات معينة لمنع الحمل، وليس لظرفٍ صحي، أو لاعتباراتٍ صحية، البعض بهم الفقر، تحت هم الفقر، فهو يسعى إلى أن يتخلص من المسألة منذ البداية، ألَّا يكون له أولاد، أو ألَّا يكثر أولاده، يكون له ولد، أو اثنين، فحسب؛ لأنه يرى في كثرتهم إضافةً لعبءٍ اقتصاديٍ ومعيشيٍ عليه، وهماً لا يستطيع أن يعالجه، وهذا خطأ فادح، كما قلنا: هو يعبِّر عن حالة يأس، عن فقدان الثقة بالله “سبحانه وتعالى”، والأمل في فضله، عن نظرة غير واعية تجاه معالجة هذه المشكلة والتعامل معها، فهي طريقة انهزامية أمام هذه المشكلة، وطريقة يائسة في التعامل مع هذه المشكلة، لا يجوز السعي لمنع الحمل تحت هذا الدافع: الخوف من الفقر، وبالنظر إلى مشكلة الظروف الاقتصادية، ستأتي- إن شاء الله- في المحاضرات القادمة الحديث، يأتي الحديث عن المعالجات لهذه المشكلة.
يتعامل البعض أيضاً بطريقةٍ أخرى، بأسوأ من ذلك، وتحصل في كثيرٍ من المجتمعات، وهي الإجهاض، إذا حملت زوجته، أصبحت حاملاً، فهو يعمل على إقناعها، ويعمل معها على إجهاض ذلك الحمل، والتخلص منه، وهذه أيضاً سلبية كبيرة، وهي أكثر سلبيةً من السعي لمنع الحمل، الإجهاض، عملية الإجهاض جريمة إنسانية، وأخلاقية، ودينية، عندما تكون بدافع الفقر، وخوفاً من الفقر، وليست معالجةً صحيحةً أبداً، وهي من الوسائل المحرَّمة.
البعض أيضاً يتعاملون مع هذه المشكلة بطريقة وهي أيضاً من أبشع الطرق، وأقذر الوسائل، وهي عن طريق الإتجار بالبشر، هناك في هذا العصر ما يسمى بالإتجار بالبشر، البعض من الناس قد يبيع ابنه، قد يبيع ابنه؛ ليتخلص منه، ويقول: [ليس لك مستقبل عندي، وليس لك مستقبل في بلدك وفي منطقتك]، وهناك عصابات ومافيا تعمل في الإتجار بالبشر، وللأسف الشديد اكتشفت في بلادنا بعضٌ من العصابات، التي تمارس تهريب الأطفال إلى دول الخليج، قبل أشهر بالتحديد اكتشفت الأجهزة الأمنية إحدى هذه العصابات، التي تقوم بأخذ الأولاد من آبائهم مقابل مبالغ مالية معينة، ثم تقوم بتهريبهم إلى السعودية، ويضيع حالهم ومستقبلهم هناك، عندما كان هناك تقصٍّ أمني في هذه المسألة، اتضح أنهم بعد أن يصلوا إلى السعودية يتم فرزهم وتصنيفهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: الأقوياء والأصحاء، وهؤلاء يباعون للسخرة، للخدمة، للأشغال الشاقة، أو في عمليات التهريب، ويسخَّرون لعمليات التهريب.
والفئة الثانية: الوسيمون، وهؤلاء يكونون ضحية بطريقة أبشع، حيث يخصصون للاستغلال الجنسي، للجرائم الأخلاقية، للفساد الأخلاقي، وتباع وتهدر كرامتهم، وأعراضهم، وشرفهم، وهذا ظلم بشع جداً.
والبعض من المشوهين أو العاجزين يستغلون في التسول، وأصبح هذا عملاً منظَّماً، والذي يجني تلك الأموال من وراء كل هذا: تلك العصابات التي تشتغل على الإتجار بهم، حتى من وراء التسول، يدفعون بهم إلى التسول ويأخذون ما جمعوه.
وهذه الحالة منتشرة في كثير من دول العالم، وعندما يصل الأب إلى هذا المستوى من القسوة، من الوحشية، من فقدان الشعور الإنساني والرحمة والحنان، عندما يصل إلى هذا المستوى من التوحش، من الطمع أيضاً، المشكلة أن بعضهم يجمع بين الفقر والطمع، فمع الفقر الشديد، ويأتي معه أيضاً طمع، لا يبالي بأي طريقةٍ، بأي وسيلةٍ، أن يستغل ابنه ليحصل على المال في المقابل، فهو ينظر إليه كسلعة، سلعة عادية، وطالما سيحصل على شيءٍ من المال في مقابل أن يتخلَّص من هذه السلعة، فهو سريعاً ما يدخل في أي صفقة، أو في أي تصرفٍ إجراميٍ من هذا القبيل.
مثل هذه جريمة وحشية جداً، جريمة بشعة للغاية، وظلمٌ كبير، وتفريطٌ في الواجب الإنساني الملقى على عاتق الأب، هو هنا يتنكَّر لإنسانية، لفطرته، وهو هنا يتنصَّل عن واجباته ومسؤولياته، ويخون الأمانة التي حمَّله الله إياها؛ لأن أبناءك أمانة لديك، وعليك مسؤولية تجاههم، مسؤولية إنسانية، مسؤولية أبوية، في تربيتهم، في الحفاظ عليهم، في أن تصونهم، هذه المسؤولية أيضاً في أن تسعى لتربيتهم وتنشئتهم التنشئة الصحيحة، التنشئة الإنسانية، التنشئة الإيمانية، فإذا وصل الإنسان إلى درجة أن يبيع ابنه بهذه الطريقة، لعصابات تهربه وتستغله، مقابل شيءٍ من المال، فهو أصبح إنساناً متوحشاً ومجرماً بكل ما تعنيه الكلمة، وخان أمانته التي حمَّله الله إياها، وظلم ابنه، وهذا من الظلم الكبير لابنك، عندما تكون ظالماً، وتمارس الظلم حتى مع أقرب الناس إليك، مع أولادك، فهذه جريمة كبيرة جداً عليك، لا يقبل منك دين، لا يقبل منك أي أعمال صالحة، وهو تصرفٌ غبيٌ، الأبناء يمكن أن يشكِّلوا عوناً في الجانب الاقتصادي والهمّ المعيشي، لكن بطريقةٍ صحيحة، وليس أن يتم التعامل معهم وكأنهم سلعة، تباع من عصابات ظالمة، مجرمة، لا تشفق عليهم، لا تحمل تجاههم أي مشاعر إنسانية، تتعامل معهم بكل استغلال، وباستغلالٍ قذر، استغلالٍ ظالم، وهناك حالات أكثر مأساوية من ذلك.
الحالات الأكثر مأساوية: أنَّ بعض العصابات تستغل أعضاءهم، تسرق من أجسادهم، البعض يصلون بهم إلى درجة القتل، أن يقوموا بقتله وسرقة أعضائه، سرقة قلبه، وكبده، وكِلاه، وأجهزته الداخلية، وبيعها من الذين يشترونها من مستشفيات، أو غير ذلك، وهذا يحصل في هذا الزمن، يحصل في هذا الزمن، البعض عن طريق الشراء بهذه الطريقة، والصفقات التي يأخذون بها أبناء الناس، ثم بعد أخذهم يذهبون بهم إلى دول أخرى، ويكون هذا مصيرهم الذي بانتظارهم: أن تجري لهم عمليات ويؤخذ منهم من أعضائهم، أو تصل بهم المسألة إلى القتل، إلى القتل، وهناك عصابات تشتغل في هذا الموضوع بالذات، ووراءها مافيا عالمية حتى من أمريكا، ومن أوروبا، ومن دول كثيرة، وهذا موضوع خطير، وأمر بشع جداً، ولا إنساني، ولا أخلاقي، ولا إيماني.
ولذلك يعتبر هذا تفريطاً بحق الأبوة، بالمسؤوليات الأبوية، تفريطاً بمشاعرك الإنسانية، وتنكُّراً لإنسانيتك، وجريمةً كبيرةً بكل ما تعنيه الكلمة.
البعض أيضاً يستغلون أبناءهم في التسول بشكلٍ مباشر، يخرج ابنه إلى الشارع، ويجعله يمتهن مهنة التسول؛ بسبب الفقر، يعيش في المنزل ظروف الفقر، والمعيشة الصعبة، فيجعل من المعالجات أن يحول ابنه إلى متسولٍ، يمتهن هذه المهنة، ويشتغل عليها بشكلٍ مستمر، وهو هنا يهدر كرامته، هذا يحصل في صنعاء، يحصل في بعض المدن على مستوى البلد، وفي الخارج يحصل هذا أيضاً في كثير من الدول، أن بعض الأسر تدفع بأطفالها إلى احتراف مهنة التسول، وبشكلٍ دائم، بشكلٍ مستمر، فينشأ الطفل على هذه المهنة، على هذه الظاهرة، ينشأ وهو يعتاد على التسول، يعتمد على التسول، وهذه جريمة كبيرة جداً، وبالذات عندما تكون بشكلٍ مستمر، قد يكون هناك حالة ضاغطة جداً في يوم من الأيام لبعض الأسر، أو في حالة استثنائية، الله أعلم بمثل هذه الحالات! ولكن الحالات المستمرة، التسول المستمر، هو يقتل في ابنك روح الإبداع، الروح العملية، أنت تضحي بكرامته الإنسانية، بإحساسه ومشاعره في العزة الإنسانية، والكرامة الإنسانية.
مهنة التسول هي مهنة وضيعة بلا شك، هي مهنة الإنسان يعيش فيها حالةً من إهدار كرامته، من جرح مشاعره الإنسانية، وليست جيدة، ليست جيدة، إذا هناك ظروف استثنائية لدى البعض، فهناك مسؤولية عليهم من جانب، وعلى المجتمع من جانبٍ آخر، لمعالجة هذه المشكلة، وليس أن تصبح المسألة إلى مسألة طبيعة جداً.
والبعض أكثر من ذلك، يستخدم ابنه وسيلة لاستعطاف الآخرين، للحصول من وراء ذلك على المال، فقد يذهب بطفله معه إلى الشارع، ويجعله عرضةً للشمس لفترات طويلة؛ حتى يستجدي به الآخرين، إذا تعاطفوا معه من أجل ابنه، وقدموا له شيئاً من المال، البعض قد يضع ابنه على الرصيف في الشارع، قد يقدم ابنه وكأنه معاق، ويضع عليه أشياء معينة، ويقدمه وكأنه معاق، ويعرضه للهواء والشمس والرياح- وهو طفل- لفترات طويلة؛ من أجل أن يستجدي به الآخرين، هذا من الاستغلال المحرم، وأنت هنا تضحي بكرامتك الإنسانية مع ابنك أيضاً، وفي نفس الوقت تؤثر عليه وعلى مستقبلة.
التنشئة الصحيحة والطيبة ستجعل ابنك هذا عوناً لك في المستقبل، بطريقة مشرفة، وبطريقة تُحفظ لك بها كرامتك وكرامته، يمكن للأبناء أن يكونوا عوناً لآبائهم، لكن ليس بهذه الطريقة، ليس بهذا الاستغلال، الذي تخسر فيه كرامتك وكرامة ابنك.
هذا تصرف لا إنساني، تصرف لا إنساني، ولا يجوز أن تبقى مثل هذه الظاهرة على هذا النحو متفشية، هناك مسؤولية على الجميع في معالجتها (دولةً، شعباً)، الذين يتصرفون مثل هذه التصرفات كذلك هذا وزرٌ من جانبهم، تصرفٌ خاطئ من جانبهم، لا يجوز ولا يليق أن يمارسوا مثل هذه الأساليب، في السعي للحصول على المال.
أيضاً من الوسائل التي يلجئ إليها البعض: الدفع بالأطفال في سنٍ مبكرٍ، في سنٍ مبكرٍ جداً، إلى أعمال شاقة فوق مستوى طاقتهم، فوق مستوى قدراتهم، ويعانون منها معاناة شديدة جداً، يتعرضون فيها للضرب المبرِّح، للضغط الشديد، للقسر على تحمل تلك الأعمال، وهي شاقةٌ عليهم جداً، وهذا من الظلم، ظلم كبير جداً للأطفال عندما يُحَمَّلون ما لا يطاقون، عندما تفرض عليهم أعمال فوق مستوى طاقتهم، فوق مستوى قدراتهم، ثم يجبرون على ذلك، ويساقون إلى ذلك بالضرب المبرِّح، يكاد يكون هذا يومياً مع البعض، يتعرض الطفل للضرب يومياً؛ لأنه يحاول أن يعفي نفسه من ذلك العمل الشاق جداً، الذي هو فوق مستوى طاقته، فوق مستوى قدرته، ولكن نتيجةً للإجبار، والضرب، والتشغيل القسري، يتحمل ما لا يحمل، يتحمل ما لا طاقة له به؛ فيعاني، ويؤثر هذا على صحته، على نفسيته، على مستقبله، يؤثر عليه حتى في مستقبل شبابه، وهذه من الوسائل المحرمة، عندما تحمله ما لا طاقة له به، أو تدفعه إلى من يشغله بهذه الطريقة، فيما لا طاقة له به، وفيما يفوق قدراته، وفيما يتعرض فيه للضغط النفسي الكبير، البعض من الأطفال يصل إلى درجة أن تضرب نفسيته، يتحطم، فيعيش مشاعر القهر، الاضطهاد، الظلم؛ حتى يفقد حريته، ومشاعره في العزة والكرامة الإنسانية، فينشأ وهو محطم، ويحس دائماً بالقهر والإذلال، وتربى على ذلك، هذا يؤثر عليه في المستقبل، وهو من الظلم الكبير جداً.
أيضاً من الوسائل التي يستخدمها البعض مع أبنائهم: أنه قد يدفع به إلى أي جهة، وإلى أي طرف يرى أنه سيقدم له المال، أياً كان ومن ذلك، قد يكون هناك أحياناً مدارس دينية تكفيرية، هي من بؤر الضلال، من بؤر الضلال التي تعبئ الأطفال والشباب والكبار والصغار بالضلال، والانحراف الديني، والفهم الخاطئ للدين، وعادةً ما تكون مثل هذه المراكز والمدارس ممولة، ممولة من السعودية، ممولة من دول الخليج، مراكز، مدارس، من هذا القبيل، وفيها مواد غذائية متوفرة، وفيها التمر، والطحينية، واللحوم، والمأكولات، تتوفر بشكل كبير، والمبالغ المالية؛ بهدف الاستقطاب إليها، ولكنها بؤر ضلال، تقدم تصوراً خاطئاً، وفهماً غير صحيح للدين، ويستغلها الأعداء فيما بعد، مخرجاتها تشغل فيما بعد لصالح الأعداء، لصالح أعداء الأمة، التكفيريون يدارون من أجهزة استخباراتية خليجية: كالسعودية مثلاً والإمارات، وغربية: من جانب الأمريكيين، ومن جانب الإسرائيليين، والأوروبيين، ويتحركون فيما يجرون فيه البلاء والفتن والمشاكل على أمتهم، ويعملون كأداة هدمٍ وتخريبٍ في داخل أمتهم؛ لإثارة الفرقة بين أبناء المجتمع، والبغضاء، والكراهية، والعداء؛ ولارتكاب الجرائم، وفي النهاية تخسر الأمة أمنها واستقرارها، ويتحولون إلى عامل تخريب للأمن والاستقرار، وعامل هدم للبنية المجتمعية للأمة، ولكيان الأمة، ووسيلةً لتشويه الإسلام.
البعض يرى أن في ذلك المركز، أو في تلك المدرسة، ظروف معيشية مغرية، ويرى أن الذين ينتسبون إليها، ويدرسون فيها، ويتخرجون منها فيما بعد، يصبح لديهم أموال، ويصبحون في وضع معيشي مريح، ويعرف الناس تلقائياً ارتباط مثل تلك المراكز ببعض دول الخليج… وأنها تحظى بدعم مادي كبير، فيدفع بابنه إليها، وهذه جريمة كبيرة جداً بحق ابنك عندما تفعل ذلك، أنت تدفع به إلى بؤرة ضلال، إلى من يضله، إلى من يغويه، إلى من يربيه على الباطل، إلى من يفسده، يفسد أخلاقه، وبالتالي تكون النتيجة أنه يتحول إلى عنصر شرير في المجتمع، عنصر شر، عنصرٍ مخربٍ ومفسدٍ في المجتمع، وفي نهاية المطاف قد تحوله إلى قاتل، إلى قاتلٍ بغير حق، إلى مجرمٍ من أبشع المجرمين، يصل البعص بأنفسهم أن يذهب لعملية انتحارية في مسجد، فيقتل المصلين، أو عملية انتحارية في الشارع، في السوق، بين الناس وهم في حركة ازدحام في شؤون حياتهم، أو في مستشفى، أو في غير ذلك، ويرتكب جريمةً بشعةً بحق الأبرياء المساكين، نتيجةً لتلك التربية الضالة والخاطئة، أو يلتحق بجبهة من الجبهات التي يقاتل فيها التكفيريون، ويتحول إلى حربٍ ضد أمته، أو يتحول إلى عنصر مضل، يسعى عبر النشاط التثقيفي والتعليمي إلى نشر الضلال، والتعبئة الباطلة والخاطئة والضالة، في أوساط المجتمع، والتفريق بين أبناء هذه الأمة تحت العناوين الطائفية والمذهبية المقيتة.
أيضاً مما يفعله البعض: الدفع بأبنائهم في صف الباطل، مثل ما يفعله البعض في هذه المرحلة، بدفع أبنائهم للالتحاق بتحالف العدوان؛ للحصول على المال، هذا أيضاً من الوسائل المحرمة، والظالمة، والمفسدة، أنت تظلم ابنك، وتظلم شعبك، عندما تجند ابنك في صف من يعتدي عليه، وقد يقتل، قد يقتل نتيجةً لذلك، وهنا تكون قد خسرته ودفعته للخسارة، لأن يبيع ذمته، ودينه، وشعبه.
من الوسائل التي يعتمد عليها البعض: الاتجار بالحرام، يدفع بابنه ليبتاع ويشتري في المحرمات، كالمخدرات وغيرها؛ لأجل أن يحصل من خلاله على مال، أنت هنا تستغل ابنك استغلالاً ظالماً وإجرامياً.
مما يفعله البعض أيضاً مع البنات بالتحديد: أن يحولها إلى سلعة، فبدلاً من أن يزوجها بالزوج المناسب، ممن يرضى خلقه، ودينه، وأمانته، وأخلاقه، وقيمه، قد يبيعها ممن يدفع له أكثر، فيتعامل معها وكأنها سلعة فقط، ويتجاهل مشاعرها، وهل هي موافقة، أو غير موافقة، راضية، أم ليست راضية؟ إنما يعتبرها سلعة، فمن يدفع له أكثر، يزوجه بها.
وقد يستغلها ذلك الذي تزوج بها، وهي لا تحبه، بدافع أنه قد دفع مالاً كثيراً لأبيها، ويتعامل معها- وهو من جانبه- كسلعة؛ لأنه دفع فيها الكثير، فتعيش حالة القهر والظلم طيلة حياتها، تزوجت بمن لا تحب، بمن لا تنسجم معه، بمن ليست راضيةً به، بمن يعاملها كسلعة، والأب عاملها كسلعة، فتكون ضحيةً لظلم الطرفين:
الأب، الذي تعامل معها على أنها سلعة باعها لمن يدفع له أكثر.
والزوج، الذي ينظر إليها وكأنها سلعة دفع فيها المال الكثير، فلا يتعامل معها بمحبةٍ واحترام.
كل هذه هي من أشكال الاستغلال المحرم للأبناء، وما يشابهها من حالات الاستغلال المحرم للأبناء، هي جريمة كبيرة جداً إذا فعلها الأب.
هناك معالجات صحيحة لمشكلة الفقر، إن شاء الله سنتحدث عن البعض منها على ضوء الآيات القرآنية المباركة في المحاضرات القادمة.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1442هـ