عدن ثكنة متشظية بعد أن كانت عاصمة الوحدة!

‏موقع أنصار الله || مقالات || عبدالرحمن الأهنومي

مرَّ العيد الحادي والثلاثون للوحدة اليمنية 22 مايو يوم أمس على عدن التي وحدت اليمن تحت كيان واحد بعد طول انقسام واحتلال عاشته لأكثر من مائة عام ، ظلت بعدها عدن حاملة لراية الوحدة اليمنية والعربية إلى أن مضت خطوتها الأولى ورفعت راية الوحدة وعلم الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990.

لكنها ذكرى مرَّت -يوم أمس- وعدن تتشظى عموديا وأفقيا ، تمزقها الصراعات والأهواء والمطامع الخارجية والتناحر الداخلي بين فصائل وأدوات ارتضت لنفسها التبعية والعمالة للخارج ، انقسمت على نفسها وتصارعت على مصالحها وشعاراتها وأعلامها واتفقت على التبعية والعمالة والارتزاق للخارج متوزعة بين النظام الإماراتي المارق ، وبين المملكة السعودية الماحقة.

مرَّ عيد الوحدة يوم أمس على عدن التي تتردى فيها المعائش والأوضاع الحياتية، وتسوء الأحوال أمنيا واجتماعيا وفي المستويات كافة، فيما لم يأت الموعود لها من النعيم والاستقلال والدولة والعلم والسيادة من قبل إمارات الشر والرذيلة إلا بالاغتيالات والتصفيات والخراب، والمعائش الضنكى لأبنائها الذين وقعوا ضحايا إما قاتلين أو مقتولين زُجَّ بهم في جبهات قتال مميتة في الشمال والجنوب والوسط مقابل أجر يومي يحصلون عليه بعدما قامت إمارات الدمار والرذائل بسحق سبل المعيشة ومحاصرة الحياة وتضييقها على الناس إلجأ للعدنيين بأن يتحولوا إلى وقود لمعارك السعودية والإمارات وأكابر مرتزقتها أمثال علي محسن الأحمر والمقدشي وهادي وحزب الإصلاح الذين كفروا عدن وسفهوها واجتاحوها ونهبوا كل ما فيها.

كانت عدن مدينة خضراء عاصمة السياسيين والمثقفين والكتّاب والشعراء والمهندسين, فيها المياه وفيها الحياة كلها حين حملت راية الوحدة اليمنية وأخذت بها وقادتها عملية توحيد الكيان اليمني بعد انقسامه بين كياني جمهورية اليمن الجنوبية والجمهورية العربية في الشمال ، لكن عدن صارت ثكنة مخيفة حين رفعت بيارق وأعلام أمراء الصحراء والبداوة في صحاري الجزيرة العربية بعد أن جاءها الأعراب”الاماراتيون والسعوديون” بالجنجويد والبلاك ووتر وحشد المرتزقة متعددي الجنسيات، وسط تصفيق النخبة الفاسدة الخائبة والعميلة في الشمال والجنوب، وعلى رغم اختلافاتها شعاراتيا بين الوحدة والانفصال إلا أنها نخبة تدين بعمالتها للخارج البغيض فمن يرفع شعار الوحدة يريد وصاية السعودية ومن يرفع شعار الانفصال يريد وصاية الإمارات وهكذا تشظت عدن وانقسمت تحت جنح القتلة والعملاء والسرق والمنحطين والمدمنين والسكارى والعصابات المارقة.

كانت عدن قلعة اليمن التي تأوي بين جدرانها وفنادقها المفكرين والسياسيين المعارضين من الشمال والجنوب ، وكانت عدن الرافعة الوطنية لقضايا اليمن والأمة إذ احتضنت الحركة الوطنية منذ باكورة نشاطها السياسي والثوري قبل سبتمبر وأكتوبر وبعدهما، كانت عدن قبلة لطلائع المناضلين والفدائيين من قادة منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها، وقيل أنها احتضنت كارلوس وجورج حبش ووديع حداد وياسر عرفات وغيرهم -إن صح- علاوة على قيادات أخرى فلسطينية وعراقية ومن جنسيات عربية عدة عملت في منظمة التحرير الفلسطينية، كما احتضنت عدن معسكرات المقاومة الفلسطينية، ولكن عندما كانت حاملة لراية وحدة الشعب ووحدة الأمة العربية وحاملة لقضيتها فلسطين ، في الوقت الذي ذهبت مصر ودول عربية إلى الاتفاقات الاستسلامية كانت عدن تحمل راية المواجهة بالسلاح مع إسرائيل وكانت قلعة حصينة للمقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لكنها اليوم ويا للمفارقة صارت ثكنة متشظية تستقتل في معركة المطبعين والخونة ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.

لقد ظلت الوحدة الوطنية حلم الوطنيين في عدن وقد اعتبروها جزءا من الوحدة العربية التي عملوا عليها ونادوا بها، لقد تحققت الوحدة الوطنية في لحظة فارقة من تاريخ اليمن كان يمكن اعتبارها تحولا أبديا لولا ممارسات وسلوك النظام الخائن السابق الذي انقلب سريعا على الوحدة الحقيقية بين الشعب اليمني، وحولها إلى وحدة إلحاق وضم ونهب وسلطة وثروة استأثر بها مع أهله ومقربيه وقبيلته وحزبه وحليفه الإخوان المسلمين، ثم ما استتبع ذلك من شن الحرب اللاوطنية التي أعلنها تحالف ٧ /7 صيف 94 والمتشكل من حزب الإصلاح جماعة الإخوان المسلمين وعفاش وعلي محسن الأحمر وعبدالله الاحمر وعبدربه هادي ، وقد قضت تلك الحرب التحالفية على المعنى الحقيقي للوحدة وأجهضت حلم الوحدة الكبرى إلى الأبد، وولدت هزات ارتدادية ومزاجا عدائيا للوحدة تشكل في شكل احتجاجات بادئا ثم انتهى بيافطة بيد الأجانب وظفوها كحصان طروادة لإخضاع عدن.

ومن المؤسف أن هذا التحالف نفسه الذي انتهب عدن في صيف ٩٤ واغتال الوحدة اليمنية في أولى سنوات عمرها وحولها إلى مندبة للثروة والفيد يقف اليوم مصطفا مع ذات الطرف الذي كان يقاتل عن عدن وقتذاك، فيما بقي الطرفان متمسكان بالشعارات واليافطات والبيارق، وفيما الأول يرفع شعار الوحدة يرفع الثاني شعار الانفصال والاستقلال لكن كلا منهما يتفق في إبقاء عدن مخضعة لأمراء وملوك البداوة “السعوديين والإماراتيين” الذين خاصموا عدن دولة مستقلة خلال فترة “جمهورية اليمن الديمقراطية”، وخاصموها موحدة وانفصالية ، ثم طوحوا بها محررة -حد زعمهم- وقضوا على كل ما فيها من أحلام ومعائش.

ومن المؤسف حقا أن مدينة عدن اليوم لا تحلم بساحل ذهبي ولا بمحطات كهرومائية ولا بمصانع تعليب سمكي، ولا بميناء يستقبل الحاويات والشحنات التجارية العملاقة، ولا بنهضة اقتصادية ولا ببقالات من حق الناس، هي تحلم بترميم شارع هنا ورصيف مدمر هناك، أو إصلاح أنابيب الصرف الصحي التي تتفجر بين الفينة والأخرى ، أو بشفط المياه الوحلة التي تتجمع في البرك والبحيرات التي احتلت شوارع عدن بأكملها ، أو بوصول مشروع المياه المقطوع منذ أشهر، أو بارتفاع عدد ساعات تشغيل التيار الكهربائي، لقد وعدت عدن بأن تكون جنة خضراء لكنها اليوم تريد أن تكون مدينة لا أكثر.

ومن المؤسف أن المواطنين في عدن خطفوا حتى في أرائهم وتعبيراتهم ، إلى حد إن احتجوا على الوضع المتردي استفاد من احتجاجهم طرف على حساب طرف وسجلها نقاطا عليه، وإن صمتوا فالموت والحياة الصعبة لا تطاق في عدن في ظل الوضع الذي تشهده في مجال الخدمات والتشظي والتمزق والتناحر الذي تعيشه في ظل صراعات العملاء والمرتزقة.

في الذكرى الحادية والثلاثين للوحدة اليمنية التي تحققت في عدن تتشظى عاصمة الوحدة اليوم إلى مربعات أمنية وجيوش وكيانات عديدة وولاءات وأجندات متصارعة ، عدن التي رفعت راية الوحدة وعلم الجمهورية اليمنية ترفع اليوم أعلام وبيارق وشعارات عديدة جدا، وتتمزق بحرارة الصيف وانقطاع المياه والكهرباء والفقر والبؤس والحرمان والدعايات المضادة والدعوات التمزيقية والتقسيمية، ولن تكون عدن في ظل الضيبطة الإماراتية والسعودية إلا ثكنة متشظية في وجه اليمن بأكمله شماله وجنوبه، ولن تكون عدن مدينة خضراء إلا وحدوية ، حين يُذهب باليمن نحو التقسيم ستتشظى عدن بادئا ، وحين تتوحد اليمن تعود عدن وتلتئم ، وهذه قاعدة الوحدة التي اتكأت عليها عدن في توحيد اليمن ، ورفعت علم الجمهورية اليمنية.

أما القاعدة الأخرى فإن عدن لن تكون مستقلة بعلم وسيادة منفصلة عن اليمن بإخضاعها للجنجويدي والإماراتي والكيني والبنغالي ومرتزقة بلاك ووتر، الاستقلال من التبعية للخارج هو الاستقلال الحقيقي ، أما الانفصال عن اليمن فهي العبودية المطلقة وعلى هذه المعادلة ستعود عدن وستبقى يمنية وعاصمة وحدوية مهما عصفت بها العواصف.

 

 

قد يعجبك ايضا