فضح مكر اليهود سنة إلهية تعهد هو بها حتى وإن كان ضد شخص واحد فما بالك بشعوب وأمم ومقدسات ..

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

كل الآيات التي سمعناها أيضاً تتحدث عن بني إسرائيل، والموضوع يبدو من سياق الآيات هو بني إسرائيل. واقعهم بشكل عام وأكثر ما يبرز في نفس الآيات، أول الآيات التي سمعناها قبل من عند قول الله تعالى:{ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) تضمنت نعما هي: نعمة هداية، ونعمة الهداية هي تنعكس في نفسيات الناس، في سلوكهم، في رؤاهم، في مواقفهم، في تصرفاتهم. تكون حكيمة في بنيتهم الاجتماعية بشكل عام، كمجتمع قوي، ومجتمع حكيم، ومجتمع يشكل نموذجاً ينعكس في كل مواقفه وتصرفاته هدى الله .

من ضمن الآيات السابقة {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(البقرة:53). في البداية، أو تكون ربما في مراحل متقدمة كان يظهر مثلا ً كيف يحصل فيما يكون مجرد مخالفة، ثم يحصل توجيه لموسى ويحصل آية إلـهية مثل: رفع الطور فوقهم فيذعنون ويرجعون، تمادوا في هذا الموضوع: كفر بنعم الله سبحانه وتعالى، عدم تقدير لها بالشكل المطلوب، عدم التزام وتوجه واهتداء بنفس الهدى، فهنا برز في نفسياتهم، في سلوكهم، في مواقفهم أشياء غريبة جداً فيما تضمنته الآيات هذه، أي يلمس الإنسان ـ على أساس أن قصص القرآن ـ وهو فعلاً قضية بهذا الشكل ـ أنه قصص ليكون عبرة ـ  كيف كان هدى الله متكاملاً، وكيف كان الناس الذين لم يقدروا هذا الهدى حق قدره، ولم يتفاعلوا معه ولم يستجيبوا. كيف كانت النتيجة بالنسبة لهم في واقعهم ؟! حتى أنه في الآيات هذه عرض فيما يتعلق بنفسياتهم في الأخير، بنفسياتهم، فأول عبرة: أن تفهم بأنه الإنسان هو من جهة نفسه، هو الذي يؤدي بنفسه إلى أن يصل إلى هذه الحالة السيئة. لا يوجد تقصير من جهة الله على الإطلاق ولا من جهة أنبيائه على الإطلاق .

العبرة الثانية: أن يحذر الناس، أن يحذروا لأنه أحياناً قد يكون التمادي في التنكر لهدى الله أو عدم الاهتمام به، عدم التقدير له، يؤدي في الأخير إلى وضعية سيئة جداً، و أعتقد أن المسلمين يعيشون فيها بكل معانيها.

من القيمة الهامة للهدى الذي أنزل إليهم وجاء به موسى كتاب وفرقان وأساس الهدى وتربية للمجتمع يقول لهم أنه كان الكتاب والفرقان مرتبطاً بموسى، موسى يمثل العَلَم لهم يمثل: معلم، وقائد، مربي، موجه. هم يتفهمون وينطلقون على أساس توجيهاته بدون أخذ ورد. ما حصلت هذه. لاحظ كيف كان موقفهم في قضية واحدة، في قضية [البقرة]؟! هدى الله لا يصنع أناساً على هذه  النوعية أبداً أعني: أنه يتضح لك كيف يحصل الخلل لأن الله سبحانه وتعالى يقول بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهي نفس المسيرة، ونفس الطريقة الواحدة التي عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) محمد، وعند عيسى، وعند موسى، وعند إبراهيم، أنهم يهدون الناس، ويعلمونهم الحكمة، ويبنونهم مجتمعاً متماسكاً متوحداً كلمته واحدة، موقفه واحد، انطلاقته واحدة. حصل خلل كبير جداً لديهم!  هذه الظاهرة السيئة عندما قال لهم موسى في قضية هم بحاجة إلى أن يكتشفوا من هو الذي ارتكبها، قتيل قتل في ظروف غامضة جداً وأصبحوا هم يتدافعون المسألة، [هم قتلوه آل فلان أو ربما آل فلان]: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا}(البقرة: من الآية72) كل واحد يدفع عنه ويتهم طرفاً آخر .

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}(البقرة: من الآية67) . أسلوب الأنبياء تجد كيف الأنبياء أشخاصاً حكماء، هم حكماء يعرف نفسيات أصحابه، وكيف وصلت الحالة بهم! كان يكفي من موسى أن يقول لو أنهم كانوا قد وصلوا إلى مستوى[جيد] دع عنك [ممتاز]  جيد، أنه كان يكفيهم من موسى نفسه توجيه معين أن يقول لهم موسى: اذبحوا بقرة فيتحركون، هو يعرف كيف واقعهم وكيف نفسياتهم { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} أمر إلهي مباشر{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}(البقرة: من الآية67) .

أساس تربية الأمم أنه لا يأتي بنبي بعد نبي على طول تاريخ البشرية، قد يكون مرحلة فيها نبي يمكن أن يقول:{إِنَّ اللَّهَ} لأمة من الأمم، في مرحلة لا يوجد نبي، والأمة متربية على الحالة هذه تحتاج إلى شخص يقول: إن الله يأمركم في موقف معين، هذا لا يتم، الأمة تتربى بطريقة تصل فيها إلى أن يكفيها توجيهات مباشرة من جهة الأنبياء أنفسهم، ثم من جهة ورثة الأنبياء.

أيضاً يكفيهم بأنه، ليست مسألة يكفيهم، أعني: يكونون هم تربوا هم تربية وفهموا القضية على هذا النحو فيكفيهم أوامر من الجهة التي يعرفون بأنها جهة هدى، لا، هنا احتاجوا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (البقرة: من الآية67) كيف كان الجواب؟ {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً}(البقرة: من الآية67). ماذا يعني نذبح بقرة؟! ماذا يعني بقرة؟!.

إذاً هنا لم تكفهم الفترة الطويلة تلك أن يعرفوا أن موسى رجل حكيم! الشخص الحكيم لا يأمر بأشياء ليست حكيمة لا يأمر إلا بأشياء حكيمة، ومن ورائها حكمة، ولغاية مهمة، وإن بدت في الصورة وكأنها تصرف غير طبيعي مع أنه هنا لم يكن تصرفاً غير طبيعي، تشبه نفسية الذين قال عنهم في أول السورة:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً}(البقرة: من الآية26){أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} ماذا يعني نذبح بقرة! أليسوا يذبحون بقراً، ربما كل يوم يذبحون بقراً لكن لا، استغراب! هذا أول خلل، ماذا يعني  أول خلل؟ ظاهرة من مظاهر الخلل لديهم، في أنهم لم يهتدوا بهدي الله.

كان الشيء الصحيح لمجرد أن يريد منهم أن يذبحوا بقرة، أن يأمرهم موسى نفسه مباشرة:[اذبحوا بقرة] وبدون أخذ ورد، يتجهون إلى بقرة يذبحونها ، لأن الأمر واضح في القضية. فعندما يقول: بقرة يعني: أيَّ بقرة، معناه: أيَّ بقرة، لكن لا. {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(البقرة: من الآية67) لا يمكن أتخذكم هزواً لا يمكن أعمل أوامر! مع أنه هنا يقول لهم:{إِنَّ اللَّهَ} معناها: أيتخذنا الله هزوا! أليس معناها هكذا في الأخير؟ ما كفاهم بأنه قال:{إِِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} لاحظ كيف هذا وحده من المظاهر السيئة، عندما يكون المجتمع، أو أمة من الأمم تهتدي بهدي الله الذي يوجد حكمة لدى الناس، ورؤية حكيمة، وفهم ومواقف مبادرة، لا يوجد فيها أخذ ورد، قالوا بعدما قال لهم:{بَقَرَةً} أليس كلمة بقرة تعني: أي بقرة، مثلما تقول لشخص: نحن نريد أن تبحث لنا عن [كبش] عندنا ضيف، نريد تبحث لنا عن [كبش] أليس سيعرف أي واحد، أن المطلوب أن يبحث عن كبش أيَّ  كبش؟ ليس بحاجة أن يقول: ما لونه، ما هو، ومن أي نوع، وأشياء من هذه .

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}(البقرة: من الآية68) قد قال: بقرة من البداية،{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ}(البقرة: من الآية68) ليست مسنة، ولا هي فتيّة، متوسطة {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ}(البقرة: من الآية68) أليس هذا أمراً آخر؟ بعد أول سؤال أعطاهم مميزات معينة: بقرة متوسطة في السن {فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} (البقرة: من الآية68).{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}(البقرة: من الآية69) ما لونها؟ نحن نعيش الحالة هذه، لا نضحك على بني إسرائيل لوحدهم حقيقة لأنه نعيش نحن المسلمين والزيدية نحن بالذات الذين نقول: أننا الطائفة المحقة والمتمسكين بأهل البيت، وبالثقلين كعنوان لدينا، قضية البقرة ما تزال موجودة، نأخذ عبرة من هذه، ونأخذ دروساً من هذه .

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}(البقرة: من الآية69) من البداية {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}(البقرة: من الآية69) يكفيهم أن يسألوه هو شخصياً لأن ربهم قد اختاره لهم هادياً ومرشداً ومعلماً وموجهاً. هنا ألست ترى وتلحظ أن موسى نفسه لا يقدرونه حق تقديره هو كرسول من عند الله؟ فتكون القضية هذه انعكاس لتقديرك لما يأتي من عند الله عندما تعرف بأن الله لن يختار شخصاً إلا وهو بالشكل الذي فعلاً مؤهل لأن يقوم بالدور على أكمل وجه .

{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ}(البقرة: من الآية68){ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}(البقرة: من الآية69)! عادة البقر لا تكون ملونة بشكل كبير، عادة البقر تختلف عن بعض الحيوانات الأخرى، ترى البقر والغنم في الغالب لا يكون القطيع الواحد، هذه حمراء، وهذه صفراء، وهذه بيضاء وهذه خضراء، وهذه غبراء وهذه.. لا، الغالب أنها تكون متقاربة اللون لا يوجد هنا في واقع القضية ما يكون مبرراً لأن يتساءلوا يقولون مثلاً: قطيع البقر، أو السوق فيه بقر لكن هذه حمراء وهذه صفراء وهذه بيضاء ألوان متميزة، تبدي على سوق من البقر أو قطيع من البقر تجدها متقاربة يكون إذا هناك لون متميز  يكون نادراً وشاذاً، إذاً لا يوجد ما يوجب اشتباه على الإطلاق.

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ}(البقرة: من الآية69) من البداية {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ}(البقرة: من الآية69) ألم يقل هناك: {بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}(البقرة: من الآية68) وهنا أيضاً:{إِنَّهُ يَقُولُ}لم يعد موسى إلا مثل [المِظْهِر]. لاحظ ذلك الذي يأتي في السوق واحد يظهر، يبلغ الناس نيابة عن شخص، يقف ويتكلم [يقول لكم الشيخ فلان على أن كذا كذا.. ] والشيخ يتكلم من هناك، وهو يأتي يكلم الناس بما قال له الشيخ.

أساس المسألة أعني: لاحظ أن هنا خللاً كبيراً جداً لأن الأمم تربى في عصور الأنبياء بالشكل الذي لما بعد الأنبياء أيضاً، لما بعده، لا تحتاج إلى أن يكون أمامها نبي يوحى إليه، فضلاً عن أن تكون مع وجود النبي تحتاج إلى أوامر إلهية مباشرة في لون بقرة، سن بقرة تشخيص بقرة! فالنبي لا يأتي لعصره فقط. لا . النبي يربي أمة، ويرشد أمة، ويثقف أمة لتكون مستبصرة و حكيمة قابلة لأن تستمر في دورها وتتقبل قيادات هي امتداد له، للنبي؛ لأن الأنبياء يموتون. أمة مثل هذه معناه تريد لها نبياً باستمرار وعلى اتصال مباشر!.

{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا}(البقرة: من الآية69) هنا يبين لنا نسبة لونها: هل صفراء وردية، أو صفراء فاقعة، أو صفراء طبيعية، لأن اللون الواحد كأنه أيضاً درجات. {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}(البقرة: من الآية69) ألم يبين هنا جواب موسى في الدرجة هذه؟ حاول أنه يقدم لهم، يشخص القضية بشكل كامل {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}(البقرة: من الآية69) لم ينفع {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}(البقرة: من الآية70) هم بقر هم، في الواقع، عندما يصبح الناس بقراً تكون الأمور متشابهة عليهم، والأمور معماة عليهم ولا يفهمون ولا يسمعون ولا يفقهون.

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ}(البقرة:70) نحن على استعداد أن نلتزم بيِّن لنا هذه المرة فقط! يعني: عسى إن شاء الله نحصِّل البقرة هذه المطلوبة! هو من البداية المطلوب بقرة أيَّ بقرة يذهبون من السوق يأخذونها أو من عند أي فلاح من أطرف بيت ويذبحونها.

{وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ} عسى أننا سنجد البقرة المطلوبة ونذبحها. {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ}(البقرة: من الآية71) بقرة، لم يسنوا عليها، ولا استخدموها في حراثة الأرض {مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا} (البقرة: من الآية71) ليس فيها عيوب ولا فيها خلط من الألوان ـ كما يقولون ـ {لا شِيَةَ فِيهَا} ليس فيها عيوب، وفي نفس الوقت لا يوجد فيها ألوان أخرى ، على لون واحد . هنا أليست البقرة بدت نادرة أكثر؟ كلما زاد السؤال كلما جاءت القضية بشكل نادر أكثر .

هذا مؤشر، مؤشر خطير بالنسبة للناس، إذا مثلاً موقف معين لم ينطلقوا فيه قد يبلون بأصعب منه، ما انطلقوا، قد يعاقبون بأن يقحموا في أصعب منه، وهكذا.

في موضوع الجهاد يوجد مثل لهذا:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}(الفتح: من الآية16) لم يرضوا يتحركوا أن يقاتلوا أناساً عاديين مثلهم تخلفوا جبنوا ما كان الموضوع بالنسبة لهم؟ أعني ماذا كانت النتيجة بالنسبة لهم، للمخلفين؟ أن يُقحموا بطريقة لا بد منها واحدة من اثنتين:{تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا}(الفتح: من الآية16) أليس هذا أمراً صارماً؟ ليس لديكم مجال من أن تطيعوا وتتجهوا فعلاً لقتالهم وقد هم {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وهم كانوا يهربون من أناس عاديين {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}(الفتح: من الآية16) {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}(الفتح: من الآية16) بينما العكس متى ما اتجه الناس في قضية، في موقف، هي تبدو سهلة فليفهموا بأنه عندما ينطلقون في هذا السهل يكون بالشكل الذي يسهل العسير فيما بعد، يأتي تدخل إلهي تكون انطلاقتهم في هذا الموضع يعينهم على ما هو صعب فلا يبقى حتى ولا صعب بالشكل الطبيعي، انطلاقتهم في تلك القضية التي تبدو سهلة تساعدهم على أن تبقى القضايا الأخرى تكون أسهل من واقعها أسهل من واقعها فعلاً .

{قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}(البقرة: من الآية71) وهو حق من أول كلمة قال لهم:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}(البقرة: من الآية67) ألم تكن حقاً كافياً ؟ {الْآنَ} يعني: من الآن جئت أنت بالحق ! سوف يعتبرون أنفسهم أيضاً أنهم عباقرة وأذكياء، كيف أنهم استطاعوا أن يستخرجوا من موسى تشخيصاً كاملاً للحق! والآن هو رأى الحق، الآن عرف الحق الآن، وأعطانا الحق، {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}(البقرة: من الآية71) لو يوجد لديهم مجال حول البقرة لوضعوا المزيد من التساؤلات لكن قد انتهت التساؤلات لم يعد لديهم شيء، وإلا باعتبار طبيعتهم لو أنهم وجدوا شيئاً لوضعوا المزيد، وربما أن بعضهم يفكرون في نفس الوقت ماذا يمكن أن يقدم من تساؤل حول البقرة المطلوبة! {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } (البقرة: من الآية71){وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}(البقرة:72{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(البقرة:73).

ثم إنهم في الأخير اشتروا البقرة هذه كما يذكر المفسرون اشتروها وبثمن غالٍ جداً، وهذا الشيء المحتمل، الشيء المحتمل: أنه فعلاً لا يحصلون عليها إلا بثمن غالٍ، ولأنه كلما ظهر التساؤل من جانبهم كلما قدمت البقرة تبدو نادرة، نادرة صاحبها يرى في الأخير ما كأنه يوجد سوى هذه البقرة، ربما قد يصلون إلى بقرة لا يوجد غيرها ويتحكمون كيفما يريدون فيها.

ذبحوها وكأن الهدف من الموضوع ليس معناه من أجل أن يأكلوها، لا. القضية: هناك قتيل في وسطهم، وقد تدارؤا فيه وقريبه يتهم آخرين فالموضوع كيف يعملون؟.

إذاً المسألة هذه فيها عبرة كبيرة بالنسبة لنا، وتعطي طمأنة بالنسبة لصراع الناس مع بني إسرائيل، في مجال صراع الناس مع بني إسرائيل. لاحظ كيف القضية: كان بالإمكان أن يأتي وحي من جهة الله سبحانه وتعالى يخبر بالقاتل من هو ولا يقول بقرة ولا شيء، ألم يكن بالإمكان هذا؟ لكن القضية هنا يوجد شخص واحد مقتول، الشخص الذي قتله دبر لأن يقتله في ظروف غامضة، أي كانت خطة محكمة محاطة بسرية تامة.

تجد هنا الآية توحي: بأن الله سبحانه وتعالى يهيئ أن يكون هناك ما يكشف من الواقع لا يكون هناك حاجة إلى وحي إلهي مباشر في نفس كشف القضية. إذاً هنا ذبحوا البقرة، وضربوه بشريحة من هذه البقرة، قالوا: إن هذا المقتول قام فعلاً وأخبر بقاتله، يأتي بعدها:{وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}(البقرة: من الآية72) .

بنوا إسرائيل وصلوا إلى حالة بالنسبة لنفسياتهم، أصبحت نفوسهم سيئة فعلاً. حصل لديهم خبث، حصل لديهم نظرة سيئة بالنسبة لباقي البشر، ونظرة سيئة بالنسبة لله! لهذا حكى الله عنهم في مواضع أخرى في القرآن الكريم كيف كان فيهم جرأة على الله:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}(المائدة: من الآية64){إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}(آل عمران: من الآية181). ألم يحكِ الله هكذا عنهم؟ هم في واقعهم لا يزال لديهم نوع ذكاء، وخبث وجرأة في التخطيط، هم عندما يجتمع لهم عداوة للناس، للبشر، كراهية، قلة خوف من الله، ينظرون إلى الله وكأنه واحدٌ منهم لا بد أن يتأقلم معهم، وينفذ الخطط التي يعملونها! وقدرة على التخطيط هذا معناه: أنهم سيضرون بالبشر بشكل رهيب، فكأنها سنة إلهية بالنسبة لهم: لا يتوفر لهم التخطيط بالشكل المحكم تماماً بحيث لا ينكشف {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ} بعبارة اسم الفاعل التي تعني وكأنه سنة لديهم: أن يخرج ما تكتمونه {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}.

عندما تنظر والقضية هنا تبدو قضية محدودة يعني: هناك شخص واحد قتل، وخطة دبرت في ظروف كانت ناجحة هذه الخطة، و كان ضحيتها شخص واحد قتل.

إذا كانت هذه المسألة كلها لكشف ما كتموا ولكشف هذه الخطة فافهم بأنه تقريباً بالأولى أن تكون سنة إلهية: أن يكشف للمتأملين، للمتوسمين، للمتفهمين، للمهتمين، أن يكشف الخطط التي قد تكون ضحاياها شعوب، ضحاياها العشرات من الناس، المئات من الناس، ضحاياها دين، ضحاياها مقدسات، ضحاياها أشياء كثيرة جداً، قضية ملموسة هذه، ملموسة فعلاً على أرض الواقع في زماننا هذا فضلاً عن غيره .

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

سلسلة دروس رمضان – الدرس الخامس

سورة البقرة من الآية (67) إلى الآية (103)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 5 رمضان 1424هـ

اليمن – صعدة

 

 

قد يعجبك ايضا