قراراتُ الأمم المتحدة.. بين الهيمنة الأمريكية والمال السعوديّ المدنَّس
قراءةٌ في انتهاكات السعوديّة لحقوق أطفال اليمن على ضوء القانون الدولي الإنساني
|| صحافة ||
منذُ فجرِ التاريخ والحرب حَدَثٌ لازَمَ البشريةَ في جميع العصور والأزمنة المتعاقبة، فقد حدثت حروبٌ طاحنةٌ قاست ويلاتها البشريةُ على مر الأعوام والقرون؛ ولذلك حرص الإنسان منذ القدم على وضع ضوابطَ عُرفية أَو مكتوبة للحروب والصراعات والنزاعات المسلحة لحق فئات معينة، كما حصل أَيَّـام الإغريق والفرس والرومان، وفي الهند والصين القديمة، وفي الدول الإسلامية والمسيحية.
شملت الضوابط العُرفية الفئاتِ المحمية النساء والأطفال والمسنين، والمقاتلين المُجَـرّدين من السلاح، والأسرى، وحظرت مهاجمة بعض الأهداف مثل دُور العبادة، ومنعت استخدام الوسائل الغادرة في القتال، لكن مع تطور وسائل القتال، لم تعد هذه التقاليد صالحةً للتطبيق، وفشلت في التوافق مع هذه الوقائع الجديدة، لذلك دعت الحاجة إلى وجود قانون دولي ينظم قواعد وأعراف الحرب، ويضمن حماية المدنيين، ونتيجةً لذلك تم إنشاء عُصبة الأمم عام 1919م، ثم منظمة الأمم المتحدة التي جاءت على أنقاضها في العام 1945م، إثرَ الحربَين العالميتين الأولى والثانية، وما خلّفتهما من قتل وتدمير وشتات وانتهاكات واسعة بحق الإنسانية.
ولكن الأمم المتحدة لم تستطعِ العملَ في المسار الذي رُسم لها -كما يقول علماء القانون الدولي-؛ بفعل الهيمنة التي تمارسها القوى العالمية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وخَاصَّة بعد انهيار الاتّحاد السوفيتي، ودخول المجتمع الدولي مرحلة أُحادي القطبية في علاقاتها الدولية، وأصبحت هذه المنظمة أدَاة طيعة لتحقيق السياسة الخارجية الأمريكية، وقمع وتشويه وتدمير الأنظمة والشخصيات المناهضة، لها كما حصل ويحصل في اليمن والعراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين وسوريا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية التي تعاني من مَيْلِ الأمم المتحدة لصالح الإمبريالية العالمية والإرهاب الدولي، خَاصَّة مع تدفع أموال المسلمين إليها –للأسف- من دول خليجية وعربية وعلى رأسها السعوديّة.
وفيما يخص الشأن اليمني على وجه الخصوص، فقد أكّـدت الشواهد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمم المتحدة شريك أَسَاسي في العدوان على اليمن، وقتل أطفالها ونسائها، سواء منْ حَيثُ شرعنة العدوان لاستخدامه القوة العسكرية والتغطية على جرائمه الفظيعة واللامتناهية، أَو من حَيثُ تبني السياسة الأمريكية والسعوديّة التي تسعى إلى إفشال المفاوضات بين المكونات السياسية اليمنية، أو تجاهلها للكارثة الإنسانية التي حلَّت باليمنيين إثر العدوان السعوديّ والأمريكي عليهم رغم التقارير التي تصدرها منظمات حقوقية وإنسانية تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية أُخرى فيما يخص الوضع الإنساني الكارثي الذي لحق باليمنيين والجرائم التي ترتكب في حقهم.
ولم تكتفِ الأممُ المتحدة عند تلك الإجراءات المشينة –فحسب- بل تعمدت قلب الحقائق وتضليل الرأي العام، في سابقة خطيرة تعبر عن كارثية هذه المنظمة على اليمن والعالم بشكل عام، حَيثُ عمدت إلى تبرئة القاتلِ وإلصاق التهمة بالضحية، من خلال القرارِ المنحط لأمين عام الأمم المتحدة بإدراج أنصار الله في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال.
لقد أثبتت أحداثُ العدوان على اليمن أن السعوديّة استهدفت المدنيين في اليمن والأطفال خُصُوصاً، بصورة مباشرة ومتعمدة، وأصبح الاعتداء عليهم يشكل عنصراً من عناصر العدوان واستراتيجيتها لديها، حَيثُ أَدَّت أشكالُ العنف المختلفة التي مارستها آلة الحرب السعوديّة إلى تزايد عدد الضحايا بين السكان المدنيين والأطفال على وجه الخصوص، إذ إن تقارير دولية تشيرُ إلى استشهادِ أكثرَ من رُبع مليون يمني من المدنيين بشكل مباشر أَو غير مباشر، أغلبهم من الأطفال والنساء، أما الأطفال الذين استهدفهم طيران العدوان بشكل مباشر فقد بلغوا (7272) بين شهيد وجريح، و27 مولوداً من أصل 1000 مولود يتوفون سنوياً؛ بسَببِ الآثار العدوانية للسعوديّة، بينما (20) مليون شخص بحاجة إلى مساعدة غذائية، أي ما يعادل 80 % من إجمالي عدد السكان، والأطفال هم أكثر هذه الأرقام تضرراً، وأغلبهم في المرحلة الحادة، وإضافة إلى أن العدوان السعوديّ فتك بأرواح الأطفال بشكل مباشر، فقد أثَّر أَيْـضاً تأثيراً غير مباشر عليهم، فالعدوان شوّه حتى بالأجنَّة في بطون أُمهاتهم، وقلَّل -إلى حَــدٍّ كبير- من النمو الطبيعي للأطفال؛ نتيجةً لاستخدامه الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًّا، وانعدام التعليم الجيد والرعاية الصحية الكافية وإتلاف المحاصيل وتدمير الطرق وضياع الموارد وتحطيم القدرات الاقتصادية وانقطاع المرتبات وإغلاق الموانئ والمطارات ومنع دخول السلع الضرورية والأدوية والمشتقات النفطية، وتدمير منازل المواطنين والمنشئات العامة والخَاصَّة، وفقدان الأمان والاطمئنان والثقة بالنفس لما يتعرضون له من الخوف والرعب.
تلك الجرائم والانتهاكات الجسيمة جعلت العديد من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة (الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والصحة العالمية، وبرنامج الأغذية العالمي) توجّـه نداءات عاجلة –أكثر من مرة-؛ لتخفيف معاناة اليمنيين مما وصفوه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. كما أكّـد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن المجاعة التي تلوح في أفق اليمن قد تكون الأسوأ في تاريخ العالم الحديث، حَيثُ قد تعرض حياة ما يقدر بنحو مليونين من النساء الحوامل والمرضعات اللواتي يعانين من سوء التغذية لخطر الموت، وهناك الكثير من المنظمات الأممية والدولية والإقليمية والمحلية التي بُح صوتها وهي تناشد الأمم والمتحدة والعالم بالالتفاف إلى مظلومية اليمنيين، لكن العالم الذي اتخذ سياسة النفاق لا يتجاوب إلا على قدر ما يجني من المصالح، أما الأمين العام للأمم المتحدة فلم نسمع منه إلا القلق المتواصل، الذي اتضح –أخيراً- أن قلقه ليس على أطفال اليمن، بل خوفاً من السوط الأمريكي، وطمعاً بالريالات السعوديّة.
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا لا يتم إدراج السعوديّة ضمن القائمة السوداء لمنتهكي جرائم الأطفال رغم كُـلّ تلك الانتهاكات؟!!.
ولتوضيح الموضوع أكثر، سوف نستعرض في هذه الأسطر حقوق الأطفال في ضوء القانون الدولي الإنساني، ليتضح بذلك حجم الانتهاكات السعوديّة الصارخة لحقوق الأطفال في اليمن، ومدى كذب ونفاق الأمم المتحدة، وتعاطيها مع الملف الإنساني اليمني من خلال الهيمنة الأمريكية والأموال السعوديّة المتدفقة إليها، ومن أبرز تلك الحقوق ما يأتي:
أولاً: حمايةُ الأطفال من آثار الأعمال العدائية:
ارتكبت السعوديّةُ أبشعَ الجرائم في حق أطفال اليمن منذ اليوم الأول للعدوان في مارس 2015م، في مخالفةٍ واضحة وصريحة لكل المواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية، وإضافة إلى أن تلك الجرائمَ تمثل جرائمَ حرب في القوانين الدولية، فَـإنَّ استهدافَهم للأطفال على وجه الخصوص يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوقهم، كما نصت بذلك القوانين الدولية بشكل واضح، ومن ذلك، فقد خصّص البروتوكول الأول عام 1977م باباً كاملاً في حماية السكان المدنيين يخضع الأطفال في حمايتهم لتلك القواعد؛ باعتبَارهم أشخاصاً مدنيين لا يشاركون في الأعمال العدائية، كما توجد تدابيرُ خَاصَّةٌ لحماية الأطفال ضد أخطار العمليات العسكرية نصت عليها بنودُ القانون الإنساني، سواء الحماية العامة للمدنيين؛ باعتبَار الأطفال جزءاً منهم، أَو الحماية الخَاصَّة، ويمكن إجمالها في الآتي:
1- الحمايةُ العامةُ من آثار الأعمال العدائية:
يشهد القانون الدولي الإنساني بالجرائم السعوديّة في حق أطفال اليمن ضمن سلسلة جرائمه التي ارتكبها خلال عدوانه العسكري على اليمنيين، حَيثُ يؤكّـد القانون على أن حقَّ أطراف النزاع في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقاً مطلقاً، بل هو مقيَّدٌ باحترام حياة الأشخاص المدنيين، لهذا نجد أن البروتوكول الأول لعام 1977، ينص على ما يلي: (تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثَـــمَّ توجّـه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها؛ وذلك مِن أجلِ تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية).
وانطلاقاً من هذه القاعدة تم تقرير عددٍ من المبادئ الإنسانية، من أهمها:
أ- التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين.
ب- حظر مهاجمة السكان المدنيين والأعيان المدنية، وتجريم الهجمات العشوائية، وقد عدّ البروتوكول الأول من قبيل الهجمات العشوائية ما يلي:
(1) الهجوم قصفاً بالقنابل، أياً كانت الطرق والوسائل التي تعالج عدداً من الأهداف العسكرية الواضحة والمتباعدة والمميزة عن بعضها البعض الآخر، والواقعة في مدينة أَو بلدة أَو قرية أَو منطقة أُخرى تضم تركّزاً من المدنيين أَو الأعيان المدنية على أنها هدف عسكري واحد.
(2) الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين، أَو إصابة بهم، أَو إضراراً بالأعيان المدنية. أَو أن يُحدِثَ خلطاً من هذه الخسائر والأضرار يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.
(3) تحظر هجمات الردع ضد السكان المدنيين.
(4) يمنع التذرع بوجود السكان أَو تحَرّكاتهم في حماية نقاط أَو مناطق معينة ضد العمليات العسكرية، ولا سيما في محاولة درء الهجوم عن الأهداف العسكرية، أَو تغطية أَو إعاقة العمليات العسكرية.
وقد رصدت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية الكثير من الجرائم السعوديّة بحق أطفال اليمن، والتي خالفت فيها كُـلّ تلك المبادئ -المذكورة آنفاً-، وبشكل مباشر، إضافة إلى غيرها من الانتهاكات بحق الأطفال بشكل غير مباشر والتي نص عليها القانون الدولي الإنساني، كما وردت في البروتوكول الأول قائمة مطولة من القواعد التي تؤكّـد على ضرورة حماية الأعيان المدنية، والأعيان الثقافية وأماكن العبادة، وحماية الأماكن والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وبصفة خَاصَّة حظر تجويع السكان المدنيين كأُسلُـوب من أساليب الحرب.
2- الحمايةُ الخَاصَّةُ للأطفال من آثارِ الأعمال العدائية:
يصنف القانونُ الدولي الإنساني الجرائمَ السعوديّة بحق أطفال اليمن على أنها انتهاكات واضحة وصريحة ومتعمدة، حَيثُ أكّـدت اتّفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م على حمايةٍ خَاصَّةٍ للأطفال أثناء النزاعات الخَاصَّة، بل إن البروتوكول الأول لعام 1977م قد أضفى حمايةً خَاصَّةً لصالح الأطفال في حالات النزاع المسلح. فنَصَّ على أنه: “يجب أن يكونَ للأطفال موضعُ احترامٍ خاصٌّ، وأن تكفلَ لهم الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيئ لهم أطراف النزاع العنايةَ والعونَ الذين يحتاجون إليهما، سواء بسَببِ صِغَرِ سِنهم، أَو لأي سبب آخر”.
كما أن البروتوكول الثاني كفل بالمادة 4/3 والتي تنص على أنه “يجب توفير الرعاية والمعونة للأطفال بالقدر الذي يحتاجون إليه لحماية للأطفال خلال النزاعات غير الدولية”.
وينص البروتوكول الأول في المادة 8/1 على أن حالات الولادة والأطفال حديثي الولادة يُصَنَّفون مع الجرحى والمرضى؛ باعتبَارهم فئة تحتاج إلى الحماية.
وتؤكّـد الاتّفاقية الرابعة في المادة 24 بأن الأطفال يحتاجون إلى رعاية خَاصَّة، حَيثُ تنص على أنه “لا يجوز أن يُترك الأطفال دون الخامسة عشرة الذين تيتَّموا أَو فُصِلوا عن عائلاتهم؛ بسَببِ الحرب لأنفسهم، وأنه ينبغي تسهيلُ إعاشتهم وممارسة عقائدهم الدينية وتعليمهم في جميع الأحوال”.
وإذ يأخذ القانون الدولي الإنساني الأطفالَ في اعتباره، فقد أقر بوجوب اتِّخاذ إجراءات خَاصَّة لأجل إغاثة الأطفال، وجمع شمل الأسر التي شتتت؛ بسَببِ الحرب، وكذلك إجلاء الأطفال من المناطق المحاصرة أَو المطوقة، وهو ما سنورد تفصيلاً على النحو التالي:
أ- إغاثةُ الأطفال:
تعد إغاثةُ الأطفال في وقت الحرب من أهم الواجبات التي تقع على عاتق أطراف النزاع في ظل أوضاع النزاع الصعبة. وتقرّر اتّفاقية جنيف الرابعة على ضرورة السماح بحرية المرور لجميع إرسالات الإمدَادات الطبية ومهمات المستشفيات المرسلة للمدنيين، حتى ولو كانوا من الأعداء، وكذلك حرية مرور جميع الإرسالات الضرورية من المواد الغذائية والملابس والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة والنساء الحوامل وحالات الولادة، وتنص الاتّفاقية الرابعة أَيْـضاً على أن: “تُصرَف للحوامل والمرضعات والأطفال دون الخامسة عشرة، أغذيةً إضافيةً تتناسَبُ مع احتياجات أجسامهم”. وينص البروتوكول الأول على إعطاءِ الأولوية للأطفال وحالات الوضع لدى توزيع إرساليات الغوث.
وبالنظر إلى انتهاكات السعوديّة لتلك المبادئ، فقد عمدت إلى إغلاق المطارات والموانئ ومنع دخول السلع الضرورية والمشتقات النفطية، مما تسبب في تعطيل المستشفيات والمرافق الصحية والمكاتب الخدمية،…، والتي تضرر منها الأطفال على وجه الخصوص وبشكل أشد.
ب- جمعُ شمل الأُسَرِ المشتَّتة:
تسبب العدوان على اليمن في تشتت الأسر والعائلات جراء النزوح واللجوء؛ هروباً من غارات طائرات العدوان واستهداف المنازل والأسواق بطريقة عشوائية، أَو هروباً من الوضع الاقتصادي الصعب الذي فرضه العدوان، حَيثُ تبدأُ أشدُّ أنواع المعاناة والتي يعيشها الإنسانُ في أعماق قلبه، عندما يتعرض أفرادُ العائلة الواحدة للانفصال، والتي تثيرُ الشكوكَ حول مصير أفراد العائلة، وبالأخص الأطفال الذين انفصلوا عن ذويهم. والقانون الدولي الإنساني يعترف بأهميّة الأسرة، ويسعى جاهداً لصيانة الوحدة العائلية خلال النزاعات، ومصداقاً لذلك فَـإنَّ البروتوكول الأول عام 1977، ينُصُّ على أن: “حق كُـلّ أسرة في معرفة مصير أفرادها هو الحافزُ الأَسَاسيُّ لنشاط كُـلٍّ من الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع، والمنظمات الإنسانية الدولية، والوارد ذكرها في الاتّفاقيات وفي هذا البروتوكول”.
ت- إجلاءُ الأطفال من المناطق المحاصَرة أَو المطوقة:
لم تتورع السعوديّة ومرتزِقتُها عن محاصَرة مناطق آهلة بالسكان، تعرض المدنيون، والأطفال خُصُوصاً، لأشد أصناف العذاب من الجوع والخوف والاغتصاب والتدمير للمساكن والمنشئات الخدمية، كما حدث في بعض مناطق تعز والحديدة، وذلك يعد مخالفةً واضحة للقانون الدولي الإنساني، حَيثُ تناولت اتّفاقية جنيف الرابعة موضوع إجلاء الأطفال أثناء النزاعات المسلحة كضمانة أَسَاسية لحماية الأطفال من أخطار الحرب، فنصت على أن “يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال والنساء النفاس، من المناطق المحاصرة أَو المطوقة، ولمرور رجال جميع الأديان، وأفراد الخدمات الطبية والمهمات الطبية إلى هذه المناطق”.
ثانياً: حمايةُ الأطفال تحت الاحتلال الحربي:
لم تكن انتهاكاتُ العدوان لحق الأطفال في الأراضي التي يسيطر عليها المجلس السياسي الأعلى فحسب، بل طالت كُـلّ المحافظات اليمنية، بما في ذلك المحافظات تحت الاحتلال السعوديّ والإماراتي كمأرب وحضرموت وعدن وسُقطرى وغيرها سواء بشكل مباشر أَو غير مباشر، كما نص على ذلك القانون الدولي الإنساني، فقد ذكرت المادة 42 من لائحة اتّفاقية لاهاي الرابعة 1907، أن الإقليمَ يعدُّ محتلّاً عندما يصبح فعلاً خاضعاً لسلطة الجيش المعادي، بَيْدَ إن أهم القيود التي ترد على سلطات دولة الاحتلال، تلك القيود التي تتصلُ باحترام حقوق المدنيين في الأراضي المحتلّة.
وقد اهتمت اتّفاقية جنيف الرابعة بهذه المسألة ونظمتها بشكل مفصل، وأدخلت ضمانات إضافية بشأن احترام المدنيين في الأراضي المحتلّة، وذلك في البروتوكول الأول لعام 1977، وذلك ما تعمدت السعوديّة انتهاكها، كما انتُهكت الكثير من القوانين الدولية التي تتضمن حماية المدنيين والأطفال على وجه الخصوص، في الأراضي المحتلّة، ويمكن تقسيم تلك الحقوق كما يأتي:
1- النصوصُ الرئيسةُ لحماية المدنيين عُمُـومًا في الأراضي المحتلّة:
عرّفت اتّفاقيةُ جنيف الرابعة الأشخاصَ المقصودين بالحماية بأنهم: “الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان في حالة قيام نزاع أَو الاحتلال تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه، أَو دولة احتلال ليسوا من مواطنيها”، وهذا التعريف ينطبقُ على الأطفال؛ باعتبَارهم من جُملة السكان المدنيين في الأراضي المحتلّة.
ولقد تناولت اتّفاقية جنيف الرابعة في الباب الثالث منها، موضوعَ حماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، واشتملت على العديد من النصوص التي تقيد تصرفات دولة الاحتلال، ويُلزِمُها بالعديد من الواجبات:
أ. الحفاظُ على حق المدنيين في الحياة:
تتوقفُ حماية المدنيين في الأراضي المحتلّة -بمن فيهم الأطفال- على ضمان استمرار حياتهم، وبتحريم أية أعمال غير إنسانية تُرتكَبُ ضد هؤلاء المدنيين، وأن لا تتخذ إجراءات من شأنها أن تسبب التعذيبَ البدني أَو إبادة الأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها.
ب. حظرُ نقل وإبعاد السكان المدنيين:
يحرِّمُ القانون الدولي الإنساني تهجيرَ أَو نقلَ الأسر من منطقة إلى منطقة أُخرى، كما لا نقل أَو ترحيل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلُّها.
ج. حظرُ تدمير الممتلكات الخَاصَّة بالسكان المدنيين:
تقضي القاعدة في قانون الاحتلال الحربي التي عبَّرت عنها المادة 46 من قواعد لاهاي بأنه: “يجبُ احترامُ حَصانة الممتلكات الخَاصَّة، وأن قيامَ سلطات الاحتلال بالتعرض لهذه الممتلكات بأية صورة غير مشروعة يرقى إلى المصادَرة”. كما تحظُرُ اتّفاقية جنيف الرابعة على دولة الاحتلال تدمير أية ممتلكات خَاصَّة ثابتة أَو منقولة تتعلق بأفراد أَو جماعات، أَو بالدولة أَو السلطات العامة، أَو المنظمات الاجتماعية أَو التعاونية، إلا إذَا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.
ويختلفُ الأمر بالنسبة للأماكن التي تعدّ تراثاً ثقافيًّا وطبيعياً الموجودة في الأراضي المحتلّة، كالآثار والإبداع الفني والأماكن المقدسة. فهذه الأماكن لا تعدّ أملاكاً للدولة الموجودة فيها والواقعة تحت الاحتلال الحربي فحسب، بل تعدّ تراثاً للإنسانية بأكمله حاضرها ومستقبلها. ومن هنا كان هناك حظرٌ تامٌ وقاطع بموجب مجموعة كبيرة ومتنوعة من النصوص الدولية، والتي تمنع دولة الاحتلال من الاعتداء على هذه الممتلكات.
2- حقُّ الأطفال تحت الاحتلال:
وضَّح المجتمعُ الدولي تقريرَ هذا الحق بالنسبة للأطفال بصورة صريحة، ففي عام 1939 وضعت اللجنةُ الدوليةُ للصليب الأحمر مشروعَ اتّفاقية مِن أجلِ حماية الأطفال ورعايتهم وتعليمهم في حالة قيام نزاع مسلح في الأراضي المحتلّة. فلقد تعرض أطفالُ اليمن في بعض المناطق المحتلّة، إلى كثيرٍ من الانتهاكات لحقوقهم، وكثير من الآلام والحوادث المحزنة التي أودت بمستقبل الكثير منهم.
وقد تبين من خلال سرد بعض تلك القوانين والمبادئ التي نص عليها القانون الدولي الإنساني أن السعوديّة وحلفاءها كانت وما زالت تمارسُ الانتهاكات الممنهجة في حق أطفال اليمن، كما أنها انتهكت مبادئَ الشرائع والديانات السماوية وكافة القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
والغريبُ في الأمر أن الأممَ المتحدة تغُضُّ الطرف عن كُـلّ تلك الجرائم مع علمها بذلك، ورغم التقارير التي تصلُها بشكل دائمٍ من منظمات إنسانية تابعة لها ومنظمات دولية أُخرى، لكن الهيمنة الأمريكية على الأمم المتحدة والمال السعوديّ المدنس المتدفق إليها جعلها تخالف المبادئ والقوانين التي أنشئت مِن أجلِها، وتحولت من ملاذٍ آمن للأطفال المظلومين، إلى محامٍ يدافعُ عن القَتَلَةِ والمجرمين، وهذا ما جعل عُلماءَ العلاقات الدولي وفقهاءَ القانون الدولي ينادون بضرورةِ إصلاحِ الأمم المتحدة، ويحذّرون من عملها في ظل الهيمنة الأمريكية على قراراتها.
صحيفة المسيرة- محمد أحمد الشرفي
نائب رئيس تكتل الأحزاب المناهضة للعدوان