مبعوثو الأمم المتحدة إلى اليمن.. تجاربُ فاشلة للحل!

|| صحافة ||

تتكرّرُ تجارِبُ الأمم المتحدة في تعيين مبعوثين لها إلى اليمن، غير أن المبعوثين السابقين الثلاثة (جمال بن عمر، إسماعيل ولد الشيخ، مارتن غريفيث) لم ينجحوا في تحقيق اختراق في جدارِ الأزمة اليمنية، وإيقاف فتيل المواجهات، بل وصلت البلاد إلى هذا الحال بطبيعة المؤامرات الأمريكية الصهيونية السعوديّة الإماراتية، وحينها لم يكن للأمم المتحدة ومبعوثيها من صوت سوى التأييد والانزواء وراء هذه المشاريع.

وبرز الحديث مؤخّراً عن تعيين مبعوث جديد إلى اليمن خلفاً للبريطاني مارتن غريفيث، الذي ظل يدورُ في حلقة مفرغة، دون أن يحقّق أي نجاحٍ يُذكر، بحسب الكثير من الباحثين والخبراء السياسيين اليمنيين والدوليين، لتظلَّ قوى العدوان مُستمرّة في حربها على اليمن بغاراتها المتوحشة وحصارها المثخن.. ما يجعل التساؤلات متعددة حول ما الذي يمكن أن يحقّقه المبعوث الجديد الذي يتم تداول اسمه عبر وسائل الإعلام بأنه السويدي هانس جراندبيرج.

ويرى الناشط السياسي الدكتور عادل الشوجبي أن تعيينَ الدبلوماسي السويدي هانس جراندبيرج تطوُّرٌ إيجابي، وتغيُّرٌ في المواقف الأممية إلى الأفضل، وأنه من المفترض أن يعمل بنوع من “الحيادية” وَ”تفادي الأخطاء” المتراكمة للمبعوثين السابقين، رغم استمرار الضغوط الأمريكية والبريطانية والفرنسية عليه.

ويرى الشوجبي أن قرارَ التعيين أتى بعد سلسلةٍ من التجاربِ المريرة مع أغلب المبعوثين الأمميين والتي تتخلص في التالي أولاً جمال بن عمر المبعوث المغربي قبل العدوان وبدايته، حَيثُ كان أقرب إلى الواقع اليمني، واتسم بقدر عالٍ من “الحيادية” وكاد أن ينجح في مهمته قبل العدوان لولا اعتراض السعوديّة على الحل، وبالتالي عليه شخصياً، ولهذا يمكن أن نقول إنه كان وسيطاً مهمته الرئيسية إيجاد حلول للمشاكل بين الفرقاء السياسيين في اليمن بمهنية عالية.

ويتابع الشوحبي: “لم يرُقْ لتحالف العدوان وخَاصَّة السعوديّة ذلك، وهي في أوجِّ جبروتها وعنفوانها وقدراتها وغرورها، فقرّرت تغييره عبر الآلية الأممية بإسماعيل ولد الشيخ الموريتاني المقرب من السعوديّة الذي عبر في أغلب الأحيان عن وجهة نظرها، وتبنى مواقفها المطالبة بالاستسلام، ولم يبدِ أية مرونة، وعندما وصل إلى طريق مسدود تم استبداله”، مُشيراً إلى أن تعيين البريطاني مارتن غريفيث عبر بكل وضوح عن وجهة نظر بريطانيا للحل في اليمن، واستعداء الشعب اليمني وقيادته، ما اضطر الجانب الوطني إلى رفضه وعدم تقبله.

ويؤكّـد الشوجبي أن صمود الشعب اليمني في مختلف جبهات القتال ومنها العسكرية والدبلوماسية، وكذا التحولات الكبيرة في الموقف الميداني للجيش واللجان الشعبيّة من الدفاع إلى الهجوم، جعلت الأمم المتحدة تغير من سياستها تجاه اليمن وذلك من خلال ترشيح مبعوث أممي جديد يحمل رؤية الأمم المتحدة، لافتاً إلى أن التطورات الإقليمية بما يخص الملف النووي، وتدهور واستنزاف دول العدوان لمقدراتها العسكرية وَالاقتصادية والإعلامية الدبلوماسية، وكذا الخلافات التي ظهرت على السطح مؤخّراً بين الإمارات والسعوديّة، وكافة التطورات الدولية التي من أهمها محاولات أمريكا إعطاء جل اهتمامها لمنطقة جنوب شرق آسيا وَإعاقة تقدم الصين وروسيا، سهّل من ترشيح الدبلوماسي السويدي هانس غراندبيرغ، منوِّهًا إلى أنه مبعوث أممي يعبر عن وجهة النظر الأممية، إلى حَــدٍّ كبير.

ويعتقد الشوجبي أن المبعوث الأممي الجديد سيعمل على إيقاف العدوان، وسيراعي إلى حَــدٍّ ما وجهة نظر حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى، وأن ما يساعدُ ذلك خلفيتَه السويدية وهي الدولة الأقل عدائية للشعب اليمني، لافتاً إلى أن تعيينه والموافقة عليه لم يأتِ حباً بالشعب اليمني، أَو رغبةً من قبل دول تحالف العدوان، أَو أسيادهم الأمريكان والبريطانيين في إيجاد الحل العادل في اليمن، وإنما خوفهم الشديد من انهيار الأنظمة الاستبدادية المعتدية على اليمن وَالحليفة لهم في السعوديّة والإمارات، موضحًا أنهم سيخسرون بذلك الامتيَازاتِ والمكاسبَ الاستراتيجية التي يجنونها من هذه الدول، بمعزل عن الشعوب التي تقطُنُها.

 

تبعيةٌ للدول الخمس دائمة العضوية

من جهته، يقول أُستاذ القانون الدولي، الدكتور حبيب الرميمة: “الأمم المتحدة هي منظمة وليست حكومة فوق الدول.. صحيح أن أهم أهدافها النظرية وفقاً لما نص عليه ميثاقُها هو حفظ الأمن والسلم الدوليين”.

ويضيف الرميمة قائلاً: من خلال عدد من المبادئ أهمها حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، ومبدأ المساواة بين الدول، وأن تنهج الدول في حَـلِّ نزاعاتها بالطرق السلمية، لكن يبقى ذلك الهدف الرئيس لها ومبادئها المرتبطة له، رهناً لسياسة الدول الخمس الكبرى التي أعطت لنفسها حق النقض الفيتو في اتّفاقية يالطا ١٩٤٥م، مؤكّـداً أن المبعوث الدولي يمارس مهامه كوسيط دولي يخضع لتأثير الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

ويتساءل الرميمة ما إذَا كان أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش قد رهن كُـلّ ما تقرّره مهام واختصاصات الأمين العام المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وقام بإدراج “أنصار الله” في قائمة قتل الأطفال عشية تمديد فترة ولاية ثانية له، بما يفسر صراحة بمقايضة سياسية، فكيف بالمبعوث الأممي الذي يعمل تحت ولايته؟

ويرى الرميمة أن هناك بصيص أمل من تعيين المبعوث الأممي الجديد؛ وذلك كونه ينتمي إلى دولة السويد التي لها مواقف إيجابية أبرزها احتضانها لمؤتمر ستوكهولم.

ويؤكّـد أن عدالةَ القضية في ردع العدوان والحصار وما يسطّره الجيشُ واللجانُ الشعبيّة في الميدان هي الفيصلُ الحقيقي، وأن ذلك سيجبر العالم كله بما فيها الأمم المتحدة ومبعوثها الجديد بتغليب الاعتبارات القانونية على الاعتبارات السياسية واحترام قواعد القانون الدولي والمواثيق الدولية.

ولا تمثل شخصيةُ الوسيط الأممي وميولُه ونواياه الحسَنة في تحقيق المصالحة بين أطراف صراعٍ ما في هذا العالم بقدر ما هو مقيَّدٌ بآلية المنظمة الدولية التي تعيِّنه لمنصبٍ مثل منصب مبعوث الأمين الخاص إلى بلدٍ معين، حسب ما يوضّحُه الناشطُ الإعلامي عبدُ العزيز أبو طالب.

ويقول أبو طالب: إن تعيينَ السويدي هانس جراندبيرغ مبعوثاً خاصاً إلى اليمن أتى بعد تنحيةِ المبعوث السابق البريطاني مارتن غريفيث والذي أنهى فترته (2018 – 2021) بالفشل كسابقه إسماعيل ولد الشيخ، لافتاً إلى أن حكومةَ الإنقاذ الوطني اضطرّت إلى رفض ولد الشيخ وغريفيث؛ كون مهامهما أشبهَ بساعي بريد أَو متصدراً باسم الجهة التي يتبعُها غيرَ مبالٍ بضرورة التزام الحياد والإنصاف وتبيين الحقيقة.

ويرى أبو طالب أن المبعوث الحالي جراندبيرج يستندُ إلى دور بلاده السويد في إنفاذ اتّفاق ستوكهولم نهاية العام 2018 الخاص بالحديدة، كما يتكئ على عمله السابق كسفيرٍ للاتّحاد الأُورُوبي إلى اليمن، موضحًا أن ذلك لا يكفي لتوقُّع نجاحه في مهمته بقدر ما هو متعلقٌ بإرادَة الدول المستكبرة والمعتدية على اليمن في تحقيق السلام، وإطلاق عملية سياسية تنهي العدوان وتفسح المجال لبناء اليمن وإعادة إعماره.

ويشير أبو طالب إلى أن بانتظار المبعوث الجديد عدداً من الملفات الصعبة، لعل أولها الوضعُ الإنساني المتصاعد في التأزم والاشتداد بعد كُـلّ جريمة يرتكبها العدوّ ومرتزِقته بحق الاقتصاد اليمني، واستمرار العدوّ في الحصار، واحتجاز سفن المشتقات النفطية، معتقداً أن المِلَفَّ العسكري المعقَّد والجرائم التي يرتكبها العدوّ بحق الشعب اليمني لن يكونَ ملفاً سهلاً، إذَا ما أضيف إلى ذلك الصراعاتُ بين مرتزِقة العدوّ في المناطق المحتلّة بين ما يسمى الانتقالي المدعوم إماراتياً والإخوان المدعومين سعوديّاً.

ويؤكّـد أبو طالب أن المبعوثَ الجديدَ سينصدمُ بالتعنُّت السعوديّ الأمريكي في كُـلّ محاولة للتوصل لحلٍّ سياسي وإيقاف العدوان ورفع الحصار، مبينًا أن العدوان لا يزال يضعُ العراقيل أمام تسوية سياسية حقيقية في اليمن، وأن كُـلّ ما يقوم به من إطلاق ما تسمى مبادرات لوقف إطلاق النار ليست سوى ذرٍّ للرماد في العيون ومحاولة لتبرئة ساحته الإجرامية، منوِّهًا إلى أن العقبةَ الجوهريةَ التي سيقابلُها المبعوثُ الجديدُ تتمثل في استمرار السعوديّة في قيادة العدوان على الشعب اليمني وفي نفس الوقت تقدم نفسَها وسيطاً، الأمر الذي يعقّد مهمة المبعوث الجديد إن لم تجعلها مستحيلةً في ظل هذا النفاق والتناقض.

ويجزمُ أبو طالب بأن مسألةَ توقُّع نجاح أَو فشل المبعوث الجديد ستكونُ مشروطةً برغبة دول العدوان فعلياً في وقف عدوانهم ورفع الحصار، متوقعاً أن المبعوثَ الأممي سيفشلُ كما فشل السابقون، في حالة اقتصار مهمته بمهمة الوسيط في إدخَال الأطراف المتصارعة مفاوضاتٍ عقيمةً واستنزافيةً فيما تحاول دول العدوان كسبَ الوقت، موضحًا أن صلاحياتِه ونواياه لن تكونَ غالبةً على إرادَة دول العدوان التي تستطيعُ وقفَ إطلاق النار برفع سمَّاعة هاتف البيت الأبيض لقصر اليمامة بالرياض “أوقفوا الحرب”.

 

صحيفة المسيرة

 

قد يعجبك ايضا