“القاعدة وداعش” صناعة أمريكا وجيشها الأقذر.. نشأة التكفيريين ومصيرهم على ضوء انتصارات المجاهدين في البيضاء
| صحافة | الثورة
ارتبط التواجد الأمريكي المباشر في اليمن منذ البداية بتمكين القاعدة من السيطرة العسكرية والأمنية على البيضاء ومارب
مثلت حادثة المدمرة الأمريكية ، (USS Cole) ، في عدن في عام 2000 مرتكزا محوريا تستند عليه أمريكا في فرض السيطرة العسكرية والأمنية والسياسية على اليمن ، لقد استخدمتها أمريكا ذريعة للسيطرة والتحكم بالسواحل اليمنية ، واستباحة الأجواء اليمنية وإنشاء قواعد عسكرية ، والتواجد العسكري المباشر على الأرض، وقد كانت اليمن منذ حادثة المدمرة الأمريكية «يو إس إس كول» في العام 2000م على شواطئ مدينة عدن- أعقبتها تفجيرات الـ 11 سبتمبر 2001- بلداً مستباحاً لأمريكا أخضعته عسكرياً وأمنياً وسياسياً.
بادئ ذي بدء فرضت أمريكا تواجدها العسكري بحجة أنه أصبح ملاذاً للجماعات التكفيرية ، سبق ذلك عمل أمريكي مباشر على إعادة المقاتلين من أفغانستان بعد أن استخدمتهم وسلَّحتهم وحشدتهم ودربتهم لقتال السوفياتيين في ثمانينيات القرن الماضي ، حين عادوا إلى اليمن استخدمت أمريكا وجود هؤلاء في خطابها الذرائعي للسيطرة المطلقة على اليمن.
بعد حادثة المدمرة كول وافق نظام الهالك علي عبدالله صالح على اتفاقية بعنوان «الحرب على الإرهاب» ، وأباح لأمريكا السيطرة على الأجواء اليمنية وانتهاك السيادة اليمنية بتنفيذ ضربات وهجمات جوية ، وصولاً إلى تنفيذ عمليات إنزال جوي تكرر مراراً، ثم انتهى الأمر بتواجد عسكري مباشر على الأرض.
الفترة ما بين 2001م إلى 2011م، هي المدة التي تمكنت خلالها أمريكا من إحكام السيطرة العسكرية والأمنية والإخضاع السياسي لليمن ، وصولا إلى التحكم بالإعلام والخطاب الديني وتغيير المناهج التعليمية ، والسيطرة على كل شيء بما في ذلك تعيين المسؤولين ، اختراق الأجواء اليمنية بالطائرات خلال تلك السنوات كانت حدثاً يومياً، إذ كانت الطائرات الأمريكية تنتهك السيادة يومياً وتنفذ غارات وتحلِّق وترصد في صنعاء وحضرموت والحديدة وفي مارب وفي البيضاء وفي تعز وفي السواحل اليمنية وبصورة يومية.
يشير البعض إلى أن الأعوام 2001 – 2011 كانت المرحلة الأولية للسيطرة الأمريكية على اليمن، إذ تمكنت أمريكا من التغلغل السياسي والعسكري والأمني ، وكان مسار التغلغل يترافق مع مسار التدمير وتجريد اليمن من السلاح وتفكيك الجيش وفرض السيطرة على الجوانب الأمنية ، أما المرحلة الثانية، فقد كانت بعد أحداث 2001 ، وقد دخلت اليمن مرحلة جديدة تمكنت أمريكا من إحكام سيطرتها على كل شيء ، وكان ذلك نتيجة للفرض والإخضاع والإضعاف والتفكيك والتدمير الذي سبق العام 2001م.
حاكمون بأمر أمريكا
حين بدأت ثورة 2011 ، كانت أمريكا تدير الأحداث عن كثب وتوجد هوامش للأطراف التي انخرطت في أحداث الثورة باحثة عن كيفية تشكيل مشهد جديد بعد صالح تتمكن من خلاله في فرض وجود أوسع على اليمن ، حين أخذت الثورة حالة من الصراع بين الإصلاح والمؤتمر، وكل له حلفاء ، كانت أمريكا في حالة بحث لإيجاد بديل يتسلم الراية يقدم تنازلات أكثر لها ، وتتمكن من خلاله من الاحتلال المعلن والرسمي لليمن.
وفي تلك الفترة كانت أمريكا تدير اللعبة وتتحكم في مجريات الصراع السياسي الحاصل بين السلطة والمعارضة ، كان أمناء الأحزاب المعارضة يلتقون بالسفير الأمريكي بشكل شبه يومي ، وكان السفير جيرالد فايرستاين أيضا يوجه صالح بما عليه من واجبات ، وفي نهاية العام 2011 وافقت أمريكا على إزاحة علي عبدالله صالح من سدة الحكم بعدما وجدت تطمينات من أحزاب المعارضة ومن هادي، والأخيران قدما لها مغريات وتنازلات أكثر من صالح ، وإثر ذلك أرخت خيط علاقتها بنظام صالح واستغنت عنه، وقد كان إعلان الفار هادي في 25 فبراير من عام 2012م أثناء تأديته لليمين الدستورية أمام البرلماني اليمني، استمرار ما أسمي بالحرب على القاعدة والتعاون مع أمريكا، مؤشرا على أن مسار السيطرة العسكرية والأمنية والسياسية ستأخذ واقعا أوسع مما كانت عليه.
يتواجد النفوذ السياسي ويزداد تغلغلا في البلدان التي تعاني سلطاتها من فقدان المشروعية الشعبية والمشروع الوطني ، وقد كانت أمريكا حريصة على إبقاء الأنظمة والحكومات في الشرق الأوسط وعلى وجه أخص في اليمن مجردة من أي مشروعية وانتماء وطني وشعبي ، حتى تبقي السلطات دائما في حاجة للاحتماء بها والاحتفاظ بالسلطة والحكم ، وكانت الحكومات والسلطات المتعاقبة في اليمن أيام صالح وما بعده حتى العام 2014 حاكمة بأمر السفير الأمريكي وقائد القوات الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط ، وخاضعة بشكل مطلق للأوامر والتوجيهات الأمريكية ، تُسارع بتقديم ما تطلبه أمريكا وتبيع كل شيء وتقدم كل شيء لها.
تكشف وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية ، أن السفير الأمريكي أصدر توجيها إلى الرئاسة بسرعة إصدار قرارات رئاسية لعدد من القادة العسكريين في مناصب مختلفة، بينها قائد جديد لقوات العمليات الخاصة، ونائب له ونائب لرئيس هيئة الأركان العامة، وتاريخ الوثيقة يعود للعام 2012 حين تولت أمريكا أمر الجيش وتولى سفيرها آنذاك جيرالد فايرستاين أمر البلاد والعباد.
كان السفير الأمريكي يجري لقاءاته بالمسؤولين وبقيادات الأحزاب السياسية يوميا ، يصدر التوجيهات والقرارات ، كانت أخبار السفير الأمريكي تأخذ مكان أخبار الرئيس في وسائل الإعلام الرسمية وفي الصحف الرسمية والأهلية.
بعودة سريعة للاطلاع على أرشيف صحيفة “الثورة” الرسمية من تاريخ 1 يناير 2010م ، تجد أن أخبار السفير الأمريكي منذ 2010 حتى بداية سبتمبر 2014م ، كلها نشرت في الصفحة الأولى للصحيفة وبلغت 336 خبرا بحجم مساحات أخبار الرئيس وكبار المسؤولين ، وهذه غير الأخبار المنشورة في الصفحتين الثانية والثالثة ، لقد كان السفير فايرستاين كل شيء، هو الرئيس وهو القائد العسكري وهو المسؤول الأمني الأول ، يلتقي بالقادة العسكريين ، يلتقي بالمسؤولين والأحزاب والمنظمات والعملاء والجواسيس ، وكان الإعلام اليمني يصدر صفحاته ونشراته بأخبار السفير كما لو أنه حاكم مطلق لليمن.
السيطرة العسكرية
السيطرة على الأجواء والسواحل والمياه اليمنية ، إنشاء قواعد عسكرية في عدن وصنعاء وفي العند ، قائد الأركان العامة يتلقى التوجيهات من قائد القوات المركزية في الشرق الأوسط ، سلاح الجو اليمني في مرمى الاستهداف ، صواريخ الدفاع الجوي ومنظومات سام دُمِّرَتْ بتوجيهات أمريكية مباشرة ، القوات البحرية سُرِّحَتْ واستُبدلتْ بقوات أمن وشرطة بحرية «خفر السواحل» ، اليمن ولاية أمريكية تخضع لحكم السفراء من أدموند هول وجيسكي وجيرالد ، حتى تولر.
كان انتشار جنود أمريكيين في مدينة عدن بعد أسابيع من حادثة المدمرة كول مؤشراً يكشف أن الأمريكيين قد قرروا احتلال اليمن فعليا ، وحين وجدوا أن الحرب ليست مطلوبة لاحتلال اليمن وأن من الممكن احتلال اليمن والسيطرة عليه لم يلجأوا لشن الحرب بل فرضوا وجودهم وسيطرتهم الكاملة على اليمن بواسطة النظام اليمني نفسه.
منذ البداية اتخذت أمريكا مساراً في السيطرة العسكرية على اليمن ، كامتداد للهيمنة السياسية والنفوذ على النظام الخائن ، وكان التواجد العسكري في البدء يأخذ إذناً مسبقاً من النظام الحاكم ، لكن أمريكا عملت على تجريد الجيش اليمني من السلاح وتفكيك العقيدة القتالية وضرب الهوية الوطنية وتغيير الثقافة والسلوك من خلال الإعلام والخطاب الديني والتوجيهي والتربوي ، ولم تأت أحداث فبراير 2011م، إلا والجيش اليمني مفكك وضعيف وهش وبلا ولاء وطني وبلا سلاح ، وقد تحول النفوذ السياسي والحضور العسكري والأمني من شكل غير ظاهر ، إلى شكل معلن وظاهر وبلا مواربة.
نفذت أمريكا عام 2002 أول غارة جوية في اليمن مستهدفة من قالت إنه المسؤول عن تدمير المدمرة كول أبو علي الحارثي ، لم تتوقف الغارات الأمريكية والتحليق والاستطلاع منذ ذلك الحين ، وصلت إلى أكثر من خمسين ضربة معلنة في العام 2013 ، و13 إنزالاً برياً ، أما الاستطلاع والتجسس فكان حدثاً يومياً مشهوداً.
في 17 ديسمبر 2009م قامت بوارج أمريكية بقصف قرية المعجلة في محافظة أبين بصواريخ كروز من نوع توماهوك كروز BGM – 109D ، وقتلت 41 من المواطنين اليمنيين، بينهم 14 من النساء و21 طفلاً ، قال الأمريكيون لصالح، أوعزوا لوسائل الإعلام أن تعلن أن العملية نفذها الجيش اليمني على إرهابيين ، في صباح اليوم الثاني كل وسائل الإعلام الرسمية والأهلية التي كانت تدار من السفارة تعلن أن العملية نفذها الجيش اليمني ضد إرهابيين.
تكشف وثيقة صادرة عن السفارة الأمريكية أن صالح قال للأمريكيين «أنتم نفذوا الضربات واحنا نقول أننا من نفذناها»، وكان وزير الداخلية رشاد العليمي أبلغ الأمريكيين أنهم سيعلنون ذلك في الإعلام الحكومي ، وإثر ذلك هاجم القربي أحزاب المعارضة واتهمها بالعمالة حين أثارت القضية واتهمت الحكومة ونظام صالح بالسماح للأمريكييين بانتهاك السيادة.
• أعلنوا بأن الطائرة إيرانية
في 17 مارس 2007 / م تحطمت طائرة أمريكية في ساحل حضرموت ، وقد سقطت الطائرة التجسسية حينما اكتشف ضباط من الجيش اليمني وجودها في الأجواء ونفذوا عملية عسكرية لإسقاطها ، وفي 29 مارس قالت وسائل الإعلام الرسمية في اليمن أن الجيش اليمني قد أسقط طائرة عسكرية إيرانية «طائرة تجسس» قبالة ساحل حضرموت، وذلك بعد التواصل مع «القوات المتعددة الجنسيات» في المنطقة.
حادثة إسقاط الطائرة كانت مثيرة للأمريكيين الذين احتجوا على صالح ، ومنذ العام 2002 باتت الأجواء اليمنية مستباحة للطائرات الأمريكية ، فالطائرات الأمريكية تقصف وتحلق متى شاءت تحت عناوين الشراكة في مكافحة الإرهاب والرقابة على تهريب السلاح.
على خلفية سقوط طائرة الاستطلاع الأمريكية على ساحل بحر العرب في محافظة حضرموت ، غضب الأمريكيون من الحادثة ، رد صالح على نائب السفير وقتها نبيل خوري في مكالمة هاتفية أجراها السفير مع صالح خلال تواجده في الرياض لحضور القمة بأنه لم يكن هناك علم بأي عمليات لطائرات الاستطلاع في المنطقة ، تنتمي طائرة الاستطلاع إلى المدمرة الأمريكية يو اس اس اشلاند U.S.S. Ashland التي كانت تجوب السواحل اليمنية وتقوم بدوريات متواصلة ، في إطار ما كانت تسميه أمريكا «قوات المهام المشتركة» ، وقد تحطمت الطائرة في المياه الدولية في 17 مارس و لم يتم انتشالها بعد.
في 28 مارس ، تحدث نائب السفير الأمريكي نبيل خوري مع صالح (الذي كان يحضر القمة العربية في الرياض) عبر الهاتف، وأكد له أن الطائرة تابعة للبحرية الأمريكية ، كان نائب السفير قد استدعى بشكل منفصل مع وزير الداخلية وقتها رشاد العليمي ووكيل جهاز الأمن القومي عمار صالح محتجا على ما حدث.
هذه حادثة واحدة مما كشفته وثائق السفارة الأمريكية بصنعاء التي نشرها ويكيليكس.
في الثاني عشر من ديسمبر 2013م نفذت طائرة أمريكية بدون طيار، غارات بأربعة صواريخ هيلفاير على قافلة من 11 سيارة كانت تزف عريسا في محافظة البيضاء ، قتلت أمريكا ما لا يقل عن 12 رجلاً وألحقت إصابات بـ 15 آخرين على الأقل، ستة منهم إصاباتهم جسيمة ، ادعت امريكا أن الذين قتلوا هم إرهابيين ، لتبرر قتل اليمنيين بتلك الطريقة ، قال شهود وأقارب للقتلى والمصابين- قابلتهم هيومن رايتس ووتش في اليمن- إن القافلة كانت عبارة عن موكب عرس، وقالوا إن جميع من شاركوا في الموكب كانوا من المدنيين ، بما في ذلك جميع القتلى والمصابين، وأنه قد لحقت بالعروس إصابة سطحية في الوجه.
سماء اليمن مباحة للطائرات الأمريكية ، سبق للأمريكيين تدمير الدفاعات الجوية اليمنية ، سبق للأمريكيين تدمير القوات البحرية ، سبق تفكيك الجيش وتغيير عقيدته وإلحاقه بالملحق العسكري الأمريكي وإدارته عبر رئيس أركان هو في الحقيقة كان يد الأمريكيين العسكرية في اليمن.
في منتصف شهر سبتمبر من عام 2012م، أكد السفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين أن «مجموعة صغيرة» من قوات المارينز الأمريكية وصلت صنعاء، وفقا لمشاورات تمت مع الحكومة اليمنية ، وقال السفير الأمريكي في بيان صحفي نشرته سفارة بلاده بصنعاء «سيعمل عدد قليل من القوات الأمنية الإضافية وبشكلٍ مؤقت على المساعدة في جهود الأمن وإعادة الوضع إلى طبيعته في سفارة الولايات المتحدة بصنعاء».
السفير الأمريكي صرح بذلك بعد أن أثيرت معلومات نشرتها وسائل الإعلام اليمنية عن وجود قوات من المارينز في محيط السفارة الأمريكية بالعاصمة صنعاء، وهو ما أكدها السفير الأمريكي بقوله «إن وجود تلك القوات أمر طبيعي يقتصر على تقديم المساعدة في المرافق الدبلوماسية الأمريكية التي تواجه تحديات أمنية ولحماية الدبلوماسيين الأمريكيين من العنف» ، وأشار فايرستاين إلى أن «مثل هذه المجموعة تكلف على مدى قصير ، وادعى أنها تعمل وفقاً للقانون الدولي».
كانت تختلق أمريكا الذرائع ، لتعزيز السيطرة العسكرية ، قال وزير الدفاع خلال زيارته ، واستثنى من ذلك العسكريين الأمريكيين المعنيين بتدريب وتأهيل بعض وحدات الجيش ووحدات أمنية أخرى، خاصة في جانب ما يسمى «مكافحة الإرهاب»، وأنه يأتي في إطار التعاون العسكري بين اليمن والولايات المتحدة، على العرف المألوف لدى كثير من الدول، لكن هناك معلومات يجري تداولها عن وجود ما بين: 150 إلى 200 جندي أمريكي في اليمن، غير الخبراء المعنيين بمهام التدريب وتبادل الخبرات العسكرية».
وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية، تصاعدت الفوضى الأمنية والتخريب الممنهج لمنظومات الطاقة والنفط ، وعمليات الإرهاب بشكل كبير ، حتى لا يكاد يخلو يوم من تفجير أو اغتيال ، أو اقتحام معسكر أو منشأة ، أو تدمير خطوط كهرباء أو أنبوب نفط ، فالفوضى واستهداف خطوط الكهرباء نشطة ، وإسقاط الطائرات الحربية كذلك ، بالتزامن مع تصاعد الاغتيالات للقيادات العسكرية والأمنية التي راح ضحيتها أكثر من ألف ضابط وصف وجندي ، الأهم أن مشروع تدمير الخدمات ، وتصاعد الاغتيالات والتصفية لقيادات الجيش والأمن ، والتفجيرات الإرهابية ، وإسقاط الطائرات وتدميرها ، كان مشروعا موحدا ضمن أجندة الاستباحة الأمريكية لليمن ، والتحكم بالقرارات السياسية والعسكرية والأمنية ، وأن المخابرات اليمنية الأمن القومي كان أحد الأذرع التي تعمل ضمن هذه الأجندات الأمريكية وهو من يقوم بتنفيذها.
وما خفي -وقتذاك- تكشفه الوثائق التي عثر عليها في السفارة الأمريكية بصنعاء ، والتي تكشف عن التوجهات الأمريكية التي كان يديرها السفير فايرستاين ، والذي كان الحاكم المطلق لليمن وصاحب القرار الأعلى.
تدمير الجيش بذريعة الهيكلة
أثارت أمريكا مسألة الجيش اليمني في سياق التجاذبات السياسية بين المعارضة والنظام ، وفي العام 2011م طرحت مسألة هيكلة الجيش على طاولة الصراع ، تحركت أمريكا لهيكلة الجيش وجيشت لتلك المهمة منذ البداية وسائل الاعلام والناشطين والصحافة والمنظمات والأحزاب ، حتى بات مطلب هيكلة الجيش مصبوغا بصبغة وطنية ، ثم في العام 2012م، كانت أمريكا تضع مخطط التدمير تحت ذريعة الهيكلة موضع التنفيذ.
في “4/ ديسمبر ٢٠١١م أصدر هادي قرارا بتشكيل لجنة عسكرية وأمنية تتولى إعادة هيكلة القوات المسلحة ، وجاء القرار لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المبادرة الخليجية التي وقعت تحت وصاية وإشراف السعودية ، ورغم أن قرار هادي شمل قيادات عسكرية يمنية -وقتذاك-، إلا أن السفير الأمريكي في صنعاء -آنذاك- جيرالد فايرستاين كان المشرف على عملية الهيكلة وهو من وجَّه بإصدار قرار تشكيل اللجنة العسكرية ، وما تلاه من قرارات هيكلت القوات المسلحة خلال الأعوام (2011 – 2014م) ، وهو ما تكشفه الوثيقة التي حصلت عليها “الثورة”، و يؤكد السفير فايرستاين فيها أن فريقا أمريكيا سيصل للإشراف على عملية هيكلة الجيش ، وفي تصريح يقول فايرستاين إن «الولايات المتحدة الأمريكية تتولى هذه المهمة ضمن جهود رعايتها اتفاق المبادرة الخليجية ودعم العملية الانتقالية وبناء اليمن الجديد» حد زعمه.
في أبريل 2012م قال السفير الأمريكي جيرالد فايرستاين خلال لقاء مع مسؤولين أنه سيصل فريق أمريكي إلى صنعاء للإشراف على هيكلة القوات المسلحة في اليمن ، وفي ١٦ أبريل ٢٠١٢م عقدت لجنة الهيكلة المشكلة من قبل هادي اجتماعا برئاسة السفير الأمريكي ، بحضور فريق فني أمريكي وصل اليمن في مهمة خاصة تتعلق بمساعدة لجنة الشؤون العسكرية في إعادة هيكلة الجيش والأمن، حد الخبر المنشور وقتها.
في تاريخ أبريل 2012م وصل فريق فني أمريكي إلى اليمن ، وترأس السفير الأمريكي بصنعاء جيرالد فايرستاين ، اجتماعا ضم اللجنة العسكرية والأمنية التي شكلها هادي ، ووفد فني أمريكي وصل اليمن -يومذاك- في “مهمة خاصة تتعلق بمساعدة لجنة الشؤون العسكرية في إعادة هيكلة الجيش والأمن، طبقاً لما نصت عليه المبادرة الخليجية التي بموجبها تم نقل السلطة في اليمن” حسب ما نص عليه الخبر المنشور في وكالة “سبأ” وصحيفة “الثورة” آنذاك ، واستعرضت اللجنة العسكرية خلال الاجتماع ما «حققته من نجاحات ميدانية حتى الآن في سبيل ترسيخ الأمن والاستقرار وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي».. من جهته، أشاد السفير الأمريكي بصنعاء جيرالد فايرستاين بما قامت به لجنة الشؤون العسكرية وما حققته من نجاحات ميدانية، قائلاً إن ما قامت به من خطوات أسهمت في تحقيق الأمن والاستقرار وتعزيز الشراكة بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية والدول العشر الداعمة للمبادرة الخليجية.
وتكشف الوثائق- التي حصلت عليها “الثورة”- أنه وإلى جانب الهيكلة ، فإن قرارات تعيين قادة القوات المسلحة بعد تسلم الأمريكيين ملف القوات المسلحة كانت تتم بأوامر السفير الأمريكي إلى الرئيس الخائن هادي ، تؤكد الوثائق الدور الذي لعبه جهاز الأمن القومي في تنفيذ الخطط الأمريكية التدميرية للجيش والأمن والفوضى والتدمير للخدمات والاغتيالات للضباط ، وتدمير الطائرات الحربية التابعة للجيش ، وسبق ذلك تنفيذه لمؤامرة تدمير الدفاعات الجوية ، وتسريح ألوية حماية الحدود والقوات البحرية العسكرية ، واستبدالها بـ”وحدات أمنية رمزية” حسب نص توجيه أصدره السفير الأمريكي ، كانت عبارة عن مخططات وأجندات أمريكية وتفكيك وتدمير تعرض له الجيش اليمني ، ثم أتبعت بإسقاط الطائرات وبالاغتيالات التي استهدفت كوادر القوات المسلحة.
في اللقاء نفسه- الذي عقد برئاسة السفير الأمريكي وبحضور اللجنة العسكرية- أكدت معلومات نشرت حينها أن الأمريكيين تسلموا ملف هيكلة القوات المسلحة والأمن ، أي تسلم الأمريكيون كافة بيانات القوات المسلحة وأرقامها وأنواع السلاح الذي تمتلكه ، وأسماء القيادات العسكرية ووضعها ، وكل هياكلها ، وفي خبر ذلك الاجتماع أشير إلى أن اللجنة العسكرية “وهي لجنة مكونة من قادة عسكريين يمنيين على رأسهم وزير الدفاع محمد ناصر أحمد”، قد أطلعت الأمريكيين على ما «حققته من نجاحات ميدانية في سبيل ترسيخ الأمن والاستقرار وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي ”.
الإنجازات الميدانية المقصودة -وقتذاك- هي ما كانت تحققه القوات المسلحة اليمنية في “الحرب على أنصار الشريعة في أبين” ، ضمن عمليات عسكرية كان يقودها العقيد سالم قطن ، بعد شهرين فقط من هذا الاجتماع وتسلم الأمريكيون ملف القوات المسلحة وفي تاريخ 19 /6/ 2012م ، اغتيل سالم قطن الذي كان يقود نفس العمليات العسكرية على أنصار الشريعة ، الحادثة تلك كانت بداية اغتيالات لم تتوقف حتى تفجرت ثورة 21 سبتمبر 2014م ومغادرة الأمريكيين صنعاء.
مثَّل اغتيال سالم قطن حلقة أولى في مسلسلات التصفية والاغتيالات التي استهدفت القيادات الميدانية في الجيش اليمني ، أخذت منذ تاريخ اغتيال قطن وتيرة عالية ومتصاعدة، حيث بلغ عدد من تمت تصفيتهم خلال أربعة أشهر فقط أكثر 110 ضباط ، لقد جاء في مؤتمر صحفي عقده السفير الأمريكي فايرستاين في صنعاء بتاريخ 8 /5/ 2013م: (إن هناك وحدات عسكرية لديها بعض الإشكاليات وسيتم حلها ومعالجتها) .
في نفس شهر 5 من عام 2013م ، قام السفير نفسه بزيارة سرية بمفرده الى محافظة حضرموت ، وحسب مذكرة زوجة السفير السيدة ماري في مقال سوزان، الذي تم نشره في موقع المصدر أون لاين بتاريخ 20 /5/ 2013م ، فإنه في ذلك الشهر حدثت أكثر من عشر عمليات اغتيال لكبار قادة الجيش و الأجهزة الأمنية و منهم مدير فرع الاستخبارات في حضرموت العميد أحمد عبدالرزاق وقيادات الجيش أمثال قائد الدفاع الجوي العقيد العميسي ومدير فرع البحث الجنائي العقيد الركن عبد الرحمن باشكيل، وتركزت أغلب غتيالات للقادة العسكريين والأمنيين في محافظة حضرموت والجنوب بشكل كبير منذ تلك الزيارة إلى اليوم ، وفي الشهر نفسه الذي وصل فيه السفير الأمريكي إلى حضرموت أعلن تنظيم القاعدة غيل باوزير إمارة إسلامية ، كان ذلك إيذانا بتحول أمني كبير حدث في حضرموت.
منذ تزايد وتعزيز الأمريكيين لتواجدهم في صنعاء كانت الأعمال الإرهابية تضرب المحافظات والعاصمة صنعاء بشكل شبه يومي ، وخلال 3 أعوام «2011 ـ 2014م»، نفذت أكثر من 1100 عملية إرهابية، وفي 2014م فقط تم اغتيال 264 من أبناء الشعب العسكريين والأمنيين والسياسيين والأكاديميين والإعلاميين، ولكثرتها في تلك المرحلة فقد كان من الصعب على الضباط العسكريين والأمنيين أن يخرجوا بالبدلات العسكرية، واضطر العديد من الأكاديميين والشخصيات الاجتماعية للاعتكاف في البيوت ، بينما كان الجنود يغيرون الميري في معسكراتهم ويخرجون بالزي المدني حتى لا يكونوا هدفا للتصفية الإرهابية.
•فوضى أمنية وتدمير ممنهج برعاية أمريكا
مع تصاعد التفجيرات والأعمال الإرهابية والاغتيالات للضباط واقتحام المعسكرات ، تصاعدت عمليات التخريب لخدمات أنبوب النفط وشبكة الكهرباء الممتدة من محطة مارب الغازية، حيث شهدت اليمن خلال تلك الفترة عمليات تخريب ممنهجة ، وتصاعدت عمليات الاعتداءات على أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط والغاز.
كان استهداف الخدمات العامة يتم بشكل مركز ويومي ، وكانت كل تلك الحوادث تسجل ضد مجهولين، كما كانت تتحدث أخبار السلطة آنذاك ، وقد خلق ذلك التصاعد في التخريب أزمة عصفت اقتصاديا باليمن ، حيث قال مدير مؤسسة الكهرباءعبدالرحمن سيف عقلان آنذاك لـصحيفة ”الثورة” بتاريخ 9 /7/ 2013م” إن أعمال التخريب قد فاقت حدود التحمل وفاقت أضرارها حدود الخسائر والاستنزاف المادي للمؤسسة الذي يهددها بالإفلاس والتأثير الكلي على حركة العمل والإنتاج في مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية العامة والخاصة وسائر الخدمات اليومية للمواطنين في البلاد”، وأضاف عقلان “إن المنظومة الكهربائية في البلاد أصبحت فعليا مهددة بالانهيار جراء الاعتداءات التي لا تتوقف على خطوط نقل الطاقة والأبراج – مارب”.
في تاريخ 26 / 6 / 2013م عرض السفير الأمريكي على حكومة الوفاق خلال لقائه بقيادات محلية في عدن “أطروحات لمعالجة مشاكل الكهرباء بتعاون شركات أمريكية أكدت رغبتها الاستثمار بهذا الخصوص في اليمن.” ، كما وعد في نفس الزيارة بدعم الاستثمارات في شراء الكهرباء لتغطية حاجة المواطنين .
كانت أمريكا هي التي تتحكم في الوضع الأمني آنذاك ، وما يربط الاغتيالات والتفجيرات واقتحام المعسكرات ، وتساقط وتدمير الطائرات الحربية ، مع تدمير شبكات الكهرباء وأنابيب النفط ، أن تلك الأعمال تصاعدت في وقت واحد، حين فرضت السفارة الأمريكية والمخابرات المركزية سيطرة أمنية وعسكرية مطلقة على اليمن.
وإزاء تلك الأحداث كان السفير الأمريكي فايرستاين يقدم أمريكا على أنها المنقذ ، وفيما كانت الفوضى تعم البلاد ، كان الأمريكيون يستكملون الاحتلال لليمن بإنشاء مزيد من القواعد العسكرية، تحت ذرائع خلقتها الأحداث التي أداروها بأنفسهم.
جاءت أمريكا بقواعدها العسكرية وبطائراتها بدون طيار وبشركاتها الأمنية الأمريكية ، وقالت إنها لحفظ الأمن والاستقرار في اليمن بعد ما استطاع الإرهابيون تدمير البنية القيادية الفعالة للقوات المسلحة والأمن وإظهار فشل المؤسسة العسكرية والأمنية في السيطرة على الوضع وعجزها عن حماية المشاريع الخدمية والاستثمارية وحتى عن حماية قياداتها، حد وصف الأمريكيين، آنذاك