من أجل تغيير الواقع لا بد من خوض الصراع

يوم الفرقان هو يومٌ عظيم، بركاته امتدت من بعده وإلى قيام الساعة، أثره الكبير في صناعة تحوّل في واقع البشرية بكلها، كان بداية هذا التحوّل في ذلك اليوم، وفي هذا نفسه دروس مهمة جدًّا: أن صناعة التحولات والتغيرات الكبرى في واقع البشر، وأن السعي للانعتاق والتحرر من وضعية سيئة جدًّا إلى واقعٍ إيجابيٍ وسليم، واقعٍ تعيش فيه الأمة في رعاية الحق، في رعاية الخير، في رعاية القيم، واقع تتحرر فيه الأمة من حالة الظلم والطاغوت والجبروت والاستكبار، لا يمكن أن يتحقق لها ذلك بالأماني ومجرد الكلام. لا، هذا غير ممكن أبدًا، البعض لديهم تصورات غير واقعية نهائيًا، والأخذ بها معناه ضياع، ضياعٌ للناس، ضياعٌ للوقت، ضياعٌ للجهد، وضياع للأمة، وتمكين أكثر وأكثر للطاغوت والاستكبار.

الذين يتصورون أن بالإمكان تغيير واقع البشرية، أو تغيير واقع مجتمع معين من المجتمعات من خلال فقط الكلام، والموعظة الحسنة، والعمل الهادئ جدًّا، ومن دون أي تضحيات، ولا صراع، ولا مشاكل، ولا مواجهة التحديات، ولا تعرض لأخطار، هذا وهم ورؤية ساذجة بكل ما تعنيه الكلمة، وأمر لا شاهد له في واقع البشرية، يعني: في استقراء التاريخ، واستقراء الماضي والحاضر، ما هناك تغيرات كبيرة وقعت في حياة البشر وفي حياة أي مجتمع، وحتى لو كان مجتمعًا محدودًا.

بل إن القرآن الكريم سرد لنا كثير من القصص المهم والعظيم، الذي هو حق وواقع ومؤكَّد، فيه الدروس المهمة، والأنبياء هم أعظم المصلحين في واقع البشر، ما هناك أحد أكمل منهم، وأرقى منهم، وأعلى منهم، ويحظون برعاية إلهية مباشرة، واتصال بالله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- فيما يتعلق بالتوجيهات المباشرة والمستجدة بشكلٍ لا مثيل له مع غيرهم، وهم في ما هم عليه من كمال، من أخلاق، من حكمة على أرقى مستوى، هم صفوة البشر وخير البشر، مع ذلك هل كانوا يتمكنون في الواقع البشري من العمل بهذه الطريقة:  صناعة تغيير كامل بدون مواجهة، بدون مشاكل،

بدون تحديات، بدون صراعات، فيتحركون في الساحة بما هم عليه من أخلاق عظيمة، من كمال عظيم، من نفوس زاكية وطيبة، بنوايا حسنة، بإخلاص، بحسن خلق، كذلك أسلوب راقي جدًّا في الأداء، برحمة عظيمة جدًّا، فيتلقى البشر ما قدَّموه لهم: من هدى، من خير، من تعليمات راقية، من توجيهات عظيمة، من سعي لإصلاح واقع البشرية بالترحاب، ويقول الناس: [إلا معكم، أهلًا وسهلًا بكم]، وينطلقون للإيمان، ويصلح المجتمع بكله، ويتحول إلى مجتمع طيب جدًّا، وما عاد فيه أحد لا بيعارض الحق، ولا يتصدى للحق، ولا ينتقد على الحق، ولا يسعى لمنع الحق، ويتجاوب الناس مع تلك القيم، وتلك الأخلاق، وتلك التعليمات التي هي فطرية، وفيها خير للبشر، وفيها مصلحة، ولا يفترض أن تستفز أي إنسان، ولا أن ينزعج منها أي إنسان؛ لأنها حق، وخير، ومصلحة، وفائدة، وعدل.

الأنبياء ودعوتهم: الأنبياء بما هم عليه من كمالٍ إنسانيٍ عظيم، شخصيات جذابة جدًّا، الأنبياء شخصيات جذابة للغاية، كمال إنساني عظيم جدًّا، يضاف إلى ذلك ما هم عليه من مكارم الأخلاق، أرقى مستوى في الواقع البشري من مكارم الأخلاق لدى الأنبياء، ولدى خاتم الأنبياء رسول الله محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-.

ما هم عليه أيضًا من حكمة وحسن تصرف بشكل كبير، لديهم أسلوب راقي جدًّا، أداؤهم أداء ناجح، أداء حكيم، أداء سليم، ما يغلطوا، ولا يتصرفوا بطيش، أو حماقة، أو أسلوب غير حكيم، والدعوة كذلك: الدعوة التي يقدمونها للبشر دعوة حق وخير ومصلحة ومنفعة وعدل ورحمة، رحمة بكل ما تعنيه الكلمة، وعندهم قدرة عالية جدًّا في إيصال هذه الدعوة إلى الناس بأرقى مستوى.

 

السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي

قد يعجبك ايضا