إذا لم يرب الإنسان نفسه على ضوء هدى الله ولم يستفد من المواقف التي تعزز ذلك الهدى فستنسف الأحداث كلما بداخله

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

الله قال عن نوعية من هذه في غزوة [الأحزاب]، ذكر عن صدورهم {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} تكاد قلوبهم أن تخرج: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية10).لماذا زاغت الأبصار؟ ولماذا كادت القلوب أن تخرج لو أن الحناجر تتسع لخروج القلب لخرج من الرعب والخوف؟ لماذا؟ هناك ظنون،. أولئك أناس جلسوا مع أنفسهم، لم يكونوا من تلك النوعية التي قال عنهم: {فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.

ظنوا بالله الظنون السيئة! يوم ابتعدوا عنه فامتلأت صدورهم رعبًا، وزاغت أبصارهم، ثم أيضًا ظنوا بالله ظنًا سيئًا. هكذا يجني الإنسان على نفسه إذا ابتعد عن الله، لكن عد إلى الله، عد إلى كتابه، تجد أولئك الذين قال الله عنهم: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22) يزداد المؤمنون إيمانًا أمام أي موقف، سواء موقف تشاهده، تحرك لعدوك، أو تسمع عنه، أو يقوله المرجفون لك.

إن الله أراد لأوليائه أن يكونوا بالشكل الذي يُعْيي الآخرين تمامًا، لا مرجفون يؤثرون، ولا منافقون يؤثرون، ولا عدوًا يستطيع أن يرهبني، ولا شيء في هذه الدنيا يمكن أن يخيفني، هكذا يريد الله لأولياؤه، وهكذا قامت تربية القرآن الكريم أن تصنع المؤمنين على هذا النحو، تربية عظيمة جدًا، وهي تربطك بمن يستطيع أن يجعل نفسك على هذا النحو، وأن يجعل الواقع أيضًا أمامك على هذا النحو، يبدو ضعيفًا أمامك، وفعلًا يكون ضعيفًا {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء: من الآية76).

ألم يقل كل شيء عن أعدائنا؟ أعداؤنا هم أولياء الشيطان على اختلاف أنواعهم وأصنافهم، أليسوا أولياء الشيطان؟ بصورة عامة {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء: من الآية76).

ويأتي إلى تصنيفهم: يهود، ونصارى، وكافرين، فيقول عنهم ما أسلفنا من قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ} {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} هكذا يقول عن اليهود والنصارى، هل هناك عدوا آخر غير هؤلاء؟ هل هناك عدو للحق، هل هناك عدو للإسلام إلا وهو داخل ضمن أولياء الشيطان.

إذًا فهم أولياء الشيطان، وكيد الشيطان كان ضعيفًا؛ لأنهم يستمدون قوتهم من الشيطان، وأنت إذا استمديت قوتك من الله فلا يمكن إطلاقًا أن يساوي مكر الشيطان، وكيده ذرة واحدة من قوة الله وتأييده لك، هكذا يريد الله لأوليائه أن يكونوا.

ونحن إذا لم نصل إلى هذه الحالة من التربية فنحن من سنخاف أمام كل شيء نسمعه، ونحن من سيزعجنا كلمة ينقلها أحد من الناس سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة. ونحن حينئذٍ من سيُنسَف كل وعي لدينا ولو على مدى عام بأكمله أو سنين بأكملها.

الإنسان إذا لم يربِ نفسه على ضوء ما يسمع مما هو من هدي الله سبحانه وتعالى، وإذا لم يستفد أيضًا من المواقف ما يعزز رسوخ تلك التربية في نفسه فهو من سيأتي الحدث الواحد فيَنسِف كل ما قد جمعه في داخله، بل هو من سينقلب على كل ما كان قد تجمع في نفسه، أولئك الذين ارتعدت فرائصهم في يوم الأحزاب ألم يقل الله عنهم: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}؟ ماذا يعني؟ أليس هذا انقلابًا على كل ما سمعوه من وعود من جانب الله؟ أليس هذا انقلابًا على كل ما سمعوه من كتاب الله، ومن فَمِ رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) من توعية وبصيرة، وشد عزيمة وتربية إيمانية قوية، ألم ينقلبوا عليها في لحظة؟ وماذا يحل محلها؟ الظنون السيئة بالله.

هكذا تأتي الآثار السيئة لضعف الإنسان في مواقفه، هو من ينقلب على كل معان عظيمة قد ترسخت في نفسه، وهو من سينقلب على كل وعيٍ إيماني أيضًا ترسخ في نفسه فيحل محلها الوهن والشك والارتياب والظن السيئ بالله وبرسوله وبكتابه.

وهو من سيرى في الأخير الشيطان أكبر في عينه من الله، وهو من سيرى في الأخير أولياء الشيطان بالشكل الذي يرعبه حتى أشكالهم، حتى حركاتهم، حتى صوت آلياتهم ترعبه.

بعض الناس قد يكفيه أن يسمع صوت طائرة، صوت مزعج فتنسف كل ما لديه من قيم إيمانية، هكذا يصبح كل شيء حتى الشكليات، حتى نبرات أصواتهم تصبح ترعبك، حتى شكلهم، حتى حركاتهم، حتى حركات آلياتهم، وهو الأمر الذي كان الله سبحانه وتعالى – وهو من قال في كتابه الكريم – هو يريده منك أنت أن تصبح أنت بالشكل الذي يرعب أعداءك كل شيء من جانبك.

ألم يقل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ} (الأنفال: من الآية60) حتى رباط خيلك، وشكل خيلك العربية، جياد الخيل، يراها العدو أو يسمع بها فترهبه، لكن أنت إذا ما أصبحت في موقع عدوك أنت، أصبحت من أولياء الشيطان فأنت من سيرعبك كل شيء من جانبهم.

أوليسوا هم أيضًا من يحاولون على أن يكون لهم أشكال متعددة تبدو أمام الآخرين بالشكل الذي يخلق رعبًا في نفوسهم؟ هم من يعملون على هذه.

بل كانوا وهذا كان في أيام بريطانيا التي كانت هي الدولة الكبرى في العالم، وكانت تقوم حركات من هنا وهنا مناهضة لها، وكان يبرز أشخاص أقوياء، وكانت مظاهر لندن – كعاصمة لدولة متقدمة – مظاهر العمران، مظاهر الحضارة بالشكل الجذاب، أو بالشكل الذي يصرف ذهنية الإنسان عن أشياء كثيرة أخرى فيرى في لندن وجه دولة عظمى هو يرى في نفسه أنه لا يستطيع أن يعمل أمامها شيئًا. فقالوا: كان البريطانيون يحاولون بأي طريقة أن ينجذب أولئك الثوار لزيارة لندن. وكان جمال الدين الأفغاني ممن قد عرف هذا، حاولوا فيه أيضًا أن يزور لندن وقال عنها: [هي مقبرة الثوار]، أو بعبارة تشبه هذه.

كان بعضهم يزور لندن فإذا ما زار ورأى البنايات الشامخة ورأى الحركة، ورأى المظاهر الجميلة، فيقول من يستطيع أن يقاوم هؤلاء، ورجع وقد بردت أعصابه كلها، وتلاشت كل ثوريته، وتلاشى حماسه، بل بعضهم يعود داعيةً لأن تبقى بريطانيا مستعمرة لشعبه! وقد يعود بعضهم أيضًا داعيةً إلى أن يتثقف أبناء شعبه بثقافة تلك الدولة، كما صنع [رفاعة الطهطاوي] أحد العلماء المصريين، عندما زار باريس.

هكذا يصبح الحال أمام من لا يفهمون كتاب الله بالشكل الذي يجعل كل شيء أمامهم ضعيفًا أمام قوة الله وجبروته، وعزته وقهره، وإذا لم نكن على هذا النحو سنرى الآخرين – وكما أسلفت – كلهم أكبر من أولياء الله، ووليهم أكبر من الله، وكل ما لديهم أكبر من إيماننا فتكون الأشياء كلها مما يعزز اليأس في نفسك، ومتى ما تعزز اليأس في نفوس الناس تلاشت كل القيم أمامهم، وأصبحوا هم من يسخرون ممن يحاول أن يحركهم، أصبحوا ممن يرون الأشياء كلها مستحيلة؛ ولهذا لما كان الإنسان كإنسانٍ ضعيفًا كما قال الله: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (النساء: من الآية28).

إذا لم يشتد بإلهه، إذا لم يعتمد على إلهه فإنه سيكون ضعيفًا، وها هو ضعيف حتى أمام خصومه من الحيوانات، أوليس الثعبان يقتله، والنملة تؤلمه؟ ووخزة الشوك تؤلمه وتقعده؟ لكنك إذا ما اعتمدت على الله تحول كل ضعفك إلى قوة. ولأن الإنسان هكذا جاء العمل على أن يصنع الإنسان على هذا النحو في القرآن الكريم مكررًا ومؤكدًا، وكثيرًا جدًا، ومرفقًا حتى بالقسم الإلهي، يقسم الله؛ من أجل أن نطمئن؛ من أجل أن يدفعنا من ضعفنا، أن يشدنا إلى حيث قوته وعزته ومنعته {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج: من الآية40) هذا كلام مؤكد، مؤكد باللام [الموطِّئة للقسم] كما يقولون، العبارة تساوي: والله {لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن

خطر دخول أمريكا اليمن

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 3/2/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا