ألدّ الأعداء.. وخطورة الغفلة
ففي كثيرٍ من الحالات قد لا تكون وحدك، قد لا تعيش في تلك الحالة، أو في ذلك الظرف لوحدك، هناك من يتدخل، هناك من يشتغل إلى أن يدفع بك أكثر فأكثر، وأن يجرّك إلى المزيد من حالة الانحراف، ويسعى إلى التأثير عليك أكثر فأكثر حتى تندفع وتنجر إلى المعصية لله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– هذا الطرف من هو؟ هذا الطرف هو أعدى عدوٍ لك، وقد يأتي إليك في أماكن كثيرة: قد يأتي إليك إلى منزلك، قد يدخل إليك إلى غرفتك، قد يأتي إليك في الحالة التي تعيش فيها وتعتبر نفسك في حالة خلوة، أو انفراد، أو أنك تعيش لوحدك، وتجلس لوحدك؛ فيأتي إليك، وينضم إليك في تلك الجلسة التي أنت فيها تفكر وتسوّل لنفسك، وتعيش حالة الهاجس النفسي، والتأثير النفسي، واعتمال الرغبة النفسية نحو معصيةٍ هنا، أو تصرفٍ خاطئٍ هناك، أو انجرارٍ إلى شهوةٍ هناك من خلال معصية الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى–.
هذا العدو هو العدو الذي حذرنا الله منه كثيراً وكثيراً في القرآن الكريم، يحمل لنا عداءً شديداً جدًّا، ويحرص على أن يبذل قصارى جهده في الإغواء لنا، والإغراء لنا بالمعصية، والإضلال لنا، والجر لنا إلى الهاوية، إلى سخط الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– هذا العدو: هو الشيطان الرجيم.
الحديث في القرآن الكريم عن الشيطان حديثٌ واسع، ومهم في الوقت نفسه، وهي من المسائل التي باتت واضحةً لدى البشرية كافة، ولكن في الوقت نفسه هناك غفلة عنها كبيرة، وفي كثيرٍ من الأحيان يغفل الإنسان عن الاستحضار لهذه المسألة في ذهنيته، وفي نفسه، في كثير من مقامات الإنسان: المقامات المهمة، المقامات الحساسة، المقامات الخطرة عليه، المقامات التي قد يندفع فيها في معصية، أو يقصر فيها في واجبٍ، أو يتنصل فيها عن مسئولية، يغفل عن الاستحضار في ذهنيته لهذا العدو الذي قد يحضر معه في كثيرٍ من اللحظات، وفي كثيرٍ من الأوقات، وفي كثيرٍ من المواقف، لست لوحدك، هو حاضرٌ إلى جانبك، هو طرف يؤثر عليك، يساهم إما في دفعك إلى مواقف، أو في دفعك إلى تصرفات، أو في التأثير عليك في كثيرٍ من الأمور، وفي كثيرٍ من التصرفات، وفي كثيرٍ من القرارات، هو طرف مؤثر إلى جانب هوى النفس.
الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- قال في كتابه الكريم {يٰٓأيها النَّاسُ} خطابٌ للبشرية بكلها، لماذا؟ لأن الشيطان هو عدوٌ للبشرية بكلها، ويشكّل خطورةً على كل إنسان، على الناس جميعاً، ليس هو خصمًا لطرف دون طرف، أو لبعضٍ من البشر، بينما هو صديقٌ ومخلصٌ وناصحٌ ومهتمٌ بناس آخرين، أو بالبعض من البشرية. |لا| خطورته خطورة على الجميع، وعداؤه عداء للناس جميعاً، ومسعاه في جرّ البشرية إلى الهلاك لا يستثني أحداً.
{يَٰٓأَيُّهَا النَّاسُ} والله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– هو ربنا جميعاً، هو الذي يريد لكل عباده الخير، ويريد لكل عباده الفلاح، ويريد لكل عباده النجاة، وهو يقدّم هديه ونصحه لكل عباده، ويهيئ لكل عباده أسباب النجاة، وأسباب الفلاح.
فلذلك هو هنا يوجه نداءه إلى البشر جميعاً، إلى الناس بكلهم {يَٰٓأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ}، وعد الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- بالآخرة، بالجزاء، بالحساب والجزاء على الأعمال، الجزاء على الخير بالخير، والجزاء على الشر بالحساب والعقاب، وعدٌ حقٌ لا يختلف أبداً؛ فكونوا في مستوى المسؤولية، كونوا مدركين أنكم في مقام المسؤولية، الله سيحاسبكم، الله سيجازيكم على أعمالكم، فكونوا متنبهين، وكونوا مدركين لأعمالكم، ولا تكونوا متهاونين وغافلين عن تصرفاتكم، وعن أعمالكم.
{فَلَا تَغُرَّنـَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّـنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5]، لا تعيشوا في هذه الحياة مغرورين، غافلين عن مسئوليتكم، غير منتبهين لتصرفاتكم، ومقصرين فيما عليكم من واجبات في هذه الحياة، فتتحملون بذلك الأوزار، وتتحملون بذلك النتائج السيئة لغفلتكم، وإهمالكم، وتجاوزاتكم، {وَلَا يَغُرَّنـَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، لا يغرنكم بالله؛ فتغفلون عن الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- ولا تتنبهون لمسئوليتكم أمام الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– وتتهاونون بالله فلا تبالون بتحذيره، ولا بنهيه، ولا بأمره، ولا بتوجيهاته، ولا بوعده، ولا بوعيده، فتتهاونون تجاه الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى–.
{لَا يَغُرَّنـَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، الغرور: الذي يسعى إلى أن يغركم، إلى أن يخدعكم، إلى أن يجعلكم غافلين ولا مبالين ولا متنبهين، وأن يبعدكم عن الإحساس بالمسئولية، من هو هذا (الغرور) الذي يسعى لأن يغركم، وأن يخدعكم؟ {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ}، الشيطان هو عدوٌ لكم، يحمل لكم حالة العداء الشديد، وهو يتعامل معكم من منطلق هذه العداوة، يتحرك ضدكم ويستهدفكم من خلال هذا العداء؛ فيشتغل شغله الكبير، شغله المخادع، شغله ليغركم ويخدعكم من منطلق حالة العداء الشديد لكم.
{فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً)، هذه الحالة هي المفقودة لدى أغلبية البشر، في الوقت الذي الشيطان عدوٌ للبشر جميعاً وللناس كافة، أغلب البشرية، وأكثر الناس لا يتخذونه عدواً، بل الكثير منهم يوالونه، بل الكثير منهم يصلون معه إلى حد العبادة له، إلى درجة أن يطيعوه في معصية الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– أن يتنكروا لله ربهم، الخالق لهم، المنعم عليهم، المكرّم لهذا الإنسان، والمنعم على هذا لإنسان، والمسخر لهذا الإنسان ما في السموات وما في الأرض، الولي لكل نعمة على هذا الإنسان، وهذا الإنسان يأتي ليتنكر لربه: الخالق له، المنعم عليه، المكرّم له، ثم يطيع عدوه فيما هو ماذا ؟ فيما هو مصلحةٌ له، فيما هو خيرٌ له؟! |لا|. فيما هو شرفٌ له؟! |لا|. بل فيما يسبب له الخزي في الدنيا والآخرة، الهوان في الدنيا والآخرة، غضب الله وسخط الله، فيما هو شرٌ له، فيما يوصله -في نهاية المطاف- إلى عذاب الله، إلى السعير، إلى جهنم والعياذ بالله، يطيع عدوه الذي هو فيما دعاك إليه، وفيما يجرك إليه من منطلق العداوة لما فيه شرٌ لك، لما فيه خطورةٌ عليك، فتجيب الشيطان، وتنجر وراء الشيطان نحو ما فيه خطورةٌ عليك، وشرٌ عليك، وتعصي الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– وتتنكر لله – سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى – تجاه ما هو خيرٌ لك، فضلٌ لك، نعمةٌ عليك، مصلحةٌ حقيقيةٌ لك، هذا غباء كبير من جانب الإنسان.
الشيء الذي يريد الله منا تجاه الشيطان: أن نعي عداوة الشيطان لنا، وأساليبه العدائية، وطريقته في الحرب؛ لأنه في حرب مستمرة معنا، حرب أعلنها من يومه الأول، يوم أن وقعت مشكلته مع هذا الإنسان، وأعلن حربه على هذا الإنسان، ولم يتوقف يوماً من الأيام عن هذه الحرب، حرب ضروس، حرب معلنة، حرب كبيرة يشنها الشيطان، ولا يتوقف فيها أبداً عن الاستهداف لهذا الإنسان، شغل مستمر في الليل والنهار، وعمل دؤوب في الاستهداف لهذا الإنسان.
بينما الكثير من الناس يعيش حالة الغفلة عن هذه الحرب، وعن هذا العدو، وعن ما يعمله هذا العدو، وعن مكائد هذا العدو؛ فيغفل، ولربما الكثير من الناس تمر عليه لربما السنون من عمره وهو غافل، لا ينتبه بالمستوى المطلوب لهذا العدو، لمكائد هذا العدو، للاستهداف من هذا العدو له في الليل والنهار.
المحاضرة الرابعة للسيد عبد الملك الحوثي من محاضرات لعلكم تتقون رمضان 1438هـ