الإيمان يمان.. المفهوم والدلالات
على مدى الأجيال الماضية كان شعبنا اليمني المسلم العزيز يمتاز بهذه الميزة: كان للإيمان أثره المباشر في الروحية، في الأخلاق، في المواقف، في العمل، في السلوكيات، في العادات، في التقاليد، حضر هذا الإيمان وتُرجِم في الواقع العملي لآبائنا وأجدادنا الكرام جيلاً بعد جيل إلى عهد رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وعلى نحوٍ مترسخٍ ومتميز، ولأنه متميز أتى هذا النص المعبِّر عن هذا التميز: (الإيمان يمان)،
هذه العبارة عبارة عظيمة، عبارة كبيرة، عبارة مهمة، عبارة جليلة؛ لأنه لو قال مثلاً: [الشعب اليماني شعبٌ مؤمن]. لم تكن هذه العبارة لتصل في عمقها ودلالتها إلى مستوى عبارة: (الإيمان يمان)، وكأنَّ هذا الشعب منبعٌ يتدفق منه الإيمان، وكأنَّ هذا الشعب بيئةٌ ينبت فيها الإيمان، ينمو فيها الإيمان، وهذا شرفٌ كبير؛ لأن الإيمان- أيها الإخوة، أيها الآباء الكرام- هو الانتماء الراقي والعظيم للبشرية الذي يمثِّل صلةً بينها وبين الله -سبحانه وتعالى- وهو أعظم شرف بين كل الانتماءات، بين كل الموروثات في المجتمع البشري من العادات، والتقاليد، والعقائد، والأخلاق، الانتماء: هو صلة بين الإنسان وبين الله -سبحانه وتعالى- وهو شرفٌ عظيم، ويترتب عليه في الدنيا والآخرة النتائج العظيمة والمهمة.
إنَّ الله -جلَّ شأنه- في كتابه المبارك في سورة الصافات، وهو يتحدث عن بعض من أنبيائه العظماء والكرام، عن نبيه نوح -عليه السلام- ونبي الله نوح هو من عظماء الأنبياء، من سادة الأنبياء، من أولي العزم من الرسل، ويتحدث عن نبيه إبراهيم، ونبي الله إبراهيم هو الذي نال وساماً عظيماً بقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء: من الآية125]، بهذه المنزلة، هذه المرتبة العالية في علاقته بالله ومنزلته عند الله -سبحانه وتعالى- {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}. ثم عن نبيه إبراهيم، ونبيه موسى… وعدد من أنبيائه،
فتحدث في سورة الصافات عن هذه المجموعة من الأنبياء العظماء الكرام، وتحدث عن بعض ما كانوا عليه، عن معالم بارزة في حياتهم، في علاقتهم بالله -سبحانه وتعالى- في روحيتهم، في أخلاقهم، وتحدث أيضاً عن رعاية الله العظيمة لهم، عن رحمة الله بهم، عن تأييد الله لهم، عن عون الله لهم، ثم كان يعمِّد هذا كله- فيما كانوا عليه، وفيما أولاهم الله به من نعمته ومن رحمته- بعبارة مهمة، تأمَّلوها معي جيداً، ركِّزوا على هذه العبارة، يقول عن نوح ماذا؟ {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات: الآية81]، يقول عن إبراهيم، خليله إبراهيم، ونبيه إبراهيم -عليه السلام- ماذا؟ في نهاية المطاف يختم كل ما أولاه به من رعاية، من نعمة، من رحمة، من فضل، وما كان عليه هو من روحية، من عطاء، من تسليم لأمر الله لدرجة استعداده أن يذبح ابنه إسماعيل إذا أتى الأمر الإلهي بذلك، يختم ذلك بختامٍ مهم: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات: الآية111]،
يقول كذلك في حديثه عن موسى وهارون، وتأييده لهما بالنصر في مواجهة طاغوت من أكبر وأسوأ طواغيت الأرض، هو فرعون، {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}[الصافات: الآية122]، هذا يبيِّن لنا شرف الإيمان، ومنزلته العالية، مهما بلغ الإنسان في مراتب العلاقة مع الله -سبحانه وتعالى- فلا يزال السمو والارتقاء في درجات الإيمان، وفي سلم الكمال الإيماني، لا يزال مفتوحاً نحو الأعلى، نحو الأعلى، يعني: قد هو نبي، نبي بكله، وهذا النبي على درجة عالية في علاقته بالله، في إيمانه، في تحركه وفق التعاليم الإلهية، في التزامه بها. مع ذلك يقول في نهاية المطاف مثنياً عليه: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، هذا يدل على شرف الإيمان، شرف الإيمان وسلم كمال الإيمان الذي يمكن أن يرتقي فيه الإنسان درجات عالية.
(الإيمان يمان) كلمة القاها السيد بجمع من العلماء والسياسيين والمثقفين بالجامع الكبير