القرآن الكريم نور يكشف ظلمات الباطل
من أهم ما في القرآن الكريم أنه يقدِّم لنا ما يساعدنا، وهو كتاب الله الذي جعله نورًا وفرقانًا وبصائر، وإذا كان هذا النور وهذا الفرقان وهذه البصائر لا تقدِّم لنا ما يساعدنا في ظل معركةٍ كهذه، في ظل تحدياتٍ كهذه، في ظل أخطارٍ كهذه، في ظل واقعٍ كهذا، بكل ما فيه، بكل ما يشكِّله من خطورة بالغة علينا كأمةٍ إسلامية، وعلى البشر من حولنا بشكلٍ عام، إذا كان لا يفيدنا في ذلك، فمعناه أنه لا يستحق أن يوصَّف بهذا التوصيف، وأن يكون له كل هذه الأسماء وكل هذه العناوين، ولكن- فعلًا– هو نور الله الذي يجلِّي كل الظلمات، والذي يكشف كل الظلمات، وهو البصائر التي تفنِّد كل الباطل وكل الضلال، ويقدِّم لنا الحقيقة تجاه كل عملية التلبيس والتضليل التي تمارسها قوى الطاغوت والاستكبار، متمثِّلةً بأمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهما.
عندما نعود إلى هذا الكتاب المقدس، إلى هذا النور، إلى هذه البصائر كم فيه من آيات تحدثت عن هذا الفريق من أهل الكتاب الذي يشكِّل خطورة بالغة على البشرية بكلها، بل حتى على بقية النصارى، على الناس بكلهم، هو اتجاه يمثِّل شرًا كبيرًا على البشرية بكلها، اتجاه يمثِّل الطغيان، هو الامتداد للتحرك الشيطاني بكل أساليبه، بكل اتجاهاته: في عملية التضليل، في عملية الإفساد، في عملية الفتن، في عملية الطغيان، في عملية الظلم والقهر والاستعباد والإذلال، كل العناوين الشيطانية التي يتحرك الشيطان فيها بعدائيته للبشر هم امتدادٌ له في التحرك فيها،
وهذه هي الحالة الصحيحة، وهذا هو التوصيف الصحيح لهذا الصراع في جذوره وأبعاده وعناوينه الحقيقية ومساراته الفعلية، ولو أن العدو يسعى بكل جهد- وكما قلنا كجزء من المعركة- إلى أن يطبع هذا الصراع بطابعٍ آخر، وأن يقدِّم له عناوين أخرى، وأن يقدِّم له تفسيرات أخرى، وأن يقدِّم له تبريرات أخرى، وأن يقدِّم له أيضًا، ويصنع له- أيضًا- امتدادات يسعى من خلالها إلى فصل ذهنية الأمة عن حقيقة هذا الصراع ومآلاته، وما يشكِّله من خطورة علينا كأمة إسلامية، وعلى البشر من حولنا.
القرآن الكريم كم تحدث عن هذا الفريق من أهل الكتاب، أنهم يسعون في الأرض فسادًا، أنهم أشد الناس عداوةً للذين آمنوا، أنهم يتجهون لتضليل الأمة وتضليل البشرية بكلها، وعندما يقول عنهم أنهم يسعون في الأرض فسادًا، هذا يعبِّر عن هذه الخطورة التي يشكِّلونها على الواقع البشري بكله، وعلى مختلف أمم الأرض بمختلف دياناتها وتوجهاتها، هم مصدر ضلال، مصدر شر، ومصدر باطل، ومصدر خطر،
ومصدر فساد يستهدف البشرية بكلها، ثم هم يحاولون أن يطبّعوا الآخرين بهذا الطابع، فيأتون لإطلاق هذه المسميات والعناوين على الآخرين، يصفون الآخرين بأنهم مثلث الشر، أو مصدر الشر، أو غير ذلك من المسميات، أو الإرهاب كما صنعوا مؤخرًا في التركيز على هذا العنوان ورفعه، ليطلقوه على من يحلوا لهم، على من يشاءون ويريدون، وهم يحاولون أن يقدِّموا أنفسهم كجهة خير في هذه الدنيا، للتلبيس، وللتضليل، وللخداع،
وجهة يرسِّخون في الذهنية العامة، على أنها الأجدر بقيادة البشرية، وأن هيمنتها وسيطرتها وتغلبها على الواقع البشري جزءٌ من إصلاح هذا الواقع البشري، ولتعميم حالة الخير فيه، ولإصلاح واقع هذا المجتمع البشري، والناس يرون بأم أعينهم أنه كلما اتجهت قوى الطاغوت والاستكبار، متمثِّلةً في أمريكا وإسرائيل، إلى تعزيز سيطرتها واستحكام هيمنتها على العالم، وعلى أي بقعة في هذا العالم، إنما تأتي معها بالفتن، إنما تأتي لتمارس الظلم والقهر والاستعباد، إنما تأتي بالخراب والدمار والظلم والطغيان والمفاسد، إنما تسحق شعوب هذه المنطقة، ومعركتها واضحة، وأفعالها وتصرفاتها واضحة وبينة، والمشاهد الدموية والمأساوية والكارثية التي نشاهدها في التلفاز في كل بقعة من بقاع عالمنا الإسلامي إنما هي نتاجهم، إنما هي آثارهم، إنما هي مخططاتهم، إنما هي مؤامراتهم، إنما هي نتائج ما يسعون لفعله وتحقيقه في منطقتنا وفي العالم من حولنا.
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
يوم القدس العالمي 1439هـ