ثورة 21 سبتمبر.. رفع للوصاية ونهاية للارتهان الخارجي
تقرير ||
لم تكن ثورة 21 سبتمبر 2014 وليدة اللحظة، بل جاءت بعد صراع طويل ممتد منذ زمن الصرخة الأولى التي أطلقها الشهيد المؤسس السيد “حسين بدرالدين الحوثي” وما واجهته من عنف وقمع ومحاولات لاخمادها، وصولا الى مشاريع الهيمنة على اليمن.
كانت اليمن ما قبل ثورة 21 سبتمبر تعيش مرحلة من الوصاية الخارجية التي من خلالها فرطت القوى السياسية باستقلال البلاد مما ترتب عليه نتائج كارثية وكانت ستصل بالوضع إلى الانهيار التام والاحتلال الكامل لليمن.. فانهيار الوضع الاقتصادي آنذاك لم يكن بسبب حصار مفروض على البلد، أو لأن الموارد الطبيعية خارجة عن سيطرته.. فالمجتمع الدولي كان يعلن دعمه للنظام السابق ويقدم له المنح المالية، مع ذلك عاش اليمن أزمات اقتصادية خانقة”، فأعداء اليمن عملوا على سلب الشعب اليمني كل عوامل القوة المادية والمعنوية حتى يصل إلى الانهيار التام ليتمكنوا من السيطرة عليه”.
إفلاس القوى السياسية قبل الثورة شجع على استهداف اليمن بكل المجالات ولو استمر الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني قبل الثورة فإن اليمن كان ذاهبا نحو التفكك والانهيار التام ولولا الثورة لتوسعت القواعد الأمريكية في اليمن،
أضف إلى ذلك فقد عمد الأمريكيون إلى استهداف المناهج التعليمية، وعملوا على تقديم بدائل تخدم مشروعهم”.
وتكشف الكثير من الوثائق والوقائع والاحداث هذه الحقائق، والتي سنركز الحديث في هذا الجانب على الاحزاب السياسية التي أمرها للسفير الأمريكي، وكانت لها اعترافات عبر قادتها تؤكد مدى هيمنة الفرار الأمريكي على سير العملية السياسية في اليمن، كيف لا وقد أصبح السفير والدبلوماسيين الأمريكيين من أقرب المقربين للنظام ولقيادات الأحزاب في تلك الفترة وأضحت مقرات أحزاب اللقاء المشترك ومنازل قياداتها تستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي وأمريكا.
نماذج من أعمال السفراء الامريكيين
سفير أمريكا في صنعاء خلال العام 2001 إلى 2004 نفذ العديد من الزيارات إلى المعسكرات ومقرات الاستخبارات العسكرية والأمن السياسي، أما نائبه نبيل الخوري فكان لا يدع مقيلاً أو عرساً في صنعاء إلا وذهب إليه للمقيل.
اما السفير الأمريكي برنان ليفي الذي كشف عن علاقة علي محسن الأحمر بالجماعات التكفيرية، وكذا ارتباط جامعة الإيمان التي يديرها عبدالمجيد الزنداني بتلك الجماعات، فغالبا ما كان يلتقي بالجنرال العجوز ويذهب لزيارته في مقر الفرقة الأولى مدرع.
ويؤكد الكاتب الأردني مأمون أفندي، في مقال له نشرته صحف عربية عديدة منها صحيفة (السفير العربي) اللبنانية، في 2010، أن السفير الأمريكي فريدمان أسس في العاصمة صنعاء أهم غرفة استخبارات أمريكية بالشرق الأوسط. وقد أشار أفندي في مقاله الذي استند على وثائق مسربة، إلى أن معظم المخططات والمشاريع الأمريكية في المنطقة العربية كانت تدار من أكبر غرفة استخبارات في صنعاء.
وتولى السفير الأمريكي السابق جيرالد فايرستاين بعد ذلك زمام الامور في اليمن وأصبح اللاعب الرئيسي داخل بلادنا سيما بعد محاولة اغتيال “علي عبدالله صلح ” في جامع النهدين بدار الرئاسة حيث منع قوات النظام من اتخاذ أي موقف ضد مسلحي حميد الأحمر، كما عقد لقاء مع قيادات المشترك في منزل الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك حينذاك الدكتور ياسين نعمان جرى فيه التأكيد على ضرورة التوافق على قيادة “عبدربه” لزمام الامور.
واشتهر فايرستاين بلقاءاته الكثيرة بقيادات أحزاب اللقاء المشترك، وعلى رأسهم قيادات الاصلاح حيث اضحت تلك اللقاءات تتم بشكل اسبوعي على الاقل.
ولا يمكن في هذا الاتجاه تجاهل دور السفارة الأمريكية في تفكيك الجيش حيث وجهت بسرعة إصدار قرارات رئاسية بعدد من القادة العسكريين في مناصب مختلفة بينها قائد جديد لقوات العمليات الخاصة، ونائب له، ونائب لرئيس هيئة الأركان العامة.
وكشفت وثائق صادرة عن جهاز الأمن القومي في النظام السابق عن استمرار تدمير منظومات الدفاع الجوي وعلى رأسها صواريخ ستريلا وصواريخ سام، فيما كشفت الوثائق الصادرة عن جهاز الأمن القومي جمع وإتلاف صواريخ سام وستريلا جرى بتنسيق وإشراف أمريكي كامل.
وأظهرت الوثائق الصادرة أن الجانب الأمريكي وجه نشاطه في مسارات محددة تخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي دون اكتراث بمصالح اليمن.
وفي الشأن السياسي ايضا باتت تحركات هذا السفير تتم في اطار اربعة اتجاهات هي المعارضة وهادي والسفارة السعودية والاماراتية وهذا ما يتضح من خلال ما ذكره في حواره مع احد مراكز الدراسات الذي نشر بتاريخ 30 ديسمبر 2020 حيث اشار الى قيادته للمفاوضات بين الاطراف اليمنية خلال الفترة من مارس 2011 وقال: وصلنا إلى شهر مايو 2011 عندما أُبرم اتفاق بين المؤتمر والمعارضة، حيث وافق كلا الجانبين، المؤتمر الشعبي العام وتكتل أحزاب اللقاء المشترك (تحالف المعارضة) على شروط انتقال السلطة. أحضرنا شخصيات المعارضة للتوقيع على الاتفاق، وكان ذلك بتاريخ 21 مايو إذ أصر “صالح” حينها على توقيع الاتفاق في اليوم الموافق للعيد الوطني (ذكرى إعلان الوحدة بين شطري اليمن)، وكانت أحزاب اللقاء المشترك قد وقعّت الليلة السابقة.
واشار الى رفض صالح التوقيع على الاتفاق الا انه وبعد عودته من الرياض عقب تلقيه العلاج من حادثة الجامع اضطر صالح الى التوقيع في سبتمبر من العام 2011 بناء على رغبة الملك السعودي عبدالله.
مغامرات الفار “هادي”
وفي سبتمبر 2012م سافر “هادي” إلى أمريكا وألتقى الرئيس الامريكي حينها أوباما وهي أول زيارة من بعد تسلمه السلطة، جاء اللقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وفي هذا اللقاء أعاد “هادي ” التأكيد على التزامات سلفه “علي صالح” وما رسم السفير الأمريكي من توجهات.
وفي ذات الشهر أكد السفير الأمريكي حينها “جيرالد فايرستاين” أن “مجموعة صغيرة” من قوات المارينز الأمريكية وصلت صنعاء وفقا لمشاورات تمت مع “حكومة الوفاق”.
وبعد عام من زيارة “هادي” لأمريكا، نفذت الولايات المتحدة تدخلا عسكريا ميدانيا مباشرا، حيث اقتحمت فرقة من قوات المارينز الأمريكي بعض بيوت المواطنين في محافظة لحج اليمنية.
وفي أبريل 2013م إمعاناً للتدخلات الأمريكية المباشرة في الشأن العسكري اليمني، التقى وزير الدفاع اليمني محمد ناصر احمد بوزير الدفاع الأمريكي “تشاك هيغل” في مبنى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” بواشنطن، “لبحث العلاقات اليمنية الأمريكية (علاقات التبعية والوصاية) “.
٢٥ يونيو ٢٠١٣م وفي غضون عام التقى “هادي” بالرئيس أوباما ووزير الدفاع الأمريكي “تشاك هيغل”، بحث اللقاء مسألة دعم عسكري لليمن، والعلاقات الأمنية بين البلدين لمحاربة تنظيم “القاعدة”. كما جاء في الخطاب الرسمي، فيما هي فعليا علاقة تبعية يمنية لأمريكا، لا علاقة أصدقاء وشركاء وحلفاء وأنداد.
في سبتمبر من ذات العام 2013م أمريكا تستبيح السيادة اليمنية بمباركة من النظام العميل، و”هادي” يمتدح دقة إصابة الطائرات الأمريكية المسيرة يقول بانها اعجوبة فنية وبأن كل غارة تتم بموافقته. فيما قال وزير الخارجية حين ذاك أبو بكر القربي: ” الهجمات بطائرات دون طيار شر لا بد منه، وتجري بتنسيق مع الحكومة”، .
بعد امتداح “هادي” لدقة الطيران الدرونز العدواني الأمريكي، في 12 ديسمبر 2013 أطلقت طائرة أمريكية بدون طيار أربعة صواريخ هيلفاير على موكب عرس من 11 سيارة في البيضاء، قتلت الغارة ما لا يقل عن 12 رجلاً وألحقت إصابات بـ 15 آخرين على الأقل.
وفي ذات الشهر ديسمبر 2013م استمرار التدخل في الوظائف السيادية اليمنية منها الأمنية. وزارة الخزانة الأمريكية وضعت اسم الحميقاني الأمين العام لحزب الرشاد السلفي في اليمن على قائمة ” الإرهاب” العالمي.
تدخل مجلس الامن
وعندما ادرك الأمريكيين أنهم لا يستطيعون السيطرة على الساحات التي خرجت ضد ادواتهم، عملت أمريكا على وضع اليمن تحت الاحتلال الدولي المباشر، حيث صدر قرار مجلس الأمن 2140، الذي وضع اليمن تحت الفصل السابع، وجاء فيه “الحالة في اليمن تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين في المنطقة”، والتهديد بفرض عقوبات على من سيعرقلون عملية الانتقال السياسي، ومع ذلك استمر زخم الثورة وخرجت الحشود الهائلة الى ساحات الاعتصام لتعلن امريكا والسعودية والامارات وتحالفهم العدوان على اليمن.
وقال السيد عبدالملك الحوثي في هذا الجانب: “القوى الحاكمة في بلدنا قبل الثورة تواطأت مع قرار مجلس الأمن لوضع اليمن تحت الفصل السابع والسفير الأمريكي كان متحكما بقرار البلد وسفارة واشنطن أصبحت بديلا عن الرئاسة بشكل واضح وجلي”.
وكان عضو المجلس السياسي الأعلى محمد على الحوثي حمل مجلس الامن كامل المسؤولية لما آلت إليه الامور في اليمن وذلك بعد قراره وضع اليمن تحت البند السابع نتيجة اعتماده على تقارير استخباراتية للدول الضالعة في العدوان على اليمن.
اغلاق السفارة الامريكية
وفي 10 فبراير من العام 2015م اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بأن ما سمته بالاضطرابات السياسية في اليمن تؤثر على قدرتها و أكدت إن السفارة الأمريكية في اليمن ستغلق أبوابها.
وقد شرعت البعثة الأمريكية حينها بالتخلص من الوثائق والأسلحة.
وأبلغ السفير الموظفين أن واشنطن قد تطلب من سفارة تركيا أو الجزائر في صنعاء رعاية مصالح الولايات المتحدة في اليمن بعد إغلاق السفارة.
ثورة 21 سبتمبر
في العلاقات الخارجية الدولية تقول القاعدة “لا يوجد أي مساعدات تمنحها دولة لدولة أخرى دون مقابل” ولتوضيح ذلك اكثر يكفي ان نذكر أن ثورة 21 سبتمبر كشفت عن غرفة عمليات استخباراتية داخل مبنى رئاسة الوزراء يديرها ضباط ومسؤولون من السفارة الأمريكية.
كما يؤكد رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام، أنه لولا ثورة 21 سبتمبر لكان الأمريكيون عملوا على جعل اليمن من الدول المطبعة مع العدو الإسرائيلي.
وخلال مقابلة أجرتها معه “قناة نبأ” قال رئيس الوفد الوطني: “قبل ثورة 21 سبتمبر كان يتواجد أكثر من 120 جنديا من المارينز الأمريكي داخل السفارة الأمريكية في صنعاء، وكان لهم جناح خاص في المطار، إضافة لسيطرتهم على قاعدة العند”.
وأضاف عبدالسلام: “ثورة 21 سبتمبر عمدت بالدم واليوم هي أكثر قوة وصلابة وحضورا”، لافتا إلى أن اليمن في بداية العدوان لم يكن يمتلك قدرة تحديد إحداثية لموقع معين ولا القدرة على تصنيع طائرة مسيرة وصاروخ واحد، مضيفاً بقوله: “شعبنا معطاء وتواق إلى الحرية، وقيادته كانت ملهمة للصمود ومواجهة التحديات”.
ومن هنا يتضح ان قيادات الثورة كانت حكيمة في انهاء دابر الوصاية واستطاعت ان تغلق كل غرف العمليات والاستخبارات التي كانت تديرها أيادي الموساد والمارينز الملوثة بدماء الشعب اليمني، وعرتها أمام العالم، واصبحت صنعاء اليوم تسير بخطى واثقة نحو مستقبل جميل تضيء سبيله ثورة ميلاد عهد جديد مزق أوصال الوصاية التي كانت تمارسها السفارات الأجنبية.
واستطاعت ثورة 21 سبتمبر الإطاحة بالوصاية الدولية التي عاثت فسادا في اليمن عبر منظومة صالح وعبد ربه منصور هادي وعلي محسن الأحمر وتركيبة متعددة الاضلاع من شركاء النظام السابق من سياسيين وقبليين وشخصيات تشاركت في إدارة تلك المرحلة بإشراف أميركي سعودي.
وبالتالي كان حراك اليمنيين بقيادة “أنصار الله” ينطلق من دون أي رعاية خارجية ورفضا لأي استدعاء خارجي ثم وصاية خارجية ونجحت في ذلك رغم الطوق المحكم الأميركي الخليجي عبر تلك المبادرة الوصاية – المشؤومة.
لذا فإن ثورة 21 سبتمبر بحسب ما تعلمه السياسيون لا تقرأ بوقائعها فقط انما بنتائجها ما قبل الحرب وما بعدها بحيث أعادت انتاج فريق يمني سياسي اداري عسكري أمنى ثقافي اعلامي يدير السلطة الجديدة بكفاءة تختلف كليا عن كفاءة الفريق الذي يدير المناطق الخاضعة للاحتلال السعودي الاماراتي والتي تحولت الى مناطق صراع دموي وفوضى امنية واجتماعية عارمة.