عصا موسى بيد الجيش واللجان .. كيف قهر الحفاة فراعنة العصر وقلبوا الموازين والمعادلات

صادق البهكلي

وردت قصة عصا موسى في القرآن الكريم لتدلل بشكل بليغ على مظهر عظيم من مظاهر التأييد الإلهي .. موسى الرجل الفقير الخائف “الذي لا يمتلك الأسلحة التي كانت لدى فرعون، لا يمتلك الجيش الذي كان لدى فرعون، في يده عصا، وهو متجه إلى مصر بزوجته وأغنامه ومواشيه، قال له الله سبحانه وتعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي}(طـه:18) ليس لها دور أكثـر من هذا – فيما أرى – الله أراد أن يجعل من تلك العصا قوة, قوة ترعب فرعون وقومه”.

فكيف تحولت تلك العصا من مجرد اداة بسيطة ذات وظيفة محددة إلى وسيلة هزت عرش فرعون وانهت جبروته وملكه .. هل كان موسى يعرف أنه سيكون لعصاه كل هذا الدور في المستقبل ؟{و فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }..

كل تلك الهيمنة والجبروت الفرعوني والسخرية الشديدة من موسى وما يمتلك وتلك الحشود المهيبة والوسائل المرعبة التي بيد فرعون سقطت أمام عصا بسيطة كان لها دور محدود.. ولم تكن العصا هي سر ذلك الانتصار العظيم الذي حققه موسى بل كان السر في ثقة موسى العظيمة بالله الذي بلغت ¬لمستوى استحقاق التأييد الإلهي له.

وتمر الأحداث وتتجدد الآيات وفي كل زمن يسقط الطغاة والمجرمون على أيدي المستضعفين الذين وثقوا بالله فمنحهم معيته وتأييده ونصره..

إننا اليوم نعايش نفس القصة وإن اختلف الزمان والمكان وتنوعت الوسائل إلا أن هناك تشابه كبير بين الصمود الاسطوري للشعب اليمني وبين قصة موسى وعصاه..

ففي مقابل غطرسة فرعون وجدنا الغطرسة الأمريكية ورأينا غرور القوة والهيمنة وامتلاك الأموال حاضراً في بداية العدوان قبل سبع سنوات أمام شعب مستضعف فقير لا مقارنة بين امكانياته وبين إمكانيات دولة واحدة كأمريكا مثلاً فما بالك وقد حشدت معها قرابة 17 دولة من أقوى وأغنى الدول واشترت صمت بقية الدول الأخرى ولفلفت المرتزقة والخونة من جميع اصقاع الأرض..

عدوان لم يتردد في الاستخدام المفرط للقوة الفتاكة ولم يردعه أي رادع عن استهداف الأحياء السكنية والاسواق والمدن وصالات الأعراس والعزاء والمدارس والطرقات و اينما وجد تجمعاً بشرياً أو مسافراً استهدفه.. لدرجة أنهم يتباهون بتنفيذ ملايين الطلعات الجوية على قرى ومدن اليمن .. اما الجحافل التي حشدوها من الجيوش المشتراة ومرتزقتهم في الداخل والخارج فهي مئات الآلاف وكادت تغطى الجغرافيا اليمنية وأما الحصار فقد وصلوا إلى مستوى لم يصله أحد قبلهم لمستوى أن لو كان بمقدورهم منع الهوى من سماء اليمن  لمنعوه فقد أغلقوا البحر والبر والجو أمام الخارجين والداخلين إلى اليمن باستثناء مرتزقتهم وجيوشهم وتعزيزاتهم العسكرية وماذا كانت النتيجة؟.

هذا سؤال أكبر من عدوانهم والإجابة على مثل هذا السؤال لا تكفي سطور محددة ولا مجلدات ومهما كتب الكاتبون وألف المؤلفون حول ما يحدث يبقى شيء قليل في وصف ما حدث وما يجري أنها وحسب آيات من آيات الله ومعجزة من معجزات التأييد الرباني لم يحدث لها مثيل سوى في تلك القصص التي سردها لنا القرآن الكريم كقصة موسى وفرعون.

لم أعد أدري من اين أبدأ لأسرد بعض من تلك القصص المعجزة أو أعرض صورة من صور التأييد الإلهي وما يحدث في الميدان العسكري وغيره من الميادين أمن الثبات العظيم والصمود الاسطوري في ميادين الجهاد والاستشهاد أم من عطاء هذا الشعب العظيم وهو يجود بكل ما بيده حتى بخيرة الرجال؟ أم من الصناعات الحربية التي أبدعتها الأنامل اليمنية وأصبحت ترسانة العدو التي تفاخر بها عاجزة أمامها.. أم من تلك العمليات الكبرى كعملية نصر من الله أو عملية فأمكن منهم أو غيرها من العمليات الكثيرة عملية البنيان المرصوص .. عملية الفتح المبين .. عملية البأس الشديد .. عملية فجر الحرية…إلخ أم نتحدث عن عمليات توازن الردع السبع؟ أم عن تطهير محافظات بأكملها ؟ أم عن الانجازات الأمنية والعمليات الاستخباراتية التي تفوقت على أعرق أجهزة الاستخبارات في العالم أم …من أين؟

 فتلك الإمكانيات البسيطة التي سخر منها المعتدون ولم يحسبوا حسابها فقد كانت حساباتهم وتحليلاتهم بأن اليمن عاجز تمنح عن الدفاع عن نفسه وكل ما بيد الشعب اليمني من إمكانيات لا تكفي اسبوع واسبوعين كأعلى سقف وخلال هذه المدة ستكون قواتهم متمركزة في جبل نقم الأشم بقلب صنعاء ولكن الذي حدث لم يكن يتصوره أحد فتلك الإمكانيات البسيطة تحولت إلى قوة جبارة هزت قوتهم وأسقطت جبروتهم وبدلاً من الوصول إلى صنعاء وصلت يد اليمن  الطولى إلى الرياض وما بعده وأصبحت اليمن بعد سبع سنوات حرب قاب قوسين أو أدنى من لفظ كل تلك الحشود التي جمعوها وأما بالنسبة لملايين الأطنان من القنابل التي صبوها على اليمن فلم يكن لها أي أثر في إجبار اليمنيين على الخضوع والاستسلام  وكأن عصا موسى أخرى لقفت كل ما سكبوه .. أما بالنسبة للجبهات وميادين الحرب وتلك الحشود والآلاف المؤلفة من جيوشهم وكتائبهم ومرتزقتهم والخونة المتعاونين معهم كأن أخدود عظيم أنشق لهم فالتهمهم أما أن الجيش واللجان الشعبية قد سحقوهم ودفنوهم تحت أقدامهم فهذه والله آية الآيات ومعجزة بل أم المعجزات.

ومن يشاهد حال المرتزقة وأسيادهم اليوم بعد كل ذلك الغرور والتعالي والغطرسة والإجرام بحق الشعب اليمني يتأكد له عظم التأييد الرباني وعظمة الثقة بالله وعظمة القائد العظيم الذي بحكمته وقوة إيمانه وثقته بالله قاد الشعب اليمني فصنعوا كل هذه المعجزات .. لقد أصبح العدو يبحث عن مخرج من مأزق عميق أقحم نفسه فيه وكان في غنى عنه لولا كفره بنعمة الله ورهانه على قوته وإمكانياته ونسيانه لقوة الله وما يمكن أن تحدث من متغيرات لمن يتوكلون على الله ومن يثقون به.. يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه))):إذا ما بلغ الناس إلى درجة الوثوق القوي بالله سبحانه وتعالى فإنه من سيجعل الأشياء البسيطة ذات فاعلية، ذاتَ فاعلية كبيرة، عصا موسى كانت ترعب فرعون، كانت تتحول إلى حيّة، كانت تُرعب آل فرعون جميعاً، قضت على كل ذلك الإفك، على كل ما عمله السحرة، أوحى الله إليه أَنْ يلْقِ عَصَاه {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}(الأعراف: من الآية117) تلتهمه جميعاً، وقضت على كل تلك الحبال والعِصِيّ التي كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.

هذه العصا كانت بشكل سلاح، عبارة عن سلاح، وعبارة عن آية، وعبارة عن وسيلة للفرج، لها أدوار متعددة، ضاعت كل قوة فرعون وجبروته وجيوشه وآلياته العسكرية وحصونه أمامها، تلك العصا التي قال عنها موسى: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (طـه: من الآية18).))

ولقد تجسدت نفسية موسى وعصاه في جيشنا اليمني ولجاننا الشعبية الأبية وفي قائدنا الرجل المؤمن الحكيم السيد عبد الملك (حفظه الله ورعاه) ثباتاً وصموداً وثقة وإيمانا وتضحية وفداء.

وها هي خرائط تحالف العدوان تحترق و أهدافهم تتبخر وأحلامهم تتلاشى وبوارق أمل المستضعفين بالنصر تشع وعلامات الفتح المبين تلوح في الأفق فإن تتحرر على أيدي ابطال الجيش واللجان الشعبية آلاف الكيلومترات من الأراضي المحتلة خلال ساعات معدودة لهو برهان عظيم على أن موازين القوة ليست بما تمتلكه من أسلحة وعتاد عسكري وعديد الجنود بل بالروحية الجهادية والمعنويات العالية ومستوى التوكل على الله والوثوق به وبنصره فهو الذي بيده تغيير الأمور وقلب الموازين وتحقيق النصر لمن يراهن ويتوكل عليه..

أما المراهنون على أمريكا فهم ما بين من يعظون أناملهم حسرة وندامة على هزائمهم وخيبة آمالهم وما بين باحثين عن نفق للهروب من جحيم الموت وذلة الهزيمة وعار الخيانة.

إن ما نشاهده ونلمسه من انتصارات وتأييد رباني على مختلف الأصعدة رغم قلة الإمكانيات وجور الحصار وظلم العدوان وألم الخذلان ليستعدي منّا سجدة شكر طويلة وأن نعزز ارتباطنا بالله الذي لم يخذلنا أكثر من أي وقت مضى فما بات يمتلكه المدافعون عن وطنهم وكرامتهم وقضايا أمتهم من أبناء الجيش واللجان الشعبية ومن خلفهم الشعب اليمني الأبي لهو نعمة كبيرة ودرس عظيم وأن المحافظة على هذه النعمة وتقديرها وحفظها للأجيال القادمة لهو من أعظم الأعمال التي يجب أن نقوم بها..

أخيراً لنقف وقفة تأني مع الشهيد القائد في الدرس الرابع من دروس رمضان وهو يصف أهمية ذكر النعم ويذكر بوضعية بني إسرائيل على ضوء الآيات القرآنية: (({اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(البقرة: من الآية40) لو يقيِّمون وضعيتهم هم، لو يقيِّمون أنفسهم لوجدوا أنفسهم بأنه ليس باستطاعتهم أن يوفروا ربما ولا واحدة من تلك النعم، كانوا وهم في مصر مضطهدين معذبين قد يكون لديهم شعور بأنه من المستحيل أن تتغير حالتهم، من المستحيل أن يأتي يوم من الأيام يرون فيه فرعون وهامان وجنودهما وقد أهلكهم الله، فتأتي النجاة لهم بطريقة كما حكاها الله في آيات أخرى في القرآن بأنه تقريباً يعتبرون أنفسهم بأنه من المستحيل، وضعية ليس منها مخرج نهائياً؛ ولهذا قالوا لموسى: {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}(الأعراف: من الآية129) تعب من قبل ومن بعد، نريد أن تتركنا هكذا أتركنا هكذا نبقى على ما نحن عليه ليس هناك أمل.

وهذه حالة تحصل عند الناس عندما يكونون مستضعفين في ظل جبروت وطغيان قاهر ومتمكن، دولة مستحكمة متمكنة نافذة قوية، أحياناً قد يحصل عند الناس يأس أنه قد يأتي يوم من الأيام يتخلصون من تلك الوضعية إلى الأفضل وإلى الحرية بعد العبودية.

ذكر النعم باستمرار بأن تنقلها الأجيال إلى بعضها بعض قضية هامة جداً؛ لأن الناس الذين عاصروا وضعية معينة ذاقوا مرارة الألم، والإضطهاد، والإستعباد، والقهر، والذلة، فعاشوا في وضعية أخرى وضعية حرية، استقلال، تمكين في الأرض، هؤلاء يكون الجيل الذي عاصر هذه يكون لها وقعها في نفسه إذا ما هناك استمرار للتذكير بهذه وأن يحكيها المتقدم للمتأخر يحكيها الأب للإبن، يحكيها الجد للحفيد؛ ينشأ جيل رأى نفسه في وضعية جيدة وفي الأخير يتصور أنه ما كان هناك شيء، أعني: ما لديه صورة عن الوضعية السابقة لم يذق مرارة الوضعية السابقة فيكون من السهل أن يتنكّر لما هو فيه من النعمة)).

والسلام على شهدائنا الأبرار وعلى جرحانا الأوفياء وعلى جيشنا الباسل ولجاننا الشعبية الأبية وعلى الشعب اليمني العظيم.

 

قد يعجبك ايضا