الرياض تشتري المزيد من الوهم وصنعاء تنفرد بمكاسب الواقع
|| صحافة ||
في خطوةٍ جدّدت فَضْحَ اصطفاف المنظومة الأممية مع تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ، وكشفت مستوى سوء المأزق الذي يعيشُه الأخيرُ في اليمن، أصدر مجلس الأمن بياناً أعلن فيه انحيازه الكامل للرياض وبصورة فجة إلى حَــدٍّ أنها اعتبرته “انتصارًا” لها وغطاءً إضافيًّا لارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات، غير أن صنعاء التي لم يفاجِئْها هذا الموقف، ردت من موقع قوة سياسية وعسكرية أكّـدت خواء “البيان الهزيل” للمجلس الدولي، وبرهنت مجدّدًا على أن التواطؤَ الدوليَّ مدفوع الثمن مهما بلغ مستواه، لن يغيّر واقعَ إفلاس تحالف العدوان وفشله الذريع، ولن يحميَه من تداعيات استمرار الحرب والحصار.
بيانُ مجلس الأمن صدر لإدانة “الهجمات العابرة للحدود ضد السعوديّة” وتقدم قوات الجيش واللجان الشعبيّة في محافظة مأرب، وطالب بوقف لإطلاق النار وفقًا لقرار “2216”، واتهم صنعاء بأكاذيب أُخرى مثل “حصار العبدية”، و”سوء استغلال الوقود الوارد عبر ميناء الحديدة!” وعرقلة صيانة السفينة صافر، وفي المقابل أعلن ترحيبه بـ”جهود” حكومة المرتزِقة في “مسار الإصلاح الاقتصادي”!!
باختصار، تبنى البيانُ موقفَ السعوديّة والولاياتِ المتحدة سياسيًّا وعسكريًّا بشكل كامل، حتى أنه تبنى دعاياتهما الإعلامية أَيْـضاً، في مشهد ليس الأول من نوعه الذي يبدو فيه “المجلس” والمنظومة الأممية كلها كطرف من أطراف تحالف العدوان على اليمن، ومؤسّسة للمتاجرة بالمواقف لصالح قوى “البترودولار”.
البيانُ جاء في إطار حملة واضحة تقودها الولايات المتحدة منذ أشهر؛ مِن أجلِ خلق ضغوط دولية على صنعاء، لوقف التقدم صوب آخر معاقل المرتزِقة في مأرب، ولوقف الضربات الصاروخية والجوية على المملكة السعوديّة، والدخول في مفاوضاتٍ تحت القصف والحصار، وقد برزت في البيان ملامح استراتيجية “قلب الحقائق” التي تتكئ عليها واشنطن والرياضُ؛ مِن أجلِ حشدِ الضغوطِ وتوجيهِها ضد صنعاء وتبرئة نفسيهما من مسؤولية الجرائم المرتكبة بحق اليمنيين والمعاناة المُستمرّة التي تعيشها البلاد تحت الحصار، وهي الاستراتيجية التي انطلق منها قرار وقف عمل فريق الخبراء الدوليين المحقّقين في اليمن، قبل أسابيع قليلة، وعبر المنظومة المنحازة نفسها.
الانحيازُ الكاملُ الذي عبّر عنه البيان، جعل الرياض تبالِغُ في التعامل معه، فاعتبرته “انتصارًا”، وضوءً دوليًّا أخضرَ لتصعيد العدوان والحصار، وحصانة من المساءلة، وحماية من العواقب، وعلى وقع تلك “النشوة” سارعت فور صدور البيان لشن غارات هستيرية استهدفت مرافق مدنية في العاصمة صنعاء وأوقعت ضحايا، فيما هدّد ناطق العدوان بـ”عمليات أوسع”.
ذلك السلوكُ جعل السعوديّة تبدو بالفعل كمن “اشترى” البيانَ الدولي، وكشف عن حجم الإفلاس السياسي والعسكري الذي يسد طريق الرياض وواشنطن في اليمن؛ لأَنَّ الرهانَ على مثل هذه الخطوات لإجبار صنعاء على إلقاء السلاح والاستسلام، لا يعبر فقط عن “سوء تقدير” أَو قراءة خاطئة لمعادلات المواجهة خلال أكثرَ من سبع سنوات، بل يعبر عن حالة انفصام تام عن الواقع، ومحاولة اختراع واقع وهمي بديل، وهو ما يعني تفاقم ورطة تحالف العدوان على الواقع الحقيقي.
بالمقابل، تعاملت صنعاء مع “البيان” الدولي، والغارات السعوديّة، بشكل عكس بوضوح حجم ثبات أرضية وقوة موقفها السياسي وصوابيته، وبرهن على صلابة معادلاتها الميدانية المفروضة على أرض الواقع.
سياسيًّا، أكّـد رئيسُ الوفد الوطني، ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، أن “تبني مجلس الأمن موقف قوى العدوان ليس بجديد، وهو بانحيازِه الفج والأعمى منذ أول يوم ساهَمَ في إطالة هذا الصراع كُـلّ هذه السنوات، كما أنه بنفسه يعطّل بياناته من أي تأثير إيجابي”.
وأضاف: “من جهتنا نؤكّـدُ أن اليمن ومن موقع الدفاع عن النفس مُستمرٌّ في صد العدوان وبكل وسيلة دفاعية ممكنة”، في رسالة واضحة ومباشرة تؤكّـد أن محاولات الضغط لن يكون لها أي تأثير على الطاولة أَو على الميدان، وهو ما يعني أن تحالفَ العدوان يستطيع أن يبتهجَ بالتواطُؤِ الدولي كما يشاء، لكن لن يستطيع الالتفاف على محدّدات السلام الفعلي، وبالتالي لن يتمكّن من تجنب عواقب استمرار العدوان والحصار.
وأكّـد عبد السلام هذه الرسالةَ بشكل أوضح في تعليق آخر على الغارات السعوديّة جاء فيه: إن “قصف مخزن أدوية ومنشآت مدنية أُخرى في صنعاء تم تحت غطاء بيان مجلس الأمن المنحاز كليًّا لقوى العدوان، ولسوء حظها تنتفخ السعوديّة بمثل تلك البيانات الهزيلة، وبدلاً عن إيقاف العدوان والحصار تذهب نحو التصعيد دون أن تحسبَ عواقبَ حماقتها”.
أما عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري، فقد وصف بيانَ مجلس الأمن بأنه “مُجَـرّد إدانة أدبية وليس قراراً ملزماً”، وَأَضَـافَ أن “المجلس يثبت أنه ليس أكثرَ من وكالة أممية لبيع المواقف لأصحاب النفوذ والمال وعلى خلاف رسالته في حفظ السلم العالمي يصب الزيت في نار الصراع وبعد القرار ٢٢١٦ الذي اعترف صانعوه أمامنا مراراً أنه كان خطأ وساهم في إطالة الصراع، ها هم يكرّرون نفس الغلطة ببيانات لا معنى لها سوى صب الزيت في نار الحرب”.
وقال العجري في على تويتر: “سيعتذرون أنه مُجَـرّد بيان لإرضاء السعوديّة، لكن عليهم أن يعلموا أن دماءَنا ليست سلعةً للاستثمار، لم ننتظر يوماً منهم الحماية، وفي بسالة جيشنا ولجاننا ما يكفي، ولن تمنعَنا بياناتكم من الدفاع عن أنفسنا وعن اليمن ورد المعتدي”.
التعليقاتُ السياسية لصنعاء لم تؤكّـد على خواء بيان مجلس الأمن فحسب، بل أكّـدت أَيْـضاً على أن استراتيجية “الضغوط” نفسها التي تعتمد عليها الرياض وواشنطن لن يكون لها أي تأثير على الواقع باستثناء ما تنتجه من جرائم وانتهاكات إضافية بحق الشعب اليمني، وهو ما يعني ردوداً عسكريةً أقسى وأشدَّ، وبالتالي فَـإنَّ نتائج “الضغوط” ستكون عكسية دائماً بالنسبة لتحالف العدوان ورعاته، الأمر الذي يوضح صورة المأزق السيء الذي يعيشونه.
وفي رد آخر يكمل صورة موقف “القوة” المتكامل الذي تمتلكه صنعاء، وبعد ساعات قليلة من البيان الدولي والغارات السعوديّة، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، عن تنفيذ عملية صاروخية استخباراتية واسعة حصدت أكثر من 35 ضابطاً وجنديًّا سعوديًّا بينهم طيارون، مؤكّـداً على أن “ضربات مؤلمة وموجعة وواسعة” ستطال النظام السعوديّ إذَا استمر العدوان والحصار.
الإعلان العسكري أكّـد على واقعية الردود السياسية لصنعاء على بيان مجلس الأمن، وعكس مجدّدًا مستوى فاعلية الخيارات العسكرية للجيش واللجان الشعبيّة وانفراد صنعاء بالقدرة على إحداث تأثيرات مهمة في الميدان، في مقابل ما أثبته العدوّ من إفلاس عسكري من خلال لجوئه لقصف مرافق مدنية في العاصمة صنعاء على وَقْعِ “المباركة” الدولية.
ويمكن القول إجمالاً إن ردودَ صنعاء نسفت سريعًا “الهالة” التي حاول تحالفُ العدوان صُنعَها حول بيان مجلس الأمن، من خلال إظهاره كـ”انتصار” وكبداية لتحولات سياسية وعسكرية لصالحه؛ لأَنَّ صنعاء برهنت مجدّدًا أن موقفها السياسي أكثر ثباتاً وواقعية، وموقفها العسكري أقوى بمراحل، وليست هذه أول نتيجة عكسية يحصدها تحالف العدوان من وراء “حيل” الضغط والتضليل التي يعتمد عليها.
صحيفة المسيرة