عمليةُ ثلاثية الأبعاد للقوة الصاروخية اليمنية
موقع أنصار الله || مقالات ||إبراهيم محمد الهمداني
“القوةُ الصاروخيةُ تتمكَّنُ بفضل الله من تنفيذ عملية نوعية استهدفت معسكرات بظهران الجنوب بمنطقة عسير السعوديّة ومأرب وغربي تعز وكانت الإصابات دقيقة”.
كان هذا نَصَّ الخبر، الذي أعلنه بشير الخير، متحدث القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، بتاريخ الأربعاء 10/ 11/ 2021م، ويمكن القول إن هذه العمليةَ ذاتُ أهميّة كبيرة ومضاعفاته، فعلاوةً على أهميتها الكبيرة، في سياقها الطبيعي، في الظروف العادية، فَـإنَّها تحمل أبعاداً ودلالاتٍ كبيرة، ورسائلَ سياسية قوية، بداية من المستوى المحلي، وُصُـولاً إلى المستوى العالمي، وفقا لثلاثية المكان المستهدف، وخصوصية زمن الفعل، يمكن تتبعها ضمن أبعادها الثلاثة:-
أ- البُعدُ الاستراتيجي.
ويتمثل البعد الاستراتيجي لهذه العملية المباركة، في جانبين:
الأول:- طبيعة التطور النوعي المتقدم، الذي وصلت إليه القوة الصاروخية، تخطيطاً وتقنيةً ودقةً، رغم الحصار الشامل، والسيطرة الجوية، والمراقبة الدائمة بالأقمار الصناعية، وانتشار منظومتَي الدفاع الجوي، ثاد وباتريوت، وتغطيتها مساحة واسعة، من الشريط الحدودي، ومعظم المواقع العسكرية المعادية، المستخدمة للقيام بأبشع عمليات القتل والتدمير والإبادة، بحق الشعب اليمني بأكمله.
الثاني:- حجمُ التفوق الاستخباراتي المتعاظم، الذي تعكسُه دقةُ اختيار مكان وزمان العملية، ودورها في تعجيل حسم تحرير مدينة مأرب، وقطع عملية إمدَاد المدينة بمرتزِقة جدد، من معسكرات التدريب، الداخلية والخارجية، قبل القيام بها، وإفشال آخر المخطّطات الأنجلوصهيوأمريكية، الرامية لإطالة أمد المعركة، وحصرها في الداخل اليمني، بوصفها صراعاً يمنياً يمنياً، مفتوح زمنياً، إلى ما لا نهاية.
ب- البُعدُ السياسي.
تمثِّلُه ثلاثيةُ المكان المستهدَف، بما يحملُه المكانُ من رسائلَ سياسيةٍ قوية، ذات الدلالة المتنامية تصاعديا، المتجاوزة لأنساقها الزمنية والمكانية، في خصوصيتها ومحدوديتها، إلى أنساق زمنية مفتوحة من الحاضر إلى المستقبل، وفضاءات مكانية/ جغرافية، متسعة الدوائر والحدود، انطلاقا من التموضع المحلي، فالإقليمي، ثم العالمي، وفقا لعلاقات الترابط السببي، التي تجمعها ببعضها تصاعديا، حَيثُ ترسمها ثلاثية المكان، على النحو الآتي:-
١- معسكر تدريب غربي تعز.
يحملُ هذا المكان، طبيعة النطاق الجغرافي لمنطقة الساحل الغربي، الواقع -بامتداده من المخاء في تعز، إلى حدود مديرية الدريهمي، محافظة الحديدة- تحت سيطرة قوات المرتزِقة، الموالية لقوات الاحتلال الإماراتي، الموالية بدورها لهيمنة الاستعمار البريطاني، واستهداف معسكر التدريب ذاك، في تموضعه الاستراتيجي والوظيفي، يقدم رسائل سياسية بالغة الأهميّة، تنطلق من خصوصية المحتوى المحلي، الذي يعد بمثابة الإنذار الأخير، إلى قوى المرتزِقة في الساحل الغربي، بقيادة طارق عفاش، باقتراب معركة الحسم النهائية، وتحذير أُولئك المرتزِقة من مغبة الاستمرار في ذلك الدور الوظيفي المشين، والرهان الخاسر سلفاً، خَاصَّةً في ظل المتغيرات العسكرية والسياسية والاجتماعية، التي تؤكّـد تعاظم قوة الرد والردع اليمنية، وامتلاك أبناء الجيش واللجان الشعبيّة، زمام المبادرة والسيطرة على مجريات المعركة، وتطورات الأحداث على كافة المستويات، مقابل تراجع وانحسار حضور ومكانة ودور مجاميع المرتزِقة، بقيادة طارق عفاش، وانهيار معنوياتهم القتالية والنفسية، بعد ما تعرضوا له من المعاملة السيئة، من قبل قياداتهم المحليين والإماراتيين، على كافة المستويات، بالإضافة إلى الزج بهم في معارك وصراعات سباق بسط النفوذ الإماراتي السعوديّ، ليصبحوا وقوداً لمعارك، وخيانات ومؤامرات وحسابات، لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وصلت إلى مرحلة المعارك العبثية، والقتل العشوائي، وصناعة الموت المجاني، خارج عناوين التضحية الوطنية والثورية، التي طالما تشدقوا بها، واتخذوها مبرّرا لارتزاقهم وعمالتهم.
وبذلك فقدوا أدنى مستويات الأمان والثقة، فيما بينهم أفرادا وقيادات، وأصبح التخوين والتوجس والترقب الحذر، هاجساً جمعياً، وحالةً مَرضيةً، تحول دون الاستمرار في تصنع الدور التحرّري، والالتفاف حول قيادة واحدة، لتطغى بذلك حالة صناعة الحلول الفردية، والتماس أقرب المخارج، وتحين وانتهاز الفرص المواتية، بأي حال من الأحوال، مقابل غياب حالة الصمود والمواجهة والاستبسال الجمعي، والسباق إلى نيل شرف البطولة والتضحية، تحت أي مسمى كان، في وسط عسكري رخو، مفتقر إلى أدنى صور القيادة الوطنية، والمسئولية والشعور بالانتماء والأمان، علاوةً على ما أفرزته حالات الانقسامات الحادة، والولاءات المتعددة، داخل الفصيل الواحد، وما أعقبها من عمليات استهداف شخصيات، واغتيالات وتصفيات جسدية، داخل الصف الموالي للإمارات نفسه.
وفي ظل ذلك الوضع الرخو المتهالك، الذي أحكمت فيه القيادة الإماراتية قبضتها، على كُـلّ التفاصيل الإدارية، تم تهميش جميع قيادات المرتزِقة، الذي طالما اعتدوا برتبهم العسكرية، وأسسوا تمركزهم القيادي، على مسميات نخبوية، ذات دلالات كبيرة، مثل حراس الجمهورية وحماة الوطن والمحافظين على الثورة ومكاسبها، وغير ذلك من المسميات، ذات الأبعاد السلطوية المركزية، التي أصبحت كسراب بقيعة يحسبه المرتزِق منصبا ومجدا، حتى إذَا جاءه وجد الإماراتي السيد المُطلَقَ، وجميع المرتزِقة خاضعين بين يديه، وهم عنده سواء في العمالة والارتزاق، لا فرق بين كبيرهم وصغيرهم، مهما تفانوا في ممارسة أقذر أنواع الخيانة والارتزاق، طمعا في نيل رضاه، ولن يرضى عنهم، أَو يثق بهم، إلا شكليًّا عند الضرورة.
لم تنتقل رسالة القوة الصاروخية الأخيرة، من ساحة مرتزِقة الإمارات، في الساحل الغربي، إلا وقد أقامت عليهم أبلغ حجّـة، وأكّـدت لهم أن النهاية المحتومة، أصبحت وشيكة التحقّق، وما بين الاستمرار في ذلك الدور الوظيفي القذر، ومآلاته المأساوية الوخيمة، أَو المسارعة بالعودة إلى حضن الوطن، ولو في الوقت بدل الضائع، تركت لهم حرية الاختيار.
ولم يكن حال الإماراتي -عميل بريطانيا- بأحسن من حال أدواته المحلية الرخيصة، ولم يكن تعامله المتعالي عليهم، إلا انعكاسا لذات المعاملة، التي يتلقاها من أسياده البريطانيين، في تموضعهم الاستعماري المتعالي، الذي ما زال يبهره حتى اللحظة، ويرى فيه ملاذه الأخير، وحصنه الأُسطوري المنيع، الذي سيجعله بمنأًى عن ما يستحقه من عقوبات، على إجرامه بحق الشعب اليمني، ومسارعته إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني علنا، وخيانته للإسلام والمسلمين، معولا على وعود الحماية البريطانية، ومعتقدا ارتباط بقائها في المنطقة بوجوده.
ويمكن القول إن بريطانيا تعي نَصَّ الرسالة ومعناها جيِّدًا، أكثرَ من عميلها الإماراتي، الذي أعماه انبهار المفعول بالفاعل، عن رؤية مصيره المحتوم، خَاصَّةً وأن بريطانيا العظمى، لم تعد كذلك إلا في خياله، الذي أدمن العبوديةَ والذُّلَّ والخيانة، رغم أن بريطانيا ذاتها، تعي حقيقة تموضعها الجديد، الآيل للسقوط والانهيار لا محالة، نظرا لبلوغها مرحلة الشيخوخة الاستعمارية المتقدمة، وفقدانها معظم مواضعات الاستمرار والبقاء، وكل ما تؤسس عليه حضورها الاستعماري الراهن، هو بقايا هيمنة متهالكة، وإرث قمعي تسلطي غائر، لم يعد له من قيمة تذكر، غير ما تحمله ذاكره مجرم، تنخرها الشيخوخة خلف القضبان، وكذلك الحال بالنسبة لبريطانيا، التي لن يسعفها رصيدها الإجرامي المتقادم، في انتزاع بعض المهابة، كي تجلل ما تبقى من حضورها الراهن، ولا استخدامها للعملاء -النظام الإماراتي- سيعفيها من طائلة المساءلة والعقاب، وليس أمامها سوى خيار واحد، ترى من خلاله مصيرها المشئوم، وزوالها ونهايتها المخزية، الأمر الذي يجعلها ترى عبيد عبيدها/ عملاء عملائها، من المرتزِقة المحليين، في الساحل الغربي، أفضل حالا منها، وتحسدهم على إمْكَانية تحقّق فرصة نجاتهم في اللحظات الأخيرة، فتسعى بدافع العقدة الإبليسية، في ضرورة تعميم الخطيئة، إلى الحيلولة دون ذلك، من خلال عبيدها الإماراتيين، ليكفروا كما كفر أسيادهم، فيكونون سواءً.