نظرة اقتصادية على حيثيات انهيار “العُملة” في المناطق المحتلّة.. مآلات قاتلة وتداعيات كارثية على المواطنين

|| صحافة ||

يشهدُ الريالُ اليمني في المناطق المحتلّة تراجُعًا مُستمرًّا في قيمته أمام العُملات الأجنبية، حَيثُ هبط إلى أدنى مستوى له وتخطّى سعر الدولار الأمريكي خلال تعاملات الأيّام الأخيرة حاجز الـ1500 أمام الريال وفي ارتفاع سعر الريال السعوديّ إلى 420 ريالاً.

وتأتي عملية تدهور العُملة المحلية في المناطق المحتلّة في ظل طباعة المزيدِ من الأوراق النقدية المزورة وتداولها في أسواق المحافظات الجنوبية التي تقبعُ تحت الاحتلال الأمريكي السعوديّ الإماراتي وفي ظل الاستمرار في نهب الثروات السيادية في اليمن وتوريد قيمتها إلى البنوك التجارية خارج اليمن.

وانعكست أزمة العُملة على القوة الشرائية جراء ارتفاع الأسعار في المواد الغذائية والسلع الضرورية بنسبة كبيرة، الأمر الذي يزيد المخاوف من شبح مجاعة في المناطق المحتلّة تلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى، ومؤخّراً زادت عمليةُ المضاربة بالعُملة وزاد الطلب على شراء العُملات الأجنبية ونزوحها إلى خارج الوطن وفي نفس السياق حصلت زيادة كبيرة في أسعار العقارات في بعض الدول مثل تركيا ومصر والسبب يعود إلى زيادة الطلب في شرائها من قبل مرتزِقة العدوان الذين يقدمون على عملية الشراء وإدارة عملية كبيرة لغسيل الأموال التي يتم نهبُها من ثروات اليمن ومدخراته، ويحصل ذلك بتواطؤ وموافقة من تلك الدول وبمخالفة صريحة وواضحة للقوانين المحلية والاتّفاقيات الدولية التي تنص على مكافحة جرائم غسيل الأموال.

ويعيش اليمن أزمة اقتصادية مركَّبةً وحادة ناتجة عن حالة عامة من عدم الاستقرار الاقتصادي الكلي وهذه الأزمة بتداعياتها المختلفة تدفع نحو انهيار شامل تقول المؤشرات: إن البلاد تتجه إليه، وخَاصَّة في المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال السعوديّ الأمريكي، وكل ذلك بسبب العدوان والحرب الاقتصادية التي تُشن على اليمن على مدى سبع سنوات والمجتمع الدولي في موقع المتفرج ولا يتدخل لوقف هذا الاعتداء الظالم على اليمن ونهب ثروات الشعب اليمني الذي خلف الكثير من الأزمات المالية والنقدية والاقتصادية أَدَّت إلى ظهور تعقيدات كثيرة أمام الأنشطة الاقتصادية وإلى تضييق الخناق على القطاعَين التجاري والمصرفي وعلى التبادلات التجارية الداخلية والخارجية، وهو أمرٌ تؤكّـده نسبة تراجع حجم هذه التبادلات، حَيثُ وصلت إلى أكثر من 40 % فقد أَدَّت السياسات المالية والنقدية الفاشلة في حكومة المرتزِقة إلى تقويض استقرار الاقتصاد الكلي في مناطق سيطرتها وشكلت غطاء لفسادهم الرسمي حتى أن فريق الخبراء الأممي في تقريره وجه اتّهامات صريحة لحكومة المرتزِقة وفرع البنك المركزي في عدن بتحويل موارد البلاد الاقتصادية والمالية عن مسارها بشكل غير قانوني؛ مِن أجلِ تحقيق أهداف ومصالح خَاصَّة وفتح باب للمضاربة بالعُملة.

 

تداعياتُ “الانهيار” الاقتصادي في المناطق المحتلّة:

والانهيار الاقتصادي الحاصل في المناطق المحتلّة ستكون له تداعيات وآثار كارثية في جميع الجوانب، فسياسيًّا من المتوقع أن تشهد تلك المناطقُ وبدرجات متفاوتة احتجاجاتٍ ومظاهرات ضد سلطات حكومة الفنادق، ولن يكون الانهيار الاقتصادي في صالح أجندات ومخطّطات دول تحالف العدوان ومرتزِقتهم، إذ سيكونُ له نتائجُ سلبية على مختلف الأصعدة وهذه النتائج ستتفاوت في درجتها وحدتها وسيجد العديد من الأطراف والمليشيات الموجودة في المناطق المحتلّة في ذلك فرصة للتصعيد ضد حكومة الفنادق، وكذلك من ضمن تلك التداعيات أمنيًّا من المتوقع أن تتجه الأوضاع الأمنية في المناطق المحتلّة لمزيد من التدهور وأن تنتشر الجريمة، وسيتحول جزء كبير من السكان إلى ممارسة الجريمة وأنشطة أُخرى غير مشروعة وتتحول تلك المناطق إلى بؤرة لتهريب الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال.

ومن التداعيات الكارثية أَيْـضاً في هذا السياق نتيجة لانهيار العُملة في المناطق المحتلّة من المتوقع اقتصاديًّا في ظل وضع كهذا أن تنهار المصانع والبنى التحتية وينهار سوق العمل وترتفع معدلات البطالة إلى أعلى مستوياتها، بما يؤدي إلى دخول تلك المناطق إلى مرحلة تسمى اقتصاد الفوضى الذي يتقاطع فيه الاقتصاد غير الشرعي والاقتصاد الخفي واقتصاد الفساد واقتصاد الجريمة واقتصاد الحرب، وستكون أية جهود وتدخلات اقتصادية إقليمية أَو دولية أكثر صعوبة وأكثر تكلفة وغير ممكنة، وكذلك وفي نفس السياق من المتوقع إنسانياً في المناطق المحتلّة أن تخلف انهيار العُملة المحلية أزمة إنسانية كارثية لم تحصل على مستوى العالم، حَيثُ إن ما تُصنَّفُ اليوم بأنها أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم مؤهلة للتحول إلى كارثة إنسانية وقد يتجه الوضع إلى مجاعة مؤكّـدة طالما حذرت المنظمات والمجتمع الدولي من اقترابها وإلى جانب توقف الخدمات العامة كالتعليم والصحة ستزداد حدة تفشي الأوبئة التي انتشرت في السنوات الماضية بل ويمكن القول بأن هذا الانهيارَ الاقتصادي سيكون بدايةَ النهاية لحكومة الفنادق وقدرتها على البقاء معدومة بانتهاء الدعم الدولي لدول تحالف العدوان الخاسر والمهزوم عسكريًّا أمام أبطال الرجال في الجيش واللجان الشعبيّة وسوف يتحرّر كُـلّ شبر من تلك المناطق المحتلّة وسيكون النصر قريباً بإذن الله تعالى.

وسيترتب على استمرار طباعة العُملة المزورة وتداولها انهيارُ الاقتصاد الوطني وأضرار وآثار مالية واقتصادية كارثية أُخرى منها بصفة خَاصَّة الانهيار والمعاناة في الجانب الإنساني والجانب الخدمي وعجز المواطن عن شراء احتياجاته الأَسَاسية والضرورية من الغذاء والدواء؛ بسَببِ الغلاء الفاحش نتيجة ارتفاع التضخم بنسبة كبيرة لا يقدر المواطن على تحمله؛ نظراً لانخفاض نصيبه من الدخل في الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوياته، ومن ناحية أُخرى لا توجد إجراءات ومعالجات لتعويض المواطن عن هذا التضخم؛ بسَببِ العدوان والحصار ونهب موارد الدولة وثرواتها، ونتيجة التضخم للسلع والخدمات في الأسواق وانخفاض القوة الشرائية للعُملة، ارتفع الرقم القياسي للتضخم في أسعار المستهلَك من 194 نقطة نهاية ديسمبر 2014م إلى 476 نقطة نهاية ديسمبر 2020م بمعدل تضخم تراكمي بلغ حوالي 145.3 % نهاية الفترة نتيجة العدوان والحصار على اليمن وسببه الرئيسي الإصدار النقدي الجديد للعُملة المزورة مقابل عدم وجود زيادة في الإنتاج المحلي للسلع والخدمات.

 

نجاعةُ خيارات صنعاء الاقتصادية:

وفي المقابل، شهدت مناطقُ سيطرة المجلس السياسي الأعلى استقراراً نسبياً في قيمة الريال اليمني وفي معدل التضخم وهذا بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، وذلك يعود إلى الإجراءات الناجحة في السياسات المالية والنقدية التي قامت بها حكومة الإنقاذ، فهم إلى جانب التركيز على زيادة الإيرادات عملوا على ترشيد النفقات التشغيلية لمؤسّسات الدولة في حدودها الدُّنيا وفي منع التداول بالعُملة المزورة ووضع معالجات ناجحة في ميزان المدفوعات وفي تشجيع الاستثمار والإنتاج المحلي الزراعي والصناعي، كُـلّ هذا وذاك قلص دور حجم النقد المتداول في السوق، ما أسهم بالتالي في استقرار قيمة العُملة في المناطق المحرّرة بالرغم من تداعيات العدوان والحرب الاقتصادية التي تقوم بها دول تحالف العدوان.

ومما لا شك فيه أنَّ الوضع الاقتصادي سابقًا كان معتمداً على النفط والغاز وإيراداتها بدرجة كبيرة، حَيثُ كان يشكل ما نسبته 90 % في تمويل الموازنة العامة للدولة ولم يكن هناك التفات لتوفير المخزون الغذائي والدوائي محلياً والسعي للاكتفاء الذاتي منها في جميع السلع والخدمات ولو تدريجيًّا، بل كان يتم استيراد جميع الاحتياجات الأَسَاسية والكمالية من الخارج وبمبالغ كبيره جِـدًّا تكلف الدولة مئات المليارات من الدولارات، وفي هذا الإطار وما يتعرض له الوطن من عدوان وحصار فَـإنَّ حكومةَ الإنقاذ الوطني تقوم بتنفيذ إجراءات احترازية ناجحة سواء في السياسات المالية أَو النقدية أَو الاقتصادية تتمثل في دعم الصناعات الغذائية والدوائية لتوفير ما أمكن من الاكتفاء الذاتي وللحفاظ على قيمة العُملة الوطنية في مواجهة العدوان والحرب الاقتصادية وخَاصَّة في مواجهة جريمة الإصدار النقدي للعُملة المزورة، كُـلّ تلك الإجراءات نجحت في استقرار سعر العُملة الوطنية أمام العُملات الأجنبية في المناطق المحرّرة مقارنة بالارتفاع الكبير بسعر الصرف في المناطق المحتلّة.

ويعد استقرار سعر صرف العُملة الوطنية من أهم العوامل والمتطلبات الرئيسية لاستقرار الاقتصاد وخلال السبع السنوات الماضية شهد سعر صرف الريال في السوق الموازي هبوطًا مُستمرًّا أمام العُملات الأجنبية، وخَاصَّة في ظل استمرار ذلك الهبوط في المناطق المحتلّة ولكن يلاحظ أن وتيرة ذلك الهبوط بدأت منذ قرار نقل وظائف البنك المركزي إلى فرع البنك المركزي في عدن وإغلاق نظام السويفت، وساعد ذلك على الانهيار للعُملة؛ بسَببِ ضعف القدرات المؤسّسية لفرع عدن، إضافة إلى السياسات المالية والنقدية الفاشلة المتخذة من قبل حكومة المرتزِقة ودول الاحتلال، ويأتي ذلك في إطار الحرب الاقتصادية على اليمن ومنها المضاربة بالعُملة الأجنبية ومحاصرة البنك المركزي في صنعاء وضخ مبالغ طائلة للسوق من العُملة المحلية المزورة المطبوعة بدون غطاء قانوني كُـلّ ذلك كان له دور كبير في استمرار انهيار العُملة المحلية في المناطق المحتلّة.

وفي مقابل ذلك، قامت حكومةُ الإنقاذ باتِّخاذ إجراءات ضرورية للحفاظ على العُملة الوطنية من التدهور من خلال تدشين البرامج الوطنية التنفيذية لإنعاش الاقتصاد الوطني الذي بدأ تنفيذها في يناير من العام 2020م ويأتي هذا التدشين في ظل الانتصارات العسكرية والسياسية والاقتصادية من خلال تفعيل دور البنك المركزي اليمني في صنعاء من اتِّخاذ إجراءات تحمي العُملة الوطنية وتحافظ على الاقتصاد الوطني، من خلال تنفيذ إجراءات حازمة في السياسة النقدية والمالية للدفع بعجلة النمو والتنمية الاقتصاديين وكل هذه الإجراءات للحكومة جاءت بالتعاون مع المجتمع والقطاع الخاص في إطار ما هو ممكن ومتاح على استمرار إمدَادات السلع وَالخدمات الأَسَاسية في مستوياتها الدنيا إلى جانب حفظ الأمن والاستقرار، ما ساهم في استمرار بعض الأنشطة الاقتصادية وبالتالي تأمين الحد الأدنى من فرص العمل وتدفق الموارد الاقتصادية.

العواملُ المؤثرة على القوة الشرائية:

ويُعد التغير في المستوى العام للأسعار من أهم العوامل المؤثرة على القوة الشرائية للمجتمع؛ وذلك بفعل استمرار قصور العرض من السلع والخدمات المنتجة محلياً نتيجةَ تراجع حجم الطاقات الإنتاجية للاقتصاد الوطني والقيود المفروضة على تدفق مستلزمات وخدمات الإنتاج وارتفاع أسعارها وخَاصَّة الوقود الذي ارتفعت أسعاره مقارنة بمستواه قبل العدوان، ما ساهم في ارتفاع تكاليف الإنتاج والقصور أَيْـضاً في عرض السلع المستوردة وارتفاع أسعارها بفعل القيود المفروضة على الواردات وخَاصَّة منع السفن المحملة بالغذاء والمحروقات من الدخول عبر موانئ الحديدة.. إن استمرارَ معدلات التضخم بمعدلات مرتفعة متزامنة مع تدهور الدخل يعني استمرار تدهور القوة الشرائية للأفراد وبالتالي كمية الاستهلاك من السلع والخدمات وخَاصَّة من الغذاء.

كما أن مثلَ هذا الاتّجاه العام الصعودي والمصحوبِ بذبذبات في أسعار الصرف قد زاد من عدمِ الوضوح لدى المستوردين والمنتجين وانعكسَ سلباً على نشاطهم كما دفعَ وبقوة بالأسعار نحو الارتفاع وبمعدلات مرتفعة، الأمر الذي انعكس سلباً على القوة الشرائية المتدنية أصلاً للمستهلكين ما ترتب عليه استمرار تراجع مستوى الاستهلاك الحقيقي، حَيثُ يعاني القطاع الخاص من تعسفات كبيره جراء قيام سلطة المرتزِقة من فرض المزيد من الرسوم الجمركية على السلع الأَسَاسية والثانوية؛ لأَنَّ معظم المنافذ الجمركية تحت سيطرة مرتزِقة العدوان مما يشكل ذلك ارتفاع قيمة السلع المستوردة وانخفاض القوة الشرائية لدى المواطن، ويجب في مواجهة ذلك العمل الجاد واتِّخاذ إجراءات ضرورية لدى قيادة وموظفي مصلحة الجمارك تساهم في تطوير وتحديث النظام الجمركي وفق آليات تنفيذية عاجلة والاستفادة وفق نماذجَ من الدول المتقدمة في هذا السياق بتغيير نمط العقلية الجبائية التعسفية السابقة التي تراكمت في مؤسّسات الدولة من العقود السابقة ولمراعات مصلحة المواطن بعدم فرض عليه أية أعباء إضافية أُخرى.

ولا نستطيع إنكارَ أن لسعر الصرف دوراً هاماً في زيادة الدول المتقدمة تقدماً وزيادة الدول المتخلفة تخلفاً، حَيثُ أن ما تعاني منه الدول النامية من تدهور اقتصادي ونقص في مواردها التي لم تمكّنها من إنتاجها محلياً وأرغمها على اللجوء إلى التجارة الخارجية لتوفير احتياجات شعوبها مما يضطرها لتوفير عُملات أجنبية وكلما تدهورت ظروفها أكثر وجدت نفسها تدفع من عملتها المحلية مقابل العُملات الأجنبية وطباعة العُملة بدون غطاء قانوني له دور كبير في ضعف العُملة المحلية ويؤدي إلى التضخم للسلع والخدمات في الأسواق، حَيثُ يجب على الحكومة اتِّخاذ معالجات ضرورية متوسطة وطويلة المدى تقطع الطريق على كُـلّ المؤامرات في المستقبل للنيل من اقتصادنا الوطني وتتمثل في الاهتمام بالإنتاج المحلي سواء الزراعي أَو الصناعي والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي تدريجيًّا الذي سوف يعمل على الحفاظ على قيمة العُملة الوطنية ويؤدي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وينخفض الطلب على النقد الأجنبي؛ لغرض الاستيراد من الخارج.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا