قصف ميناء الحديدة.. غاراتٌ سعوديّة قد تفجّر المنطقة والمياه الإقليمية
|| صحافة ||
لا زالت دولُ تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ تمارس غطرستها المعهودة منذ بداية عدوانها على اليمن في 26 مارس عام 2015م، وهي تسوق الأكاذيب والافتراءات المضللة والمكشوفة في ذات الوقت، في محاولة منها لتبرير فشلها تارة والتغطية على جرائمها وانتهاكات حقوق الإنسان تارة أُخرى، بالإضافة إلى مخالفة المواثيق والقوانين الدولية.
الافتراءات والأكاذيب التي يقوم بها العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن كثيرة ومتعددة سواء من حَيثُ التصريحات الإعلامية بالأهداف التي يتم استهدافها وتدميرها ولا تعجز وسائل إعلام العدوان عن تسويق وخلق المبرّرات عبر تنظيم مؤتمرات صحفية وخرجات إعلامية لمتحدث كاذب أَو عبر آلة إعلامية ينفق عليها المليارات يعلن خلالها أنه تم استهداف مواقع عسكرية أَو مخازن أسلحة، طالما كانت الأفعال الحقيقة هي قتل اليمن واليمنيين من المدنيين والأبرياء وتدمير مقدرات هذه الأرض وتدمير بنُيتها التحتية.
سيناريو متكرّر:
المخرجات الإعلامية هي تصريحات لناطق تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ تركي المالكي زعم خلالها وجود أسلحة “صواريخ بالستية” في ميناء الحديدة”، في مشاهد متجزأة مزوَّرة ومسروقة من فيلم وثائقي أمريكي حمل اسم sever clear أنتج سنة 2003 في العراق، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده قبل أَيَّـام.
في المقابل نفت مؤسّسة موانئ البحر الأحمر اليمنية تلك التصريحات كاشفة كذبها وزيفها، حَيثُ أكّـدت في بيان لها أن “ميناء الحُدَيْدَة يخضع لزيارات أممية متواصلة ويلتزم بكافة الاشتراطات والمدوّنات الدولية البحرية، معبرة عن أسفها للسيناريو المتكرّر الذي يستخدمه تحالف العدوان وأدواته عبر أبواق إعلامه في إقحام ميناء الحديدة، واستخدامه ذريعةً لجعله هدفاً مشروعاً في سياسته العدائية ضد الشعب اليمني”.
وتعد تصريحاتُ ناطق تحالف العدوان تمهيداً خطيراً نتائجه ستكون كارثية على المنطقة، وعلى اليمن عُمُـومًا؛ باعتبَار أن ميناء الحديدة هو الشريان الوحيد الذي يعتمد عليه الشعب اليمني بشكل تام في إمدَاده بالمواد الإغاثية والدوائية والنفطية.
وفي هذا الصدد، يرى خبراء عسكريون واقتصاديون، أن إصرارَ تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن على استهداف ميناء الحديدة فيه تهديدٌ واضح وصريح لعملية السلام في المنطقة عُمُـومًا وهدم لأية معاهدات جرى الاتّفاق عليها سابقًا محذرين في الوقت عينه من مغبة تلك التصريحات والمشاهد المفبركة وما سيترتب عليها من مخاطر أمام نية أَو إجراء قد يزيد من معاناة اليمنين بشكل خاص.
ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الركن عابد الثور: إن “استهدافَ ميناء الحديدة من قبل دول تحالف العدوان يعكس إصرارَ النظام السعوديّ الإماراتي على تقويض عملية السلام في الحديدة، وبالتالي استبعاد أية مبادرات قادمة للسلام أَو تتعلق باستئناف اتّفاقيات وقف إطلاق النار ليس في الحديدة فقط وإنما على كامل الجغرافيا اليمنية”.
ويؤكّـدُ العميد الركن عابد الثور، في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن استهداف ميناء الحديدة سيجلبُ معه الكثيرَ من المشاكل وسوف تتغير الاستراتيجية العسكرية اليمنية تجاه دول تحالف العدوان، وخَاصَّة الأقرب منها إلى حدودنا ومياهنا الإقليمية، منوِّهًا إلى أنه لن يكون هناك أي نوع من أنواع التحسن الشكلي بين الأطراف وخَاصَّة مع تلك التي تشرف عليها الأمم المتحدة.
ويضيف العميد الثور “أننا في اليمن سنعتبر أن استهدافَ ميناء الحديدة لن يكونَ إلَّا بإذن من مجلس الأمن وضوءٍ أخضرَ من الأمم المتحدة وبإشراف مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة من قوات الكيان الصهيوني”.
ويردف بالقول: إن استهداف ميناء الحديدة أَو ميناء الصليف قد تكون مقدمة لعمل عسكري مشترك بين دول تحالف العدوان وسوف تزيد من الأزمة، وستضاعف معاناة ومأساة اليمنيين؛ كون ميناء الحديدة هو الشريان الوحيد لأبناء اليمن المحاصر، وسيؤدي أي عمل عسكري على ميناء الحديدة إلى حماقة غير محسوبة نتائجها على النظام السعوديّ أولاً والنظام الإماراتي ثانياً.
ويشير الثور إلى أن “القوات المسلحة اليمنية لن تقفَ مكتوفة الأيدي بل ستتخذ خيارات عسكرية وستقصف المناطق البحرية للعدوان، وخَاصَّة ما يتعلق بموانئ السعوديّة والأهداف الحسَّاسة، وستتجه المنطقة بشكل عام وخَاصَّة البحر الأحمر ودول العدوان المطلة عليه إلى مزيد من التوتر والقلق والفوضى وسيكون حينها من الصعب جِـدًّا تقريب الفجوة التي أحدثتها حماقة النظام السعوديّ والإماراتي؛ لأَنَّ الأحداثَ حينها ستنزلقُ منزلقاً خطيراً وإلى درجة كبيرة تكون فيها النتائج والخيارات قد انتهت ووصلت إلى ذروتها ولن تستطيع السعوديّة والإمارات حينها استعاضتها لفترات طويلة قادمة”.
ويواصل حديثه “فإذا كانت السعوديّة ترى أن استهدافَ ميناء الحديدة وميناء الصليف نوعٌ من الحفاظ أَو الاحتفاظ بالتوازن العسكري الحالي لها، وخَاصَّةً بعد الانهيارات المتلاحقة لها فَـإنَّ ذلك سيؤدي إلى كوارثَ حقيقيةٍ لها، وسيكونُ اليمن وجيشُه ولجانه الشعبيّة أمام خيارٍ عسكري استثنائي، والمتمثل في السعي بكل الإمْكَانيات المتاحة إلى تحقيق مستوى الردع المتبادل، والسعي إلى تحقيق التفوق على القدرات السعوديّة والإماراتية وخَاصَّة في مجال القوة الصاروخية بأنواعها، وسلاح الجو المسيَّر والقوة البحرية، وسوف تندرجُ عملية الردع العسكرية في العمق السعوديّ الإماراتي تحت اسم المبادرة الخَاصَّة للدفاع بمعنى أن كُـلَّ جهود الدولة ستتشكل في هذه المبادرة عن أهم شريان حيوي لشعبنا اليمني”.
ويؤكّـد العميد الركن الثور أن السعوديّة والإمارات سيندمون على ما اقترفوه، حَيثُ أنهم قد وضعوا أنفسَهم تحت طائلة البرنامج الوطني للدفاع الاستراتيجي للجمهورية اليمنية، كما ستصبح المنطقة بشكل عام ضمن هذا البرنامج بما فيها الكيان الصهيوني، مُضيفاً “سيتغير نمط الحرب خلال العام 2022م، وهو الأمر الذي ستزدادُ معه أشكالُ القوى اليمنية وستظهر أشكالٌ أُخرى للقوى العسكرية اليمنية وبالتالي معدلات الخسارة للنظام السعوديّ، وأية محاولات أمريكية أَو إسرائيلية لتدعيم الموقف السعوديّ الإماراتي ضد اليمن لن تخدمَ النظام السعوديّ، بل إنها ستزيدُ من الضغط على السعوديّة، ولن تخدمها في تحسين قدراتها العسكرية، بل إنها ستزيد من معاناتها”.
وينبه الثور قائلاً: “إذا حاولت أمريكا وإسرائيل تدعيمَ أية أعمال على ميناء الحديدة والصليف فَـإنَّها سوف تتجه بذلك إلى وضع مصالحها في البحر الأحمر تحت الخطر الحقيقي، وحينها لن تكون المواجهة للوجود الأمريكي في البحر الأحمر فقط وإنما سوف تتأثر مصالح أغلب دول العالم وخَاصَّة التجارية والاقتصادية في البحر الأحمر، مُشيراً إلى أن عملية الردع اليمنية والخيار اليمني سيكون للدفاع، والتي ستتغير معها الموازين أيضا؛ لأَنَّ الميزانَ العسكري اليمني والاستراتيجي اليوم وغداً سيطرأ عليه أَيْـضاً تغييرٌ جوهري في زيادة القدرات العسكرية اليمنية، والتي ستؤثر بشكل كبير على قوى وقدرات القوات الأجنبية المتواجدة في البحر الأحمر أَو على الأرض السعوديّة، وُصُـولاً إلى طريق مسدود؛ لفرضِ هيمنتهم في البحر الأحمر”.
ويؤكّـد الثور في ختام حديثه أن السعوديّين والإماراتيون وأمريكا لن يجدوا أي نوع من الترحيب لأية حماقة أَو عداء، أَو غباء، باستهداف ميناء الحديدة، بل إن هذه الخطوة ستنعكسُ سلباً عليهم، وستثبت القوات المسلحة اليمنية بجيشها ولجانه الشعبيّة أنها الحاجز المنيع أمام كُـلّ محاولات دول تحالف العدوان وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل في محاولتهم النيل من اليمن وشعبه وحريته واستقلاله.
جريمةُ إبادة جماعية.. نتائج كارثية:
المزاعمُ الكاذبةُ التي يروّجُ لها ناطقُ تحالف العدوان عبر مشاهدَ في مقطع الفيديو المفبرك هي واجهة وتسويغ فاضح يكشف عن نية مسبقة لتحالف الشر والعدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن قصف وتدمير ميناء الحديدة الذي إن حدث سيغيِّر شكلَ المنطقة ككل ومن يتحمل مسؤولية ذلك الأمم المتحدة فهي من تستخدم الميناء وتعرف كما يعرف الجميع أن ميناء الجديدة هو ميناء مدني ولا علاقة له بأية أعمال عسكرية لا من قريب ولا من بعيد.
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد حجر: يمثل استهداف ميناء الحديدة مخالفةً واضحة وجريمة يعاقب عليها القانون الدولي ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية، فمن الناحية الاقتصادية يأتي في إطار تعميق الضغوط الاقتصادية على المجتمع اليمني؛ كون الميناء يُستخدَمُ بدرجة أَسَاسية في ظل ظروف الحرب العدوانية لاستقبال السلع الأَسَاسية المستوردة كالحبوب أَو السلع والوسيطة كالمشتقات النفطية، وبالتالي زيادة الضغوط الاقتصادية، سواء نتيجة التكاليف الناجمة عن ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين؛ بسَببِ زيادة مخاطر دخول السفن إلى ميناء الحديدة أَو تكاليف تأخر تفريغها أَو تكاليف تفريغها في موانئ أخرى وهذا ما ستكون له تداعيات سلبية كبيرة على ارتفاع أسعار السلع الأَسَاسية.
ويضيف حجر في تصريح خاص لصحيفة المسيرة: “هنا ستأثر بدرجة أَسَاسية على مستوى المعيشة لكافة أفراد المجتمع وبالأخص الفقراء هذا إلى جانب ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية في ظل استمرار تراجع مستويات الدخول الحقيقية لمعظم فئات المجتمع، وهذا ما قد يترتب عليه انخفاض الطلب للمجتمع، وبالتالي ما سيدفع العديد من الوحدات الإنتاجية والخدمية إلى خفض إنتاجها، وهو ما يجعل الاقتصاد يتجه نحو الانكماش”.
ويواصل الدكتور حجر حديثه بالقول: “هذا إلى جانب حرمان الخزينة لجزء هام من مواردها وبذلك تحقّق دول العدوان الأمريكي السعوديّ عدةَ أهداف تتمثل أهمها زيادة الضغوط على معيشة السكان، إدخَال الاقتصاد القومي مرحلةَ الانكماش بارتفاع معدلات التضخم، وكذلك الاستمرار في إلحاق أكبر تدمير لمقدرات المجتمع اليمني الاقتصادية”.
ويتحدث قائلاً: “في الناحية العسكرية تسعى دول العدوان إلى إضعاف أَو تحييد القوة البحرية اليمنية في التصدي لعمليات دول العدوان وتحديداً بعد العملية العسكرية الناجحة في السيطرة على السفينة الإماراتية والحد من عربدة دول العدوان في البحر الأحمر وبالأخص أنشطة العصابات الصهيونية”.
وفي ختام حديثه للصحيفة، يقول الدكتور حجر: “هذا إلى جانب الحرب النفسية التي تشنها دول العدوان لعل وعسى تحقّق أهدافها”، مُضيفاً “يسعى العدوان بالخداع؛ بهَدفِ التضليل على الرأي العام حول فضيحة دول العدوان المدوية عن مدى إجرامها ومخالفتها للقوانين والأعراف الدولية وخداع دويلة الإمارات لمجتمعها والمجتمع الدولي عن انسحابها من العدوان والحصار على اليمن؛ تجنباً لأية ضربة عسكرية يمنية على اقتصادها الزجاجي والترفيهي غير المباح”.
مضاعفاتٌ خطيرة:
من جانبه، يؤكّـد الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية، رشيد الحداد، أن ميناءَ الحديدة ميناءٌ مدني وتجاري يستقبل شحناتٍ إنسانية تابعة لمنظمات الأمم المتحدة، والميناء يعمل وفق معاييرَ دولية وأي استهداف للميناء من قبل تحالف العدوان في ضوء التهديدات المتصاعدة سيترتب عليه مضاعفات خطيرة في الملف الإنساني من جانب، ويعد نسفاً لاتّفاق استكهولم من جانب آخر وسيغلق آخر باب من أبواب السلام في اليمن وقد يشعل فتيل حرب بحرية لن تنتهي في سواحل الحديدة وقد تمتد إلى مضيق باب المندب.
ويشير الحداد في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن ميناءَ الحديدة -رغم استقباله ٧٥ % من احتياجات المحافظات الحرة- لا يزال تحتَ الحصار، وأن حركة الملاحة في الميناء بأدنى المستويات كما تبيِّنُ نشراتُ الملاحة اليومية الصادِرة عن مؤسّسة البحر الأحمر.
ويؤكّـد أن استهداف ميناء محلي محاصر جريمة وفق القانون الدولي الإنساني ترقى إلى جريمة إبادة جماعية، منوِّهًا بقوله: وهنا تتحمل الأممُ المتحدة كافةَ المسؤولية؛ كونها من تستخدمُ الميناء لإيصال شحنات إنسانية وتعلم أن الميناء مدني لا علاقة له بأية أعمال عسكرية.
صحيفة المسيرة