المياه العادمة في اليمن.. ثروةٌ مائية مهدَرة وخطرٌ يهدّد البيئة

|| صحافة ||

تُعرَفُ المياه العادمة بأنها المياه التي تخلّفها المصانعُ والشركات والمزارع، بالإضافة إلى مياه الصرف الصحي الصادرة عن المنازل، كمياه أحواض السباحة، والمراحيض، والاستحمام، والتنظيف، وغيرها.

وتعدّ معالجة المياه العادمة ضرورية جِـدًّا كي تصبح قابلةً للاستخدام مرةً أُخرى، قبلَ إرجاعها إلى البيئة المائية، بحيث لا تزيد من تلوثها.

ويقول الدكتور أمين يحيى راجح، وهو خبير وطني في المياه والبيئة، بالهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي: إن الكثير من دول العالم تستخدم المياه المعالجة في الأغراض الزراعية منذ فترة طويلة بالذات الواقعة في المناطق الجافة، وشبة الجافة والتي تعاني من نقص المياه العذبة، مُشيراً إلى أن هناك دولاً تستخدم المياهَ المعالجة في الأغراض الزراعية؛ مِن أجلِ الاقتصاد في استخدام الأسمدة المعدنية، ورغبةً في زيادة الإنتاج الزراعي، وأن هذه المياه تكون غنيةً بالمواد العضوية والسمادية.

ويضيف الدكتور راجح أن إعادةَ استخدام المياه المعالجة في أغراض الزراعة والري في بعض المناطق باليمن يتم بشكل عشوائي، دون الأخذ بعين الاعتبار بمواصفات المياه والحرص على استخدام وسائل الأمان من الملابس المغطاة والأحذية الطويلة وكفوف بلاستيكية أثناء ممارسة عمليات الري بهذه المياه، مؤكّـداً أن المياه العادمة تؤدي إلى الكثير من المشاكل الصحية وانتشار الأمراض بين المزارعين؛ بسَببِ استخدامهم هذه المياه مثل أمراض الكوليرا والملاريا والتيفود والبلهارسيا وأمراض الكبد والديدان والأمراض الجلدية، وخَاصَّة ًالأطفال دون 14 سنة، موضحًا أن الأمراض البكتيرية والطفيلية أَو الفيروسية المذكورة التي تؤثر على صحة الإنسان الموجودة في المياه العادمة، أَو المياه المعالجة يزداد تأثيرها يوماً بعد يوم عن طريق التلامس المباشر والاحتكاك، مما يؤدي إلى انتشار الكثير من هذه الأمراض.

ويواصل الخبير راجح قائلاً: إن المشكلة الرئيسية في بلادنا تتمثل في إعادة استخدام المياه المعالجة في أغراض الزراعة والري بطرق عشوائية، دون مراعاة للقواعد العامة المتبعة مع هذا النوع من المياه، وهي جودة المياه ونوعية الأراضي ونوع الأشجار والمحاصيل التي يمكن أن تروى بهذه المياه وكذلك العشوائية في كميات المياه المضافة للأراضي، مُشيراً إلى أن هذه العشوائية تسبب تملُّح الأراضي وتدهور خصائصها، وتدني إنتاجيتها، كما أن مخاطرَ استخدام المياه العادمة والمعالجة بطرق عشوائية لا تقتصر على الإنسان والبيئة، فقط بل تصل إلى الثروة الحيوانية مثل الإسهالات والبثور على الفم والضرع وغيرها من الأمراض؛ نتيجة الرعي والشرب من محطات الصرف الصحي المفتوحة، والقنوات الجارية الخارجة من المحطات.

ويؤكّـد الدكتور راجح أن كميةَ المياه العادمة (المعالجة) في اليمن قدرت بحوالي (8.73 مليون م3) حسب تقديرات مشروع مساقط المياه -1999م، وحَـاليًّا تقدر بحوالي (140 مليون م3)، لافتاً إلى أن هذه الكمية من شأنها أن تساهم بنسبة كبيرة من مياه الري المستهلكة، إذَا ما أعيد استخدامُها في الزراعة بشكل صحيح، مُشيراً إلى أن هناك قصوراً وإهمالاً في محطات المعالجة في كُـلّ المحافظات، وتدني نوعية المياه المعالجة الخارجة من المحطات، وذلك نتيجة زيادة الحمل من كمية المياه الداخلة للمحطات المعالجة؛ بسَببِ زيادة النمو السكاني بالمدن، مُضيفاً أن غياب إدارة التشغيل والمختصين القائمين على عملية المعالجة ونقص المعدات والأجهزة والمختبرات الحديثة قد أَدَّى إلى عدم كفاءة مخرجات لمحطات من المياه المعالجة الجيدة.

ويوضح أن نتائج تحاليل هذه المياه في ست محطات معالجة للمحافظات الرئيسية مقارنة مع المقاييس والمعايير العالمية للمياه المعالجة المسموح إعادة استخدامها، مُشيراً إلى أن العشوائية في إعادة استخدام المياه المعالجة دون إشراف زراعي ودون التقيد بالشروط والقواعد العلمية يسبب الكثير من المخاطر الصحية والبيئية خَاصَّة ًفي المناطق القريبة من محطات معالجة الصرف الصحي، مبينًا أن تقريراً تم إعداده من قبل الفاو – عام 1998م بعنوان (إعادة استخدام المياه المعالجة في بعض المناطق الحضرية في اليمن) أشار إلى أن مساحة واسعة من الأرض في بني الحارث -صنعاء تم ريها بمياه معالجة ولكنها تحتوي على 17 مليون /100 مل من F. C البكتريا القولونية، مُشيراً إلى أنها نسبة عالية عن الحد المسموح به في المعايير الدولية ومنظمة الصحة العامة وَأَيْـضاً المعايير المحلية هو أقل من 1000/ 100 مل، وهو ما أَدَّى إلى انتشار الكثير من الأمراض في هذه المنطقة.

ويشير الدكتور أمين راجح إلى أنه في السنوات الأخيرة وجد الكثير من المناطق التي تضررت بالتلوث نتيجة عادة استخدام المياه رديئة المعالجة في أغراض الزراعة والري وخُصُوصاً القريبة من محطات المعالجة مثل ذمار، مؤكّـداً أن الدراسات البحثية أظهرت تدهور أراضٍ زراعية في وادي المواهب منطقة وجود محطة المعالجة لمياه الصرف الصحي، وأصبحت هذه الأراضي لا تزرع، وكذلك في مدينة تعز منطقة البريهي، والتي أصبحت جرداء غير صالحة للزراعة بفعل تراكم الأملاح وانتشار الكثير من الحشرات والأمراض.

 

طرق معالجة المياه العادمة في اليمن

ويوضح راجح أن طرق معالجة المياه العادمة تتم بعدة طرق منها:

– نظام المعالجة الطبيعية عن طريق برك الأكسدة وهي من أنظمة المعالجة الرخيصة والواسعة الانتشار بخَاصَّة في المناطق الدافئة، وحيثما تتوفر المساحات الكافية، موضحًا أن البرك تعتبر في هذا النظام مفاعلات بيولوجية كاملة ومختلطة بواسطة الطبيعة (الرياح – الحرارة)، مُضيفاً أنه يمكن تمييز ثلاثة أنواع من برك الأكسدة (لا هوائية – اختيارية -برك إنضاج).

– نظام المعالجة الميكانيكية ويستعمل هذا النظام في كُـلّ من محطتي صنعاء وإب، ويعتمد هذا النظام أُسلُـوب معالجة هو نظرية التهوية الممتدة (EXTENDED AERATION) عن طريق الحماة لمنشطة (ACTIVATED SLUDGE PROCESS) أَو البكتيريا النشطة، مُشيراً أن النظام المستخدم في هذه المحطتين يتكون من الأجزاء الرئيسية التالية:

– وحدة المصافي – أحواض التهوية – أحواض الترسيب النهائية – وحدة الكلورة – أحواض التكثيف – أحواض التجفيف).

ويذكر راجح -الخبير الوطني في المياه والبيئة- عدة تدابير احتياطية يجب القيام بها للحفاظ على بيئتنا وصحتنا ومنها:

– تكثيف وَتعزيز جوانب التوعية حول ضرورة الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وتحديد الأدوار المناطة بكافة المعنيين من مؤسّسات وجماعات وأفراد وذلك عن طريق إبراز الإرشادات العلمية عبر وسائل الإعلام المختلفة.

– عمل ملصقات ونشرات بالأمراض التي يسببها التلوث البيئي.

– إجراء فحوصات ميدانية وكشف للأمراض التي تنجم عن التلوث في مختلف المناطق نتيجة التعامل بدون مبالاة مع هذه المياه.

– وَيشدّد الدكتور أمين على سرعة توسعة محطات المعالجة بحيث تستوعب الكميات المتزايدة من المياه العادمة، بالإضافة إلى الالتزام بالتقيد بنمط المعالجة المتعارف عليه، من حَيثُ إضافة المواد المطهرة والحفاظ على المستوى القياسي الذي يضمن تقليص المخاطر الصحية والبيئة إلى الحد الأدنى.

تحسين نوعية المياه الخارجة من خلال تخفيض مستوى الأملاح في مياه الصرف بما يؤدي إلى تقليص المخاطر من تملح التربة وتدهورها، منوِّهًا إلى أن من ضمن الاحتياطات مراقبة وضبط المخالفين في رمي مخلفات الزيوت والملوثات الأُخرى داخل شبكة مياه الصرف، كما يجب تحديد أنواع المحاصيل التي تُزرع على مياه الصرف الصحي، ووضع تشريعات لذلك وفرض عقوبات على من يتجاوز ذلك.

وينوّه الدكتور أمين راجح على ضرورة اتّباع الطريقة التبادلية في الري (تروى بالمياه العادمة المعالجة في الشتاء ومياه الأمطار والسيول في الصيف) وذلك للتحسين من خواص التربة، وعمل غسيل للتراكمات الملحية التي تظهر من الري بالمياه العادمة، مُشيراً إلى أهميّة الإرشاد المائي وتحديد الاحتياجات المائية للمحاصيل التي تزرع على هذه المياه، وكذلك تسميد الأراضي المروية بالمياه معالجة بالسماد العضوي (مخلفات الحيوانات) لتحسين خصوبة التربة الفيزيائية. مُشيراً إلى أن من أهم الاحتياطات الواجب اتِّخاذها للحد من خطر المياه العادمة هي منع الرعي بالقرب من المحطات وقنوات جريان مياه الصرف الصحي، وتجنب حش الأعلاف والرعي لمباشر إلَّا بعد تجاوز فترة الأمان وهي 15 يوماً وشدّد على ضرورة إنشاء مرافق صحية (مستوصفات ومستشفيات وعيادة بيطرية ومراكز إرشادية بالقرب من المناطق المتعرضة للتلوث البيئي والأضرار الصحية.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا