غارات العدوان تفتك بالمدنيين.. الحي الليبي ينزف!

|| صحافة ||

عاش سكانُ حي الليبي بالعاصمة صنعاء ليلة مأساوية، مساءَ الاثنين 17 يناير 2022، فطيرانُ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي الذي كان يعربدُ في سماء صنعاء، كان يبحثُ عن ضحايا من المدنيين الجدد، ليضيفَ إلى سجله الدموي مجزرةً جديدةً، وتوحُّشاً جديداً.

المساء في ذلك اليوم كان قارساً، والأصواتُ هادئة من الحركة؛ بسَببِ خف الازدحام في الشوارع، نتيجة لعمق الأزمة التي يعيشها اليمنيون جراء الحصار الخانق للمشتقات النفطية، وأمام شاشات التلفزة تسمر اليمنيون فرحاً وابتهاجاً، بالرد اليماني العظيم الذي استهدف العُمق الإماراتي في عملية إعصار اليمن.

مجزرةُ بيت الجنيد في الحي الليبي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بل سبقها عشرات المجازر الوحشية التي ارتكبها طيران العدوان الأمريكي الإماراتي السعوديّ بحق الشعب اليمني منذ سبعة أعوام.

قصدنا الحي في زيارة صحفية لنتفقد الآثار التي حلت به؛ نتيجةَ الغارات المتوحشة، لنتكشف مأساة كبيرة، وأوجاع سكان الحي، ففتحوا لنا قلوبهم، شاكين ما حَـلَّ بهم في هذه الليلة المرعبة، وداعين الله أن ينتقمَ من السفاحين، ويزيلَ ملكهم.

ومع ولوجنا إلى الحي الليبي العابِق برائحة الدم المسفوك والجثث المتفحمة والطفولة الموءودة تحت جدران وخرسانات منزل الشهيد عبدالله الجنيد المدمَّـر عليه، وعلى أطفاله ونسائه أدركنا حجمَ الفاجعة وهَوْلَ المشهد، ومقدارَ الرعب والخوف الذي زرعته غاراتُ طيران العدوان في قلوب الأهالي.

ويقول وجيه الدين قاسم الجنيد، ابن أخو الشهيد عبدالله الجنيد: إن هذه الجريمة لن تمر دون رد، ونحن فخورين بأن عمي وعمتي وعيالهم وأطفالهم استشهدوا بطيران العدوان الأمريكي الإماراتي السعوديّ الغادر والجبان، ولكن يجب على العدوّ أن يعرف أن الرد مؤلمٌ وقاسٍ ولن يتراجعَ شعبُنا اليمني عن الوفاء للشهداء والأخذ بثأر الأطفال والنساء.

ويدعو الجنيد شباب اليمن إلى استشعار مسؤوليتهم التاريخية أمام الله وأمام التاريخ والأجيال القادمة، متسائلاً: ما ذنب والدي المتقاعد عن العمل العسكري من عشرة أعوام، وما ذنب أختي الطفلة ووالدتي، وما ذنب أهلي أن يقصفهم الطيران الأمريكي بهذه الوحشية وهم تحت سقف دارهم آمنين.. ماذا يريد منا العدوان؟ ولماذا بيت الجنيد؟ هل من قدم له الإحداثية طائفي عنصري تابع للاستخبارات الأمريكية والفكر الوهَّـابي الدخيل؟ لا نعرف على أي سبب تم استهداف منزلنا وقتل من فيه؟

ويحمل الجنيد الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولية التحقيق في هذه الجريمة وكل جرائم العدوان المرتكَبة بحق الشعب اليمني، مطالباً الوحدة الصاروخية وسلاح الجو المسيَّر للأخذ بالثأر وسرعة الاقتصاص لدماء أهله من قيادات دول العدوان وضرورة سحقها.

 

خوفٌ ورعب

وبهذه العبارة يعبر الطفل خالد منصر من أبناء الحي المجاور عن تضامنه مع أسرة آل الجنيد.

ويقول: كنا، أمس، خائفين قوي وراحمين لأسرة بيت الجنيد، وَإذَا ما يو قفوش العدوان على شعبنا اليمني محتمل نكون في قائمة المستهدفين، والعيب اليوم هو أن يقعد الرجال في بيوتهم، وما يتحَرّكوا صوب الجبهات، ورسالتي للعدو أن أبناء اليمن والأجيال الشابة التي تربت في ظل هذه المجازر والجرائم لن تتنازل عن حقها في القصاص وسوف نأخذ حقنا وحق شعبنا وبكل قطرة دم تسال مهما كلفنا ذلك.

ويتابع منصر كنت أعرف أن عيال الجنيد طيبين ما يغثوا أحد في الحي وكنا نعرف طلاباً مهذبين ليس لهم ذنب ليقصف العدوان الأمريكي منزلهم ويقتلهم تحت أنقاضه.

من جانبه، يقول عاقل الحي، الشيخ منيف سيلان، وهو يشارك فرق الإنقاذ وأجهزة الأمن مهامهم: عاش الحي ليلة مرعبة وكنا نقول إن بيوتنا دمّـرت نهائيًّا وإن الصواريخ استهدفت الجميع، فخرج الأهالي من بيوتهم متجهين نحو الحارات والأحياء المجاورة خَاصَّة بعد تتابع الغارات، وحجم الأضرار كبيرة، ووصلت إلى العديد من المنازل وتضرر منها المارُّون في الشوارع، واستشهد الكثير من المواطنين في بيوتهم، وهناك عشرات الجرحى والمصابين بين الأهالي غالبيتهم أطفال ونساء وكبار في السن.

ويواصل سيلان قائلاً: نقول للعدو الأمريكي الإماراتي السعوديّ: والله لن تثنونا عن رفد الجبهات وعن الاستمرار في الدفاع عن شعبنا ووطنا، داعياً أبناء الحي الليبي وكل أبناء الشعب إلى أخذ الدروس والعبر وسرعة التحَرّك.

ويضيف سيلان، الذي لم تحَرّكه مشاعره أمام هذه الجرائم والمجازر فماذا سيحركه هل ينتظر أن يقصف العدوان بيته ليتحَرّك وهو تحت الأنقاض؟ مشدّدًا على أهميّة التحَرّك ورفد الجبهات والصناعات الحربية.

أما أحمد الغباري، وهو أحد سكان الحي فيصف ما حدث: في الساعة التاسعة وعشرين دقيقة سمعنا الصاروخَ الأولَ وكان صوتُ الانفجار منخفضاً وعند الصاروخ الثاني شعرنا أن بيتنا هو المستهدف وارتفع الصراخ بين الأطفال والنساء وهرب منا من هرب نحو حوش البيت، وعندما سمعنا أنه بيت الجنيد وكان الطيران محلِّقاً نزلنا البدروم، وبعدها خرجت وما صدقت أنني حي من هول الانفجار، متجهاً صوب المكان ومن فظاعة الجريمة ووحشية المجزرة ما قدرت أنوم إلى الآن.

ويضيف أحمد الغباري: ليس أمامنا سوى التحَرّك إلى الجبهات والضرب المُستمرّ للإمارات ويجب أن ندخلها فاتحين، هذا ما يطيب أنفاسنا ويمكن له التخفيف من جراحنا، مُشيراً إلى أن تحالف العدوان الذي استهدف جيرانه يمكن يوم الغد أن يستهدف داره قائلاً: ما هو في جارك سيكون في دارك وأن المسؤولية جماعية ويجب على الشعب اليمني التوحد ولم الشمل للانتصار على العدوان.

 

طفولةٌ جريحة

وَخلال صعودنا على بقايا الأنقاض ونحن نتحسس أثر الجثث التي لا تزال فرق الإنقاذ تبحث عنها منذ الليلة الماضية إلى الآن، مساءَ أمس، فمشاعر الحزن والأسى تتملكنا، وملكة الرد والعنفوان والغيرة هي من تستشيط غضبنا لنرى في التحَرّك للجبهات أكبر فريضة عبادية في هذا الزمن يمكن للإنسان التقرب بها إلى الخالق المعبود.

شاهدنا بقايا آثار لعب الأطفال ودفاترهم المبعثرة والملطخة بالدم المسفوك تقرب لنا المشهد أكثر، وتضع في قرارات أنفسنا العديد من التساؤلات عن ماذا لو كان الذين تحت الأنقاض أطفالنا، وأُمهاتنا، وزوجاتنا، وماذا لو فارقنا الحياة دون أن يكون لنا موقف؟

تصفحنا بقايا دفتر ممزق، إثر غارات العدوان، مكتوب عليها بالخط الأحمر بوركتي وإلى الأمام.

وتقول الطفلة نادين الجنيد، التي التقيناها في الحي، وهي تكتم آلامها وحزنها على ما حَـلّ بأسرتها: إن هذا الجرم لا مثيل له، ثم تنظر إلى دفتر صديقتها فتبكي، وتقول: لا أصدق أنها رحلت عن الدنيا، ولا أصدق أنها خرجت من بين الأنقاض.

وتواصل في حديثها لصحيفة المسيرة بالقول: قتلتم طموح أطفالنا، تريدون منا أن نركع، لكنكم مخطئين، ولكل منا أطفال وبراعم نغضب لغضبهم، ونثور ضد من يحاول النيل منهم، فما بالكم بعدو يقتلهم ويحرق ويسحق ويدك منازلهم وكتبهم وأقلامهم وحقائبهم بما تحتويه من الأحلام والطموحات المستقبلية، فلن تقتلوا مستقبلنا.

الطفلة مارين ياسر بجاش ذات الثمانية أعوام، وهي بصحبة رفيقتها الأصغر منها من ذات الحي، قدمت لتشاهد الآثار، وتتفقد زميلتها دارين الجنيد، التي لا تزال تحت الأنقاض هي ووالدتها.

وَتقول مارين: كانت ليلة رعب وخوف وجيراننا خرجوا من منازلهم، لكن أحنا ما خرجنا ما كان والدي في البيت، وقلنا الله يلطف بنا واليوم جيت أتفقد صديقتي دارين عمر الجنيد التي كنت أعرفها من المدرسة لكن قالوا قد ماتت، فكانت دموعها تنزل وبدأت بالبكاء قائلة: ما ذنب دارين وأختها وأمها؟ لماذا يقتلنا الطيران ونحن أطفال؟ لماذا ما يتحَرّك العالم معنا؟

هذه التساؤلات لم أتخيل أن تنطق من فم طفلة في الثامنة من عمرها لكني انصدمت وقلت يجب علينا ذكرها لتصل إلى المبعوث الأممي، والأمين العام للأمم المتحدة وكل المنظمات الحقوقية والإنسانية لتجيب عليها؟

أما رفيقتها الأصغر منها سناً أشواق ياسر الحربي، فتقول وهي مرعوبة وباردة وعيناها مليئتان رعباً وخوفاً وهلعاً: أرجوك يا صحفي، امسح صورتي واسمي لا تنشر صورتي واسمي في صحيفة المسيرة؛ لأَنَّ بيتنا دور واحد أي طابق واحد وأخاف من طيران العدوان الأمريكي الإماراتي لا يعرفني ويقصفنا ونموت كلنا.

وتضيف: أمي من أمس تتصل بأُمِّ دارين وتلفونهم يرن لكنهم ما يجاوبوش على التلفون أشتي أتأكّـد أن عادهم بخيرين أَو ماتوا.

 

مهمة قاسية

ويقول محمد الكحلاني، وهو سائق البكلين المشارك في انتشال جثث أطفال ونساء بيت الجنيد من تحت الأنقاض، وهو مكلوم حزين: هذه من أصعب المهام التي أقوم بها، فليس من السهل على المرء سحق السقوف والجدران ونزعها؛ مِن أجلِ البحث عن جثث، مطمورة تحت الأنقاض.

يتوقف الكحلاني قليلًا ثم يصدر نهدة كادت أن تنزع صدره، ثم يقول: عروقنا تتجمد عندما مشاهدة أثر الدماء والأشلاء، ولا نكاد نقوم بعملنا من هول المشهد ووحشية الجريمة، أضف إلى ذلك أننا أمام عدو متوحش، فقد يسارع في قصفنا في أية لحظة، وهذا عمل دأب عليه خلال السنوات الماضية.

ويتابع الكحلاني: عندما استخرج أشلاء الأطفال والنساء لا أستطيع تمالك نفسي، وسرعان ما أبكي، وأعرف بأن القعود في البيوت أمام عدو لا يرحم ولا يخشى من العواقب جرم لا يساويه جرم وعيب لا يساويه عيب، واليوم هؤلاء هم آل بيت الجنيد من نرفعهم ونبحث عنهم تحت الأنقاض، وغداً سيكون الضحية أنا وأهلي، أَو أنت وأهلك، فالجميع مستهدَفون من عدو يسعى لإبادة شعبنا اليمني بمختلف مكوناته السياسية والمذهبية.

 

صحيفة المسيرة

 

قد يعجبك ايضا