“ما كنزي” في الإمارات: إصرار أمريكي على التصعيد ولا مكاسب في الأفق

محاولةٌ لدعم أبو ظبي "معنوياً" وتجاهُلٌ مُستمرٌّ لمخاوفها الاقتصادية والأمنية

|| صحافة ||

على وَقْــعِ الضرباتِ العسكريةِ اليمنيةِ المتتابعة، وصَلُ إلى الإماراتِ، مساء أمس الأول، قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكنزي لإجراء محادثات مع أبو ظبي “لتعزيز دفاعاتها”، وذلك في الوقت الذي تجري فيه محادثات مماثلة مع الكيان الصهيوني أَيْـضاً تحت العنوان نفسه، الأمر الذي يجدد التأكيدَ على أن واشنطن وتل أبيب تواصلان الدفعَ بالنظام الإماراتي نحوَ استمرار التورط في التصعيد ضد اليمن.

يأتي ذلك بعد أَيَّـام من إعلان الولايات المتحدة عن إرسالِ المدمّـرة “كول” ومقاتلات حربية إلى الإمارات؛ بهَدفِ التصدي للهجمات الصاروخية والجوية اليمنية.

الجنرالُ ماكنزي قال إن زيارته تأتي “لتأكيد التزام الولايات المتحدة بحماية حلفائها”، وهو ما يجعل التحَرّك الأمريكي أقربَ إلى “دعم معنوي” للإمارات، أما الدعم الفعلي فنتائجُه في هذه الحالة محدودةٌ للغاية؛ لأَنَّ الوضع الإماراتي أكثر تعقيداً وحساسية، فالمساندة الأمريكية لا تكفي لتجنيب الإمارات تداعيات التصعيد، وحتى على فرض أن القوات الأمريكية تستطيع التصدي للهجمات، فَـإنَّ مُجَـرّد تحول الأجواء الإماراتية إلى ساحة اشتباك مع الصواريخ البالستية والطائرات المسيَّرة اليمنية سيكلفُها الكثيرَ، فضلاً عن أن هذا الفرضَ ضعيفٌ جِـدًّا.

وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية فقد صرّح ماكنزي أنه “يتوقعُ المزيدَ من الهجمات على الإمارات”، وهو تأكيد أكثر وضوحاً على أن الولايات المتحدة لا تكترث لاستمرار تعرض الإمارات للهجمات، وأن تحَرّكاتِ “الحماية” هذه ليست سوى شكليات تشجيعية لإبقاء الإمارات في واجهة التصعيد الإجرامي ضد اليمن.

هذا أَيْـضاً ما تؤكّـده أبسط مقارنة بين الوضع الإماراتي الآن، ووضع السعوديّة خلال الأعوام السابقة، حَيثُ سبق للولايات المتحدة أن أعلنت -عدة مرات- عن إرسال قوات عسكرية ومعدات لحماية المنشآت السعوديّة، لكن ذلك لم يمنع الصواريخ والطائرات المسيَّرة اليمنية من الوُصُول إلى تلك المنشآت بدقةٍ عاليةٍ على مدى سنوات، وكانت نتائجُ “الحماية” بعيدةً كُـلَّ البُعدِ عن لهجة “الثقة” التي يتحدث بها الأمريكيون عن هذا الأمر، والتي يمكن اليوم ملاحظتها بسهولة في تصريحات ماكنزي.

وبالمقارنة مع الوضعِ السعوديّ أَيْـضاً، فَـإنَّ مستقبلَ الإمارات يبدو أشدَّ سواداً؛ لأَنَّ الموقفَ الأمريكي الحالي يقتضي أن تتعرضُ المنشآت الإماراتية إلى المزيد من الضربات التصاعدية، قبل أن تلجأ واشنطن إلى مراوغات “السلام” على أمل إيقافِ تلك الضربات، لكن الإمارات لا تستطيعُ الصمودَ لفترة طويلة قبل أن تدرك أن المساندةَ الأمريكيةَ لا تكفي لتجنُّبِ تداعيات الاشتباك على الاقتصاد والسياحة، وأن الطريقَ الوحيدَ أمامها هو الخروجُ من مستنقع اليمن بشكل نهائي.

ومع استمرار الضربات اليمنية، فمن المتوقع -وفقاً للاستراتيجية الأمريكية في إدارة العدوان وبالنظر إلى التجربة السعوديّة- أن تحاول الولايات المتحدة تعويضَ عجز إجراءاتها الحمائية، من خلال تكثيف استهداف المدنيين والبنى التحتية، ورفع وتيرة الحصار والجرائم مع زيادة مستوى التحشيد على الأرض، وهو ما يؤكّـده حديثُ ماكنزي عن نوعية المقاتلات والتجهيزات العسكرية المرسلة إلى الإمارات، حَيثُ زعم ماكنزي أن طائراتِ (إف 22) ستساعدُ في تتبُّعِ شحنات الأسلحة المهرَّبة إلى البلد، وهذه من المزاعم التي تستخدمها الولايات المتحدة كمبرِّرٍ للتصعيد.

يلاحَظُ أَيْـضاً أن إعلانَ البيت الأبيض عن تقديم دعم عسكري للإمارات قد مر بدون اعتراضات داخلية مثل تلك التي تواجهها صفقات السلاح المقدمة للسعوديّة، على الرغم من أن الإمارات لا تمتلك سجلًّا نظيفًا في حقوق الإنسان وبالذات عندما يتعلق الأمر باليمن، وبغضِّ النظر عن نوعية جهود العلاقات العامة التي تقف وراء ذلك، فَـإنَّ هذه المفارقة تكشف أن الولايات المتحدة ترى في الإمارات واجهة بديلة مناسبة للتصعيد ضد اليمن وفي نفس الوقت التهرب من الضغوط الحقوقية والتشريعية، وهو مخرَجٌ كانت إدارة بايدن تبحث عنه منذ أول أيامها من خلال رفع شعارات “وقف الحرب”، الأمر الذي يدعم حقيقة أن واشنطن لا تنوي إنهاء التصعيد قريبا.

ويمكن القول إن صنعاء قد قرأت كُـلّ هذا بوضوح من بداية التصعيد، فقد جاء استهداف قاعدة “الظفرة” العسكرية التي تتمركز فيها القوات الأمريكية في الإمارات ضمن عمليات “إعصار اليمن”، بمثابة رسالة مسبقة للأمريكيين بأن خيارَ التصعيد خلف الواجهة الإماراتية لن يؤديَ إلى نتائجَ مختلفة عن تلك التي حصدوها عندما كانت السعوديّة هي الأدَاة الرئيسية، بل إن تلك الرسالة قد ذهبت إلى أبعد من ذلك وجعلت القوات الأمريكية هدفاً مباشراً، ما يعني أن حساباتِ معادلة “التصعيد بالتصعيد” قد تتطور إلى حَــدِّ إلحاق خسائر بالقوات الأمريكية في الإمارات.

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاولُ الإبقاءَ على “رد الفعل” الحقوقي والتشريعي إزاءَ دعم التصعيد الإماراتي ضد اليمن هادئاً، من خلال تكريسِ الرواية القائلة بأن إيرانَ تقفُ وراء الهجمات على الإمارات؛ لإبقاء الشعب اليمني المتضرر من التصعيد بعيدًا عن الصورة، لكن هذه المحاولة قد استُخدمت من قبلُ ولم تنتهِ على الوجه الذي يأمله البيت الأبيض؛ لأَنَّ الجرائم كانت أكبر من أية محاولات للتضليل.

خلاصةُ القول: برغم “الهالة” الإعلامية المصنَّعة حول تحَرّكات “الحماية” الأمريكية، وبرغم اللهجة “الواثقة” في تصريحات المسؤولين الأمريكيين الذين يتحدثون عن “الدفاع عن الإمارات”، لا يوجد في الحقيقة أي أفق مضمون للتصعيد الذي تنوي الولايات المتحدة الدفع بالإمارات نحو الاستمرار فيه بقوة، وكل ما يمكن لواشنطن تحقيقه هو إطالة أمد العدوان لفترة معينة قبل الاصطدام بنفس الجدار الذي اصطدمت به سابقًا مع النظام السعوديّ، هذا إذَا لم تبعثر خيارات صنعاء هذه الحسابات قبل ذلك الوقت.

 

صحيفة المسيرة

 

قد يعجبك ايضا