الحصار الأمريكي السعوديّ يعمّقُ مأساة المواطنين
البحث عن البنزين والديزل.. مهمةُ اليمنيين الشاقّة
|| صحافة ||
يقفُ علي العميسي، مع سيارته، في طابور طويل عدةَ أَيَّـام لساعاتٍ طويلةٍ، أمامَ محطَّاتِ الوقودِ بالعاصمة صنعاء، أملاً في الحصول على بنزين، فهو يمتلكُ باص “وسط” ويعيلُ عن طريقه أُسرتَه الكبيرة، لكن الحصار الأمريكي السعوديّ الذي منع دخول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، حوّل حياتَه إلى معاناة كبيرة، حالُه كحال الكثيرين من أبناء هذا الشعب المكلوم.
ويقول العميسي في حديثه مع صحيفة “المسيرة” وَالأسى يملأ جوارحه: “منذ يومين وأنا هنا في هذا الطابور الذي تراه، والذي أصبح من المظاهرة العادية، جراء انعدام المشتقات النفطية، وهو ما يزيد من معاناتنا كمواطنين، ويظل شغلنا الشاغل”.
يمتلك العميسي أسرة مكونة من 3 أطفال أحدهم رضيع، ولديه هذا “الباص” الذي يعد مصدر دخله الوحيد، وكل همه هو كيفية الحصول على البنزين للاستمرار في العمل، وإعالة أسرته الكبيرة”.
ويضيفُ بعد أن يطلقَ تنهيدة: “لك أن تتخيل طفلاً رضيعاً واحتياجاته، وطفلين في المدرسة لهم متطلبات ومصروف مدرسة وغيرها من الاحتياجات الأُخرى للبيت والأكل والشرب، من يستطيع توفيرها غيري وغير هذا الباص الذي أشتغل عليه، وكل يوم بيومه، لكن مع توقفي عن الشغل لا أستطيع ذلك لا مصروف ولا مدرسة للأطفال لليوم الثاني على التوالي”.
وينهي العميسي حديثَه والحسرةُ والألم ترتسمُ على محيَّاه قائلاً: “لا حولَ ولا قوةَ إلَّا بالله هو المستعانُ ونعم الوكيل.. لقد كنت من قبل وطوال الأزمة أعبّي بترول من السوق السوداء، ولكن كُـلّ يوم كان السعر يرتفع أكثر حتى وصل سعر الدبة البترول عشرين لتراً في إلى 25 و28 ألف ريال، وطالت الأزمة ولم أعد أستطيع أشتري من السوق السوداء بهذا السعر، فرجعت الآن أقف في هذه الطابور مثلي مثل هذا العالم الذي أمامك، نظل يومين في الطابور وننتظر الدور في المحطة حتى يتم التموين”.
من جهته، يقول المواطن محمد علي إنه يعيش معاناةً من نوع آخر نتيجةَ ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية، وأسعار الأجرة جراء انعدام المشتقات النفطية من جهة، وشحة وسائل النقل العامة نفسها.
ويضيفُ لصحيفة “المسيرة” أن انعدام المشتقات النفطية واحتجاز السفن مشكلة كبيرة سببت لهم كمواطنين مشاكل متعددة ومعاناة فعلية تضاف إلى معاناتهم على مدى السبع السنوت الماضية وهم يقضون تحت وطأة العدوان الأمريكي السعوديّ، حَيثُ لجأ بعضُ أصحاب الباصات إلى رفع سعر الأُجرة بنسبة 100 %، والبعض الآخر 50 %.
ويشيرُ إلى أن هناك شُحَّةً في باصات “الأجرة”، بل هناك شُحٌّ كبير في الباصات، حَيثُ أغلبهم توقفوا عن العمل؛ بسَببِ عدم وجود بترول أصلاً.
ويضيف: “المواصلات وارتفاع أسعارها ليست المشكلة فقط، فهناك أَيْـضاً مشكلة الأسعار للمواد الطباعية والمواد الغذائية”، منوِّهًا إلى أنه دخل محل طباعة لطباعة بعض الأوراق، وتفاجأ أن صاحبَ المحل طلب 200 ريال سعر طباعة الورقة الواحدة فقط، وبعد أخذ ورد مع صاحب محل الطباعة وافق على 100 ريال سعر طباعة الورقة الواحدة، متحججاً بالارتفاع الكبير الذي حصل في سعر الكهرباء التجارية، والذي تجاوز سعر الكيلو إلى 500 و600 ريال بعد أن كان 255 ريالاً قبل أزمة انعدام المشتقات النفطية جراء منع دول العدوان دخول ووصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة.
معاناةٌ بعضُها فوق بعض
وَتتعدَّدُ معاناة المواطنين، حَيثُ تجد طوابيرَ طويلةً من المركبات بمختلف مسمياتها أمام محطات الوقود، وانتظار طويل لوصول قاطرات المشتقات النفطية في مشهد مأساوي، وبين ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية، وأجور المواصلات وشح وسائل النقل وغيرها من أشكال المعاناة التي يعيشها المواطن اليمني عُمُـومًا، ولم يكن محمد وعلي سوى عينة استعرضنا خلالها معاناة شعب بأكمله في ظل الوضع الناتج عن منع دخول المشتقات النفطية من قبل تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ، ما أثَّرَ على المعيشة اليومية للشعب اليمني، الذين لا يستطيعون توفيرَ احتياجات أسرهم أَو الإيفاء بالتزاماتهم تجاه الآخرين.
وكانت شركة النفط اليمنية بصنعاء قد كشفت في تقرير لها بتاريخ 21 يناير 2022 عن “استمرار قوى العدوان في احتجاز 7 سفن نفطية، منها سفينة تحمل مادة الغاز، و6 سفن نفطية بحمولة إجمالية تبلغ 164659 طناً من مادة البنزين والديزل والمازوت، وتجاوزت فترات الاحتجاز أكثر من “160” يوماً، رغم استكمال تلك السفن كافة إجراءات الفحص والتدقيق عبر آلية بعثة التحقّق والتفتيش في جيبوتي (UNVIM)، وحصولها على التصاريح الأممية التي تُؤكّـد مطابقة الحمولة للشروط المنصوص عليها في مفهوم عمليات آلية التحقّق والتفتيش، ورغم التزام الجهات المعنية بحكومة الإنقاذ بصنعاء بكافة التعاليم والإجراءات المفروضة”.
ولم تتحَرّك الأممُ المتحدة لجهة إنفاذِها تصاريحَها إلَّا لسفينة واحدة فقط ضمن بقية السفن المحتجزة رغم معرفتها أن سفينة واحدة لا تلبي حجم الاحتياج اليومي من جهة، ورغم اعترافها الصريح بتفاقم الوضع الإنساني في اليمن نتيجة النقص الحاد في إمدَادات الوقود من جهة ثانية.
وأطلقت القطاعاتُ الخدمية والحيوية الأشدُّ تضرراً عبر مؤتمر صحفي نظمته قبل أَيَّـام بصنعاء نداء استغاثة عاجل للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتدخل الفوري للإفراج عن سفن المشتقات النفطية، محذِّرةً من كارثة إنسانية تهدّد حياة اليمنيين؛ بسَببِ أعمال القرصنة البحرية واحتجاز سفن المشتقات النفطية من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ.
وأعلن ناطقُ وزارة الصحة أن استمرارَ احتجاز سفن المشتقات النفطية زاد من مضاعفة معاناة المرضى وزيادة نسبة الوفيات وتفشِّي الأمراض والأوبئة واضطرار معظم المستشفيات إلى تقليصِ ساعات العمل وتهديد 400 مشفى بالتوقف، مُشيراً خلال حضورَه المؤتمر إلى أن حياةَ نحو 1000 طفل في الحضانات معرضة للوفاة، وتوقف أجهزة الغسيل الكلوي لقرابة 5 آلاف مريض يحتاجون للغسيل مرتين أسبوعياً.
وفيما تتحدَّثُ بعضُ المصادر الإعلامية عن توقف أكثر من 50 % من القدرات التشغيلية للقطاعات الخدمية والصناعية والتجارية، و1200 منشأة مهدّدة ومتوقفة عن الإنتاج، فقد توقفت نصف عدد المصانع في اليمن عن العمل بواقع 350 مصنعاً، وارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي والنقل والتخزين والشحن والتأمين، وانخفاض إنتاج المنشآت الصناعية والخدمية، واتساع دائرة الفقر والبطالة، وفُقدان أكثر من 980 ألف عامل مصادر أرزاقهم، في وقتٍ وصلت فيه نسبة الفقر في اليمن إلى 75 %، بعد أن كانت قبل العدوان في حدود 47 %، وسط تحذيرات أممية من احتلال اليمن المرتبة الأولى للدول الأكثر فقراً في العالم مع استمرار العدوان والحصار في العام الجاري 2022.
أسبابٌ وتداعيات
وللعام السابع على التوالي تتعرَّضُ خلالها اليمنُ ومختلفُ القطاعات الخدمية لسلسلةٍ من الأزمات المتكرّرة بين فترة وأُخرى في انعدام المشتقات النفطية نتيجة منع سفن المشتقات النفطية من الدخول إلى ميناء الحديدة والتي أثّرت بشكل مباشر على أداء هذه القطاعات في صعوبة تقديم الخدمات الأَسَاسية مثل الصحة والكهرباء والمياه وغيرها.
وعلى الرغم من كُـلّ المناشدات والبيانات التي تم إطلاقها، لكن بدون فائدة، وهو ما انعكس صدماتٍ قويةً أثّرت بشدة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأوضاع الأمن الغذائي والمعيشي للشعب اليمني وزيادة الأعباء على المواطنين والشرائح الأقل دخلاً والأكثر فقراً.
ويحذِّرُ خبراءُ اقتصاديون من الحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي على اليمن في حجز سفن الوقود ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة، وهو ما يسبِّبُ أزمةً خانقةً في الوقود، ستجعلُ لها آثاراً سلبيةً على حياة المواطنين، وَستزيدُ من معاناة الشعب اليمني، إضافة إلى الأضرار النفسية التي يتعرض لها وكذلك تلحق بالقطاع الاقتصادي أضراراً جسيمة على المدى القريب والبعيد.
ويقول وكيل قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتنمية، الدكتور عادل الحوشبي: إنَّ مِن المسلَّم به وكقاعدةٍ اقتصاديةٍ، بارتفاعِ وسائل الطاقة سيكون له تأثيراً ملموساً على مختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدمية وسوف يقابله ارتفاعات شاملة في أسعار السلع والخدمات، أي أنه يوجد تناسب طردي بين أسعار وسائل الطاقة وأسعار السلع والخدمات في أي بلد يعتمد على اقتصاد السوق كنموذج اقتصادي له.
ويؤكّـدُ الدكتور الحوشبي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن التداعياتِ الناجمةَ عن احتجاز وقرصنة سفن المشتقات النفطية تعتبر من قبل تحالف العدوان من أهم الأسباب التي ستؤدي إلى ارتفاع السلع والخدمات وتدهور الأوضاع المعيشية في اليمن؛ كون الغرامات المالية الكبيرة التي تفرض جراء احتجاز السفن وعدم تفريغها في الوقت المحدّد لها، تضاف إلى التكاليف، وهذا يتحمل عِبْئَها في النهاية المواطن.
ويشير إلى أنه وَخلال الفترة 2019-يوليو2020م بلغت الغرامات الناجمة عن احتجاز سفن المشتقات النفطية في موانئ البحر الأحمر حوالي 101 مليون دولار، أي ما يعادل 61 مليار ريال، زيادة على ذلك حدوث ارتفاع كبير في رسوم التأمين البحري؛ بسَببِ المخاطر المحتملة والعمليات العسكرية على طول الشواطئ اليمنية، مما يعني حدوث ارتفاع كبير في تكلفة الشحن يلقي بظلاله على الأسواق المحلية لتضيفَ أزمةً فوق الأزمات المتراكمة التي من أهمها تدهور القيمة الشرائية للعُملة المحلية بنسبة تقدر بنحو 64 ٪ في المناطق الحرة وإلى أكثر من 80 ٪ في مناطق سيطرة تحالف العدوان وأدواته، مما يزيد من تفاقم الوضع والاقتصادي وَالاجتماعي والإنساني.
ويزيد الحوشبي بالقول: إن احتجازَ سفن المشتقات النفطية وتقييدَ حركة التبادل التجاري وعدمَ سلاسة الاستيراد والتصدير والإجراءات الأُحادية غير القانونية خارج نطاق قواعد التجارة والملاحة الدولية وعسكرة خطوط الملاحة الدولية والحصار العسكري وأعمال البلطجة مقابل الموانئ والشواطئ اليمنية قد رفع من كلفة التأمين والشحن البحري للسفن المحملة بالسلع والمواد والمشتقات النفطية المتجهة لليمن، وخَاصَّة لمناطق حكومة الإنقاذ الوطني.
ويبيّن أن تكاليفَ الشحن إلى اليمن من جنوب شرق آسيا للحاوية 40 قدماً قد ارتفعت من 3200 دولار إلى حوالي 5400 دولار خلال الفترة 2018-2020، بزيادة قدرها 70 ٪، مقارنة بحوالي 1800 دولار للشحن إلى ميناء صلالة بسلطنة عمان، منوِّهًا إلى أن الزياداتِ الكبيرة في تكلفة الشحن ستتم إضافتُها إلى الأسعار الاستهلاكية والتي يتحملها المواطن. مُشيراً إلى أنه كلما طالت الفترة الإضافية لاحتجاز السفن كلما زادت الغرامات المفروضة، وبالتالي ارتفاعات في الأسعار النهائية، وعملية الاحتجاز مدفوعة الثمن تنتزعُ من قوت الشعب اليمني.
ويوضح الحوشبي أن من أهمِّ التداعيات الاقتصادية لاحتجاز سفن المشقات النفطية هو الإخلال بجداول التوريد، مما يؤدِّي إلى توقُّف أَو تعثُّرِ المؤسّسات والمصانع الإنتاجية وعرقلة عمل بعض القطاعات الهامة مثل القطاع الزراعي والسمكي والصناعات الاستخراجية والقطاعات الخدمية، وبالتالي التأثيرُ سلبياً على الناتجِ المحلي الإجمالي وعملية النمو الاقتصادي، بالإضافةِ إلى عدمِ توفُّـــرِ أَو تأخُّرِ وصول المشتقات النفطية سيؤدي إلى ازدهار السوق السوداء وارتفاع وتضاعف في أسعارها ينعكس ذلك على ارتفاع في تكاليف الإنتاج وبالتالي ارتفاع في أسعار السلع والخدمات.
ويتابع حديثَه أن انعدامَ المشتقات النفطية جراء احتجازها، وارتفاع الأسعار للسلع والخدمات سيؤدّي إلى انخفاض مستوى الاستهلاك للفرد وارتفاع معدل التضخم وتدهور مستويات المعيشة المنخفضة أصلاً. وارتفاع معدلات البطالة والفقر من النتائج والتداعيات الحتمية لارتفاع الأسعار جراء انعدام المشتقات النفطية؛ بسَببِ احتجاز السفن، أَو غيره من الأسباب إلى جانب حدوث انخفاض في جودة المنتجات والخدمات المقدمة للمواطن.
ويكمِلُ متحدثاً أنَّ فترات الاحتجاز الطويلة لسفن المشتقات النفطية تؤدي إلى خساراتٍ كبيرةً وضياع للفرص والمواسم في القطاعات الهامة مثل القطاع الزراعي والسمكي، وكذلك تهديد حياة الآلاف من المرضى في المستشفيات وخَاصَّة مرضى الفشل الكلوي جراء انعدام المحروقات اللازمة لتشغيل الأجهزة والمعدات.
وينهي كلامَه بالتأكيد أن احتجاز سفن المشتقات النفطية وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين دفع القطاع التجاري إلى مراجعة سياساته التجارية وعملية الاستيراد والاستغناء عن استيراد العديد من السلع وبعض المواد الأَسَاسية والأولية اللازمة لعملية الإنتاج وغيرها.
صحيفة المسيرة