تفعيلُ الرقابة على الأسواق واستراتيجيةُ ضبط الأسعار.. ضرورةٌ لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ومواجهة الحرب الاقتصادية على اليمن
|| صحافة ||
بالإشارة إلى هذا الموضوع نجدُ أن له أهميَّةً كبيرةً، وخَاصَّةً في ظل العدوان والحصار والحرب الاقتصادية التي تُشن على بلادنا منذ سبع سنوات والقرصنة على سفن المشتقات النفطية وما لها من انعكاسات اقتصادية واجتماعية على المجتمع.
وبالرغم من استقرار سعر الصرف للريال اليمني أمام العملات الأجنبية وجهود اللجنة الاقتصادية العليا مع الأجهزة الحكومية ذات الاختصاص لكننا نلاحظ زحفاً يسير ببطء شديد نحو الارتفاع في أسعار السلع والخدمات، سواءٌ أكانت منتجاتٍ وسلعاً خارجية أَو محلية أَسَاسية أَو كمالية، وبالطبع ما نخشاه في حال استمرار هذه الظاهرة التي ستؤدي بالنهاية إلى حدوث تضخم في الأسعار قد يصل إلى جزء كبير مما هو حاصلٌ في المناطق المحتلّة والذي يوجَّبُ علينا التدخُّلُ لوقف واستشراء هذا المرض في مراحلِه الأولى وتقرير العلاج المناسب له.
وقد يقولُ قائلٌ: إن ذلك بسَببِ العدوان والحصار والحرب الاقتصادية وإن القطاع الحكومي والاقتصادي المختص يقوم بدوره.. ونرد عليه بأن هذه حقيقة لا نختلف عليها ونشكر كُـلّ الجهود التي تُبذل وتُعتبر انتصاراً كبيراً بحد ذاتها، مقارنة بالفشل الاقتصادي والفوضى الحاصلة في المناطق المحتلّة ولكن يُطرح سؤال: هل يكفي كُـلّ ما نقوم به لوقف الزحف الحاصل والغلاء المستشري في سعر السلع والخدمات أم يجب علينا اتِّخاذ المزيد من الجهود واستخدام كُـلّ الطاقات والوسائل والإمْكَانيات المتاحة لدينا لمعالجة هذه الظاهرة الخبيثة التي يهدف من وجودها تحالف العدوان لتحقيق مكاسب فشل في تحقيقها في بقية الجوانب الأُخرى؟!
وكما حقّقنا نجاحاً في استقرار سعر الصرف والحفاظ على العُملة الوطنية من الانهيار سوف ننجح بإذن الله في وجود حَـلٍّ لتوقف ظاهرة زحف الغلاء وحدوث تضخم في سعر السلع والخدمات وفي نفس السياق فَـإنَّ البناء مع الدفاع يجب أن يكونا متلازمين ويكمل بعضها البعض؛ تنفيذاً لما جاء في مشروع الشهيد الصمّاد “يدٌ تحمي ويدٌ تبني” لتحقيق النصر القريب بإذن الله تعالى.
والخللُ الموجودُ حَـاليًّا الذي يتمثل في الزيادة النسبية في الأسعار قد يعود إلى عدم اتِّخاذ بعض الإجراءات في تفعيل الرقابة على الأسواق وفي عدم وجود استراتيجية وطنية حديثة ومتطورة لضبط أسعار السلع والخدمات وعدم توصيف الوضع الراهن ورصد الحلول والمعالجات وتنفيذها على الواقع، وتأتي الأهميّة لهذا الموضوع الذي يعتبر الهَمَّ الكبيرَ الذي يعاني منه الشعب اليمني الصامد والثابت في وجه العدوان والحصار والحرب الاقتصادية، هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى قد لا يحتاج هذا الموضوع إلى جهودٍ كبيرة أَو مستحيلة ولكن يحتاجُ إلى تفكيرٍ عميقٍ في كيفية إعادة ترتيب الإجراءات الرقابية على الأسواق والمنتجات وضبط الأسعار وفق استراتيجية جديدة ووفق ما هو متاحٌ وما يناسب وضع الشعب اليمني والظروف الاستثنائية الموجودة.
ومما لا شك فيه فَـإنَّ استقرارَ سعر السلع والخدمات في الأسواق وعدم وجود تضخم يُعتبر ضرورةً ملحة تأتي بالتوازي مع استقرار سعر صرف العُملة الوطنية وعدم وجود أي اختلال في التوازن بينهما لتحقيق عملية تأمين الحاجات الأَسَاسية والضرورية لحياة المواطن اليمني وعدم جعلها عُرضةً للتلاعب من قبل دول تحالف العدوان وإفشال مخطّطاتهم التآمرية التي تسعى إلى حدوثِ انهيار كبير للاقتصاد الوطني وعُملته المحلية، ويأتي ثبات واستقرار القيمة النقدية للسلع والخدمات في تماسك الجبهة الداخلية التي تعتبر عاملاً أَسَاسياً ومهماً في نجاح وانتصار الجبهة العسكرية والأمنية وتحقيق النصر القريب بإذن الله تعالى، ولذلك يجب في هذه المرحلة بذلُ المزيد من الجهود وتكاتف جميع الجهات المختصة في الحكومة والعمل بروح الفريق الواحد؛ لما من شأنه تفعيل الدور الرقابي على الأسواق وضبط الأسعار والسلع وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ومن الملاحظ عدم وجود آلية محدّدة لدى التجار والمستوردين والمنتجين تُلزِمُهم بالعملِ بها وتتيحُ للأجهزة الحكومية المختصة تنفيذَها دون الإضرار بمصلحة المواطن ومصلحة التجار كحَدٍّ سواء ويضمن التنظيمَ التجاري في كُـلّ مراحله ويؤسس لعملية الاستثمار المستقبلي لليمن ويعمل على تلاشي العملِ العشوائي والمزاجية في التحكم بارتفاع الأسعار وما وصلنا إليه من التدهور الكبير في أسعار السلع والخدمات كان نتيجة لغياب أية حلول ومعالجات من قبل الحكومات السابقة وكذلك نتيجة لوجود تراكمات في القوانين والتشريعات التي تحد من الدور التداخلي لوزارة الصناعة والأجهزة المختصة وعدم وجود هيكل تنظيمي مناسب يعمل على تنظيم وتنفيذ إجراءات فعالة لنجاح الدور الرقابي والحد من التلاعب في الأسعار.
ومما لا يدع مجالاً للشك فَـإنَّ العدوان والحصار والحرب الاقتصادية كان لها دور كبير في ارتفاع الأسعار وفي وجود فوضى عارمة في الأسواق تُضاف إلى ما كان موجود سابقًا وعدم وجود استقرار اقتصادي، حَيثُ شهدت الأسواق تقلبات في الأسعار بين صعود وهبوط تحت تأثير تغيرات سعر الصرف بشكل أَسَاسي والقرصنة على المشتقات النفطية وأسباب اقتصادية أُخرى، ومع ذلك لا يجب الاستسلام للمخطّطات التآمرية لدول تحالف العدوان التي تهدف إلى انهيار الاقتصاد الوطني، وكان من الضروري التحَرّك إلى بناء اقتصاد قوي ولا يستقيم ذلك إلا من خلال أهداف وبرامج وسياسات ومعالجات ضرورية وإصلاحات في المنظومة الاقتصادية والتجارية والصناعية وتطوير وتحسين الأداء في العمل لأجهزة ومؤسّسات الدولة.
وبحسب الأدبيات الاقتصادية فَـإنَّ القانون السائد في الأسواق من بداية الحركة التجارية هو قانون العرض والطلب ولذلك فَـإنَّ عمل وزارة الصناعة والتجارة لا يجب أن يكون فرديا وتحميلها المسئولية وإنما يلزم المشاركة مع جميع الأجهزة المختصة وإنشاء جهاز متخصص لهذه العملية وأن لا تتركز اختصاصاته على الأسعار فقط ولكن من أولوياته العديد من المهام كالرقابة الغذائية وحركة انسياب السلع بالأسواق وتوفيرها وضبط الأسعار من خلال وجود التنوع في مصادر السلع وتوافرها بأنواع وأصناف مختلفة، حَيثُ يعتبر أمراً إيجابياً لتنوع الشرائح الاجتماعية واختلاف ميولها الاستهلاكية، وهذا دليل وجود تنافسية جيدة في الأسواق؛ ولذلك يجب مساعدة القطاع الصناعي لزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني من خلال إعداد الخطط والسياسات الصناعية والتطبيق الأمثل لبروتوكولات واتّفاقيات قواعد المنشأ في إطار اتّفاقيات التجارة الحرة مع الدول وإيجاد برامج دعم وطنية ودولية لزيادة تنافسية القطاع الصناعي الوطني وتنمية وتطوير القطاعات الصناعية وإيجاد شراكة حقيقية وفعالة ما بين القطاعَين العام والخاص.
وهناك عوامل كثيرة تتحكم في حركة الأسعار في السوق المحلي وليس سعر صرف العُملة الأجنبية وحده على سبيل المثال الدورة الاستيرادية والمخزون وحركة السلعة ودوران رأس المال وفترة الشحن، فالسلع التي تُستهلك سريعاً هي السلعُ الأكثرُ استجابةً لتراجع الدولار وهي السلع الاستهلاكية إنما السلع ذات الحركة البطيئة فلا تستجيب بسرعة وبحسب المؤشرات الاقتصادية فَـإنَّ أكثر من 90 % من السلع التي يتم استهلاكها في اليمن مستوردة من الخارج وتعد هي أَيْـضاً نفس نسبة المكوّنات المستوردة في مدخلات الصناعة، وبالتالي فسعر العُملة والأسعار العالمية لها أثر واضح على أسعار السلع للمستهلكين، ومع الثبات النسبي للدخول وانخفاض القوة الشرائية للأسواق لا تستجيب السلع للتراجع بسرعة وطبقاً للتقارير والدراسات المختلفة فَـإنَّ نسبةَ انخفاض حجم الطلب قليلة بالرغم من زيادة واضحة في السلع المعمرة والهندسية.
وفي هذا الإطار لدينا رؤيةٌ واستراتيجيةٌ وطنية في تفعيل الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار والتي تتلخص في المساهمة الفاعلة في تنظيم حلقات السوق نتيجة إغراق الأسواق من الدول الخارجية وفي مقدمتها دول الاحتلال بالمنتجات المغشوشة والمهربة التي تضر بمصلحة المستهلك والتي تتمثل في مكافحة هذه الظاهرة واتِّخاذ التدابير الوقائية الفعالة اللازمة لإجهاض أية محاولة لإغراق الأسواق بالمنتجات الخارجية والتي لا تخضع لقوانين السلطة اليمنية، وفي هذا السياق يجب أن تتوافرَ المهامُّ والاختصاصاتُ لضبط الأسعار وتتمثل في أن تقوم دائرة حماية المستهلك بالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص بالرقابة والتفتيش لمنع الغش والتدليس التجاري وبالتحقيق والبحث والتحليل والتحقّق من سلامة السلع وأمان استخدامها وإخضاعها للفحص المخبري والبحث عن التجاوزات التجارية بالقرصنة والتزوير والاهتمام بمبدأ مطابقة السلع المتواجدة والواردة إلى الأسواق للمواصفات اليمنية والتعليمات الفنية الإلزامية ذات العلاقة والتحليل للنتائج ورفع التوصيات للجهات ذات العلاقة لاتِّخاذ التدابير اللازمة.
واقتراح إنشاء جهاز رقابي متخصص تشرف عليه وزارة الصناعة ويجب على الوزارة رفد هذا الجهاز بعناصرَ جديدة من المهندسين والمختصين وتأهيلهم وتدريبهم من خلال إخضاعهم لدورات متخصصة في هذا المجال ويعمل هذا الجهاز على تطوير برامجَ ومواد لتوعية المستهلك والرد على الشكاوَى الفردية ومراقبة الأسواق من خلال توافر المواد والسلع بالجودة والسعر المناسبين، إضافة إلى متابعة العمل بالدوريات النوعية المتخصصة على جميع المواد لمنع الاتجار بها في السوق السوداء وحل النزاعات بين المستهلكين والتجار ومكافحة الغش التجاري والمعروف بالمخالفة للمواصفات والشروط المعتمدة من الجهة المختصة أَو التي تعلن عنها ويروج لها لما يخالف حقيقتها، من حَيثُ النوع أَو الجودة أَو المصدر أَو خلاف ذلك.
ويعمل أَيْـضاً على تنظيم ومراقبة الأسواق واتِّخاذ التدابير اللازمة لحماية المستهلك من خلال القيام بجولات رقابية على الأسواق والمنشآت التجارية والمحلات والمستودعات للتحقيق من سلامة المعروض من المواد التموينية والسلع الاستهلاكية الأُخرى، من حَيثُ جودتها وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي وضبط المخالفات وفقاً لقانون حماية المستهلك ولتجفيف منابع الغش من خلال اتِّخاذ إجراءات لتطوير العمل الرقابي وتشكيل دوريات متخصصة للرقابة على العملية الإنتاجية في المعامل والورش، وخَاصَّة غير النظامية وضبط المواد المخالفة للمواصفات والمنتهية الصلاحية والمواد المجهولة المصدر في السوق.
وكذلك القيام بزيارات دورية مفاجئة للمنشآت التجارية والمستوردين ومحلات العرض وسحب عينات من المواد والسلع لإخضاعها للفحص للتأكّـد من مدى مطابقتها للمواصفات القياسية المعتمدة واللوائح الفنية والتفتيش على السلع في الأسواق والتحقّق من الالتزام بأحكام التشريعات التي تهدف إلى حماية المستهلك منها تطبيق بطاقة البيان للسلع التي لا تحمل بطاقة بيانها باللغة العربية والمتابعة المُستمرّة واقتراح التوصيات بشأن التغيرات اللازمة في قوانين حماية المستهلك بما يضمن توفير مستوى مناسب من الحماية للمستهلك وفقاً للشروط المحلية والدولية.
وفي هذا السياق، يجب التركيز بشكل خاص على القضايا الخَاصَّة بحماية المستهلك وإعداد ورشات العمل واللقاءات والمحاضرات والنشرات التثقيفية لذلك لنشر الوعي الاستهلاكي بمساندة أجهزت الإعلام المختلفة وتلقي الشكاوَى من مختلف أنواع المستهلكين والتحقّق منها ومتابعتها وإيجاد الحلول المناسبة لها وإعداد التقارير الدورية والشهرية والسنوية بهذا الخصوص والمشاركة في إعداد دراسات الوضع التمويني والتعاون مع جميع المؤسّسات ذات العلاقة لضمان تطبيق قوانين حماية المستهلك ومتابعة الالتزام بوضع بطاقة الأسعار على السلع المعروضة بالمحلات التجارية واستكمال إجراءات التحقيق والمصادرة والحجز وإحالة المخالفين بعد استكمال الإجراءات اللازمة والمعاينة المتعلقة بالموازين ومحطات الوقود.
آلياتُ ضبط الأسواق
وفيما يتعلَّقُ بآليات ضبط الأسواق فَـإنَّها تتمثل في ضمان الوفرة بالسلع كَمًّا ونوعًا وسعرًا ومستوى الجودة وكذلك إتاحة المنافذ جغرافياً في كافة أنحاء البلاد وتعميق الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي والخدمي لخفض آثار العُملة على الأسعار، حَيثُ إن عبءَ ضبط الأسعار بشكل كبير يقع على القطاع الخارجي الذي يمثل نحو 80 % من الناتج المحلي فهو قادر على إحداث التوازن المطلوب بالأسعار في حين يقتصر دور الحكومة على الدور الرقابي من خلال هيئاتها المتخصصة لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك ومكافحة الإغراق ووضع المواصفات والرقابة عليها سواء للسلع المحلية من خلال الرقابة الصناعية أَو المستوردة من خلال الرقابة على الصادرات والواردات.
وهناك عواملُ أُخرى لارتفاع الأسعار محلياً ومنها مثلاً نفاد الكميات والسلع التي كانت لدينا سابقًا والتي كانت تباع بالسعر القديم وعند شرائها مجدّدًا تكون بالسعر الجديد المرتفع فَـإنَّ البيع للمستهلك بالطبع سيكون بسعر مرتفع وهناك حقيقة ربما تكون غائبة عند البعض هي أن التجار لا تحب ارتفاع الأسعار؛ بسَببِ رغبتهم بالكسب؛ لأَنَّ ارتفاع الأسعار تحجم من الإقبال على شرائها، كما أن ضعف عملية تنمية أسواق التجارة الداخلية على مدى السنوات الماضية أَدَّى إلى سهولة الإضرار بالمنافسة وخلق كيانات عشوائية في الأسواق إلى جانب زيادة حجم التجارة العشوائية والاقتصاد السري، وكلها عوامل تتحكم في الارتفاعات غير المبرّرة للسلع.
مقترحاتٌ للمعالجة
وتتمثل أبرزُ مقترحات المعالجة لظاهرة ارتفاع الأسعار في وضعِ آلية للتنسيق المُستمرّ بين وزارة الصناعة ووزارة الزراعة تقوم على التخطيط المسبق فيما يخُصُّ مساحة الأراضي الزراعية المزروعة وكميات إنتاج بعض السلع الزراعية الأَسَاسية وبناء قاعدة بيانات خَاصَّة بالسلع المستوردة إلى السوق المحلية لإتاحة إمْكَانية التحقيق من مصداقية البيانات المقدمة من التجار المستوردين وبناء مرصد لرصد تطورات أسعار السلع الأَسَاسية المستوردة في الأسواق العالمية لتحديد أسواق الاستيراد المناسبة، من حَيثُ التكلفة والنوع يمكن من خلاله الاشتراك مع الوكالات العالمية المخصصة لرصد الأسعار.
وكذلك اعتمادُ آلية فعالة لمنع الاحتكار والمواصفات وأسعار السلع المستوردة التي تباع في السوق المحلية بما يضمَنُ انسيابَ السلع في السوق المحلية والتزام بائعي الجملة والتجزئة بأسعار البيع التي تجددها وزارة الصناعة والتجارة، وهذا يتطلب زيادةَ عدد مراقبي السلع التموينية في العاصمة والمحافظات وتدريبهم بصورة احترافية لتفعيل دورهم الرقابي، مع التأكيد على اختيار الكوادر المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وقيام المؤسّسات التجارية التابعة للدولة بالدخول كمنافِسٍ قوي في السوق، من خلال تخزين السلع الأَسَاسية بشكل مدروس بما يمكّنها من كسب الاحتكار وتحقيق الاستقرار في الأسعار؛ لما فيه مصلحة المزارع والمنتج والمستهلك في وقت واحد وإعادة تفعيل دور المؤسّسة الاقتصادية لتتمكّن من استيراد السلع الأَسَاسية عند الضرورة، بما يسمح لها بإعادة التوازن في السوق وهذا يتطلب بذلَ جهود استثنائية وابتكار آلية عمل والتنسيق مع أكثر من وزارة بما فيها وزارة الصناعة ووزارة الزراعة ووزارة المالية.
وكذلك تتضمن آلياتُ ضبط السوق قيامَ لجان متخصصة من الجهات المعنية بإجراء دراسات مهمة حول تكاليف إنتاج السلع الأَسَاسية، بما فيها القمح، ووضعها في نماذجَ يمكنُ الرجوعُ إليها وتعديلها عند الضرورة والعمل على تعديل وتطوير آليات وقوانين عمل الجمارك والتخليص الجمركي والاستفادة في تجارب الدول الأُخرى في هذا المجال بشكل يعزر البعد الاحترافي والشفافية والنزاهة لمنظومة عمل الجمارك، وبما يتوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة وتعاون الجهات المعينة مع الجهاز المركزي للإحصاء حول إمْكَانية إجراء مسح لدخل ونفقات الأسرة وفق المتاح في المناطق الآمنة للوقوف على تغييرات عادات الاستهلاك عند الأُسرة اليمنية خلال فترة العدوان والحصار ومتوسط استهلاك الفرد من السلع الأَسَاسية.
استراتيجياتُ ضبط الأسعار
وبالحديث في هذا الشأن فَـإنَّ استراتيجيةَ ضبط الأسعار في الأسواق تتمثل في العمل بشتى السُّبُل الممكنة لتشجيع أكبر عدد من التجار لاستيراد السلعة الواحدة؛ لأَنَّ ذلك من شأنه الحد من إمْكَانية احتكارها في السوق والتعاون بين الجهات المعنية لوضعِ ضوابط لعمليات تصدير السلع، بحيث تعطي الأولوية لتلبية حاجة السوق منها والاكتفاء بتصدير الفائض فقط والقيام بالإجراءات المناسبة الرادعة لمكافحة التهريب بالاتّجاهَين إلى داخل وخارج الوطن ومراجعة الآلية المعتمدة لجمع أسعار السلع من الأسواق في العاصمة والمحافظات وطريقة حساب المتوسط على مستوى البلد لتعكسَ الواقعَ الفعلي للأسعار الرائجة في السوق، وذلك من خلال وضع إليه لجمع الأسعار المحلية بصورةٍ تغطّي من خلالها مختلفَ مناطق المحافظة وتباين عدد السكان في كُـلّ محافظة واختلاف نوعية السلعة الواحدة المعروضة في الأسواق.
وأيضاً العملُ على بناء نظام معلومات للإنذار المبكر عن تغيرات أسعار السلع الأَسَاسية وترتبط به الأقسام المختصة في وزارة الصناعة ومكاتب المحافظات، بحيث تتم إدخَال البيانات الخَاصَّة بالأسعار الأَسَاسية بصورة مباشرة وإجراء العمليات الحسابية اللازمة وتزويد متخذي القرار في الجهات المعنية فورًا بالتطورات المُستمرّة في أسعار السلع الأَسَاسية بما يتيح اتِّخاذ الإجراءات اللازمة لضبط الأسعار في الوقت المناسب والعمل على وضع آلية لتنظيم وتسهيل نقل البضائع والسلع بين المحافظات بحيث يتم تجاوز أعباء النقل.
ومما لا شك فيه فَـإنَّ المواكبةَ للتقدم التكنولوجي بما يساهمُ بتطوير المنتجات الوطنية والعمل على تقليل استيراد السلع من الخارج وتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة؛ بهَدفِ تشجيعِ المستثمرين على إقامة المصانع بالقدر التي تمكّنها في منافسة المنتجات الأُخرى بتقديم منتجات وطنية ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي وإقامة المنتديات والمؤتمرات لدعم المنتجات المحلية وبحث التحديات التي تواجه أصحاب الشركات والمصانع والترويج لمنتجاتهم داخل السوق المحلي وتحفيز رجال الأعمال اليمنيين والأجانب لضَمِّ استثماراتهم في مجال الصناعات الصغيرة الواعد في تنويع الاستثمارات الوطنية ويعود إيجابيًّا على الاقتصاد الوطني وبذل الجهود الحثيثة من خلال التعاون بين المؤسّسات الحكومية وشبه الحكومية من جه والمصانع والشركات من جهة أُخرى؛ مِن أجلِ تحسين جودة المنتجات وتشجيع الدارسات في المجال الصناعي وجعل المنتج المحلي الأفضل في الأسواق.
وفي النهاية، يوجدُ الكثيرُ من الآليات والإجراءات لضبطِ الأسعار والتي تحتاج في مجملها إلى آلية تنفيذية عاجلة لتطبيقها على أرض الواقع وتحتاج صلاحية واسعة من القيادة الثورية والسياسية وتحتاج لعامل السرعة والدقة والكفاءة، وفي هذا الإطار يجبُ أن يتمثلَ اتّجاه وزارة الصناعة نحو زيادة مساهمة القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي وتدعيم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال زيادة الحوافز والإعفاءات وكفاءة استخدام الموارد ودعم العمليات الصناعية صديقة البيئة ودعم البحث العلمي وزيادة الابتكار ومن تلك الحوافز تخصيصُ أراضٍ صناعية للقطاعات الصناعية المختلفة وتقديم الاستشارات اللازمة وتسهيل الإجراءات الخَاصَّة بتأسيس المشاريع الصناعية وتحديث المواقع الإلكترونية الخَاصَّة بها ويعتبر فرصةً مهمةً لكل من القطاع الخاص والحكومي لتبادل الأفكار حول تنمية المنتجات المحلية وتطويرها وتعزيز تنافسيتها والإسهام بشكل فاعل في زيادة مساهمتها في تنمية الاقتصاد الوطني بصفة عامة وفي المناقصات الحكومية بصفة خَاصَّة.
صحيفة المسيرة: د. يحيى علي السقاف